المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
المسرح بين الأدب والفن
هل المسرح أدب أم فن؟
هذا السؤال لم يكن مطروحا من قبل ، أي قبل أن تظهر المدارس التجريبية الحديثة في المسرح والتي انتهت إلى تدمير النص المسرحي . كنا نطالع مئات النصوص المسرحية العالمية والعربية المؤلفة منذ أن نشأ المسرح وحتى الآن على أنها أدب مسرحي ، وهكذا اطلعنا على ما كتبه اليونان والرومان والأوربيون وفي الأمريكيتين والأفارقة والآسيويون والعرب. وكنا نضع في اعتبارنا حين القراءة أمرين:
- ثقافة النص المسرحي: وتحملها إلينا المادة اللغوية بما فيها من حوار ووصف ( توجيه مسرحي)، كأننا أمام رواية يطغى فيها الحوار . وكان رواد المسرح العربي الأوائل يسمونه أيضا “رواية” تعرض مشخصة على ” المرسح”.
- ثقافة العرض المسرحي : ويحملها إلينا ما يلي:
- التخيل أثناء القراءة . بمعنى أننا نتخيل خشبة المسرح وحركة الشخصيات عليه ولباسهم وإلقاءهم وأداءهم والمكان المسرحي بما فيه ديكور وأثاث.
- العرض المسرحي نفسه عندما تشخص هذه المسرحية. وتشترك في تكوين هذه المادة الثقافية لدينا عناصر ومفردات عديدة هي مكونات العرض المسرحي ، والنص الملفوظ هو واحدة منها.
هذا يؤكد أن المسرح هو أدب وفن معا إلى أن ظهرت تلك الاتجاهات التي تزعمها المخرج والسينوغراف وحصرت المسرح في خانة الفن والمشهد البصري فحسب معلنة موت النص المسرحي. لكن المسرح بالرغم من سيادة هذه الاتجاهات استمر حاملا للثقافتين في أغلب مساراته، ولا يزال المتفرج يبحث عن الكلمة على خشبة المسرح لأنها الطريق الأقرب للوصول إلى المعرفة وفهم العرض.
والمسرح كأدب يختلف تماما عن الرواية أو الشعر أو الخاطرة أو القصة القصيرة ، ذلك لأن له تقنياته الخاصة في التفكير والتأليف والبناء. والمؤلف المسرحي يضع في اعتباره دائما أنه يغزل قطعة فنية للعرض أمام الجمهور. وإذا فعل غير ذلك فقد خرج النص نفسه من خانة الأدب المسرحي ووضع في خانة أخرى من خانات الأدب نسيجها الأساسي الحوار .
المسرح وحده يحمل للمتلقي متعتين ساحرتين : سحر القراءة ومتعتها، وسحر المشاهدة ومتعتها؛ ولهذا فهو أكمل الفنون الأدبية والمرئية.وعندما يكون النص هو القاعدة الأولى والأساسية للمسرح فقد كسب لنفسه الخلود والتوثيق. وهانحن نتناول من المكتبة نصوصاً معاصرة، أو نصوصاً كتبت منذ مئات السنين كنصوص سوفوكل ويوربيدس وشكسبير ولوركا وغيرهم أجانب أو عربا ونعيد إنتاجها وترتيبها وتقديمها في المسرح . أما العروض التي تلغي النص وتعتمد الخطاب البصري فحسب حركة ورقصاً وجسداً فإنها تدخل بوابة النسيان ولا تتكرر ولا يعاد إنتاجها. إنها مخصوصة بمنتجها تحيا بحياته وتموت بموته. وأخشى أن يأتي يوم نمد فيه أيدينا إلى المكتبة المسرحية فلا نجد نصا نستطيع تناوله. وبهذا يفقد المسرح شيئا هاما هو ” الذاكرة”.
بالنسبة لي – مثلاً -كمؤلف مسرحي أضع في اعتباري حين أكتب مسرحية بأنني أكتب مادة للتشخيص على الخشبة أي مادة فنية ” للسمع والبصر” . وبتقنيات هذا الشرط يولد العمل لدي. وأنا غالبا ما أكثر من الوصف ( التوجيهات المسرحية) ليس بغرض تحدي المخرج وتحديد خياله ولكن بغرض استكمال التصور لديّ . النص المسرحي هو مجموعة من العلامات والرسائل المبثوثة في الحوار والتوجيه المسرحي و الموجهة إلى المتلقي، وما إن تفتح الستارة ويبدأ العرض حتى يصبح المتفرج مستقبلاً لهذه العلامات والرسائل المتزامنة والمتتالية من خلال قنوات البث المتكاملة : الديكور والأزياء والإضاءة والموسيقى والحركة والكلام. ثمة تعددية معلوماتية حقيقية تبدأ في النص ثم تتجسد وتتكامل في العرض. ولهذا فإن بناء الأنساق المعلوماتية هو جزء من ضرورات النص المسرحي كمادة للقراءة والمشاهدة معاً، فأنا في النهاية أحلِّق في عوالم روائية مشخصة ، أنا أبني حياة موازية للمعاش تخترق الواقع وتبحث في المجهول. وهذه الشروط التي أعمل فيها هي مُعِينة لنوعين من المخرجين:
- المخرج الذي يغلب في عمله التنفيذ على الإبداع، فهو يرى أمامه مادة جاهزة في الفكر والصورة. ربما ، أو غالبا، تحتاج إلى استشفاف واستقراء وإدراك المضمونات ، وهذا سيتحقق في القراءات الأولية مع مجموعة العمل.
- المخرج المبدع الذي يجعل من هذه المادة قاعدة للتحليق في جوانب مجهولة من هذا العالم الفكري والروائي الذي خلقه المؤلف. والمخرج المبدع يجد دائما ما يقوله من جديد في التأويل والاستبطان والمرئيات.
المسرح في النهاية أدب له خصوصيته ، وفن شامل مركب له أدواته ومفرداته . إنه يشبه السبيكة المؤتلفة. ولكل دوره في تشكيل هذه السبيكة وإعطائها خصوصيتها وتفردها، والتجريب الحقيقي في المسرح جهد مبدع يعمل على مبدأ الإفادة والتوظيف لعناصر السبيكة وليس على مبدأ الإلغاء.
