الكاتب محمد القناوي يكتب: تحسين الوظائف المعرفية وتعديل التواصل الاجتماعى لمرضى الفصام المزمن و اضطرابات المزاج المزمن عبر الارتجال الدرامى
المسرح نيوز ـ القاهرة | محمد اسماعيل القناوى
ـ
ملخص
تحسين الوظائف المعريفية وتعديل التواصل الاجتماعى
لمرضى الفصام المزمن و اضطرابات المزاج المزمن
عبر الارتجال الدرامى بمستشفى الطب النفسى بالعباسية
رؤية وتنفيذ / محمد اسماعيل القناوى
كاتب مسرحى وممرض نفسى
مقدمة
لما كان المرض العقلى من الامراض المزمنة ومن اهم مايصيبه هو التفكير والادراك والمشاعر ، ولأن اعراض هذا المرض تتجلى فى شكل سلوكى غير مقبول اجتماعيا كان العلاج فيما مضى يقوم على عزل المريض ، وأصبح هذا المرض وصمة تجعل اسر المرضى يودعونهم المستشفيات العقلية وتنقطع صلة الاسر بالمرضى و صلة المرضى بالاسر والمجتمع و يفقد المريض التواصل مع المجتمع واذا تحسن احدهم وخرج من المستشفى يشعر بالاغتراب وسرعان ماينتكس ويعود .
ومع الثورة الهائلة فى الطب النفسى خلال العقدين الماضيين وبعد اكتشاف العقاقير العلاجية الناجعة واساليب العلاجات النفسية المتنوعة وكم الابحاث والتقنية المتطورة من علماء الطب النفسى وعلماء النفس والاجتماع . والتى وضعت قواعد ضابطة لدخول المستشفيات والتشخيص ومدة اقامة المرضى داخل المستشفيات ، وايضا والاهم عمل برامج لتأهيل المرضى لاعادتهم الى المجتمع بفاعلية وكان الهدف العلاجى هو ازالة الاعاقة عن المرضى العقليين حتى لايصبحون عالة على المجتمع ويساعد هذا فى تقبل الاخرين لهم .
ان العلاج والتأهيل النفسى علم وفن فى نفس الوقت رافق نشوء الانسان ورقيه الفكرى متنقلا معه من عصر الى عصر ، وكان العمل فى معظم التجارب التأهيلية على مشكلة السلوك السلبى الذى اكتسبه المريض من المرض نفسه ومن عزله فى المستشفيات فترات طويلة (Institutional) . ومن الاساليب العلاجية التى بدأت فى بداية القرن العشرين اسلوب السيكو دراما والذى وضع اسسه مورينو عام 1925 وقد تطور بشكل كبير حتى اصبح يستخدم ليس كعلاج فحسب ولكن ايضا فى تدريبات المسرح وبخاصة مدارس التمثيل الارتجالى .
وبما ان المسرح ساحة اجتماعية ، وهو ذلك الشعور بأننا جزء من مناسبة اجتماعية ، او من واقعة ما تحدث الان امامنا .كما ان العرض المسرحى يتميز ٍ بالعلاقة الخاصة والمباشرة التى ينشئها فيما بين المؤدى وجمهوره فى الزمان والمكان ، انه بحق احتفال شديد الخصوصية تتحقق فيه ارقى درجات ومعان التواصل والتماسك الاجتماعى ، سواء بين المؤدى والجمهور او المؤدى وزملائه من المؤدين . ولما كان الارتجالImprovisation من اكثر العمليات المسرحية التى تنشأ على التواصل داخل اطار جماعة فى سبيل الوصول الى تعبير ابداعى مادى ملموس عن فكرة ما او حتى موقف ما او شخص ما ، على ان يتم هذا يتلقائية . وان يكون غير محدود بأحكام العادة فهو يتكامل الى حد بعيد مع البيئة المحيطة اوسياق الموقف الراهن . ومن هذا المفهوم يصبح الارتجال قريب الصلة جدا بالابداع فى صورته الخالصة اى انه يصبح قريب الصلة بعملية التنظيم الابداعى فهو اشبه بالطريقة التى ننظم بها امر حياتنا وردود افعالنا فهي تلك العمليات التى تتكرر كلما اعدنا ترتيب العلاقات التى تربط معلوماتنا عن موضوع ما فينتج ذلك نظرية جديدة او قصيدة جديدة . . .
ومن هنا ومن منطلق اعادة التنظيم و التفاعل مع المجتمع وعن طريقة اعادة ترتيب مواقفنا الحياتية من خلال الارتجال الدرامى نبدأ ، فما يحتاجه مريضنا هو ان نساعده على اعادة التنظيم والتفاعل الايجابى مع المجتمع .ولذا كانت افتراضية البحث تحسين الوظائف المعريفية وتعديل التواصل الاجتماعى لمرضى الفصام المزمن و اضطرابات المزاج المزمن عبر الارتجال الدرامى (عنوان البحث)
ونوجز فيما يلى اهمية البحث واهدافه والخطوات الاجرائية لتنفيذه.
اولا : لماذا الارتجال الدرامى
عندما كانت السيكو دراما تعنى بتفريغ موقف ما لم تكن تقوم بتراكم مواقف اخرى على هذا الموقف او الحدث وانما يفعل الحدث نفسه بمساعدة الانوات المساعده التى يختارها البطل والشخصيات التى يختارها البطل او تفرض من خلال الحدث وبعد التفعيل وتصاعد الموقف الى اقصى حد لهذا الخط الدرامى يبدء المعالج فى وضع البطل والانوات المساعدة فيما يتطلبه هذا الحدث من حل او من اعادة التعايش للموقف وحله كما ينبغى من وجهة نظر الانوات المساعدة والتى تتفق مع المجتمع وينتهى الى هنا هذا الحدث او المشهد المسرحى والذى نستطيع ان نطلق عليه مشهد درامى ولا يعاد ثانية كعرض مسرحى وربما يتعلم منه البطل اعادة صياغة هذا الموقف فيما يلى من حياته وربما ينسى هذا المشهد بعد نزوله من فوق المنصة ولكن مع تكرار الجلسات من الممكن للمتابع ان يرى نفسه بشكل اوضح وان يعلم اين تكمن زلاته واين تكمن قوته ، لكن هذا يكون افضل مع الاسوياء او العصابيين او مرضى الاعتماد على العقاقير لكن مع المرضى العقليين كان علينا ان نبحث عماهو اكثر فاعلية وناتج ، فهمنا هو اعادتهم بشكل فعال الى مجتمعهم ،الا ان تلك السلوكيات المضطربة تعوق هذا فكان علينا ان نرى ما يمكن ان تقدمه السيكو دراما ، وقد راينا من خلال قربنا و متابعتنا للمرضى ان استيعابهم للمواقف يكون اكثر عندما يمثل لهم بأمثلة ، وايضا لاحظنا فى ورش التمثيل الارتجالى للفرق الهواة والمحترفين ان اطلاق العنان للممثل يجعله يقوم باستحضار المواقف التى لم تحل فى الواقع ،ومحاولة ايجاد حلول لها من خلال اعادة طرحها مع الجماعة ، وقد يبدوا هذا مثلا فى عرض 6 شارع محمد الدرة والذى استحضرت الفرقة فيه موقف القهر الصهيونى ومحاولة ايجاد حلا على مستوى الواقع يألم العدو الصهيونى وهو تسمية الشارع الذى تقع فيه السفارة الاسرائيلية بأسم محمد الدرة الذى قتله القناص الاسرائيلى والذى قلب الراى العام العالمى على اسرائيل . ايضا الحلول التى تجعلهم يرون امل فى الانتصار وذلك بأستحضار العمليات المخابراتية وعمليات الاغتيال الفاشلتين والانتقام من الشخصيات التى قامت بها بأنهم يذكرون فشلهم بشكل كاريكاتيري يظهر مدى ضعف العدو عندما نعمل جميعا معا .
ومن هنا فكرنا فى ان نجعل مرضانا يعيدون مواقفهم التى تتسبب فى الانتكاسات والتى تدخلهم فى دائرة الرفض من وللمجتمع ونجعلهم يجدون الحلول لهذه المواقف من خلال عمل عرضا مسرحيا كامل البناء والاركان ، يهدف الى الدمج الاجتماعى للمرضى النفسيين حيث تلعب المرضى ادوار مسرحية لتمثلية صادقة عن مشكلة خاصة او عامة او جماعية وبذلك يعيدون ذكريات تاريخ مرضهم فتحدث عملية التنفيس العقلى مما يتيح الفرصة للتنفيس الانفعالى وتحقيق التوافق والتفاعل الاجتماعى السليم .
ثانيا : الاهداف
1. تفريغ القلق والعدوانية من خلال التمثيل
2. التدريب على التركيز فى ما يعمل المريض وابعاده عن التركيز فى الهلاوس او الضلالات ، وهو ما يعرف بتعزيز مهارات التكيف من اجل صرف الانتباه عن الافكار السلبية والضلالات.
3. معايشته مواقف تشابه واقعه واحساسه بما يشعر به غيره من مواقف مماثلة لما يفعله تبصره بحالته وتعمل على زيادة الاستبصار بحاله
4. طرحه الافكار وإيجاد لغة يستخدمها معبرة عن المواقف ومفهومة وواقعية تعيد ترابطه حتى لو نسبيا بالواقع
5. العمل مع زملائه وتعوده على ان يبنى مايبدأه زملاءه تعيده الى الجماعة وتعوده على ارتجال مواقف غير معتاده له ويتعامل معها فى اطار الجماعة البناءة تجعله قادر على ايجاد حلول واقعية لمشكلاته .
6. التدريب من خلال المواقف التى يطرحها كل فرد من الجماعة على ان تكون افكار مترابطة وموضوعا واحد من هذه الاطروحات يدربه على ترابط التفكير والتركيز
7. تعليم وتدريب المرضى على مهارات التواصل لعمل علاقات اجتماعية .
ثالثا : الخطوات الاجرائية
1. اولا : اختيار المجموعة
2. ثانيا : اختيار المكان والوقت
3. ثالثا : اختيار البرنامج والمنهج الارتجالى المناسب وهو منهج ” من /اين/ماذا ” وهو لمعلمة الارتجال الامريكية ( فيولا سبولين ViolaSpolin)
رابعا : البرنامج
• المرحلة الاولى
1. اللقاء فى حلقة
2. التسخين – ولايختلف كثيرا عن السيكو دراما – حيث تقدم افراد المجموعة فى كل مرة نفسها بشكل انسانى فيذكر احساسا ما او موقف ما تعرض له خلال الفترة بين اللقائين السابق والحالى – وهذا يقرب افراد الجماعة من بعضهم وذلك بالمشاركة فى الاحاسيس والمشاعر – المدة – لكل فرد من دقيقتين الى خمس دقائق
3. سماع بعض معزوفات الموسيقى المسجلة ومناقشة مشاعر افراد الجماعة لها – وهذ يدربهم على التركيز فى شئ معنوى وينمى لديهم القدرة على التعبير عن مشاعرهم نحو شئ غير عيانى حتى لو بطريقة عيانية – كماينمى لديهم الاحساس بالايقاع المتواتر المستقيم – المدة – من 10 دقائق الى 15 دقيقة بما فيها المناقشة – ويسمى هذا الاجراء بالتأهيل المعرفى يساعد فى تحسين الوظائف المعرفية لمرضى الذهان مثل اضطراب الانتباه والذاكرة والتركيز والفهم.
4. التخلى عن المقاعد وعمل تمرينات بدنية اولا تمرينات استرخاء ثم تمرينات مع الموسيقى – وذلك تمهيدا للحركة المنتظمه وتمكينه من اكتساب بعض المهارات الحركية المنطقية المعبرة – المدة – من15 دقيقة اى 20 دقيقة
5. عمل بعض التدريبات النفسية مثل التعاون والاحساس بالجماعة من خلال تمرين الثقة ، ايضا تمرين الكرة وهذا التمرين مفيد فى التركيز نحو الهدف، وتمرينات التلقائية ، واخرى. . .
6. مناقشة عامة يستهدف منها اختيار البداية او المشكلة التى توجد عند اغلب المجموعة ” وذلك من خلال تقدير المدرب ”
7. بداية الارتجال وعلى المدرب طرح احد المفردات الثلاثة ” من / اين/ ماذا ” وعليه تختار الجماعة الاثنتين الاخرتين ، على المدرب ان يكون مع الجماعة على منصة التمثيل ويكون له دور فى التمثيل وذلك لتوجيه الخط الدرامى الى المسار المرجو كلما استلزم الامر ذلك
8. نهاية الجلسة يتم عمل مناقشة تغذية مرتجعة Feed back وذلك للوقوف على مدى استيعاب المجموعة للعمل
9. عمل اختبارات نفسية وشخصية تقيس الذهان والاضطرابات الوجدانية و القلق والتفاعل الاجتماعى وذلك قبل البدء فى كل مرحلة
• المرحلة الثانية
1. بعد اكتمال المسرحية تماما مكتوبة وممثلة فى الجلسات يأخذ هذا النص ويوضع للمناقشة من خلال الفريق العلاجى وتحدد السلوكيات السلبية فيها وتحدد كيفية معالجتها بشكل يبدو تلقائى واقرب الى المجموعة ، وتحدد السلوكيات الايجابية وكيف تدعم بشكل يبدوتلقائى واقرب الى المجموعة
2. يكتب النص مرة اخرى من خلال المدرب او متخصص فى كتابة الدراما ، كما اتفق عليه الفريق العلاجى دون التأثير على الخط الدرامى الذى تم ارتجاله من قبل المجموعة وبأقرب مايكون للغة التى تم الارتجال بها
3. تبدأ بعد ذالك جلسات التدريب على النص الجديد وتكون الجلسات بنفس اسلوب الجلسات الاولى عدا انه هناك نص مكتوب يلتزم به
• المرحلة الثالثة
1. التجهيز للعرض – تجهيز مكان العرض” المسرح” من خلال جلسات عمل للمجموعة واستغلال المهارات الموجودة لديهم فى عمل الديكور او الملابس الخ……
2. الاتصال بالمدعوين من القيادات ، الاعلام ان امكن ، الاهل اسر افراد المجموعة واسر المرضى الاخرين
3. العرض على جمهور محدود وليكن اسرة الفريق العلاجى وبعض الاطباء والتمريض من الاقسام الاخرى قبل يوم العرض الرسمى ويكون بمثابة البروفة الكاملة .
4. العرض الهدف .
مابعد العرض :
متابعة وعمل ارتجال جديد و ادخال عناصر جديدة او فريق جديد مطعم من الفريق الاول وذلك يشعرهم بأنهم قد انجزو واصبحوا فعالين .
ـــــــــــــــــــ
المراجع
انظرسيكولوجية فنون الاداء
انظر ميتافزيقا الحركة
انظر الارتجال فى الدراما