المؤرخ والناقد سمير حنفي محمود يكتب عن عبد الوارث عسر.. وسر تخصصة فى أدوار الرجال كبار السن “الحلقة الأولى”
المسرح نيوز ـ القاهرة | الناقد والأكاديمي: سمير حنفي محمود
ـ
عائلته: نشأ عبد اوارث عسر من عائلة ريفية، منشأها بلدة ميت الديبة، بمحافظة كفر الشيخ، ثم هاجرت العائلة إلى بلدة جبارس بغرب أيتاى البارود، محافظة البحيرة، مركز الدلنجات، وكانت تلك البلدة ملكاً للأمير حسن كامل (السلطان حسين) واستقرت العائلة فى هذه المنطقة بأيتاى البارود ، وكان لوالده التى ولد ، ثلاثة أشقاء، وكان جده لوالدته يلقب بشيخ الصاغة، وشيخ الموازين، لأنه كان من كبار تجار الصاغة فى مصر.
والده: كان والده على عسر، يحفظ القرآن، ويجيد الكتابة والقراءة، فكان أهالى القرية يلجأون أليه ليكتبوا له عرائضهم، وشكاويهم، مما أهله لأن يكون هو المحامى الخاص بالمدينة، وكانت مهنة المحاماة وقتها، لا تشترط الحصول على شهادة الحقوق، وكان والده عاشقاً للأدب وللغة العربية، وكان يمتلك مكتبة كبيرة تضم أمهات الكتب، مثل البخلاء، مجمع الأمثال، الأغانى للأصفهانى، العقد الفريد، تاريخ مصر الفرعونى، وغيرها، مما مهد الأرض أمام عبد الوارث لينهل من بحور الأدب، بمختلف ألوانه، وأنواعه، وكان والده من خطباء الثورة العرابية، فكان يقوم بالخطبة فى بيت القياتى بالقاهرة، بحارة السكرية، وكان هو مركز الثورة، وكان من خطباء الثورة وقتذاك سعد زغلول، ومحمد عبده، وعبد الكريم سلمان، وغيرهم، فارتبط والده بعلاقات وثيقة، مع هؤلاء الشبان، اللذين صاروا بعد ذلك من زعماء الأمة.
بداياته: ولد عبد الوارث على عسر بالقاهرة، فى منزل جده بدرب الطبلاوى، بالدرب الأحمر، بحى الجمالية، فى 17 سبتمبر من عام 1894، أى بعد دخول الأحتلال الأنجليزى إلى مصر سنة 1882، ، وهو الأخ الأكبر لشقيقين هما حسين عسر، الذى يصغره بأثنى عشر عاماً، وسنية عسر، التى كانت تصغره بثلاث سنوات، هاجر والده بأسرته إلى القاهرة، كى يحظى أولاده بفرصة التعليم، وعندما بلغ عبد الوارث الخامسة من عمره، ألتحق بالكتاب الخاص بحارة الطبلاوى،وهو الكتاب الملحق بجامع سيدى مرزوق الأحمدى، وقام بالتدريس له فيه، الشيخ خليل، والعريف أبراهيم فودة، وقضى فيه عام واحد تعلم منه القراءة، والكتابة، والصرف، والنحو، وحفظ جزء كبير من القرآن، ثم ألتحق بمدرسة خليل أغا، التى قضى بها فترة طويلة، لأنه كان يكرر سنوات الدراسة، وحصل على البكالوريا من المدرسة الألهامية بالحلمية، وكانت المدرسة تابعة للأوقاف الخيرية.
بداياته الفنية: فى خلال أحدى الأحتفاليات المدرسية، قرر مدرس اللغة العربية، 1905 الشيخ أحمد القوصى، بتقديم مسرحية فى الأحتفالية، وأعطى عبد الوارث الدور الرئيسى فى المسرحية، حيثُ أسند له دور تلميذ، من عائلة ثرية، يتعالى على التعليم، وينصرف عنه، مما جعله يبكى، لأنه يقوم بدور تلميذ يكره التعليم، لكن المدرس شرح له بأن ما يقوم به مجرد تمثيل، وهو يقدم هذا النموذج ليعرف الناس مساوئ التعالى والأنصراف عن التعليم.
بداياته مع الشيخ سلامة حجازى: ولتحبيب تلاميذ المدرسة فيما يقدموه، أحضر الشيخ أحمد القوصى، الشيخ سلامة حجازى لتلاميذ المدرسة أعضاء فرقة التمثيل، لتدريبهم على التمثيل، وجذبت شخصية سلامة حجازى على أحاسيس الطفل عبد الوارث، وكان سلامة حجازى يواظب على حضور البروفات، أو يبعث أحد أفراد جوقته مثل أحمد فهيم، أو أحمد أبو العدل،أو محمود حبيب، لتدريب أعضاء لفرقة التمثيلية، فأنجذب الطفل عبد الوارث لروح المسرح، وكسب عبد الوارث، ود هؤلاء الممثلين الرواد، فكانوا يدعونه إلى مسرحهم، لكن والده رفض ان يذهب أبنه إلى المسرح بدون تذاكر، فكان يصر على أن يحجز لأبنه تذكرة لوج كل يوم الجمعة، فكان عبد الوارث يواظب على الذهاب للمسرح كل جمعه، ويحجز تذكرة اللوج، ليتركه ويذهب إلى الكواليس ليشارك الممثلين أحساسهم، بروح هذا الفن العجيب.
أشتراكه مع الشيخ سلامة حجازى أول مرة: وفى أحدى الليالى، غاب الريجسير ماسك رواية المسرحية، فحدثت دربكة داخل الكواليس، مما دفع عبد الوارث الدخول بنفسه للشيخ سلامة حجازى، وطلب منه أن يقوم هو بدور الريجسير، لكن الشيخ سلامة رفض خوفاً من الخطأ، لكنه يعود للموافقة على مضض، أمام أصرار الطفل عبد الوارث، الذى ينجح فى القيام بدور الريجيسير، والذى كان يباشر دخول وخروج الممثلين، مما دفع الشيخ سلامة حجازى، يعتمد عليه فى هذا الأمر، حتى أنتهى من دراسته الثانوية، بمدرسة خليل أغا.
وفاة والدة: أنهى عبد الوارث البكالوريا من مدرسة الألهامية من الحلمية عام 1914، وقبل أنتهاء دراسته بشهر واحد توفى والدة، وكان عبد الوارث يرغب في دخول مدرسة الحقوق كرغبة والدة، لكن الظروف الأقتصادية للأسرة عقب وفاة الوالد، حالت دون ذلك، وبلغت الظروف الأقتصادية مع عبد الوارث مداها، وقد أصبح العائل الأول لأسرته وأخوته، وكان للوالد أرض زرعية بالبحيرة، وكانت مرهونة، وموقوقة، والناظر على الوقف والدته، فحررت له توكيل لمباشرة الأرض، وقرر عبد الوارث وقتها أن يترك منزل العائلة بالقاهرة، والأنتقال إلى البحيرة لمباشرة الأرض، ولتوفير النفقات، ومحاولة وقف الرهنية، وظل فى البحيرة ثلاث سنوات، حتى بدأت الأمور فى الأستقامة، وقد أستغل عبد الوارث عسر هذه الفترة فى الأتطلاع على كتب الأدب، وعلم النفس، والتاريخ، وغيرها من المعارف.
أول تأليف مسرحى لعبد الوارث عسر: وخلال هذه الفترة، كتب أول مسرحية من تأليفه، بعنوان “الدخلاء”، لكنها حسب قوله، وجدها ملئة بالمبالغات، فخجل من يقدمها للتمثيل، وكان موضوعها مستمد من التاريخ الأسلامى، حول قصة الخليفة المتوكل على الله، وصراعه مع الأتراك، اللذين أستعان بهم أخوه السابق هارون الواثق، حاول عبد الوارث أن يندمج فى مهنة الزراعة، لكنه أدرك فى النهاية أنه غير ملائم لها، وبمجرد أن هدأت أمور المزرعة قررأن يعود إلى القاهرة، للمصارعة مع هوايته القديمه المتعلقة بالأدب.
بداياته التمثيلية مع جورج أبيض: وكانت يوم 17 أكتوبر عام 1917، وكما يقول عبد الوارث على عسر، وكان جورج أبيض فى ذلك الوقت هو أيقونة التمثيل شبه الوحيدة فى مصر، فقرر الذهاب أليه، وكان له مسرح بشارع بولاق، مكان محل شملا، وبالصدفه جورج أبيض كان جالس أمام التياترو، فتقدم عبد الوارث له، قائلاً أنه أتقن الأدب، وأنه يهوى التمثيل، ويريد الألتحاق بفرقته، ولو بدون أجر، فسحبه جورج أبيض من يده إلى أستراحة الألواج، وقال له قدم لى شئ مما حفظته، فقدم له عبد الوارث خطبة الحجاج أبن يوسف الثقفى، عندما دخل الكوفة، من قبل عبد الملك أبن مروان، والتى يقول فى مطلعها، أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفونى أما والله إني لأحمل الشر بحمله وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله وإني لأري أبصارا طامحة وأعناقا متطاولة ورءوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها وكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى تترقرق، فأعجب به جورج أبيض وضمه إلى فرقته.
تخصص فى أدوار كبار السن: الغريب أن عبد الوارث عسر رغم أنه كان فى حوالى الثالثة والعشرون، فقد تخصص فى تقديم أدوار كبار السن، فأول دور تم ترشيحه له، كان دور مدير المسرح، فى مسرحية الممثل كين عام 1917، بعد أن ضمه جورج لفرقته بعشرين يوم، وكان من المفترض ان يقوم بهذا الدور الممثل فريد صبرى، الذى مرض فجاءه، فى الوقت الذى كان من المقرر أن يحضرها الملك فؤاد، فحل عبد الوارث فريد صبرى، بترشيح منسى فهمى، ونجاحه فى هذا الدور رشحه لدور الراعى العجوز ذو المائة والعشرون عاماً فى مسرحية أُديب ملكاً، وهو دور هام لأنه يمثل نقطة التحول فى الخط الدرامى، ويقول عبد لوارث، أنه ذهب بنفسه إلى طبيب، ليستشيرة، فى كيفية تقديم دور رجل مسن على ألا ترتعش يداه، ورغم أن عبد الوارث عسر كان يعترف بأستاذية جورج أبيض، وفضله عليه، إلا أنه كان يرفض أسوبه الكلاسيكى القائم على المبالغة.
عبد الوارث عسر وفرقة عبد الرحمن رشدى: كان عبد الرحمن رشدى محامياً، أحب التمثيل، وهجر من أجله المحاماه، وأنضم لفرقة أبيض منذ 1912، وأندفع عبد الرحمن رشدى لتكوين فرقة جديد، بعد أن أختلف مع أبيض فى طبيعة الأداء التمثيلى، ويقول عبد الوارث عسر أن عبد الرحمن رشدى، أستأذن جورج أبيض قبل الأنفصال عنه، الذى بارك له خطواته, وأستعان رشدى بعمر وصفى كمدير فنى للفرقة، كم ضم أليه، عبد العزيز أحمد، ومصطفى وأبراهيم الجزار، وحسين رياض، وأحمد علام، ثم أنضم لهذه المجموعة عبد الوارث عسر، الذى تخصص معه فى الأدوار الكوميدية، ولكن من الغريب أن عمر وصفى كان يختاره رغم صغر سنه لأدوار كبار السن، ويذكر مسرحية الضمير الحى، وهى أول مسرحية يقوم ببطولتها مع الفرقة، وهى مترجمه عن الفرنسية، لالكسندر دوماس، وكان عبد الوارث يمثل فيها دور صراف كبير فى السن، سرقت خزينته.
سر تمثيلة لأدوار كبار السن: يرجع ذلك لعمر وصفى المدير الفنى لفرقة عبد الرحمن رشدى، الذى كان يسند له دائماً دور كبار السن، فلما أعترض عبد الوارث على هذا، قال له عمر وصفى أن هذا السن، يحوى فى داخله على كل الأحاسيس الأنسانية، التى تطلب ممثل على قدر هائل من التنوع فى الأداء، والأحاسيس، وهذا لا يتوافر فى عدد كبير من الممثلين، لهذا نصحه بالمحافظة على هذه الأدوار، والعمل على أجادتها، ولكن أقتناعه بكلام عمر وصفى لم يكن كاملاً، ولكن مع تقديمه لمسرحية 20 يوم فى السجن، التى كان يقدمها مع الفرقة، على مسرح برنتانيا، (مكان سينما كايرو الآن) رسخ أعتقادة، وكان يقوم بدور القاضى دوبلان ديبوتير، وهو قاضى قاسى المشاعر، صعب فى أحاسيسه، وفى مشاعره، وبالصدفه شاهده الممثل الفرنسى الشهير كولان، الذى كان يقوم بنفس الدور فى المسرحية مع فرقة كولان الفرنسية، أحتضن كولان عبد الوارث وقال له أنه أحسن من شاهده يمثل هذا الدور، فرسخ أقتناع عبد الوارث عسر بأدوار الكبار.
تدريب فرق الهواه: واثناء عمله بفرقة عبد الرحم رشدى، حضر أليه عبدالله فكرى، وكان من أوائل خريجى مدرسة التجارة العليا (تساوى الآن كلية التجارة) وكان قد كون فرقة مسرحية من خريجى المدرسة، فى نادى خاص بخريجى التجارة، وطلب عبد الله فكرى من عبد الوارث عسر، الأشراف على هذا الفريق المكون من الهواة وأختيار مسرحية ليؤديها النادى، فى الأحتفاليات المختلفة.
عبد الوارث عسر مؤلفاً مسرحيا: كان على عبد الوارث عسر أختيار عمل مسرحى عصرى، يتناسب مع أمكانيات أعضاء الفرقة الجديدة، كان من ضمنهم عماد حمدى، وأخوه عبد الرحمن حمدى، فكتب له مسرحية بعنوان الموظف، فكانت ثانى مسرحية يؤلفها، بعد الدخلاء، وكانت مسرحية الموظف تدور حول مقاول ناجح، له ولدان، قام بتعليمهما، الأول تخرج من مدرسة التجارة العليا، والثانى من مدرسة الطب، وسافر للخارج لتكملة علومه، وأبنه خريج التجاره تولى أعمال والده، ونجح بشكل كبير، وأستطاع توسيع نطاق عمل والده، لكن حبيبته أبنة جارهم الموظف الكبير، تنصاع لقرار الأب، الذى فضل الموظف عنه، وتزوجت الفتاه بالموظف، وأخلاقها أجبرتها على الأخلاص لزوجها، الذى تسؤ حالته، فى الوقت الذى يتقدم فيه الأبن لكن دون أن يتزوج، ويختلس الزوج، ويتم فصله من وظيفته، ويعود خائب الرجا إلى مصر، فتتوسط لزوجها لدى المقاول، ليعمل لديه، وكان عماد حمدى يمثل دور الشاب، وفى العام التالى ألف لهم مسرحية، النضال، وفى السنة الثالثة ألف لهم مسرحية البطالة، وكانت تعالج مشكلة الشكل دون المضمون حول شابين خريجى التجارة، أستأجرا محل أهتما فيه بالشكل والديكورات، حتى أفلسا ولم يعد لديهم أى مال لأكمال مشروعهم التجارى.
عن جريدة مسرحنا .. العدد:454