المسرح الإماراتي يعتمد على تراثه الغنائي ويستثمر الشباب
المسرح نيوز ـ القاهرة ـ متابعات
ـ
الحديث عن الشعر في المسرح، هو بالضرورة حديث عن فاعلية الأول في الثاني، فالشعر ميدان والمسرح ميدان آخر مختلف، غير أن التقاءهما وارد، وقد سبق للتجربة المسرحية العربية أن قدمت نماذج مهمة من المسرح الذي اعتمد على النص الشعري، أو تضمن كثيراً من النصوص الشعرية التي أضاءت على فكرة العرض وقدمت إيحاء مهماً أمام المشاهد.
الأمثلة كثيرة في هذا الإطار ولا يمكن حصرها، غير أن ما هو مهم أيضاً أن اعتماد المسرح الحديث على الشعر، ظل حاضراً من خلال التقنيات الحديثة التي تستخدم الوسائط المتعددة، التي أصبحت وسيلة ناجعة جدا يمكن اللجوء إليها، أو إدخال الشعر في صلب الحدث، خاصة عن طريق التسجيلات الصوتية، وقد استخدمت هذه الطريقة أي «التسجيلات الصوتية» في كثير من العروض المسرحية الإماراتية.
اعتماد المسرح الخليجي ومنه الإماراتي على الشعر، برز من خلال أشكال مهمة تنتسب في مضامينها وأفكارها العامة على الشعر، ومنها على سبيل المثال «أغاني البحر» أو ما يعرف ب «النهام» وأيضا كما هو في الأغاني الصحراوية، أو ما يعرف بتراث الأغاني الحربية أو الصحراوية.
ومن يتابع تاريخ المسرح الإماراتي، سيكتشف أن هناك الكثير من الأمثلة التي وظفت هذا الشكل الشعري في العروض الفنية، والتي لجأ مؤلفوها أو مخرجوها لاستثمار طاقة الشعر في المسرح، ومن هؤلاء الرموز الراحل سالم الحتاوي، الذي لجأ في كثير من عروضه إلى التراث الغنائي الإماراتي، وما يحمل من نصوص شعرية شعبية معروفة.
النوخذة في المسرح الإماراتي، وهي الشخصية المركزية في كثير من الأعمال التي تستفيد من التراث، وبوصفها شخصية بحرية، غالباً ما كانت ترافقها أغنيات من تراث البحر في الزمن القديم، فثمة دائماً «نهام» يحدو، ويسرد قصة البحارة وأهاليهم، كما يصف حيواتهم في رحلة مغامرة مجهولة العواقب، عنوانها الكبير (التوكل على الله) والسعي طلبا للرزق.
من الأسماء المعروفة أيضاً هناك إسماعيل عبد الله وأعماله الكثيرة منها على سبيل المثال «غصيت بك يا ماي»، وهي التي تستند الى توليفة تراثية تقول كلماتها:(يا بايع الرفقه تعلمك الأيام
قدري.. بدون أجيك وأعلمك به
أن قاله الله لا أترك عيوني تنام
وأحد عن درب السهر وأتركك به
جروحك.. اللي مهمله قدلها عام
زادت على القلب الذي مسكنك به
تبغيني أرجع لك موافق إذا قام
يرجع لك الماء لا أنتثر عقب سكبه
تبيعني.. وأنا اللي أعدك حزام
غصيت بك يا ماي ويش أبلعك به؟)
لقد قام المبدع الإماراتي ناجي الحاي بإخراج «غصيت بك يا ماي» واستثمر ما فيها من أفكار وقدمها بشكل لائق، وهي تحسب من الأعمال المهمة في مسيرة المسرح الإماراتي، كما أن مؤلفها إسماعيل عبد الله معروف بلغته الشاعرية وإسهاماته المتعددة في التأليف المسرحي، وهو كما يصفه الكاتب أحمد الماجد، يستخدم الصمت على أنه لغة تأويلية، تلعب أدواراً متعددة وشديدة التأثير في المستويين الدرامي والجمالي، وهي أدوار قد توازي في أهميتها الحوار، عبر التعبير الانفرادي الذي ينتحي الممثل فيه جانباً للتعليق النقدي أو الانتقادي الذي تبديه الشخصية داخلياً، وربما يتفوق الصمت على الحوار الكلامي في بعض المواقف التي يكون الصمت فيها هو الطريقة الوحيدة لنقل حالة التأزم الدرامي التي تقع فيها الشخصية المسرحية.
أسماء كثيرة قدمت للمسرح الإماراتي أعمالاً تستند الى التراث الشعري الغنائي منها عبد الله صالح وجمال مطر وغيرهما، غير أن ما ينبغي التأكيد عليه، أنه في دراسة العلاقة بين المسرح والشعر، يجب فهم أن الشعر هو غير النص الدرامي المسرحي، حتى إن اعتمد هذا النص على الشعر، لإيصال فكرة أو الإضاءة على البعد الدرامي في النص، أو كما قام بتوظيف فكرة المؤلف للدلالة على مكان وزمان الحدث المروي عنه.
ربما تكون العلاقة الأكثر تمثيلا بين الطرفين (المسرح والشعر) وبحسب ما يؤكد النقد المتخصص، هو جانب الاعتماد على اللغة الإيحائية، وكذلك البناء الفني للعبارة، سواء المسرحية أو الشعرية.
هذا التأثير المتبادل بين الاثنين، يعيدنا إلى البدايات، وإلى زمن تطور التراجيديا، وكلنا قرأنا رسالة أرسطو عن «فن الشعر»، واستخدامات الشعر في المسرح اليوناني، وذلك الذي يروي الأحداث في العرض المسرحي، الذي كان يطلق عليه «المجيب» أو الشخص الذي يعبّر عن آراء غيره، أو الذي يظهر على غير حقيقته هو، فهو الممثل الذي يجري على لسانه كلام الشخصيات المختلفة التي يقوم بتمثيلها، وكان يؤدي هذا الدور الشاعر نفسه فيغير ملابسه وقناعه فيما بعد.