المغربي عزيز ريان يكتب عن العرض المصري “زيبق” .. عرض بطعم سياسي يعاني من انفصال المتلقي عن حكاية الزيبق في بعديها التاريخي والأسطوري.
المسرح نيوز ـ عزيز ريان*
شفشاون /المغرب
ـ
اسم العرض: الزيبق
الجهة المنتجة: دار الأوبرا المصرية
سنة الانتاج: 2014
من التراث المصري
إخراج:طارق حسن
عرض فرقة فرسان الشرق للتراث والرقص المعاصر التابعة للأوبرا المصرية الموسوم ب: الزيبق اخراج طارق حسن وهو مستوحى من التراث المصري وحكاية علي الزيبق.
فالعرض يتميز بحضور الحكاية وغياب الخيط الدرامي عموما،إلا أنه بحسب صناع العرض وما خُطَّ بالمطوية التي وُزعت قبل العرض رؤية جديدة للتراث ونظرة فنية للحكاية والتي جرت أحداثها في العصر المملوكي المثير للجدل، وتم تقديمها عملا دراميا على شكل مسلسل. انتقل بنا العرض عبر استهلال تقليدي بالضربات الثلاث ودخول جماعي لكل المشاركين أو الراقصين الذين نجحوا في تهيئ المتلقي لأجواء العرض الاستعراضية. حيث نَقلتنا اللوحات الكوريغرافية نحو عوالم جمالية لفضاءات وشخوص غابرة عَرفت تفاصيل الحكي القديم. مع التطرق إلى الصراع بين الخير والشر، والتضاد بين حسن مساند الفقراء وسنقر الكلبي كمسؤلي أمن الأول يناصر الفقراء والثاني يناصر غواياته السلطوية. مُظهرا التكالب على الحكم، ومُتحدثا.. حَاكيّا-رَقْصا- عن علاقة الحاكم والمحكوم التي يجب ألا تكون متعالية حتى يتقارب النبضين الأعلى والأسفل للاستمرار. فسؤال العرض المكرر: هل نحن حقا متشابهون؟… لكن لا أحد منا يبالي بالتشابه.. فهل فعلا التشابه يشوه وجوهنا؟ فشتان بين صرخة الميلاد والموت.. فالتشابه يُصيبنا بالملل وعلينا أن نبحث دوما عما يوقظ ما تبقى فينا من الإنسان. هي أسئلة محملة ببعدها الفلسفي والتي قد يجيب عنها عرض وحيد.
عنوان العرض: بدء بالعنوان الموسوم به العرض نتنبه إلى أنه عنوان لا يحمل تشويقا ولا يثير فضول المتفرج من قبل متابعته. فالزيبق قد يكون عنوانا مناسبا داخل أجواء مصر التي تعرف الحكاية لكن خارجها يجب أن يحمل بعدا عربيا وغير فاضح لأجواء العرض قبلا.
غاب شكل الحكاية التقليدية كما هو متعارف عليها في شكلها المسرحي مدام العرض فني استعراضي perfermance احتوى بعض الأحورة، وغاب الخيط الدرامي الذي يُلازم النص المسرحي التقليدي.
وبرغم أن الرقصات سقطت في بعض الأحيان في التكرار أو الإبهام على جمهور أغلبه مغربي لم يتعود مثل هذه العروض. وكذا عدم معرفة المتلقي لقصة الزيبق في بعدها التاريخي والأسطوري.
المشاركون أو المستعرضين نجحوا في نقل ما طلبه منهم المخرج ومصممة الرقصات،فأظهروا لياقتهم البدنية، وقدرتهم الفائقة في التحكم في جسدهم وتحركاتهم فوق الخشبة بشكل سلس واضح. إلا أن الالقاء الصوتي عرف بعض التذبذب وعدم الوضوح. وهي ملاحظة تقنية أشارت إليها الفنانة القديرة سميحة أيوب لطاقم العمل مباشرة بعض العرض بشكل احترافي وهي تُشيد بمجهود واضح وعمل فني أضفى متعة بصرية وصوتية ممتعة. كما أن بعض اللقطات التي كان يجب أن تؤدى بشكل مسرحي تم أداؤها بشكل استعراضي غير متقن سرعان ما انتبه إليها حتى هواة الفن المسرحي. فالمشارك ليس ممثلا محترفا ، بل راقص محترف يركز على ما هو استعراضي ومحاولا التمكن من توزيع مجهوده العضلي على فترات العرض. فمثلا مشهد قطع الرؤوس الذي جاء بشكل هلامي خالي من التقنيات المسرحية…
الملابس لامست بدقة كل تفاصيل الحقبة التاريخية لعصر المماليك ونَقلت لنا الأجواء الكاملة لفترة وقوع الحكاية. وساهمت في كسر الجدار الرابع بعد تم رمي بعض القطع منها نحو الجمهور بشكل مؤثر تفاعل معه الحضور.
السينوغرافيا توزعت بين خلفية تشكل معمارا هندسيا في فترة ماضية، واستعمل بشكل مناسب حيث لم يكن تابثا بل تم تحريكه. مع وضع فضاء خاص لكرشي العرش والحكم في شكل أعلى. مع هبوط شكل السجن بقضبان تُشير بشكل واضح للقمع وسرعة تدخل السلطة باعتبارها العليا. صمم الديكور المهندس محمد الغرباوى ونفذه المهندس أحمد زعفان بشكل تشكيلي ساحر ساهم في عملية الإيهام المسرحية للملتقي.
المؤثرات الموسيقية نقلت الصراع المرافق للاستعراض وإن استغلت بشكل عالي جدا جدا، مَنع من الإنصات للحوار والكلمات بشكل واضح. ولقد أشار مخرج العرض أن وسائل مسرح محمد الخامس الصوتية لم تكن بتلك الدقة وهي من سببت في هذا الخلل الفني. وإن كان هذا المسرح من أحسن القاعات بالمغرب.
الإنارة تنوعت بين نقل تفاصيل المشهد وكينونته العاطفية،فحضرت ألوان عديدة بدء بالأصفر والأبيض والأزرق لمساعدة المستعرضين في مشاهدهم الراقصة وكذا نقل ظروف الصراع والمشاعر المختلطة. وقد صممها المهندس رضا ابراهيم الذي برع في إبراز تفاصيل الديكور ووالإنتقال بي الرقصات.
الزيبق بطعم سياسي ديمقراطي:
الأكيد أن طابع “الزيبق”الاستعراضي مَنع من التطرق للأسس المسرحية المتعارف عليها بل الغوض في تقنيات استعراضية تعتمد الرقص الإيقاعي الذي يًؤدى في شكل جماعات أو ثنائيات، مُحققا عُنصريْ الجذب والإمتاع. فالمخرج أكد في الندوة الصباحية أن عرضه وسيلة لنقل المشاهد من كرسيه نحو عوالم فنتازيا. يحاول أن يقدم فنا تراثيا بشكل مميز ليدخل المتلقي لعالمه مع ايصال معلومة مفيدة. دون تقليد فقيمة التراث العربي هو وسيلة لحل لكل مشاكلنا القادمة فأجدادنا تعرضوا لكل العثرات ونجحوا في التخلص منها. علينا أن نحس بقيمتنا العربية فالفن هو الذي سينجح في تحقيق حلم الوحدة العربية.
المتلقي والمتهم المغربي والعربي دوما يتوق لتتبع عرض مصري بمقاييس مسرحية أخرى كحترفة وصاخبة فنيا لاكتشاف مواهب جديدة أو التعرف على نجوم عرفها، وكذا النهل من تقنيات إخراجية معاصرة. فقيمة مصر الفنية والمسرحية لا نقاش فيها.