مقالات ودراسات
الناقد العرافي حمه سوار عزيز يكتب: بختيار علي، ضيف بعيد على مسارح السليمانية
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
يعتبر الكاتب و الروائي بختيار علي واحد من أهم الكتاب الروائيين الكرد في العصر الحديث الذي أسس للرواية الكردية المعاصرة بمشاركة مجموعة من الروائيين الكرد و قدم ثيمة جديدة في تناول الموضوعات التاريخية من خلال منظور ابداعي مختلف يختلط فيه بين الحقيقة والاسطورة و الخيال و ترك مساحات تأويلية وجمالية داخل فضاءات رواياته المتعددة التي ترجمت الى كثير من اللغات العالمية و أخذت حيز كبير من الاهتمام و المتابعة،
أما في مجال المسرح لم يستطيع المؤلف أن يتجاوز الثيمة التقليدية في تأليف مسرحياته القليلة التي ميزتها نوع من المباشرة و التكثيف الخطابي و البساطة في الطرح و المألوف في مجال البناء الدرامي و تكنيك السردو مسرحة الفكرة،
رغم انه حاول أن يعمل في مسرحياته على الاحالات الرمزية و السيمولوجية ، الا أن السائد في مسرحياته هو البلاغة و الخطابة و القدرة اللغوية و التكثيف اللغوي و الاحالات الكلامية مع التكنيك التقليدي في البناء و السرد الى جانب ميل الى الاطالة و التأكيد على الحبكة و الفكرة المراد توصيلها،
لذلك يصعب على المخرجين تحويل نصوصه المسرحية الى عروض مسرحية معاصرة بسبب ارتكازه الكبير على الكلمة المنطوقة و الثرثرة اللفظية و غياب نسبي لتكنيك المغايرة و الاستناد على اللامألوف في عملية التمسرح و مسرحة الاحداث و الافكار الذي تناولها الكاتب في مسرحياته القليلة. في اخر تجاربه المسرحية قدم المخرج الشاب المتميز (رافيار نوزاد) مسرحية من نص للكاتب بختيار علي (الضيف من الاراضي البعيدة) و قدمها تحت عنوان (الضيف البعيد) على قاعة الثقافة في السليمانية لمدة 26 يوم بحضور جماهيري كبير،
وقد أستطاع المخرج رافيار نوزاد في هذا العرض كما في عروضه السابقة المتميزة أن يجعل من العرض محورا للنقاش في الاوساط الفنية و وسائط التواصل الاجتماعي و خلقت المسرحية نوع الارتداد في وسط الجمهور المسرحي في كردستان،كل ذلك استند على خلق فضاء مسرحي ممسرح يرتكز على المنظومة السينوغرافية ترافقها منظومة أدائية غايرت المألوف و سحبت العرض من الفورمة الواقعية الرمزية الى المنظومة البصرية التي حاول من خلالها أن يوازن بين المنطوق الحواري و اللفظي مع الصورة المرئية و التشكيلات الجسدية و الحركية من خلال منظومة سينوغرافية مبتكرة شكلت مرجعا جماليا للعرض و منحتها مساحة واسعة لكسر المألوف و اللعب المسرحي و البناء اللاأرسطي في عملية التمسرح و التواصل و التلقي.
حاول المخرج أن يرتكز على خطاب سينوغرافي تعبيري في تأثيث مشهدية العرض من خلال أستخدامة لوسط خشبة المسرح على شكل قريب من طريق بعيد في انحدارات و ارتفاعات فنية و جمالية تتوسطها دائرة خشبية دوارة خدمت ثيمة العرض و فلسفة النص و وزع المخرج الجمهور في شكل نصف دائري على جانبي الطريق و في واجهته الاماميه لكي يخلق حالة جديدة و مبتكرة في عملية التلقي كأن الطريق المنشود يمر من بينهم و يخترق صفوفهم بحيث يقسمها الى قسمين متباعدين و منشطرين،
هذا التأثيث الابداعي لفضاء الخشبة و خلق فضاء تواصلي مغاير مع المتلقي بحيث وضعه في قلب الاحداث و مشاركا مهما و مؤثرا في الفعل الدرامي ، جعل من العرض متوحدا مع الجمهور بحيث خلق من المتلقي شاهد حي على الاحداث المتعددة في العرض و سحبه إلى معايشتها عندما أمتد تأثيرات المتغيرات الدرامية في العرض الى الجمهور و جعلهم جزء من الفضاء الفعلي للعرض خاصة في المشهد الذي يستولي فيه التكفيريون على السلطة فيدخلون من بين الجمهور و يفرقون النساء عن الرجال في صفوف الجمهور و يعزلونهم عن بعضهم البعض،
هذا الارتداد الدرامي على المتلقي جعل منه عنصرا ايجابيا في العرض يشارك الممثل و المؤدي و سيرورة العرض بشكل مباشر و يتأثر بمتغيراته الدرامية و الفكرية،كما أن التأسيس المشهدي في السينوغرافيا و المنظومة الادائية التقديمية التي مهدت لعلاقة مباشرة بين المؤدي و الممثل، جعلت من العرض مساحة تشاركية حقيقيه بحيث مثل المتلقي القطعة الناقصة في المشهدية الدرامية للعرض و هي الشعب،فتحول المتلقي دون إرادته إلى افراد من الشعب المحكوم من الانظمة التعاقبية التي مثلت مراحل تاريخية متعددة في تاريخ الانظمة الحاكمة في الشرق. عمل المخرج على منظومة أدائية تقديمية تعتمد اللعب و تقديم الشخصيات بطريقة لاأرسطية من خلال لعب بعض المؤدين لشخصيات متعددة في العرض و محاولة كسر الايهام الادائي التقمصي الذي مارسه بعض من الممثلين في تجسيد و معايشة ادوارهم المسرحية الذي أضرت بالعرض و منظومته الادائية
حيث كان يفترض فيه أن لايذهب الممثل الى تلك المساحة التقمصية العميقة التي حولت منظومة الاداء لدى بعض من الممثلين من المنظومة التقديمية الخارجية الى منظومة واقعية سايكولوجية غير متجانسة مع التأثيث المشهدي لفكرة العرض و منظومته البنائية التي أعتمدت على كسر الحوائط الثلاثة المفتوحة على المتلقي، لذلك كان أداء (ديدار عمر) لشخصية (نادية) في كثير من مفاصله اداءا سايكولوجيا غير متجانسا مع المنظومة الادائية التي ارتكزت عليها المنظومة البنائية للعرض، هذا الاداء الواقعي أثر على أداء بعض من الممثلين الذين ذهبوا الى نفس تلك المساحة الداخلية في أداءهم للشخصيات المسرحية التي كان من المفترض أن يكون الاداء فيه ممسرحا بشكل يتوافق و يتجانس مع المنظومة البصرية و المشهدية و التواصلية التي تسيدت العرض، لذلك رغم ارتكاز المنظومة الادائية على الشكل و البناء التقديمي للشخصيات الا أن أداء بعض من الممثلين قد أضرت بهذه المنظومة و خلقت فيها نوع من الارتباك و التضاد الادائي.
من حيث تعامل المخرج مع النص، أستحضر المخرج الشخصية الرمزية الذي ارتكز عليه النص بشكل كبير في خلق مساحة من التأويل و التعددية، وهي شخصية غير مرئية في النص كما هي شخصية (جودو) في مسرحية في أنتظار جودو، الا أن المخرج رافيار نوزاد عمل على تجسيد (شخصية سندس) و هي شخصية تأويلية غير حاضرة جسديا في النص، من خلال دشداشة نسائية و كاميرا تمثل رأس الشخصية، هـ