الناقد العراقي حيدر عبد الرحيم الطيب يكتب: ياسر البراك.. مؤسس ومعلم في المسرح العراقي
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
* حيدر عبد الرحيم الطيب
مسرحي عراقي
في هذا المقال المتواضع أعترف بإفادتي من كرم وجود فرقة مسرحية مثل فرقة ( جماعة الناصرية للتمثيل ) ووجود عدد من الشخصيات والقامات الكبيرة . وسأتناول أحد هذه القامات وهو المؤسس لجماعة الناصرية الدكتور ياسر البراك . ومن دواعي سروري أنني في الجماعة الآن وأستاذي البراك يشكل مصدر إلهام و فخر لي لأنني تعلمت على يديه أبجديات المسرح . ووضع لي قاعدة مسرحية وثقافية يحلم بها اي مسرحي سواء كان من الشباب أو من الكبار .
عملت في الجماعة منذ عام ٢٠٠٥ في مسرحية ( قبور بلا شواهد ) للكاتب عمار نعمة جابر . وكانت من إخراج البراك الذي أعطاني دورا من النوادر لأمثالي في أول ظهورهم على الخشبة ليؤدوا مثل هذا الدور . من هنا كانت نقطة البداية في مشواري المسرحي .
وفي عام ٢٠٠٦ أشركني البراك في عمل آخر هو مسرحية ( الموت والعذراء ) للكاتب التشيلي أرييل دورفمان من إخراجه أيضاً وكان عملا تجريبياً تبنت إنتاجه مؤسسة المدى ضمن برنامجها الثقافي نهارات المدى وعرضت المسرحية في بغداد على خشبة المسرح الوطني ، وحقق صدى واسعاً ونال إعجاب المتخصصين في المسرح . كما كُتب عنه الكثير من المقالات مثل : مقالة الفنان عمار سيف تحت عنوان ( جماعة الناصرية للتمثيل .. تقتحم المسرح الوطني بمسرحية الموت والعذراء ) .
والبراك يختلف عن غيره من المخرجين كثيرا ، إذ أنه يزيد الإخراج المسرحي جمالا حينما يعززه بمحاضرات مسرح مرتجلة تكون مدخلا يومياً للعمل المسرحي الذي يقوم بإخراجه . كما يعمل أيضا على إعطاء الحرية التامة للممثل فوق خشبة المسرح لمدة تتراوح من سبعة الى عشرة أيام وبعدها يقوم بتشذيب الزوائد في الشخصية والكاركتر الذي يعمل عليه الممثل حتى يصبح ملائما للشخصية . كان دائماً يكرر علينا العبارة الآتية : ( كل عمل مسرحي عبارة عن درس جديد في المسرح ) ، وغير ذلك فهو يحثنا كثيرا على القراءة في المسرح وفي التخصصات الثقافية الأخرى . له الفضل في الكثير من الشباب الذين تقدموا في العمل المسرح وبعضهم حصل على شهادات شهادات عليا في المسرح فقد كان السند لهم دائما بمعرفته وتوجيهه ومكتبته الشخصية العامرة التي لا يبخل بها على تلامذته وأصدقاءه .
أضاف البراك درسا مسرحياً آخر في جمال المسرح بإخراجه مسرحية ( حرب الفلافل ) للكاتب محمد الجوراني ، وكان عملا ضخما كبيرا ظل في أذهان مشاهديه حتى هذه اللحظة وكنت أحد الممثلين في هذا العمل الذي خطَّ فيها مساراً جديداً من مسارات الإقتراب من الجمهور وهمومه اليومية . لقد منح البراك فرصة لكثير من الشباب المسرحيين الذين أرادوا إثبات حضورهم في الفعل الإخراجي حيث فتح باب الجماعة لكل من يريد ممارسه الاخراج المسرحي بأشرافه . فخرجت من تحت يديه العديد من الأعمال المسرحية لعدد من المسرحيين الشباب مثل مسرحيتي ( تمرد ) و ( تحوير ) للمخرج الشاب مصطفى الركابي ، ومسرحية ( الذي لا يأتي ) و ( إسكوريال ) للمخرج والناقد المسرحي حيدر جبر الأسدي ومسرحية ( خريف التماثيل ) من إخراج علي حسن الكناني .
فضلا عن ذلك هناك العديد من الأعمال المسرحية داخل الجماعة التي لم تصل الى خشبة المسرح بسبب الظروف الصعبة في البلاد والفوضى التي يمر بها المجتمع منذ سقوط النظام السياسي عام ٢٠٠٣ والى الآن مثل مسرحية ( حلقه الشمر ) ومسرحية ( الطبيب الطائر ) ومسرحية ( موزارت وساليري ) ومسرحية ( سجناء المرايا ) ومسرحية ( حصان في البرلمان ) ومسرحية ( كاتم صوت ) وكلها كانت من إنتاج وإخراج البراك وجماعته المسرحية .
توجه البراك في أكثر من مرة الى إستقطاب عدد من الشباب الذين لهم إندفاع كبير والرغبة في الظهور على خشبة المسرح وضمهم الى مدرسة جماعة الناصرية للتمثيل ، فكانت تجربة ( مسرح المقهورين ) حيث وصل عددهم الى ٢٦ شاباً . من بينهم شابة واحدة تمثل العنصر النسوي الوحيد في هذه المجموعة ، حيث تسعى الجماعة دائما في أعمالها المسرحية الى وجود العنصر النسوي في أعمالها.
بدأت هذه التجربة بإقامة ورشة مسرحية بعنوان ( تقنيات الممثل في مسرح المقهورين ) حيث كانت درسا رائعا في مسيرتي المسرحية ، إذ تعلمت كيف تُدار الورشة وماهي قواعدها ، وهذه الورشة منحتنا فرصة تعلم أحد الإتجاهات المسرحية المهمة ورائده أوغستو بوال . وعرفنا المراحل التي مر بها مسرح المقهورين وتحولاته الأسلوبية ، حيث إستمرت أربعة أسابيع خرجت بعملين مسرحيين هما : مسرحية ( ورطة ) عن ( الفيل يا ملك الزمان ) من تأليف سعد الله ونوس ودراماتورج واخراج البراك ومسرحية ( مفتاح الفرج ) للمؤلف عمار نعمة جابر وإخراج البراك أيضا . وكانت هذه التجربة من التجارب الجميلة بكل المقاييس وأجمل ما فيها هو كسر الحاجز الاجتماعي عند النساء من الجمهو المسرحي . الذي يعاني منه المجتمع في مدينتنا بسبب الأعراف والتقاليد البالية ، ومشاركتهن في الحوار والحديث وإعتلاء خشبه المسرح بكل حريه للتمثيل مع الفرقة عبر فعل الإرتجال ، فضلاً عن الرجال من الشباب والمتخصصين .
كانت هذه التجربة ليست عملاً مسرحيا فقط بل متعة لكل المشاهدين في المسرح ، قدم العمل الأول في قاعة مغلقة ( مسرح النشاط المدرسي في الناصرية ) ، وبحضور عدد من الزائرين من المحافظات الاخرى .
أما العمل الثاني ( ورطة ) فقد قدم على كورنيش نهر الفرات في الناصرية وسط جمهور غفير من الشرائح المختلفة . في هذا العمل إعتمد البراك نظام ( الدبل كاست ) مع كل ممثل . الأمر الذي جعل العرض بيومين ولكن بفريقين يمثلان المسرحية نفسها لكن مع تغير الشخصية من عرض لآخر لدى الممثل ليمنح الجميع فرصة المشاركة بالعرض والتجربة معاً . وقد حظيت تجربة الجماعة في مسرح المقهورين بالتناول الأكاديمي في رسائل ماجستير ودكتوراه لمرات عديدة ، الأمر الذي يشكل علامة فارقة لهذه التجربة .
يقيناً أن ما دونته لا يفي البراك حقه على ما قدمه من جهد كبير في تفعيل الحياة المسرحية في المدينة لكنها اشارات كان الهدف منها وضع خطوط عامة لهذه الشخصية المهمة في مسرحنا العراقي التي تحاول أن تثبت حضورها في كل محفل مسرحي .