الناقد حمه سوار عزيز يكتب: طلاق مقدس و غياب الذاكرة الاجتماعية

المسرح نيوز ـ القاهرة: مقالات ودراسات
ـ
حمه سوار عزيز
ضمن عروض مهرجان بغداد الدولي للمسرح الدورة السادسة، قدمت الفرقة الوطنية للتمثيل، مسرحية (طلاق مقدس) على خشبة مسرح المنصور، المسرحية من فكرة مصطفى الركابي، نص و اخراج علاء قحطان، تمثيل كل من (ياسر قاسم، نعمت عبدالحسين، زين علي مجيد و راقصة الكيروغراف روان الرحية).
في اعتقادي المخرج المسرحي هو العالم الكيميائي الذي ينتج مادته من خلال استخدام دقيق لمحموعة من المواد الداخلة في صناعته، لكي يصل الى المادة الصحيحة لابد أن يضبط مقادير العناصر الداخلة في صناعة الانتاج بشكل مدروس و واعي، أي خلل في المقادير يأتي بنتائج عكسية و غير مرضية، وهكذا هو العرض المسرحي الذي يجب على المخرج أن يتوصل الى معادلته الكيميائية بشكل واعي يجمع فيها أنساق العرض بشكل موضوعي و فني في سياق معادلة جمالية تؤسس لفكرة و فلسفة العرض.
النص و المخرج المؤلف:
بروز ظاهرة المخرج المؤلف في المسرح، خدمت كثيرا الافكار و الهواجس التي تراود كثير من المخرجين لكي يصنع عرضا مسرحيا بطريقته الخاصة باعتماد على نص مسرحي مكتوب خصيصا للخشبة و بتقنية معينه تدعم توجهاته الاخراجيه و تصوره البصري لجسد العرض و منظومة تأسيس الفضاء و شكل الخطاب البصري و الفرضية السردية التي يرتكز عليها، لهذا ينبغي أن يكون النص المؤلف من قبل المخرج، نصا موازيا و متناسقا مع البنية الاخراجية و الاساليب السردية التي يتكأ عليها المخرج في صياغة فرضيته الاخراجيه من حيث السياق و البنية الدرامية و بناء الشخصيات و فرضيات الاداء.
في هذا العرض نجد أن النص لم يجاري الافكار الإخراجية التي أستند عليها المخرج في تأسيس جسد العرض و البنية السردية المغايرة الداخلة تأسيس الصورة البصرية، بل على عكس من ذلك وقف النص عائقا أمام تكوين الوحدة الجمالية و الاسلوبية، بسبب تقليدية بنائه الدرامي و ثيمة السرد و تأسيس الشخصيات و غياب المرونة التقنية، حتى الحوار ذهب بالنص الى اصطدام تقليدي بين الرجل و المرأة تارة و بين الرجل و المرأة و الرجل الدخيل تارة أخرى،الدخيل الذي مثل الضلع الثالث من المثلث الذي شكله النص، و دخوله كشخصية ثالثة في العرض، أضرت كثيرا ببنية النص و فضاءاته التأويليه، كما سحبت العرض الى مساحة تقليدية من التصادم و المواجهة المباشرة و فقد ايقاعه و خطابه الجمالي المغاير.
النص ارتكز على المثلث الكوني في الوجود و الذي يتمثل (بالرجل و المرأة و الاخر)، هذا المثلث الذي بدأ مع بداية الخليقة من خلال قصة أدم و حواء و الشيطان، و عند الاغريق تمثل بقصة أوديب و الصراع بين الرجل و المرأة و القدر، شكسبير في مسرحية ماكبث ذهب بنا الى مثلث الرجل و المرأة و هوس السلطة، عند الكاتب النرويجي أبسن أصبح الصراع بين الرجل و المرأة و السلطة الاجتماعية في مسرحية بيت الدمية، عند بريخت أخذ المثلث شكلا ايدلوجيا عندما حول بوصلة الصراع بين الرجل و المرأة و الصراع الطبقي الأيدلوجي، عند (يون فوسه) اصبح الضلع الثالث للمثلث، مجهولا قد يدخل في أي لحظة و يخل بالعلاقة بين الرجل و المرأة، كما في مسرحية (سيأتي شخص ما)،
و الخطر الأكبر سيأتي في المستقبل القريب عندما يكون التكنلوجيا هو الطرف الثالث في المعادلة، أي يكون الصراع بين الرجل و المرأة و التطور التكنلوجي من خلال الذكاء الاصطناعي و مرحلة ما بعد الإنسان، حين يفقد الإنسان مركزيته في الكون لصالح الذكاء الاصطناعي و القوى التقنية البديلة، فنجد حروب بدون جنود، مصانع بدون عمال، و مزارع بدون فلاحين، دوائر بدون موظفين، و هذا ما يجعل الوجود الكوني للإنسان فائضا و غير ضروريا،
لذا أتجهت كثير من الدول الغربية الى دعم المثلية و شرعنتها قانونيا، لكي تحد من ازياد السكان و مواجهة المشكلة الاقتصادية و الاجتماعية الخطيرة التي قد تأتي مستقبلا عندما تحدث أزمات شحة المياه و الغذاء و الوجود الانساني يكون عبئا على الكرة الارضية، لأن التكنلوجيا سيتكفل بالدور الانساني، لذا نجد أن الزواج الطبيعي بين الرجل و المرأة قد أصبح مهددا بنوع أخر من الزواج المثلي الذي قد يهدد وجود و بقاء الانسان في الكون.
في هذا النص هناك منظور مشابه لما ذكرناه، لكن عن طريق أفكار عقائدية قد تنسب ظلما و جورا للدين و العقائد السماوية، عندما يقدس مجموعة عقائدية الطلاق و تحرم الزواج لكي لاينشغل أفراد المجتمع بالامور الاجتماعية و يتفرغون للجهاد و نشر الدين و محاربة الكفر، وكل من يخالف هذه القوانين يعتبر كافرا و يعاقب بطريقة مشينة، و هذا هو بنية الصراع في هذا النص، عندما قرر الزوجان مخالفة القانون الوضعي لصالح القانون الطبيعي و الالهي الذي ينسجم مع الفطرة، لكن عندما يكتشف الجماعة تمردهم، يقررون أن يعدم الزوج زوجته على الهواء مباشرة، عقابا لمخالفتهم قانون الجماعة.
المشكلة الكبيرة في هذا النص بجانب بنيانه التقليدي غير المتجانس مع تأسيس جسد العرض، غياب الذاكرة الاجتماعية للزوج و الزوجة داخل سياقه السردي، ليس من المعقول أن يتحدى الزوج و الزوجة قرار جائر بتقديس الطلاق و تحريم الزواج و التعرض لعقوبة الموت من جراء ذلك، دون أن يكون لهم ذاكرة اجتماعية من المحبة و المودة و المعاشرة تدفعهم الى ذلك القرار و تجعلهم قادرين على المواجهة و التحدي،
هذه الذاكرة كانت من الممكن أن تساعد في تعريف الشخصيات و رسم ماضيهم و انتصاراتهم و اخفاقاتهم، سعادتهم و مشاكلهم اليومية، علاقتهم بالناس و الأهل و الأخرين، كل هذا كان قادرا على مساعدة النص في التعمق داخل الشخصيات و رسم ملامحهم و توجهاتهم و أفكارهم و تفسير وجودهم في هذه الغرفة المعزولة في الفندق لكي يمارسون حياتهم الطبيعية،
على عكس من ذلك اقتصر النص في شطره الاول على المواجهة بين الزوجة و الزوج المكلف بتصفية زوجته عقابا على هذا التحدي لقرار الجماعة العقائدية المتسلطة، و الشطر الثاني هو مواجهة بين الزوج و الزوجة و الشخص الثالث الذي يدخل الغرفة و يمثل الجماعة و ينتهي العرض بإنتصار الزوج و الزوجة على ذلك الشخص و يتركون مربع الصراع هاربين من سلطة الجماعة.
الاخراج و تأسيس الفضاء:
ارتكز المخرج في تأسيس الفضاء على فكرة الوحشة و العنف و الانفعال الحسي و المواجهة العنيفة في رسم العلاقات الشخصيات المتأزمة في العرض، في محاولة لتوصيل و ترسيخ الفكرة الفلسفية للنص عن طريق فضاء مغيم و قاتم و عنيف و قاسي بشكل مؤذي، هذه المشهدية تشكلت من خلال الدخان و اللون و الاضاءة و الموسيقى و الملابس، و التوتر الادائي و حركة الممثل العنيفة و الحضور الدلالي للسينوغرافيا من خلال تحريك السورجيات و الكراسي و الستائر و تحول الممثل الى خيال، من شخصية حقيقه إلى خيال الظل، أجسام سودواية متحركة بدون ملامح لدلالة على فكرة التشئ و تحول الانسان الى القطيع لايفكر و لايدبر و يتبع الاوامر قسرا،
وهذه كانت منظور إخراجي جميل من المخرج، حتى شكل العلاقات العنيفة و القاسية القائمة بين الشخصيات ساعدت بشكل كبير على التأسيس الفضاء النفسي و الحسي المتأزم لكي يدخل المتفرج في اجواء الصراع المشحون بين الزوج و الزوجة عن طريق تفسير و تأويل للعقيدة الدينية من خلال سرد الايات القرأنية كحوارات مسرحية لفضح التفسيرات و التأويلات المذهبية المتطرفة داخل ثنايا الايات القرائية و شرعنة الجريمة و القتل و الدمار، هذا التأسيس السايكولوجي الانفعالي الذي كان مقصودا في العرض، جعل من المخرج يركز على زيادة أستخدام مقادير المؤثرات السمعية و البصرية القاسية و الموحشة و المهيمنة على فضاء العرض و تصديره الى المتلقي من خلال زيادة جرعة الحركة الانفعالية للمثل و الاضاءة المتغيرة بإستمرار و الموسيقى الايقاعية المكتسحة لفضاء العرض و الصالة،
مما جعل المتلقي عنصرا مستلبا و مستسلما متداخلا في فضاء العرض و فرض علية ضغط هائل عندما جعل من صالة المتفرج امتدادا لفضاء العرض من خلال سطوة قسوة المشهدية الدرامية و النفسية و مارس سلطته عليه لكي يجعله مشاركا في الحدث و أدخله في ألاجواء المتوترة للفعل الدرامي العنيف و أفقده الحس الطبيعي للتلقي و المتابعة، حتى أحس بأنه معرض الى خطر شديد، كأنما دخل الى غرفة العمليات كما نادى بهذه الفكرة (أنطوان ارطو) سابقا و سعى علاء قحطان الى تجربته على المتلقي.
هذا التأسيس البصري و الحركي و النفسي لمنظومة العرض و الخطاب السمعي و البصري الكولونيالي، المنبثق من العلاقات التصادمية القائمة بين الشخصيات و الفعل الدرامي المتصاعد بشكل عنيف و على شكل ضربات متتالية، ساعدت في اظهار قساوة الفكرة و تأثيره الاجتماعي المدمر و الكارثي، لكن بشكل من الاشكال اضرت بالعرض أيضا، لأنه أفقده التنوع الادائي و الايقاع الجمالي و عملية مسرحة الفكرة الدرامية بعيدا عن الانفعالات الواقعية و الاصطدامات المتوقعة و التقليدية،
المسرح عليه أن يتجاوز أن يتجسد الواقع بشكله المنتظر و يؤسس لفرضية جديدة و مغايرة تضيف الجمال و المتعة و كسر أفق التوقع الى أي فكرة واقعية، و هذا لم يحصل في هذا العرض، الا من خلال الفواصل الكيروغرافية الذي أقحمها المخرج في العرض لكي يكسر الايقاع و الاجواء الانفعالية المتوترة، لكن المشكلة في هذا التوظيف هو لجوء المخرج الى أن تكون الرقص الكيروغرافي معبر بشكل كبير عن الصراع القائم في العرض، من هناك جاءت الكيروغراف و الرقصات الدرامية كشكل درامي أخر يعيد تجسيد فكرة و فلسفة الفعل الدرامي و فقدت المغايرة و التنوع الايقاعي.
المشكلة الكبيرة في هذا العرض هي محاولة المخرج التغلب على تقليدية النص من خلال اخراج متطور يحاول أن يسحب النص المكتوب من فضائه الواقعي الى شكل مغاير من السرد و التأسيس، لكن بقي النص عائقا كبيرا بمرتكزاته الحوارية و تراتيبية أحداثه الدرامية، فأصبح هناك نوع من الارباك في رسم العلاقة بين الخطاب البصري و المؤثرات البصرية و السمعية التي أسست لسرد غير تقليدي و بين النص الملفوظ ذو المرجعية التقليدية في رسم الشخصيات و شكل الصراع و تراتيبية الحدث و البنيان السرد التقليدي و الاصطدام الواقعي بين الشخصيات و الحوارات الحماسية التي زادت من وتيرة الاداء الانفعالي للممثل و أخرجته عن منظومة الفضاء الجمالي الممسرح.
كما يمكنني أن أقسم العرض من حيث الايقاع و المردود الجمالي، الى مرحلتين، مرحلة ما قبل دخول الشخصية الثالثة و مرحلة ما بعد دخولها، المرحلة الأولى من العرض قدمت بعض معالم الجمالية و الصور الدرامية و كسر المألوف من خلال المشادة بين الرجل و المرأة بالرغم من أن العرض بدأ بشكل إنفعالي غير مبرر و أفتقد الى الرجوع بشخصيتي الزوج و الزوجة الى الذاكرة الاجتماعية التي ذكرناه سابقا و حتى الذاكرة الاجتماعية الجمعية، لكي يؤسس لمنظور الشخصيات و أبعادهم بشكل أكثر أقناعا و يسحب العرض من هذه المساحة الانفعالية المتوترة و المتصاعدة دائما و يكسر الايقاع المكرر و الممل من خلال تواصل الاحداث على نفس المنوال و يمنح المتلقي نوع من السكينة و التلقي المريح.
بعد دخول الشخصية الثالثة التي أضرت بفكرة و فلسفة العرض كثيرا، حيث قتلت التأويل و التخييل و المشاركة الفكرية للمتلقي في ترسيم و ملء فجوات العرض، أصبح المسافة الجمالية بين طرح العرض و توقع المتلقي قريبا من الصفر، لأن المخرج قطع على المتلقي كل الاحتمالات التي كان من الممكن أن يرتكن اليها في تأسيس فكرته و تصوره لهذا الطرف المؤثر و المتداخل في الاحداث، اذا رجعنا الى كل الافكار المسرحية التي أسست لهذا المثلث سابقا،
كما نرى أن الطرف الثالث دائما ما هو الطرف الغائب الحاضر، المؤثر غير المرئي، طرف غير عياني و قابل للتأويل و التصورات المختلفة، لكن عندما يتجسد هذا الطرف في العرض، يفقده كثير من الافكار و الجماليات و يحول العرض الى عرض تقليدي يتنازع شخصياته الافكار و المعتقدات بشكل تقليدي، حتى أن المخرج في هذا العرض ذهب بالصراع من صراع فكري و فلسفي الى صراع جسدي حين يتشابك الطرفين من خلال الأيدي في نهاية العرض، و هذا ما جعل العرض فاقد لقدرة ترسيم و تأسيس بنية الصراع الفكري و العقائدي من منظوره الفلسفي و الجمالي و سحبه الى المساحة الصراع الجسدي الذي يرتكز على منطق قوة لا قوة المنطق..
المخرج كان ذكيا و مبدعا في رسم أزياء الشخصيات الثلاثة الرئيسية، كأنها أزياء تمثل المصارعين الرومان الذين كان يتقاتلون من أجل الحياة و يمتمع السادة و النبلاء بمشاهدة هذا المشهد الدموي من الفوق، ولكن حوله الى لون الاسود لكي يضيف اليه الطابع العقائدي في الصراع و المعركة، كأنما المسرح أصبح حلبة رومانية يتقاتل داخلها الافراد من أجل النجاة و يستمتع القادة و الامراء من الفوق و هم ينظرون الى قوانينهم و تعليماتهم كيف صنعت قطيعا تتبع صوت الاجراس، كما أن الرسم السينوغرافي ساعدت في بناء المنظور البصري و الجمالي في تأسيس فكرة العرض عندما رسمت لنا المكان كبؤرة خطر دائم يهدد كل المشاعر و القيم الانسانية النبيلة التي تمثلها علاقة الرجل بالمرأة من خلال رابطة الزواج االمقدسة و المحرمة في ان واحد.
المنظومة الادائية للممثل:
في كثير من العروض المسرحية، المنظومة الادائية للمثل تكون مؤثرا و فعالا بشكل كبير في مسرحة الفكرة و القصة الواقعية و سحبها من مناطقها التأسيسية المتوقعة، في هذا العرض بسبب الحضور الكبير لشخصيات النص داخل سياق منظومة العرض، لم تترك مساحة كبيرا للممثل لكي يلعب على وتيرة مسرحة الشخصية و تغريبها و انتزاعها من محيطها الاجتماعي و الواقعي التقليدي، هيمنة الملفوظ الحواري التقليدي التي كان عائقا أمام هدم شخصية النص في سبيل بناء و استحداث شخصية العرض بأنساقه الممسرحة و المغربة عن الشخصية الواقعية المتوقعة،
كل هذا أدى بأن ينحصر أداء ممثلي العرض في مربع تمثيلي تقليدي ملئ بكثير من الافراط في الانفعال و الصياح و الزحمة الادائية التي قتلت الانسيابية و العفوية في رسم الشخصية و مسرحتها، حاول الممثلون أن يرتكنوا الى مهاراتهم الادائية و استخدام اللغة الجسدية و الحركات الايمائية لكي يصنعوا معادلا جماليا لهيمنة الحوار الحسي الانفعالي المفرط، ولكن كان دائما ما يصطدمون بالملفوظ الحواري الساخن التي يرتكز على الاداء الحسي الداخلي و زيادة الايقاع التوتري في رسم أفعال الشخصية، و في غياب الذاكرة الاجتماعية في بناء حبكة المسرحية، لم يتحصل الممثل داخل النص على أي مساعدة في تأسيس لمنظومة أدائية تعتمد التنوع الادائي من الصمت و السكوت و السكون و الانفعال المبرر،
حتى الموسيقى و المؤثرات الصوتية و البصرية لم تمنح هذه الفرصة للممثل، الذين يمتلكون على مهارات أدائية جيدة ، خاصة (ياسر قاسم و نعمت عبدالحسين) الذين أدا دور كل من الزوج و الزوجة بشكل متقن من حيث مرجعيات أفكارهم المضادة، لكن دخول الشخصية الثالثة أربك الفعل التمثيلي و أوقع العرض في صراع تقليدي غير قادر على خلق أداء تقني و ابداعي للممثل.
التسرع و الاسراع و التخلص من الكلمات مثلت صورة اخرى من صور الحضور الادائي في العرض، الانفعال الحسي و النفسي الزائد و المبالغ فيه، جعل من التقمص و لبس الشخصية و معايشة انفعالاته ثيمة أداء التمثيلي للممثل، كأنه تحول الى الشخصية النصية و لغى حضور شخصيته الدرامية،
كل هذا جعل من التلفظ الحواري أن يتسابق مع الانفعال المفرط و يفقد كثير من الحروف و مخارج الكلمات المنطوقة، و الصياح و الزحمة الادائية الواقعية لم يبقي للممثل مساحة للتنفس و كسر الايقاع و الاسترخاء، كل هذا جعل من الاداء التمثيلي فاقدا للقدرة على التأسيس لفعل أدائي مغاير و مغادرة الاداء التلقيني و الخطابي الذي يعتمدة على حنجرة الممثل و نبرة الصوت الجهوري و الملئ بالصياحات،أفقد الممثل كثير من طاقاته الايجابيه و مهاراته الادائية، و الغريب في الامر أن المخرج واحد من أهم الممثلين العراقيين الذين يمتلكون تقنية خاصة و يقدمون أداءا ممسرحا و فريدا بعيدا عن الاداء الانفعالي التقليدي.
أنا أستغرب لماذا لم يصدر هذا الأداء لممثليه لكي يغادروا المنطقة الادائية التقليدية باتجاه أداء تقني يعتمد على تكنيك الممثل و مهاراته في رسم الحالات النفسية و الدرامية للشخصيات المسرحية دون وقوع في مطب الاداء النمطي و الانفعالي.