مقالات ودراسات
الناقد حيدر عبدالله الشطري يكتب: سلطة الخطاب وكيمياء العرض في مسرحية “اكسباير “
مقاربات نقدية للدورة السادسة من مهرجان بلد الصمود الدولي بالعراق 2020
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
حيدر عبدالله الشطري
يشكل الخطاب الفكري للنص المسرحي وحدة منفصلة قبل تحقق شكله المشهدي على الخشبة وان عملية الفصل بينهما هي مساحة اشتغال لمفاهيم اخرى والتي تعنى بدراسة التحول من نظام الى آخر واعادة انتاج المعانٍي واحالتها إلى موضوعات جديدة من خلال تثوير بناها الداخلية وإضاءتها.
والخطاب النصي ذو اهمية قصوى باعتباره القاعدة الاساسية الواضحة للظاهرة المسرحية التي تنتج المعنى وتبحث فيه وهو مجموع الاستراتيجيات في موضوع يسعى لإنتاجه وبناء فني يقترحه وبالتالي احداث يقع عليها وهو بذلك يحاول أن يرتقي إلى مستوى الإبداع و التجديد .
وكذلك لا ينكر احد على المسرح خصوصيته التي يمتاز بها على الفنون الاخرى والتي تتشكل عبر تفاعل وتجانس ثالوثه الاتصالي ( رسالة , مرسل , مستقبل ) والتي تتسم كل منها بسمات تختلف عن باقي الفنون .
فالعرض العياني الذي يبث رسائله مباشرة في الاحتكاك مع المتلقي هو الباعث الحقيقي لتأكيد تلك الرسائل وبالتالي انتظار النتائج المترتبة من عملية التفاعل تلك والتي يسعى اليها العرض الفاعل الذي يشتغل دوما على الانجاز وتحقيق الاهداف بأقصر الطرق .
فالمسرح يعمل على التأثير الاني والمباشر على المتلقي وادامة التواشج معه بأواصر علائقية وثيقة تسعى لتحقيق غاياته واهدافه ويعمل كل ذلك بكيمائية تفاعلية تمتزج فيها كل العناصر لتشكيل وانتاج منظومة فرجوية مبتكرة.
وقد اعتمد عرض مسرحية ( اكسباير ) على توليف نصوص مختلفة رصفت ببناء معماري غير خاضع الى بناء درامي يمكن تتبع مساره وبذلك اتاحت للمتلقي مجموعة من الروابط ومنحته امكانيات متعددة للاختيار والانتقال من موضوع الى آخر لكنها في الوقت نفسه لم تكن تمنحه مسايرة ومتابعة عقدة واحدة لتعدد عقده المختلفة التي ينتقل النص في تناولها واحدة بعد اخرى وبذلك قدم شبكة من الموضوعات والمعلومات والحقائق لتقترح على المتلقي اعادة انتاجها من جديد .
ولم تكن تلك الوحدات المشَكِّلة للنص ترتبط باي شكل من الاشكال البنائية وانما جاءت ببناء افقي ناتج عن توالي تلك الوحدات يتم الانتقال بينها بانتهاء عرض كل واحدة منها.
واعتمد على ارسال بعض الشعارات والأشعار والعبارات التي تتحدث عن اليومي والمعاش في الحالة العراقية وما تتعرض له من ويلات ومأسي , ومحاولة استنطاق صور يومية يصادفها الانسان العراقي في محاولة للتأثير السريع على المتلقي وبأقصر الطرق واسهلها , فليس هناك ثمة حوار مسرحي يفضي الى صراع فكري بين ارادتين وانما عبارة عن حجج تعرضها الشخصيات الاربعة والتي تعبر من خلالها عن رفضها لقدرية محتومة او قوى غير موجودة او ارادات لا قِبَل لها بمواجهتها .
وهكذا نرى ان كل شخصية تعلن عن موضوع معين (الكهرباء) مثلا ومعاناة الانسان العراقي جرائها لتنتقل الشخصية الاخرى الى موضوع آخر ( الانتخابات) وما انتجته في الواقع العراقي دون الانتهاء من مناقشة ذلك او تناوله من زاوية فنية مبتكرة بلا مسوغات فنية لهذا الانتقال العشوائي بل اكتفى بالإشارة فقط الى تلك ( الثيمات ) التي كان بالإمكان استثمارها بكتابة نص درامي محكم .
وبذلك مارس النص الموَلَّف خطابا سلطوياً بالغ في التركيز على محاولة التأثير على قناعات المتلقي ومحاولة تشكيل وعي ثوري لديه وقد كانت له سطوة معرفية واضحة وجلية في بنية العرض المسرحي من خلال رسائله المتوالية الواضحة التي كانت غاياتها حمل المتلقي على السلوك وفق مضمون هذه الرسائل . فالخطاب وهو يشكل الوعي… والوعي الذي يحدد نمط السلوك والموقف من الآخر والحياة بعامة يتحول إلى سلطة، وهذا ما يؤكده الفيلسوف الفرنسي ( ميشيل فوكو ) .
لذلك لم تكن هناك ملامح للمكان في بنية العرض ولم يعمل المخرج على تأسيس بنية مكانية ينطلق منها العرض نحو اهدافه وغاياته , فالمكان الذي تتحرك فيه الشخصيات الاربع هو بيئة غير محددة تتلاشى حتى في اقرب نقطة للنظر اليها , ولم تكن الا عبارة عن دائرة مغلقة تدور فيها الشخصيات بتشكيلات حركية مكررة تعلن في كل مرة عن ارهاصاتها ومعاناتها من الموت التي يتربص لها في كل حين .
سار العرض بصورة افقية دون الركون الى عرض يحتكم الى بناء درامي ومشهدي تتحقق فيه الاشتراطات المسرحية ولم يكن هناك فعل مسرحي يسير باتجاهات متعددة ويتنامى للوصول الى ذروة معينة يبتغيها العرض فاللحظة المحتدمة التي ابتدأ فيها العرض تستطيل رويدا رويدا لينتهي بها نفسها برتابة تكرارية ومتوالية .
وبذلك لم تتفاعل عناصر العرض المتعددة ببوتقتة الفرجوية لتنتج لنا عرضاً مسرحياً منضبطاً فكانت كيمياء خاملة بحاجة الى معرفة فنية وسبر اغوار العملية التركيبية للمشهد المسرحي اولا ومن ثم التشكيل العام للعرض عموماً , لتحقيق عملية تجانس علمية تتآصر فيها جميع المكونات ( العناصر ) لتعطي صورة حية تفاعلية لخليط جمالي جديد وتكاملي هو العرض المسرحي.
ولم يكن هناك معادل موضوعي تمثيلي لخطاب النص المتسلط الذي أُرسل بصورة مباشرة الى المتلقي حتى ان كل ممثل عندما يأتي دوره يتجه نحو الجمهور في وسط المسرح ويلقي حواره امام الجمهور وموجهاً له , حتى ان العرض وفي الكثير من حالاته كان اشبه ب ( اوبريت ) والذي لا يخضع للقواعد المسرحية الصارمة وانما يكتفي بخلطات حوارية مرسلة .
بقي ان نؤشر باعتزاز للطاقات المسرحية الشابة والواعدة التي اخذت على عاتقها حمل رسالة المسرح الكبير والتي تشتمل على المخرج والممثلين والفنيين الذين اجتهدوا في تقديم عرضهم هذا والذي نستطيع من خلاله ان نتلمس حرصهم الكبير على تقديم اعمال مسرحية لاحقة بخطوات واثقة ومخلصة .