مقالات ودراسات
الناقد حيدر عبد الله الشطري يكتب: انتعاش المونودراما في عروض الأون لاين .. مسرحية “وهم ليلة واحدة” الوباء الذي اجتاح العالم!
مقاربات نقدية للدورة السادسة من مهرجان بلد الصمود الدولي بالعراق 2020
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
حيدر عبد الله الشطري
العراق بالنظر لما يشهده العالم من تحديات جوهرية في حياة الناس عموما نتيجة لتأثيرات الوباء الذي اجتاح العالم والذي يشترط التباعد ومحدودية التفاعل والتشارك الانساني , لذلك حرص المسرحيون في البحث عن اكتشاف طرق ووسائل جديدة لإدامة التواصل عبر وسائل الاتصال الحديثة . فكان السعي حثيثاً لابتكار أشكال فنية يسجل فيها المبدعون طروحاتهم ورؤاهم عبر حكايات تصور معاناتهم وآلامهم التي يعانون منها جراء الوضع الجديد الذي فرض على الانسانية جمعاء فالشخص المحجور داخل بيته دون ان يكون جزءا من حراك اجتماعي مشترك في الشارع والمسرح والمقهى وكل الاماكن التي يتواصل الانسان فيها مع الاخر من الطبيعي ان يسعى الى تقديم حكايات مونودرامية انفرادية من داخل بيته .
وبذلك كانت معظم العروض المسرحية التي قدمت خلال فترة الوباء عروضا مونودرامية لممثل واحد يجسد شخصية واحدة يعبر من خلالها عن انعزاليته وازماته نتيجة لذلك الانعزال وبذلك فرضت المونودراما وجودها وضرورتها في الواقع الجديد وانتعاش عروضها الفردانية . النص وكان ذلك ايضا باعثا مهماً في تناول موضوعات الفقد والغياب وطرح المواضيع التي تناقش غربة الانسان في مجتمع يحرم فيه التواصل مع الاخرين . فكان موضوع عرض ( وهم ليلة واحدة ) يتحدث عن فكرة الفقد من خلال شخصية امرأة تفقد اولادها بحادث موت الولد نتيجة تركه لوحده مع اخته والتي تغيب بطريقة اخرى لم يفصح عنها النص لتبقي خيوط الترقب مشدودة خلال العرض الذي كرس هذا المفهوم وتعزز وهم المرأة بالاتصال بابنتها الغائبة من خلال جهاز التلفون والذي يتبين فيما بعد انه كان مقطوعا ولا يعمل , الوهم الذي يرادف الامل برجوع البنت من مصير مجهول لن ولم يكن غير الموت من مآل يمكن ان يكون حال البنت الغائبة . اشتغل النص على ثنائية الحضور والغياب بما يعزز فكرة خطاب النص الذي يتشكل عبر طروحاته ومنظومته التعبيرية والجمالية والفكرية والتي ترتبط ارتباطا وثيقا مع كل المتغيرات المتحركة التي تواجهها الشخصية في الظروف التي تعيشها وسكونية حركة الشخصية التي تدور في دائرة مغلقة محاطة بكل ادوات الفقد والخيبة والخسران . ويتجسد معنى الحضور والغياب باعتبارهما ثنائية جدلية يتوقف عليها مصير الوجود الانساني في الكثير من المناسبات بكل الامه واوجاعه ومعاناته , ويعد موقفاً فكريا تَناوله الادب كثيرا والمسرح خصوصا كونه ارض ثرية وخصبة لاجتراح نص درامي ابداعي يشتغل في منظومة هذا الوجود والذي يبحث فيها كثيرا الخطاب المسرحي الفاعل الذي يناقش مشاكل الانسان في كل زمان ومكان.
وكان النص امينا في الاشتغال على هذه الفكرة وتأكيدها عبر صراع درامي ذاتي تعاني منه الشخصية في مواجهتها لكل ما يفرض اسباب هذا الغياب وديمومته. العرض كان تقديم العرض في صالة البيت يفرض اشتراطات تقديمية كانت مقدمة العرض على وعي كامل بمحدوديتها لذلك عملت على استثمار كل ما يتوفر في هذه الصالة ( الخشبة ) والاشتغال عليه بما يخدم فكرة العرض فكانت تتحرك في جغرافية محددة لم تكن تحتاج اكثر منها في تعميق فكرة العرض الا فيما يخص تأسيس الفضاء المسرحي بتقانات لم تكن متوفرة في كل الاحوال في هذه الصالة . فسار العرض بوتيرة تراتبية اعتمد في الكثير لحظاته على حركة الممثلة وتنويعاتها الادائية والتعبيرية فكانت تتنقل من فعل الى آخر بانسيابية حركية تنم عن ممثلة تعرف جيداً واجباتها على الخشبة عبر احساس واعٍ ومعبر يرسم خلجات الشخصية ومعاناتها وفق ايقاع لم يستطع ان يكون اكثر وضوحا ربما لقصر العرض والذي اشتمل على حضور غير مكتمل لعناصر العرض الاخرى (السمعية والبصرية ) .
واخيرا لابد من الاشارة الى انه في الوقت الذي يسعى فيه المسرح الى تأكيد مهمته باعتباره من اهم وسائل الاتصال , فقد كانت روح المسرح حاضرة في مثل هكذا محاولات ترفض التغييب القسري والحضور المفقود والقدرية التي يجب ان لا يقف الانسان ازائها مستسلماً فكيف بالمسرح الذي يسعى الى بناء حياة حرة وكريمة للإنسان… انها فرصة لمشاهدة عرض بدون جمهور لممثلة تعلن عن حضورها ومن ثم سنشاهده نحن عبر وسائل الاتصال الحديثة , هي ربما مفارقة ما كنا لنتوقع انها ستحدث يوما واعتقد انها صورت لنا باختصار ما حدث للعالم والذي يجب ان نقف بمواجهته جميعاً وليكن المسرح هو اول اماكن المواجهة ونقطة الشروع نحو الانتصار على كل ما يهدد امن الانسانية.
