الناقد محمد الروبي يكتب:”مشهد” ..مرة أخرى وليست أخيرة المسرح .. ممثل
المسرح نيوز ـ القاهرة |محمد الروبى
ـ
أعطنى ممثلا جيدا أعطيك مسرحا جيدا ..
الحقيقة المسرحية تقول إنه يمكنك الاستغناء عن النص، عن المنظر، عن البؤر الإضائية، عن الموسيقى، عن … وعن … إلا الممثل . فبممثل ومكان يجتمع فيه مع الجمهور يمكنك أن تقدم مسرحا جميلا .
أعرف أن تلك بديهية يعرفها المسرحيون، لكنى أعرف أيضا أن هذه البديهية يتجاهلها الكثير من المسرحيين!
فكثير من مخرجينا لا يكتفون فقط بالبذخ فى كل هذه العناصر ( المساعدة ) بل ويثقلون عروضهم بمقدمات استعراضية راقصة، آخر فواصل يوقفون بها السرد الدرامى، للدرجة التي جعلتني أتساءل ساخرا أثناء تحكيم إحدى الفعاليات المسرحية: “هل يجوز شرعا تقديم عرض مسرحي دون رقص؟”.
والغريب والمدهش أكثر أن هذه العروض الغنية بكل ما هو مميت – حسب تعبير العم جروتوفسكى – ستجد أن أضعف عنصر فيها هو العنصر الأهم وهو الممثل !
وهنا سأتذكر معكم عرضا لفرقة بريطانية دعيت للعرض على مسرح الأوبرا الكبير منذ ما يقرب من أكثر من خمسة وعشرين عاما ( تخيلوا خمسة عشرون عاما وما زلت أتذكر تفاصيل العرض! ) .
كانت الفرقة تقدم مسرحية شكسبير الأحب إلى قلبى ( الملك لير ) . ولير – كما لابد أنكم تعرفون – تتجاوز عدد شخصياتها الرئيسية العشرة أشخاص ، لكن الفرقة فاجأتنا بأنها قدمت الملك لير كاملة ودون حذف يذكر بخمس شخصيات فقط ! بل وعلى خشبة عارية تماما إلا من سُلمين خشبيين ودلو ماء معدنى … وفقط !
دخل الممثلون الخمسة ( ثلاثة رجال ومرأتان ) فى بداية العرض دخولا يبدو عشوائيا وكأنهم يستعدون لإجراء بروفة لعرض لا عرض … ثم شاهدناهم يعلقون ملابس العرض على الستارة الخلفية للمسرح ، ثم بدأوا فى الدخول فى أداء مبهر لأحداث “لير” دون أن يترك ممثل منهم الخشبة طوال مدة العرض التى تجاوزت الساعة والنصف !
واتفق الممثلون معنا منذ المشهد الأول وحسب أدائهم الذى استمر طوال العرض على أن الممثل أو الممثلين الذين يقفون فى نهاية وسط الخشبة يعطوننا ظهورهم غير مشاركين فى المشهد ، وكان الاتفاق متقنا للدرجة التى تعودت فيه عيوننا على عدم رؤيتهم .
والآن راجعوا معى ما سبق وأن ذكرته : مسرحية الملك لير تقدم بسُلمين خشبيين ( أحدهما أقصر من الآخر ) ودلو ماء ( سيقوم بالدور الأهم فى مشهد العاصفة الأشهر ) وخمسة ممثلين . ووسط كل هذه البساطة أداء مبهر لممثلين ينتقل كل منهم من شخصية لأخرى دون أى ارتباك أو تداخل .
والأجمل أننا – كجمهور – استمتعنا بالعرض الشكسبيرى الجليل استمتاعا كدنا معه أن نكتم أنفاسنا كى لا تشوش أصواتها على معزوفة الأداء التى نرى . بل وظللنا نتذكر العرض بكل تفاصيله طوال هذه السنوات الطويلة .
لذلك وفى كل مرة أشاهد فيها عرضا مصريا من تلك المتخمات بالديكور والرقصات المجانية والتغييرات الإضائية المجهدة للنظر أتذكر هذه الليلة الممتعة وأتساءل ” متى سنتخلص من كل هذه العناصر المميتة ونعود إلى أصل الفن المسرحى ألا وهو ( الممثل ) و ( الرؤية الإخراجية ) …. متى ؟