بمناسبة ذكرى وفاته .. د. عمرو دوارة يكتب: فــؤاد المهنـــدس نجم المسرح الذي استغلته السينما
المسرح نيوز ـ القاهرة ـ وجوه مسرحية
ـ
بقلم| د.عمرو دوارة
الفنان القدير/ فؤاد المهندس قامة فنية رفيعة المستوى، وقد رحل عن حياتنا في 16 سبتمبر 2006 بعد رحلة عطاء فنية ثرية طويلة تزيد على نصف قرن، قدم خلالها أكثر من خمسة وستين فيلما وأكثر من عشرين مسرحية، وذلك بخلاف عشرات المسلسلات التليفزيونية والإذاعية التي استمر في تقديمها لسنوات طويلة، ومع ذلك تبقى المحصلة للأسف بضع كلمات أو جمل قصيرة يشير فيها النقاد إلى تميزه في أداء الأدوار المختلفة أو بعض الصفحات الفنية التي تتناول مسيرته الفنية من خلال مجموعة الأحاديث الصحفية والمتضمنة لبعض الصور الشخصية، وذلك في غياب أية دراسات نقدية حقيقية تتناول أعماله المختلفة خلال هذه المسيرة الثرية بالنقد والتحليل لترصد أهم العوامل التي ساهمت في تميزه الفني وفي تكوينه وتشكيله وكذلك رصد أهم سماته الفنية ومظاهر تألقه بمدرسته المسرحية.
لقد قضى الفنان القدير فؤاد المهندس سنوات طويلة لإسعادنا مع سبق الإصرار والترصد وبكل الجهد والمثابرة مما أهله لهذه المكانة المتميزة في قلوب الجماهير، وأيضا لحصد عد كبير من الجوائز والتكريم سواء بالمهرجانات المحلية أو العربية ولعل من أهم هذه الأحداث تكريمه بالمهرجان الأول للمسرح الضاحك الذي نظمته “الجمعية المصرية لهواة المسرح” عام 1994، وبمهرجان “القاهرة السينمائي الدولي” عام 1999، وجائزة “المركز الكاثوليكي للإبداع الفني”، ثم جائزة الدولة التقديرية عام 2005، كما تم تكريمه أيضا عام 2006 بالمهرجان القومي الأول للمسرح المصري.
البدايــة والنشــأة:
ولد فؤاد المهندس في السادس من سبتمبر 1924 بمدينة القاهرة وبالتحديد بحي العباسية وهو الابن الثالث للدكتور/ زكي المهندس العميد الأسبق لكلية دار العلوم رئيس مجمع اللغة العربية سابقًا، وهو شقيق الإذاعية الكبيرة صفية المهندس (زوجة الإعلامي الكبير الراحل محمد محمود شعبان) والأستاذة درية، أما الشقيق الأصغر فهو سامي المهندس.
وقد بدأ هواية التمثيل بتقليد الأساتذة منذ المرحلة الابتدائية والمشاركة بفرق المسرح المدرسي ثم المسرح الجامعي.
وقد دفعه شغفه بالمسرح إلى التعرف على الفنان القدير نجيب الريحاني عن طريق زوج شقيقته (محمد محمود شعبان – بابا شارو) وبالفعل احتضنه الريحاني ووافق على إخراج أحمد أعماله كلية التجارة ومنح فؤاد المهندس فرصة البطولة والقيام بدوره.
حصل فؤاد المهندس على بكالوريوس التجارة بجامعة فؤاد الأول عام 1948، وتم تعيينه بإدارة رعاية الشباب ومارس الإخراج للفرق المسرحية الجامعية حتى استقال بعد ذلك للتفرغ للأعمال الفنية.
المسيــرة الفنيــــة:
تعتبر الإذاعة وبالتحديد برنامج ساعة لقلبك هى نقطة الانطلاق الحقيقية للفنان فؤاد المهندس حيث انضم إليه عام 1953 وأصبح من أهم نجومه بشخصية محمود المثقف المغلوب على أمره بسبب زوجته الجاهلة المزعجة والتي جسدتها الفنانة خيرية أحمد.
ولنجاح برنامج “ساعة لقلبك” ساهم المهندس مع زملائه من النجوم، ومن بينهم سمير خفاجي ويوسف عوف وخيرية أحمد، وأمين الهنيدي، وأبو لمعة، وبيجو في تكوين فرقة ساعة لقلبك المسرحية عام 1955، وقام بإخراج أول أعمالها: “ما كان من الأول” ومثل في معظم أعمالها ومن أهمها” “البعض يفضلونها قديمة” .
وتجيء نقطة الانطلاق الثانية بتأسيس فرق التليفزيون المسرحية فحقق من خلالها انتشارا كبيرا بمشاركته في بطولة ثلاث مسرحيات هي: “السكرتير الفني”، أنا وهو وهي”، “أنا فين وأنت فين” (1964)، وبعد ذلك ينجح فؤاد المهندس مع نخبة من نجوم فرق التليفزيون في تأسيس فرقة الفنانين المتحدين بقيادة/ سمير خفاجي ليقدم مجموعة من أفضل مسرحياته ومن بينها: “أنا وهو وسموه” (1966)، حوار الساعة 12 (1967)، سيدتي الجميلة (1968)، وينقطع عن الفرقة وينفصل عنها ولكنه يعود إليها في أواخر الثمانينيات ليقدم علشان خاطر عيونك (1987).
وينضم الثنائي الناجح فؤاد المهندس وشويكار إلى فرقة الكوميدي المصرية عام 1971، وهى الفرقة التي قام بتأسيسها محمد عوض مع صلاح يسري، ويقدم نجمة الفاتنة (1971)، هاللو دوللي (1971)، يا ما كان في نفسي (1973)، ليه ليه،؟ (1976)، إنها حقًا عائلة محترمة (1978)، سك على بناتك (1979)، قسمتي (1983) بالمشاركة مع قطاع المسرح، “هالة حبيبتي” (1984)، وبعد ذلك يشارك المهندس في تقديم مسرحيتين مع شويكار أيضًا هما: “روحية اتخطفت” (1990)، “مراتي تقريبا” (1991)، وهما من إنتاج القطاع الخاص، وفي رأيَّ أن درة أعماله المسرحية هى: “سيدتي الجميلة” بلا منازع ليس فقط لجودة النص الأجنبي أو الإعداد المصري ولكن أيضًا لتكامل عناصرها الفنية وتناسب الدور مع فؤاد المهندس والتوظيف الكامل لقدرات شويكار الفنية.
المسيــرة السينمائيـــة:
كان أول الأفلام التي شارك المهندس في بطولتها هو فيلم “غلطة عمر” عام 1953، أما الفيلم الثاني فكان أول بطولة مطلقة وهو فيلم “بنت الجيران” مع شادية وعمر الحريري ومن إخراج/ محمود ذو الفقار، وبرغم ذلك العدد الكبير من الأفلام التي شارك فيها المهندس بعد ذلك إلا أنني أرى أن مساهماته المسرحية أكثر عمقًا وأعظم أثرًا خاصة وأن عددًا كبيرًا من الأفلام التي قام ببطولتها كانت استغلالاً تجاريًا لموهبته ولنجاح بعض المسلسلات الإذاعية، خاصة تلك الأفلام التي قدمها في الفترة ما بين 1967، و1973، ومثال لها: “أخطر رجل في العالم”، “الراجل ده هايجنني” ،”شنيو في المصيدة”، “مطاردة غرامية“، “العتبة جزاز”، “أنت اللي قتلت بابايا“، “عودة أخطر رجل في العالم”، وإن كان هذا لا ينفي مشاركته في بطولة بعض الأفلام الجيدة، ومن أهمها: “أرض النفاق“، “أيوب“، “ونسيت أني امرأة” من إنتاج التليفزيون والظاهرة التي تستحق الدراسة حقًا أن فؤاد المهندس قد نجح في إظهار تميزه وموهبته الفنية في بعض الأفلام التي قام من خلالها بأداء الأدوار الثانوية وليست البطولات المطلقة فنجح في لفت الأنظار إلى موهبته وتأكيد حضوره الفني وأعتقد أن السبب الأول في ذلك يعود إلى جودة صناعة هذه الأفلام وارتقاء مستواها، وذلك على عكس تلك الأفلام التجارية التي حاولت استغلال شهرته، وذلك على عكس تلك الأفلام التجارية التي حاولت استغلال شهرته، وربما هذا يفسر أيضًا تراجعه عن البطولة المطلقة التي قدمها في “بنت الجيران” وتقديمه لبعض الأدوار الثانوية الناجحة والتي تتسم بالإنسانية لأنني أرى أن “المهندس” ممثل بالدرجة الأولى وحتى في مجال الكوميديا يمكن أن يلقب بالممثل بالكوميدي وليس بالكوميديان الذي يندرج تحت مسمى “المهرجون” وتضم قائمة الأفلام لفؤاد المهندس مجموعة من الأفلام المهمة، ومن بينها: “بين الأطلال”، “نهر الحب“، “الشموع السوداء”، “ألمظ وعبده الحامولي“، “شفيقة القبطية”، “جناب السفير”، “صاحب الجلالة“، “عائلة زيزي“، و”فيفا زلاطة” الذي غامر المهندس بإنتاجه لاقتناعه بفكرته، وأرى أن درة أفلام المهندس “أرض النفاق” عام 1968، وكذلك “عائلة زيزي“، “ألمظ وعبده الحامولي“، و”أيوب” بعد ذلك، ويأتي بعد ذلك مجموعة أفلامه الأخيرة “خلي بالك من جيرانك“، “خمسة باب”، “البيه البواب“، “ونسيت أني امرأة“، والمؤسف أن السينما قد أدارت ظهرها “للمهندس” خلال السنوات العشر الأخيرة.
أعمالــه الإذاعيــة والتليفزيونيــة:
بدأ تألق المهندس إذاعيا من خلال برنامج “ساعة لقلبك” واستمر لسنوات في المشاركة بالمسلسل الشهير “عائلة مرزوق أفندي” واستمر بعد ذلك في ولائه للإذاعة بتقديمه العديد من المسلسلات الرمضانية الناجحة، ومن أهمها العتبة جزاز، و”شنبو في المصيدة” أنت اللي قتلت بابايا، وكذلك برنامجه الشهير “كلمتين وبس” لأحمد بهجت، والذي كان يختمه بعبارة: “مش كده ولا إيه؟” .
أما في التليفزيون فقد كانت البداية بالستينيات حينما شارك الفنانة سناء جميل في تقديم برنامج “وراء الستار“، كما شارك تقديم فوازير “عمو فؤاد” للأطفال، لأكثر من عشرين عامًا، وأيضا بعض المسلسلات المهمة، ومن بينها: “عيون”، “الزائر المجهول“، و”أزواج لكن أغبياء”.
عوامــل تألقــه الفنــى:
يصعب على الناقد والباحث القيام برصد وتحليل العوامل التي تساهم في تكوين وتشكيل فنان، وذلك لأنها عوامل متعددة ومتداخله ويؤثر بعضها في بعض، ويكون لبعضها تأثير مباشر في حين يكون لبعض العوامل الأخرى تأثير غير مباشر، ولكن من خلال تلك المحاولة يمكننا رصد عشرة عوامل ساهمت في صقل موهبة المهندس ويمكن حصرها في النقاط التالية:
أولاً: المناخ العائلي حيث الأسرة المثقفة وخاصة الوالد وإجادته التامة لقواعد اللغة العربية، وثقافته الغزيرة، وكذلك شقيقته الكبرى صفية المهندس الإذاعية الشهيرة وزوجها الرائد الإذاعي محمد محمود شعبان (بابا شارو) خاصة وأن جميع أفراد الأسرة معروفون بالنظام والالتزام بدقة المواعيد وبعلاقاتهم الطيبة.
ثانيًا: ثقافته الفنية التي كونها منذ الصغر بمتابعته للعروض المسرحية وخاصة عروض فرقة الريحاني، وكذلك مشاهدته للأفلام الأجنبية وتأثره في مرحلة البداية بكل من نجيب الريحاني وبشارلي شابلن وجروشو ماركس (الأخ الأكبر لإخوان ماركس)، ويضاف إلى مشاهداته القراءة المستمرة التي عشقها منذ صغره أيضًا.
ثالثًا: ممارساته للتمثيل المسرحي منذ دراسته في مدرسة العباسية الابتدائية ثم مدرسة فاروق الثانوية، وبعد ذلك بكلية التجارة بجامعة القاهرة حيث اكتشف مبكرًا قدرته على التمثيل والتقليد وأيضًا الإضحاك.
رابعًا: ذكاؤه الحاد وقدرته على الخروج من دائرة الريحاني بعد أن استفاد منه في تكوين ذلك الثنائي الفني فبدلاً من نجيب وبديعة ومن بعدها نجيب وميمي شكيب أصبح المهندس وشويكار هذا الثنائي الذي قدم العديد من البطولات في المسرح والسينما والإذاعة، وإن كان في بداياته قد ارتبط فنيًا مع خيرية أحمد في برنامج ساعة لقلبك.
خامسًا: لياقته البدنية العالية وقدرته على تحريك جميع عضلات جسمه وتوظيفها للإضحاك، فهو يستطيع أن يضحك الناس حين يتكلم ويضحكهم أكثر حين يتحرك.
سادسًا: أذنه الموسيقية التي هيأت له فرصة المشاركة بالغناء ببعض الأعمال الفنية حتى أنه نجح في أن يقوم بالتلحين له نخبة من كبار الملحنين وفي مقدمتهم محمد عبدالوهاب موسيقار الأجيال ومنير مراد وحلمي بكر.
سابعًا: ظهوره مع جيل جديد من المبدعين في مجال الكوميديا يحترم المنافسة الفنية فبعد رحيل الريحاني والكسار وانحسار أضواء إسماعيل ياسين في نهاية الخمسينيات كان من الطبيعي أن يتألق جيل جديد بريادة عبد المنعم مدبولي، وأن يكون المهندس، والهنيدي وعوض وعبد المنعم إبراهيم وأبو بكر عزت وحسن مصطفى هم نجوم الكوميديا الجدد.
ثامنًا: المثابرة والاستمرار في الإبداع لسنوات طويلة فبلا شك أن هذا الكم الكبير من الأعمال في مختلف القنوات الفنية سوف يزيد من خبراته ويساهم في تقديم أعمال ذات مستوى فني راق خاصة عند تعامله مع كبار المؤلفين والمخرجين، والحقيقة أن فؤاد المهندس كان مدركًا منذ البداية لمشاركته في بعض الأعمال التجارية لتحقيق الانتشار، وأيضًا إصراره على تقديم بعض الأعمال الراقية للذاكرة الفنية.
تاسعًا: القدرة على حماية موهبته باختياره للمناخ الأنسب لإبداعه سواء بالتنوع الشديد في اختياره لأدواره حيث اشتهر بداية بأدوار الموظف المطحون ثم قام بأدوار المليونير والرجل المثقف، أو عن طريق المشاركة في تكوين بعض الفرق الخاصة ومنها ساعة لقلبك ثم الانضمام إلى فرق التليفزيون المسرحية (المسرح الكوميدي) وبعدها تأسيس فرقة المتحدين مع سمير خفاجي ثم الانتقال للمشاركة مع محمد عوض وفرقة الكوميدي المصرية وذلك ليحقق رؤيته الفنية.
عاشرًا: حرصه على اختيار النص المناسب سواء بتقديم بعض روائع المسرح العالمي والتي قام بتمصيرها أو اقتباسها كل من بهجت قمر وسمير خفاجي وأهمها: “سيدتي الجميلة“، أو المشاركة بالإخراج أحيانا، كما في “ما كان من الأول“، “حالة حب“، “أنا فين وأنت فين“، “حصة قبل النوم“، “سك على بناتك“، “هالة حبيبتي“، وأيضًا ذكاؤه في مشاركة الأطفال في أعماله سواء بفوازير عمو فؤاد أو بعض المسرحيات مثل “هالة حبيبتي“.
رحم الله هذا الفنان القدير فلا نملك إلا الدعاء له بالغفران جزاء ما أخلص في عمله وحرص على إسعادنا بتقديم الأعمال الكوميدية التي تفجر الضحكات بأسلوب راق لا يخدش حياء الأسرة المصرية.