حصريا..الناقد والأكاديمي د. عصام محمود يكتب لـ “المسرح نيوز”: “إشكالية المسخ” مسرح مصر.. بين الهدم والابتذال!
د. عصام محمود
أستاذ النقد الأدبي المساعد كلية الآداب جامعة حلوان
ـ
المسرح من أقدم الفنون في التاريخ، إن لميكن أقدمها على الإطلاق، وهو فن جميل يستحق التقدير، لما فيه من عناصر فنية وجمالية وقيمية، يقدمها من خلال قيامه بطرح فكرة تقوم على أساس أنه يمكن حدوثها الآن وهنا، ومن اللحظة الأولى لنشأة هذا الفن اعتمد على فكرة أنه محاكاة لفعل جليل له عظم ما باستخدام عدة عناصر لإثارة عاطفتي الخوف والشفقة للوصول إلى مرحلة تطهير النفس من الشرور والآثام، ومن هنا جاء دوره في إمتاع النفس وتهذيبها ،
وقد نهضت أوروبا أول ما نهضت معتمدة على استلهام الفكر اليوناني القديم فيما عرف بالكلاسيكية الجديدة التي بدأت في مسرحيات شكسبير، تلك الكلاسيكية التي تعلى من شأن العقل والقيم والعادات وتبجل الرمز وتقدسه ، وهذا ما أضفى على الفن المسرحي درجة عالية من القداسة ،حاربت من خلالها الفن المسرحي ما كان عليه المجتمع الأوروبي في عصور الظلام من تدهور في كافة الأصعدة، والذي انعكس على المسرح من خلال الابتذال الرخيص الذي لجأ إليه المسرحيون في تلك المرحلة من خلال دغدغة الغرائز، واللعب على أوتار الجنس لتعويض النقص الحاد في الموهبة وانهيار منظومة الفن المسرحي في تلك الفترة .
وقد دأب مسرح مصر الذي أسسه أشرف عبد الباقي على اللعب على هذا الوتر؛ وهو مغازلة الغرائز دون تقديم فن حقيقي، والتمس له الكثيرون العذر، نظرًا للحالة المزرية التي صار عليها المسرح في فترة من الفترات، وانصراف الجمهور عنه؛ مما دعا معظم المهتمين بالشأن المسرحي إلى غض الطرف عن تلك البذاءات التي تقدم باسم الفن المسرحي تحت عنوان مسرح مصر ،
ولاشك أن الابتذال الحادث في المسرح لا يلجأ إليه الممثل إلا عندما يشعر بانسحاب البساط من تحت قدميه وفشله في تقديم فن يقنع جمهوره ،وخوفا من أن بنفضوا من حوله يلجأ الفنان لمخاطبة الغريزة الشهوانية في الإنسان مبتذلا بالفن إلى أدنى الدرجات، ولاشك أن ما يقدم على ما يسمى مسرح لا علاقة له بالفن المسرحي الجاد بل هو مسخ شيطاني لفن راقي محترم ، وصارت له نجومه وصارت هذه الوجوه نجوما في الفن ولكن أي نجوم! فقد ذُكِرَ أبو لهب في القرآن، وكان أبو جهل وعتبة وشيبة والوليد بن المغيرة من أشهر العرب وأعزهم ، والحجاج بن يوسف الثقفي كان من القادة الكبار المشهود لهم بالقوة والكفاءة والدموية، وتسبب هتلر في قتل الملايين وبلغت شهرته الآفاق ، فهل هذه هي الشهرة التي يسعى إليها فنانو ما يسمى بمسرح مصر؟!
فمما لاشك فيه أن الفن الهابط أشد خطورة على المجتمع من تجارة المخدرات والإرهاب والسلاح، فهو نوع من غسيل العقول وتدمير للعادات والأعراف، وهدم لقواعد الدين بحيث تعتاد الأذن على سماع الفسق؛ فلا تشمئز النفس عنه ولا ينبو الذوق منه، ولا تحرمه بعد ذلك، فيصير هذا الفسق نموذجا معتادا في الحياة. ولأننا تركنا هؤلاء العابثين بالقيم والأخلاق دون عقاب تمادوا في غيهم وضلالهم حتى وصلت بهم السخرية إلى الإسلام وسيرة الرسول، وبداية وحتى لا نتهم بالتعصب والعنصرية :
نقرأ هذا الجزء من نص المدعو اشرف عبد الباقي الكوميدي اللي هايموت الناس من الضحك!! . • أسمعتم عن دين محمد وأتباعه إنهم يحرمون الخمر والميسر والفجور والرياء والنساء والظلم والقتل و واحنا بصراحة ناس كفرة وبنحب الحاجات العسل دى كلها
• أشرف عبد الباقي: نعم لقد سمعنا (يضحكون) لكننا ككفار(يضحكون) • لقد أسلم العنتيل • يدخل ممثل من يسار المسرح أخرى ( لقد اهتديت لدين الاسلام فانشرح صدري وانشرح قلبي وابيض وجهى وبقيت بيبى فيس زى ما انتو شايفين كدا . • يدخل شخص آخر , قائلا (ايه , لقد ارتديت). • وقال أشرف عبد الباقي جملة: “اليوم خمر ونساء وغدا أقتل محمد عليه الصلاة والسلام “.
هذه جملة من النص التي أضحكت الناس ، التي تجعلنا نقف حائرين في المفهوم الحقيقي فيما قدمه أشرف عبد الباقي وزبانيته، إن الفن الحقيقي رسالة يطرح من خلالها قضية أو يقدم فيها فائدة نفعية ثقافية أو أدبية أو علمية وهوما يعرف عند النقاد بمصطلح القيمة الفنية أو النفعية فما هي القيمة التي يريد أشرف عبد الباقي ومسرحه أن يطرحوها هنا؟ّ
ماهية الابداع الحقيقي هي توجيه المجتمع نحو قيم جميلة، وكسر القيم الخاطئة وتحطيمها ؛ لبناء قيم أخلاقية جديدة بشرط ألا تكون تلك القيم التي يسعى الفن لتحطيمها من الثوابت الأساسية الصحيحة التي لا خلاف فيها، وهذا بالطبع لا يعني أن نحاكم الفن بالمنظور الديني وحده، بل الواجب على الناقد الحقيقي أن يلتمس العذر للفنان قدر المستطاع إن وجدنا له عذرا، بيد أن العمل الذي يتعارض مع تابوهات المجتمع خاصة الدينية يجب علينا التوقف حياله حتى يمكننا تقييم الموقف. والأصل أن نتجاوز عن كل ما يمكن التجاوز عنه في الفن باعتباره عملا بشريا، يحمل وجهة نظر صاحبه القابلة للنقاش والتلقي بصور متعددة متباينة، ولكن النص المغلق الذي لا يحوي سوى معنى واحدا لا يمكن تأويله على غير وجهه لا يملك الناقد حياله التسامح، فلا يمكن مثلا قبول المعنى الجنسي الصريح بحجة محاكاة الواقع ونقله كما هو، وكذلك السباب الصريح ، غير المعتمد على أسس فنية وعلى هذا فلا يمكن قبول السخرية والاستهزاء من الثوابت الدينية تحت حجة الحرية الابداعية ،
إن استخدام رمز (العنتيل) كنموذج للمسلم الجديد بما يحمله من خلفيات(في الجريمة الجنسية والفضائح) في المفهوم المصري لهو نوع من الهجوم الواضح على صميم العقيدة الإسلامية . لم تكن الديانة وسوء المعتقد يوما ما عارا على صاحبه خاصة ونحن نحاكم فيه الموهبة الفنية لا العنصر الأخلاقي ، ولو تقدم كاتب وكتب رواية يمدح فيها العدو ويهجو اهله ووطنه هل نسمي هذا رأيا فنيا يجب الاحترام ، هكذا يجب الفصل بين من يقدم فنًا راقيًا ومن يقدم محض سخرية وهجومًا على الثوابت الدينية. إن ما يسمى بمسرح مصر يقدم في عروضه الدائمة أي شيء يمكن تسميته بعشرات الأسماء إلا أن يكون مسرحًا،
ولو كان هذا مسرحًا فكل ما قدم منذ سوفولكيس ويوربيدوس واسخليوس وحتى اليوم باطلا ، فهو لا يقدم قضية مطروحة بالنظام الكلاسيكي للمسرح من؛ مشكلة، ونقطة الذروة، ولحظة الانفراجة، ولا يقدم المسرح الملحمي الذي يحفز المتلقي على التفكير والمشاركة في الحدث، ولا حتى عروض المسرح التجريبي التي تعرض القضية بصورة غير تقليدية بل هو عبارة عن مجموعة إفيهات متناثرة بلا رابط واضح أو خفي، إن هذا الشيء يخلو تماما من الصراع وهو روح العمل المسرحي ولا يوجد فعليا ما يعرف بالحدث المسرحي فأي شيء هذا إلاأن يكون مسخا مشوها لفن المسرح !