مقالات ودراسات
حمه سوار عزيز يكتب: العرض المصري “البؤساء”.. المصالحة الصادقة مع الذات و المجتمع (من أنا و من أكون؟)
عرض ضمن المسابقة الرسمية للدورة الـ 14 من مهرجان الهيئة العربية للمسرح ببغداد 2024م
المسرح نيوز ـ القاهرة مقالات ودراسات
ـ
حمه سوار عزيز
ضمن عروض مهرجان المسرح العربي الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح بدورته الرابعة العشرة في بغداد، قدمت فرقة الجراتسية المصرية مسرحية (البؤساء) عن رواية الكاتب الفرنسي فيكتور هوغو، اقتباس و اخراج محمود حسن حجاج، أداء مجموعة من الممثلين الشباب على قاعة المسرح الوطني.
تميز العرض ببساطته في الطرح و بناء المشهدية الدرامية و السردية مرتكزا على الثقافة الشعبية المصرية السائدة في الزمن الراهن و متوغلا بشكل عميق في الفضاء العمومي و الاجتماعي للشارع المصري من حيث تحويل الشخصيات الى شحصيات محلية (من خلال بنية الشخصية و ليس الازياء و الاسماء) تحمل هموم الشارع المصري و ارهاصاته السياسية و الاجتماعية و الثقافية، كما حاول العرض أن يستمد من التاريخ المصري القريب و البعيد من خلال استحضار الموروث المصري من قصص ريا و سكينة و الحكواتي و الاراجوز و خيال الظل و لعبة العرائس الذي تتميز بها الثقافة المصرية و تساهم في رسم الابعاد الاجتماعية و السايكولوجية للفرد المصري و تعلقه بالكوميديا و النكتة و لعبة كرة القدم و المشاكسات الحياتية البسيطة من الحب و الزواج و اصطدام الخادمة و الست و كثير من المظاهر الخاصة بالمجتمع المصري.
كما لم يغفل العرض التوغل في المساحة السياسية للمجتمع المصري من خلال اشاراته الى الثورة و المظاهرات الشبابيه التي شهدتها الساحة المصرية في تاريخه الحديث و عمليات الموت و الدمار التي رافقت ارهاصات تلك الثورة الشعبية و تجريد الانسان من عقله و رأسه و زرع الأفكار و المعتقدات القذرة و الوسخة من خلال الاحالة الرمزية لتشبيه رأس الشخصية بالحذاء في مقابل شخصيات اخرى مقصوصة الرأس أو لاتمتلك رأسا، لكي يحيلنا العرض الى الذين يتنازلون عن أفكارهم و معتقداتهم في سبيل العيش أو في سبيل الانضمام تحت راية السلطة المتحكمة التي تسمح لنفسها أن تكون هي المفكرة نيابة عن الكل.
نجح المخرج بشكل باهر أن يخرج العرض من فضاء السردية الروائية الى بناء عرض مسرحي متميز و ممسرح بشكل متقن و واعي، حيث حاول سحب كثير من المشاهد المؤلمة في الرواية الى مساحة الجروتيسك و الكوميديا الساخرة من خلال عمل على اعادة صياغة الواقع و خلق واقعه الافتراضي المغاير الذي ينتقد فيه الواقع من خلال السخرية و الضحك عليه عن طريق المنظومة البنائية للعرض التي أرتكزت بشكل كبير على تغريب الواقع و اعادة بناء بنية و ثيمة الشخصيات لكي يجعل منها شحصيات كاريكاتورية عن طريق الازياء و استخدام العرائس و الدمى التي كونت الفورمة الخارجية للشخصيات عن طريق تجسيد جسدي و صوتي مغاير للثيمة الواقعية، فعمل المخرج على مسرحة الاحداث الواقعية بالرواية بشكل يغاير الاطر التقليدية في الطرح و تغريب الشخصيات من خلال التجسيد الجروتيسكي و الالقاء و المنظومة الادائية اللاأرسطية التي خلقت من الممثل مستحضر للشخصية و مرافق له.
اهم ما ميز عمل المخرج في هذا العرض المسرحي هو العمل بمصداقية و واقعية على المتلقي المصري و همومه و رؤيته و تعامله مع السياقات الحياتية الخاصة للمجتمع و استحضار كثير من المرتكزات الشعبية لذلك المجتمع عن طريق اسقاط فرضيته الاخراجية و المشهدية على خصوصية الفرد المصري و علاقته مع واقعه الاجتماعي و الثقافي، فبحث بشكل مغاير عن طرح أسئلة وجودية و أساسيه في البحث عن الذات و الدور الذي قد يلعبه في المجتمع و الجانب الذي سيختاره من المعادلة الكونية المتمثلة بالخير و الشر و المسافات الاشتباكية بين هذين القطبين منذ الازل.
ان التوغل الفلسفي و الفكري للعرض في ماهية الانسان المصري و تكوينه و انتماءه الانساني و اشتباكه مع ذاته أو الذوات المسكونة بداخله من خلال اشتباكة المرير مع الظروف الاقتصادية و المعيشيه الصعبة و المغريات الشريره التي قد تسحب منه انسانيته و نقاءه و ذاته المحبب، جعل من العرض معتركا فكريا و جماليا بين الحياة و ما تمثلها من القيم و الاعراف الخيره مع السلطات الاجتماعية و العسكرية و القيم المتردية و الفاسدة التي تحد من انسانيته و تحرمه من التوحد مع ذاته المستأصلة في كينونته و مرجعيته الحضارية.
المشهدية البصرية و الجمالية للعرض عمل على خلق توليفه فنية و بصرية بين جسد الممثل و العناصر السينوغرافية من الازياء و الموسيقى و الصوت و الاضاءة في سبيل رسم خطاب مسرحي واقعي أعتمد على كسر توقع المتلقي من خلال زعزعة هذا الواقع و تفكيكه بشكل واعي الى لوحات فنية تتعالى على الواقع و تتجانس معه في نفس الوقت، فتدخل المخرج دراماتورجيا في تفتيت الحكاية الاساسية الى مجموعة من الحكايات متفرقة يجمعها الفكرة الرئيسية للعرض و هي المصالحة مع الذات و البحث عنه في غمار الاشتباكات و الاصطدامات التي يتعرض لها الفرد و تحاول أن تسحب منه ذاته الخيره. المنظومة الادائية للعرض تجانست و تناسجت بشكل كبير مع شكل العرض و مرجعياته المشهدية،
حيث لم يستسلم المخرج للمأساة العميقة التي ترسم خط الحكاية و صور بعض شخصيات الرواية و حولها الى شخصيات جروتسكية عن طريق أداء مسرحي طغى عليها مسرحة الحكاية و الشخصيات من خلال الشرطية الدرامية و التأسيسيه حيث تجاوز الفورمة الواقعيه للروايةو تفوق عليها لصالح ثيمة فنية جمالية تعتمد التمسرح العالي و مغايرة الواقع، فظهرت منظومة الاداء في سياق أداء خارجي و تقديمي غادر بها الممثل التجسيد الداخلي الحسي و النبرة البكائية التي تستنجد عاطفة المتلقي،
و ذهب الى مساحة اللعب و المبالغة التجسيدية الكاريكاتورية لكي يغرب الشخصيات و يسحبها من منطقتها الواقعية المؤلمة و السوداوية الى منطقة واقعية افتراضية جديدة تتسيدها الفعل الدرامي الممسرح و البناء الجمالي المغاير، فأبدع الممثلون في خلق شكل و سياق ادائي منضبط و عملوا على التحول و اللعب بين الشخصيات المتعددة أو الصراع الذاتي داخل الشخصية الواحدة، كما ان انسيابية اداء الممثلين و استمتاعهم بتأدية الشخصيات و الحالات الدرامية و الادائية المختلفة و المتعددة، عمل على خلق علاقة تواصلية و تف