إصدارات

دراما اللا معقول.. ‬العبث واللا جدوي‮ ‬يحكمان حياتنا..


المسرح نيوز ـ القاهرة ـ متابعات

ـ

نشرت جريدة “مسرحنا المصرية  تقريرا حول كتاب” دراما اللا معقول”  تحت عنوان‮ دراما اللا معقول”.. ‬العبث واللا جدوي‮ ‬يحكمان حياتنا..

“في‮ ‬الحقيقة،‮ ‬يمكن اعتبار مسرحية‮ “‬الملك أوبو‮” ‬لجاري‮ ‬أول مثل حديث علي‮ ‬دراما اللامعقول‮. ‬ولا شك أن صموئيل بيكيت هو أعمق كتاب دراما اللامعقول وأعظمهم شأناً،‮ ‬فلا ريب أن مسرحيتي‮ “‬في‮ ‬انتظار جودو‮” ‬و”نهاية اللعبة‮” ‬عملان رائعان،‮ ‬كما أن مسرحيات‮ “‬الأيام السعيدة‮”‬،‮ ‬و”شريط كراب الأخير‮”‬،‮ ‬و”أفعال بلا أقوال‮” ‬صور شعرية عميقة ورائعة‮. ‬ويعتبر جان تارديو وبوريس فيان من أحسن كتاب دراما اللامعقول الفرنسيين،‮ ‬فإن تارديو كاتب‮ ‬يجرب ويستكشف بانتظام إمكانيات مسرح‮ ‬يمكن أن‮ ‬يفصل نفسه عن الكلام الاستطرادي‮ ‬حتي‮ ‬تصبح اللغة فيه مجرد صوت موسيقي،‮ ‬أما فيان ـ وهو من أتباع جاري‮ ‬المخلصين ـ فقد كتب مسرحية‮ “‬بناة الإمبراطورية‮” ‬التي‮ ‬يظهر فيها رجل‮ ‬يفر من الموت والوحدة‮. ‬
لماذا إذن اختار مارتن إسلين مسرحيات‮ ‬يونسكو وبيكيت وجينيه وأداموف ليجمع منها مختارات في‮ ‬كتاب واحد؟
من المعروف أن مصطلح العبث أو اللا معقول‮ ‬يعود إلي‮ ‬إسلين في‮ ‬فترة الخمسينيات والستينيات،‮ ‬وقد اشتق المصطلح من مقالة لألبير كامو كتبت في‮ ‬عام‮ ‬1942 ‮ ‬حيث‮ “‬قدم فيها الموقف الإنساني‮ ‬بشكل أساسي‮ ‬علي‮ ‬أنه موقفا عبثيا لا معني‮ ‬له‮”‬،‮ ‬وبعد إسلين تداول الكتاب والنقاد المصطلح بما‮ ‬يعني‮ ‬العبث واللا معقول‮.‬
عندما ظهرت مسرحيات‮ ‬يونسكو وبيكيت وجينيه وأداموف علي‮ ‬المسرح لأول مرة حيرت معظم النقاد والمشاهدين وأثارت سخطهم،‮ ‬ولا عجب في‮ ‬ذلك؛ إذ إن هذه المسرحيات تهزأ بجميع المعايير التي‮ ‬ظلت تقاس بها المسرحية قروناً‮ ‬كثيرة،‮ ‬ومن هنا لا بد أنها تظهر كأنها تتحدي‮ ‬الناس الذين‮ ‬يؤمون المسرح وهم‮ ‬ينتظرون أن‮ ‬يجدوا أمامهم عملاً‮ ‬يدركون أنه مسرحية محكمة الصنع،‮ ‬ويتوقع في‮ ‬المسرحية المحكمة الصنع أن تقدم شخصيات دوافعها مقنعة وتصويرها صادق،‮ ‬أما هذه المسرحيات تجيء في‮ ‬الغالب خالية من كائنات بشرية‮ ‬يمكن التعرف عليها تقدم علي‮ ‬أفعال خالية من الدوافع تماماً،‮ ‬وينتظر أن‮ ‬يجيء الإقناع في‮ ‬المسرحية المحكمة الصنع عن طريق حوار ذكي‮ ‬ومنطقي‮ ‬البناء،‮ ‬ولكننا نجد في‮ ‬بعض هذه المسرحيات حواراً‮ ‬يبدو وكأنه‮ ‬ينحدر إلي‮ ‬مستوي‮ ‬الثرثرة التي‮ ‬لا معني‮ ‬لها،‮ ‬ويتوقع أن‮ ‬يكون للمسرحية المحكمة الصنع بداية ووسط ونهاية حُبكت ببراعة،‮ ‬أما هذه المسرحيات فإنها تبدأ في‮ ‬الغالب عند نقطة متعسفة وتبدو وكأنها تنتهي‮ ‬أيضاً‮ ‬بشك لااعتباطي‮ ‬أو تعسفي،‮ ‬فإذا قسنا هذه المسرحيات بجميع المقاييس التقليدية في‮ ‬التذوق الأدبي‮ ‬للمسرحية نجدها ليست رديئة بصورة مقيتة فحسب،‮ ‬وإنما لا تستحق أيضاً‮ ‬اسم الدراما‮. ‬
بهذا المفهوم‮ ‬يقدم مارتن إسلين كتاب‮ “‬دراما اللامعقول‮” ‬من اختياره وتقديمه،‮ ‬الصادر عن سلسلة من المسرح العالمي‮ ‬الع‮ ‬ ترجمة صدقي‮ ‬عبد الله خطاب،‮ ‬ومراجعة د‮. ‬مصطفي‮ ‬إسماعيل الموافي،‮ ‬والكتاب عبارة عن أربع مسرحيات لأهم كتاب دراما اللامعقول،‮ ‬ذلك المصطلح الذي‮ ‬يعرفه إسلين بأنه نوع من الاختزال الفكري‮ ‬لنمط معقد من التشابه في‮ ‬التناول والطريقة والتقليد،‮ ‬ومن الأسس الفنية والفلسفية المشتركة،‮ ‬سواء أكان إدراكها بوعي‮ ‬أو بلا وعي،‮ ‬ومن التأثيرات الناجمة عن رصيد مشترك من التراث،‮ ‬ولهذا فإن تسمية هذا النوع تساعد في‮ ‬الفهم،‮ ‬ومقياس صلاحها هو مدي‮ ‬مساعدتها لنا علي‮ ‬فهم واستيعاب العمل الفني،‮ ‬وهي‮ ‬ليست تصنيفاً‮ ‬ملزماً،‮ ‬ولا شك أنها ليست شاملة أو جامعة مانعة‮. ‬
فقد تحتوي‮ ‬مسرحية علي‮ ‬بعض العناصر التي‮ ‬يمكن فهمها جيدا علي‮ ‬ضوء مثل هذه التسمية،‮ ‬في‮ ‬حين نجد أن هناك عوامل أخري‮ ‬في‮ ‬المسرحية نفسها مستمدة من تقليد مغاير ويمكن فهمها بصورة أقل علي‮ ‬ضوء ذلك التقليد،‮ ‬لقد كتب آرثر أداموف مثلاً‮ ‬عدداً‮ ‬من المسرحيات التي‮ ‬تعتبر أمثلة أولي‮ ‬علي‮ ‬دراما‮ “‬اللامعقول‮”‬،‮ ‬أما الآن فهو‮ ‬يرفض هذا الأسلوب بصراحة تامة وعن عمد،‮ ‬ويكتب في‮ ‬إطار تقليد واقعي‮ ‬مختلف،‮ ‬ومع ذلك فإننا نجد حتي‮ ‬في‮ ‬آخر مسرحياته الملتزمة واقعياً‮ ‬واجتماعياً‮ ‬بعض النواحي‮ ‬التي‮ ‬يمكن أن توضح علي‮ ‬ضوء دراما اللامعقول كاستخدام الفواصل الرمزية‮ “‬وهي‮ ‬دمي‮ ‬القراقوز‮” ‬في‮ ‬مسرحيته ربيع عام‮ ‬ 71وبالإضافة إلي‮ ‬هذا فإن اصطلاحا مثل اصطلاح دراما اللامعقول عندما‮ ‬يتحدد ويفهم‮ ‬يكتسب قيمة معينة في‮ ‬إلقاء الأضواء علي‮ ‬مؤلفات الحقب السالفة،‮ ‬لقد كتب الناقد البولندي‮ ‬جان كوت مثلاً‮ ‬دراسة رائعة لمسرحية‮ “‬الملك لير‮” ‬علي‮ ‬ضوء مسرحية‮ “‬نهاية اللعبة‮” ‬لبيكيت،‮ ‬ولم تكن هذه محاولة أكاديمية لا جدوي‮ ‬منها،‮ ‬وإنما كانت عوناً‮ ‬حقيقياً‮ ‬كما اتضح في‮ ‬إخراج بيتر بروك لمسرحية‮ “‬الملك لير”؛ حيث استمد كثيراً‮ ‬جداً‮ ‬من أفكاره من مقالة كوت‮. ‬
ويقول إسلين إن مسرح اللامعقول قد‮ ‬يبدو عصرياً‮ ‬إلا أنه ليس كما‮ ‬يميل بعض فرسانه وفريق من ألد نقاده إلي‮ ‬تصويره علي‮ ‬أنه جدة ثورية،‮ ‬إن أفضل فهم لدراما اللامعقول هو الذي‮ ‬ينظر إليه باعتباره مزجاً‮ ‬جديداً‮ ‬لعدد من التقاليد أو السنن الأدبية الدرامية القديمة،‮ ‬بل حتي‮ ‬البالية منها،‮ ‬كتقليد المحاكاة بالحركات والتهريج التي‮ ‬ترجع إلي‮ ‬التشخيص الهزلي‮ ‬عند الرومان والإغريق وإلي‮ ‬الملهاة المرتجلة التي‮ ‬ظهرت في‮ ‬إيطاليا في‮ ‬عصر النهضة‮. ‬
ويري‮ ‬إسلين أنه‮ ‬يجب علينا النظر إلي‮ ‬تاريخ هذه الحركة التي‮ ‬بلغت ذروتها في‮ ‬أعمال بيكيت ويونسكو وجينيه،‮ ‬وقد كان أسلافها الأقربون هم كتاب مسرحيون كسترندبرج الذي‮ ‬انتقل من الطبيعة الفوتوغرافية إلي‮ ‬التصورات التعبيرية أكثر صراحة للأحلام والكوابيس والهواجس في‮ ‬مسرحياته،‮ ‬وكتاب روايات قصصية مثل جيمس جويس وكافكا،‮ ‬وكل هذه الأعمال أدت إلي‮ ‬دراما اللامعقول‮. ‬وهناك تأثير آخر مباشر هو تأثير الداديين والسرياليين والطليعة الباريسية التي‮ ‬استمدت من أمثال ألفرد جاري‮ ‬وجيوم أبولينير‮. ‬
أما أعلام الدراما اللامعقول في‮ ‬إيطاليا فهم دينو بزاتي‮ ‬وايزيو ديريكو،‮ ‬وفي‮ ‬ألمانيا جونتر جراس،‮ ‬وفولفجانج هيلد شايمر،‮ ‬كما‮ ‬يمكن اعتبار أعلامه في‮ ‬بريطانيا ن‮. ‬ف‮. ‬سيمسون،‮ ‬وجيمس سوندرز،‮ ‬وديفيد كامبتون،‮ ‬وهارولد بنتر‮.‬
ومما لاشك فيه أن‮ ‬يوجين‮ ‬يونسكو هو أخصب كتاب دراما اللامعقول وأكثرهم أصالة وأنه أيضاً‮ ‬من أعمقهم بالرغم مما نجد في‮ ‬مؤلفاته من جذور التهريج والهزل الذي‮ ‬يأتي‮ ‬به للتهريج ذاته‮. ‬كما أنه أعلي‮ ‬كتاب مسرح اللامعقول صوتاً‮ ‬والكاتب الوحيد بينهم المستعد لمناقشة الأسس النظرية لمؤلفاته،‮ ‬وللرد علي‮ ‬هجوم اليساريين الواقعيين الملتزمين علي‮ ‬هذه المؤلفات،‮ ‬وأهم موضوعات‮ ‬يونسكو‮ : ‬نقد اللغة،‮ ‬ومثول الموت دائماً‮ ‬في‮ ‬مسرحياته‮ “‬المغنية الأولي‮ ‬الصلعاء،‮ ‬الدرس،‮ ‬الكراسي،‮ ‬القاتل،‮ ‬الخرتيت،‮ ‬الملك‮ ‬يحتضر‮”‬،‮ ‬وقد كانت مسرحية‮ “‬أميديه أو كيف تتخلص منه‮” ‬أولي‮ ‬مسرحيات‮ ‬يونسكو الطويلة،‮ ‬وتحتوي‮ ‬علي‮ ‬صورة من أكثر صوره تأثيراً،‮ ‬كما تمتاز هذه المسرحية بما فيها من تراوح بين حالة من الانقباض والانبساط بين شعور بالثقل‮ ‬يشد الإنسان إلي‮ ‬الأرض وشعور بالخفة كأنه‮ ‬يطير في‮ ‬الفضاء،‮ ‬وهي‮ ‬صورة‮ ‬يتكرر ظهورها في‮ ‬مؤلفاته وتبلغ‮ ‬ذروتها في‮ ‬هذه المسرحية بالذات حين‮ ‬يحلق أميديه في‮ ‬الهواء مبتعداً‮ ‬في‮ ‬نهايتها‮.‬
كما‮ ‬يقف آرثر أداموف اليوم في‮ ‬المعسكر الذي‮ ‬يوجه إليه‮ ‬يونسكو أشد النقد،‮ ‬وهو معسكر الاشتراكيين الواقعيين الذين لسان حالهم مجلة‮ “‬المسرح الشعبي‮”‬،‮ ‬ولكن أداموف بدا كمتبع لآرتو،‮ ‬بشهادته عصابياً‮ ‬وغريباً‮ ‬في‮ ‬عالم لا معني‮ ‬له‮. ‬إن تطور أداموف من النقيض إلي‮ ‬النقيض‮ ‬يشكل موضوع سيرة فنية ونفسية ممتعة تحتل منها مسرحية‮ “‬الأستاذ تاران‮” ‬مكاناً‮ ‬بارزاً،‮ ‬ويمكن أن نري‮ ‬تقدم أداموف عملية من عمليات العلاج النفسي‮ ‬عن طريق الكتابة‮.‬
أما فيرناندو آرابال،‮ ‬فجذوره ممتدة في‮ ‬تراث إسبانيا السيريالي،‮ ‬وهي‮ ‬بلاد طالما اشتهرت بخصوبتها في‮ ‬الخيال المغرق والزخرفة التي‮ ‬تمزج بين الإنسان والحيوان في‮ ‬تشكيلات هزلية،‮ ‬ومثال ذلك‮ “‬آل جريكو جويا‮”. ‬
وكذلك إدوارد إلبي‮ ‬فهو أحد الأمريكيين الذين مثلوا دراما اللامعقول فهو‮ ‬يشارك جينيه في‮ ‬إحساس اليتيم بالوحدة في‮ ‬عالم‮ ‬غريب،‮ ‬ولا شك أن مسرحيته‮ “‬من‮ ‬يخشي‮ ‬فرجينيا وولف‮” ‬جلبت له نجاحاً‮ ‬عظيماً‮ ‬في‮ ‬مسارح برودواي،‮ ‬إنها قصة الموت في‮ ‬رقصة وحشية‮. ‬
وتقدم مسرحيات الكتاب عالماً‮ ‬صوره صارمة وقاسية ومخيبة،‮ ‬وبالرغم من أنها تتخذ في‮ ‬معظم الأحيان قالب الخيالات المفرطة فإنها مع ذلك واقعية في‮ ‬جوهرها بمعني‮ ‬أنها لا تتهرب أبداً‮ ‬من واقع العقل الإنساني‮ ‬بما هو عليه من‮ ‬يأس وخوف ووحدة في‮ ‬ألم‮ ‬غريب وعدائي‮. ‬

عادل العدوي ـ مسرحنا


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock