د. أحمد محمود سعيد وقراءة نقدية لنص “مينا … أمير الحياة” للكاتب المسرحي محمد ناصف

المسرح نيوز ـ القاهرة: مقالات ودراسات
ـ
د. أحمد محمود سعيد
مقدمـــــــــــــة:
أمة دون ماضي هي أمة بلا حاضر أو مستقبل، أي أن التاريخ هو مقياس الشعوب عراقة وأصالة، وهو بكل تأكيد محل فخر واعتزاز، لأنه جزء من هويتنا (¥)، ومكون أساسي من مكونات شخصياتنا، ورغم المؤامرة الكبرى التي تحاك ضد هويتنا العربية التي جاءت عبر عدة محاولات مستمرة تسعى إلى تمزيق فكرة الوطن العربي، وتفكيك أنظمة الوحدة العربية، وخلخلة نظم الولاء، وهدم جدار الهوية القومية، من خلال التشكيك في النظم والتشريعات الإسلامية، والدعوة إلى تسيس اللغة وتهجينها(¥)، ومحاولة تفكيك قواعدها، واستبدالها بقواعد أخرى،
فإن هذا يعد جرمًا ثقافيًا، لأنه يقع تحت وطأة الغزو الثقافي الذي يهدف إلى طمس الهوية العربية بمكوناتها اللغوية والعرقية، ومحاولة تدمير كل ما هو ثابت وتاريخي، وهي رؤية غربية تحاول الهدم لا البناء عن طريق تسيُّد ثقافة الهيمنة ومحاولة بناء شرق جديد فاقد الحدود الثقافية، وهذا ما يجعل أبناء الوطن الواحد يعيشون حالة من الانسلاخ الثقافي، والاغتراب الذاتي، والإقصاء اللامحدود.
علاقة التاريخ بالأدب:
العلاقة بين التاريخ والأدب علاقة وثيقة لا ينفصل أحدهما عن الآخر، باعتبار التاريخ مادة مشكلة للإبداع، وفي الوقت نفسه يعد الأدب مرآة عاكسة لثقافة الشعوب تاريخيًا وحضاريًا، بوصفه وسيلة فنية مهمة للتواصل الإنساني عن طريق ربط الموروثات الثقافية للشعوب بالسياقات الحالية، محاولة لفهم متنوع للموروث الثقافي وتفسيره وفق سياقات ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالواقع المعاصر، ومن ثمَّ/ تصبح حركة التاريخ والأدب خطوة حقيقية لمسار التقدم على المستويات كافة، إذن العلاقة بينهما علاقة تلازمية، أي وجود الأول لا يلغي بالطبع وجود الآخر.
محمد ناصف كاتب من طراز خاص، له رؤية وطنية واضحة تجاه وطنه الصغير والكبير على حد سواء، حيث قدّم للطفل وجبة ثقافية مائزة مرتبطة بواقع الطفل المعاصر، حيث إنه وقف عند مجموعة من القضايا التربوية والتعليمية والقومية والاجتماعية المهمة التي لا تنفصل عن حياة الطفل بوجه عام، بجانب توظيفه الجاد لمجموعة الأدوات الفنية المبتكرة التي استطاعت أن تظهر فكرته بصورة واضحة، إذ إنه قدّم في مسرحية (السبورة الغاضبة) قيمة الأمانة من منظور مغاير عن طريق تشخيص حجرة الدراسة، وعرض في مسرحية (علقة تفوت) خطر العنف المدرسي على الطفل، وفي مسرحية (ساعتي تكذب) عرض قيمة احترام الوقت وتقديسه، وفي مسرحية (شمس الشموسة) ناقش أهمية الطعام الصحي للطفل، وفي مسرحية (برنيطة الأرض) وقف عند مسألة علمية معقدة وتبسيطها للطفل، وهي المخاطر المحتملة لزيادة ثقب الأوزون في الغلاف الجوي لكوكب الأرض، وما يتبع ذلك من أزمات بيئيَّة متعددة، وفي مسرحية (رقصة الفئران الأخيرة) ناقش فيها قضية الصراع العربي الصهيوني، وفي مسرحية (مش حابه اسمي) ناقش فيها قضية التنمر، وفي مسرحية (سجين الهاء والواو) ناقش فيها قيمة الوفاء بالعهد، وغيرها من المسرحيات المهمة التي عبّرت عن رؤى ثقافية لا تنفصل عن واقع الطفل.
مينا أمير الحياة (¥):
تقف المسرحية عند مجموعة من القيم الوطنية التي تحاول قدر الإمكان تعزيزها في نفس الطفل، كقيمة الوطن والوحدة العربية وعدم الانجراف وراء الفرقة والانقسام من خلال استدعاء رمز تاريخي له أثره الفاعل حضاريًا، إذ نادى بمعاني الحق والخير والجمال ( مينا/ موحد القطرين ” الشمال/ الجنوب”)، حيث كان يؤمن بأن ملك واحد خير للدولة من ملكين، وأن المملكتين في وحدتهما قوة خير من مملكة واحدة، كما كشفت المسرحية عن خسة الأعداء، وابتعادهم التام عن مبادئ القتال الشريف، وجاء ذلك عبر مزج الكاتب بين الأحداث التاريخية والأحداث الواقعية من خلال (ومضة) قبل كل مشهد، حتى يتسنى للمتلقي ربط ما هو قديم بما هو جديد، إذن التيمة الأساسية التي وقفت عندها المسرحية هي الدعوة إلى التوحيد ضد أي طامع أو مغتصب.
تتكون المسرحيَّة من اثنا عشر مشهدًا، يسبق كلّ مشهد منها (ومضة)، تُمثّل هذه الومضة تقنية فنيَّة مبتكرة يستخدمها الكاتب لدمج الماضي في الحاضر، ليصبح الماضي مرآة عاكسة للحاضر، والومضة تقدم حدثًا مشابهًا في المتن المسرحي، ويُساعد ذلك في إثراء تجربة القارئ من خلال عرض حدثين مترابطين يُقارن بينهما، وبذلك تتشكل أفكاره من خلال القضايا التي تُناقشها المسرحيَّة، كما أن هذه التقنية تُسهم في تعزيز فهم المتلقي للتاريخ من خلال عرض حدث من الماضي لحدث مشابه له في الحاضر.
القيمة الأولى/ الدفاع عن الوطن:
جاءت هذه القيمة واضحة داخل المسرحية حيث كشفت عن نظرة الإنسان المصري إلى الحرب، فهو يلجأ إلى الحرب والقتال في حالة الدفاع عن الوطن، لكنه لا يسعى أبدًا للهجوم على أرض الغير أو سلب ممتلكاتهم، ويظهر ذلك من خلال شرح الكاتب لـ (نظريَّة الحرب) على لسان الملك (مينا) ملك الجنوب، عندما هاجمه النوبيين، فيوضح الملك لكاهنه أن الهدف من الحرب يجب أن يكون بدافع الحفاظ على الوطن لا الهجوم على العدو.
أوسكاس: انصر جنودنا يا إلهنا ست
فهم يحاربون من أجل الوطن
من أجل الأرض والعرض
وأن يظل النهر جاريًا
(يجلس ثانية في مكانه ويمسك كتابًا ويقرأ)
مينا: لم أفعل ما يمقته الإله
لم أشِ بأحد، لم أترك أحدًا يتضور جوعًا
ولم أتسبب في بكاء إنسان
(يدخل عليه الملك مينا ومعه الملكة، يقف الكاهن أوسكاس ويقابلهما بترحاب شديد)
أوسكاس: أهلًا مولاي.. أهلًا مولاتي..
مينــا: جئنا كي تحيطنا عناية الإله
وتدعو في مكان الصدق هذا في محرابك المقدس.
الملكة: فالحمد للإله أننا صادقون
ولم أرتكب ذنوبًا ضد عبادة ويحكم مولاي بالحق والعدل.
مينا: (بخشوع) لم أرتكب القتل لم آمر به و لم أسبب تعسًا لإنسان
أوسكاس: لم تأمر إلا بالدفاع عن الوطن، والمعتدي قاتل نفسه ولسنا قاتليه يا مولاي.([1])
يُظهر الحوار السابق الذي دار بين الملك والملكة والكاهن إيمانهم الراسخ بأنّ هدف الإنسان المصري من الحرب هو الدفاع عن الوطن، ومن هذا المنطلق يُشير الملك مينا إلى أنّ العدو الذي يقاتل لأجل تحقيق مطامع لا يمتلك الدافع نفسه الذي يمتلكه الجندي المدافع عن وطنه، وهنا الكاتب يؤكِّد على أنّ القِيَم السامية هي التي تُحقق النصر في النهاية، ويظهر ذلك في الحوار الآتي:
القائد: (بإهمال) يعتقدون أن قوسهم ذا المنحنيين سوف يساعدهم في حربنا.
مينـا: (يهز رأسه) لا يفهمون أن الجندي بروحه أولًا، ثم سلاحه بعد ذلك، يبتعد عنهم أن عقيدة الدفاع عن الوطن تهزم في النهاية عقيدة الهجوم، غاب عنهم أن قوسنا ذا المنحى الواحد هو سبب نصرنا عليهم.
القائـــد: جنودنا يركزون في اتجاه واحد وجنودهم مشتتون حتمًا.
مينــــا: (يجلس) علم جنودك يا قائد: إذا اعتمد الجندي على السلاح هلك وإذا اعتمد على نفسه سلك وصار في حربه بدعم الإله ملكًا.
القائـــد: سمعًا وطاعة يا مولاي، سوف نعلمهم درسًا لن ينسوه أبدًا.. أبدًا. ([2])
يؤكد الكاتب على تلك القيمة في بنية مسرحيَّته (الدفاع على الوطن)، ليغرس في نفس الطفل قيمة الانتماء والولاء للوطن في حالة الهجوم على الأرض من أجل الاعتداء والغزو.
القيمة الثانية/ ضرورة القضاء على الخيانة:
يؤكِّد الكاتب على أنّ وحدة الصفوف ضروريَّة لتحقيق النصر في الحرب، وأنّ الخيانة من الداخل تُضعف الجيش وتُؤدّي إلى الهزيمة، وذلك ما أكَّده الكاتب في تلك الومضة التي استدعى فيها شخصيَّة القائد (صلاح الدين):
صلاح الدين: (بتعقل) قبل أن أحارب عدوي الخارجي، يجب أن نعرف من ينخر كالسوس في جسم الأمة كلها.
أمير: (بحدة وحماس) معروف يا سيدي
ملك سوريا المتآمر
وأمير عكا الخائن.
(يسل صلاح الدين السيف ويسل الأمراء سيوفهم) ([3])
لا حل ..
واحد خير من اثنين
واثنان خير من واحد
(إظلام)
استدعى الكاتب شخصيَّة صلاح الدين الأيوبي بوصفه رمزًا تاريخيًا، فهو قائد عسكري خدم أمته الإسلامية إلى أبعد مدى، حيث إنه حقق عِدَّة انتصارات عسكرية وحضارية على الأعداء، واسترد القدس، فهو أنموذج تاريخي مُهِم لجأ إليه الكاتب لتدعيم رؤية المسرحية في القضاء على العدو الداخلي، وتوحيد الصفوف من أجل القضاء على العدو الخارجي المتربص باغتصاب الأراضي العربية.
القيمة الثالثة/ ضرورة الالتزام بالقتال الشريف:
يؤكِّد الكاتب على ضرورة الالتزام بالقتال الشريف في الحروب التي تحتمها الإنسانيَّة وتدعو إليها الأديان السماويَّة، ويظهر ذلك عبر التعليمات التي وجهها الملك (مينا) لـقائد جنده (تلقين) قبل الانطلاق لمواجهة النوبيين، ويظهر ذلك أيضًا في هزيمة (ملك الشمال) الذي عمد إلى ترك تلك التعليمات الإنسانية عند هجومه على (مملكة الجنوب) رغبة منه في مداهمة (الملك مينا) حتى لا يتخذ الجنود احتياطهم للمواجهة، وفي آخر المسرحيَّة يعترف (ملك الشمال) بخطئه ويؤكِّد على احترامه الكامل للملك مينا وولاءه التام له، لأنه تمسك بالقتال الشريف في وقت الحرب، لذلك فهو الأجدر أن يكون الملك على المملكتين بعد توحدهما في مملكة واحدة، وارتداء التاجين الأبيض والأحمر، كرمز لفكرة التوحيد بين المملكتين.
مينـا: (بتأكيد) لا حرب بدون قتال شريف.
مينـا: هل يعرف جنودك يا قائد ؟
هل يدركون معنى القتال الشريف؟
قائد ج: يعرفون يا مولاي بالطبع لكن قائد كل جماعة يذكر بذلك ومسؤول عن ذلك أمامي، وأنا مسئول أمامكم عن ذلك.
مينـا: حسن .. وليعلق كل جندي ريشة ويرقصون رقصة الحرب وتدق الطبول إعلانًا للعدو فيبعد أطفاله ونساءه وشيوخه
الكاهن: سوف تحيط البركة جنودك وسيحميهم الإله نخبت وسيدعمهم ويقويهم الإله ست.
مينـا: وتأكد يا قائد من حفظ ذلك
وعلى كاهننا الأعظم أن يؤكِّد ذلك
الكاهن: (يفرح) رددوا الآن جميعًا
الكاهن: لا تهاجموا في الليل كالمخادعين
قاتلوا عندما يكون للعدو أن يراكم
أعلنوا عن القتال قبل بدئه. ([4])
تظهر هنا ملامح القتال الشريف في التنويه قبل بدأ الحرب حتى يحمي الأطفال والنساء والشيوخ ضد أي خطر، بجانب عدم المهاجمة بغتة، مع احترام الأسرى ومعاملتهم معاملة إنسانية.
القيمة الرابعة/ الحذر من الحاشية المزيفة للحاكم:
تبعث المسرحية برسالة أخرى إلى المتلقي، مفادها ضرورة حرص الحاكم على التيقن من أمانة رجاله، وكل من يشغل منصبًا مهمًا في مملكته، وذلك من خلال عرضه المتميز لشخصيَّة (كاهن مملكة الشمال)، الذي أدت أطماعه في النهاية إلى سقوط مملكته أمام مملكة الجنوب، فهو أول من أشار على (ملك الشمال) بعدم التمسك بالقواعد المتعارف عليها في الحروب، والهجوم مباغتة على مملكة الجنوب، وهو على عكس ما فعله (مينا ملك الجنوب)، فمينا عندما خطرت له فكرة توحيد المملكتين (واحد خير من اثنين، واثنان خير من واحد) استبعد تمامًا أن يهاجم مملكة الشمال عن طريق المفاجأة، وأكد على ضرورة أن تكون هناك رغبة مشتركة بين المملكتين في الوحدة بينهما، على عكس ملك الشمال وكاهنه.
ملك الشمال: رأيت في المنام كأني…
كأني أرتدي تاجين،
تاج أحمر قاني.
الكاهــن: (بتأكيد) تاجك يا سيدي وعرشك.
ملك الشمال: وتاج أبيض ناصع.
الكاهــن: هو تاج مملكة الجنوب لكنه من الآن يصير تاجك الآن وجبت يا مولاي.
ملك الشمال: ما الذي وجب يا كاهننا؟.
الكاـــن: (بثقة) إشارة الإله حوريس.
ملك الشمال: أي إشارة تقصد؟.
الكاهــن: (بتأكيد) إشارة غزو الجنوب، إشارة لوحدة مصر،
أرسل في طلب الوزير تيت وطلب قائد الجيش.
ملك الشمال: أذلك تفسير الرؤيا يا كاهننا؟.
الكاهــن: نعم و حق الإله حوريس لكن الذي أعطاك الإشارة لن يقبل
(بتأكيد) إلا أن يكون إلهًا لمصر الموحدة كلها.
ملك الشمال: (يهز رأسه موافقًا) (يصفق بيده، يدخل الحارس) أحضر لي الوزير تيت والقائد فورًا.
الحــارس: هما بالخارج يا سيدي ويطلبان شرف المقابلة. ([5])
وقد أسهم الفضاء الدرامي بشقيه الداخلي والخارجي في الكشف عن تمزق الوطن العربي من خلال تغليب المصلحة الخاصة على العامة، الذي نتج عن الصراع المستمر حول السلطة والحكم، وحب السيطرة من أجل إثبات الذات حتى ولو كانت على حساب العروبة، هذا من جانب، والدعوة إلى الوحدة من قبل استدعاء رموز تاريخيَّة ناضلت من أجل هذا الهدف السامي من جانب آخر.
شاشة عرض سينمائي، مشاهد حيَّة من التدمير الذي أحدثه الهجوم الإسرائيلي على لبنان، وأحدثه احتلال أمريكا للعراق واجتياح غزة، شريط أخبار عن تصدي المقاومة اللبنانيَّة وتدمير عدد كبير من مدرعات العدو وقصف شمال إسرائيل وحيفا وعكا بصواريخ حزب الله.
صوت: (بخبث)
هاجموا في الليل كالمخادعين
قاتلوا عندما لا يراكم أحد
لا تعلنوا عن الحرب قبل بدئها
اقتلوا الأطفال والشيوخ والنساء
هيا.. هيا.. أسرعوا
ترتفع طلقات الرصاص ويزداد القصف
(إظلام) ([6])
وقد عبّر الفضاء الدرامي السابق عن أهداف العدو الغربي، وهي أهداف حضاريَّة في المقام الأول، فهو يسعى إلى إقامة شرق جديد يخضع لأفكاره، وفي الوقت نفسه يحاول طمس الهويَّة العربيَّة، إذ إنه قام بجرائم القتل والتشريد على مر التاريخ (لبنان، العراق، فلسطين، سوريا)، وفي المقابل جاءت فكرة التوحيد التي استدعاها الكاتب والمتمثلة في صوت (مينا) إسقاطًا سياسيًا دالًا على فكرة التوحيد التي دعا إليها عبدالناصر في خطاباته فهو يعزز من الاتحاد وتكاتف الدول العربيَّة.
شاشة عرض سينمائي، لقطة للرئيس جمال عبد الناصر وهو يلقى خطاب الوحدة وسط جموع الشعب العربي السوري.
ناصر: ( بحماس )
فما من مرة تحققت الوحدة إلا تبعتها القوة،
وما من مرة توفرت القوة
إلا وكانت الوحدة نتيجة طبيعيَّة لها.
صوت:
دائمًا واحد خير من اثنين
واثنان خير من واحد
(إظلام) ([7])
وفي النهاية يمكن القول إن المسرحية تثبت أن التاريخ هو مرآة صادقة للشعوب، والحاضر ما هو إلا صورة من الماضي ما لم يستفد الحاضر من دروس التاريخ.
¥) يمكن تعريف الهوية واقعًا بأنها الرمز الدال على كينونة الفرد، ويعبّر عن انتمائه وحقيقة وجوده، وإذا نظرنا إلى المسمى “الهوية”، نجد أنها تشير إلى البطاقة الشخصية التي تضم الاسم والمولد ومحل الميلاد والجنسية .. إلخ، ولكن إذا توسعنا في الرؤية ووقفنا عند مدلولها الاجتماعي نجد أنها تعبّر عن شعور الإنسان بذاته ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا وفق مجموعة المشاعر والأفكار، ويمكن تعريفها من الناحية الانثروثقافية بأنها: تشير إلى تميُّز جماعة معينة بخصال محددة يربطهما ثقافة وبيئة اجتماعية واحدة ينتمونا إليها، فهو شعور بمجموعة من السمات الثقافية للجماعة. ينظر: عبد الوهاب المسيري، الهوية والحركة الإسلامية، دمشق، دار الفكر، د. ط، 2010، ص147.
بينما الهوية الوطنية يقصد بها نظام متكامل الأركان اجتماعيًا وثقافيًا وتاريخيًا يربطه انتماءً وطنيًا واحدًا شعوريًا وفكريًا؛ وبذلك يتحول الشعور والفكر من نطاق الفرد إلى نطاق الجموع الذي يحاول حثيثًا الحفاظ على هوية الوطن ضد أي خلل في أركانه ووجوده. ينظر: غسان منير سنو، علي أحمد الطراح، الهويات الوطنية والمجتمع العالمي والإعلام، دراسات في إجراءات تشكل الهوية في ظل الهيمنة الإعلامية العالمية، بيروت، دار النهضة العربية، 2002، ص20. أما عن أبعادها فهي منظومة القيم والعادات، وعناصر الانتماء الوطني، وعوامل التجانس الثقافي (التراث المعاصر)، إلى جانب المحافظة على الرموز الوطنية التي لها دورها المحوري في تأصيل الهوية الوطنية والامتداد بها إلى أبعد مدى. أما عن ” العولمة ببعدها الأيديولوجي تعني تسيُّد الحضارة الغربية، والعولمة بوصفها ظاهرة تعني تسيُّد النموذج الأمريكي “الأمركة” إلى حد ما، أما العولمة بوصفها عملية فقد لا تعني هذا ولا ذاك، وقد يتمخض عنها نمط جديد مختلف تمامًا، ويصعب التحكم فيه”. محمد عبد الله حسين دراسات في نقد النص الدرامي ” الهوية، الفضاءات، التحولات”، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2022م، ص11.
¥) مثل: لهجات الفيس بوك “الفرانكو”، الأخطاء الشائعة المتداولة في الإعلام، دخول الكلمات الأجنبية في حوارنا العربي..
¥) محمد عبد الحافظ ناصف، من مواليد المحلة الكبرى 1967، حصل على ليسانس آداب وتربية 1989، كاتب مسرحي وكاتب أطفال وقاص وسيناريست ومترجم، تقلد الكثير من المناصب الإدارية، رئيس المركز القومي لثقافة الطفل، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، له إصدارات عديدة في المسرح والنقد والقصة والرواية والترجمة وسيناريوهات مصورة للأطفال، وحصل على جوائز عديدة في المسرح والقصة وأدب الطفل والنقد والدراما التليفزيونية …. ينظر: محمود قاسم، هؤلاء كتبوا للأطفال في مصر، القاهرة، المركز القومي لثقافة الطفل، 2020م، ص391.
¥) ينظر: تحولات دراما الطفل في المسرح المصري المعاصر من عام 1990 إلى عام 2010 دراسة في نماذج مختارة، الباحث/ أحمد محمود أحمد سعيد، إشراف/ أ.د: محمد عبد الله حسين، رسالة دكتوراه، قسم الدراسات الأدبية، كلية دار العلوم، جامعة المنيا، 2024م.
¥) وقد وقف عند هذه المسرحية أ.د/ علي خليفة، وقدم فيها مقالًا نقديًا على صفحته على الفيس بوك، وقال: ولا يكتفي محمد ناصف في مسرحيته مينا أمير الحياة بأن يطلعنا على الأحداث التي واكبت توحيد مصر قديما على يد مينا، ولكنه من خلال مزجه تلك الأحداث الفرعونية ببعض المشاهد من الواقع المعاصر وبعض المشاهد الأخرى من التاريخ في عصور مختلفة – يعرفنا على الارتباط الوثيق بين الحاضر والماضي، فلا يزال هناك أعداء يطمعون في مصر، كما طمعوا فيها قديما، وهناك من الأعداء في الحاضر من يريدون أن يعيدوا مصر كما كان حالها قبل أن يوحدها مينا قديما، فتصبح بلدين أو عدة دول مجزأة ضعيفة، ويؤكد المؤلف أن تحقيق هذه الأمر للأعداء مستحيل مع يقظة كل أبناء الشعب المصري، وبسالة جنود مصر الشجعان.
[1]– محمد عبد الحافظ ناصف، مسرحيَّة “مينا .. أمير الحياة”، روايات الهلال للأولاد والبنات، سلسة تاريخ =مصر (الرعاة)، وزارة الثقافة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، صندوق التنميَّة الثقافيَّة، دار الهلال، 2006م، ص44، 45.
[2]– نفسه، ص17.
[3]– نفسه، ص28.
[4]– نفسه، ص32، 33.
[5]– نفسه، ص59، 60.
[6]– نفسه، ص15.
[7]– نفسه، 43.



