د. أحمد يوسف عزت يكتب: محنة التواصل في المسرح المونودرامي
المسرح نيوز ـ القاهرة| د. أحمد يوسف عزت
ـ
يدنو أدب (المونودراما) من المسرحية متعددة الشخصياتMulti-Character Play، وأعني بالتقارب المُفتَرَض، ذلك الاتقاء الحميمي في تقنيات الحَسَاسِية الكِتَابِية للنص المسرحي Techniques Of Written Sensitivity، ومن جُملة التقنيات المذكورة(1):
– البَدءُ بالوضعية الاستهلالية Starting Position. – الرسوخ على الوضعية الأساسية Stressing On The Basic Situation. – الاعتماد على حبكة رصينة Reliance On A Solid Plot. – حدث صاعد تتلوه ذروة A Rising Event Followed By A Peak. – وأخيرا، حدث درامي إنساني مُتَهَاوٍ تعقبه انفراجة Human Drama Followed By A Breakthrough Solution.
إلا أن الأدب المونودرامي تحديدا، يمتلك خصائص تفرد ملهمة، تفترق (افتراقا حاسما) عن أدب المسرحية متعدد الشخصيات. ومن جملة الخصائص التي ينفرد بها النص المونودرامي عن غيره(2) الآتي بيانه:
– المحتوى النصي Text Content: فإنه غالبا ما تكون موضوعات المونودراما ذات مسحة ميلودرامية (مأساوية)؛ ناجمة عن تجربة الذاتية المريرة؛ ما يفتح أبواب الأسئلة الوجودية (مثل مونودراما: حاويات بلا وطن، للكاتب العراقي قاسم مطرود).- الزمن Time: يكون الزمن في النص المونودرامي ملحمي البعد؛ بمعنى أن يكون متعدد المستويات، متراكم التركيب، ولكن يكون للزمن الآني السطوة، ويمكن أن تختلط المستويات؛ دونما تسلسل منطقي (مثل مونودراما: شريط كراب الأخير، للكاتب الأيرلندي صمويل بيكيت).- المكان Place: ويكون متعدد المستويات في النص المونودرامي، إذ إن الشخصية الوحيدة تستحضر ملامح الأمكنة التي تفاعلت بها ومعها؛ خلال عملية التداعي الفكري للشخصية (مثل مونودراما: مجرد نُفَايَات، للكاتب العراقي قاسم مطرود).-
اللغة Language: تميل لغة الحوار في النص المونودرامي إلى السردية الاستدعائية، عبر صيغة الفعل الماضي؛ لأنها تعتمد (غالبا) على تداعي الأفكار (مثل مونودراما: العازفة، للكاتبة السعودية ملحة عبد الله).- الشخصيات Characters: يعتمد النص المونودرامي على شخصية واحدة، يكون حضورها فعليا، بينما يكون حضور بقية الشخصيات (متى اعتمدها الكاتب؛ بوصفها مقترحا لتجاوز الوحدانية) مجازيا (مثل مونودراما: الخنزير، للكاتب السكندري ماجد عبد الرازق).-
الصراع Conflict: يقوم الصراع في بنية الحدث الدرامي المونودرامي على تنامي الحدث وتصاعده، عبر ما يخلقه في سياقات النص من صدامية وتعارض؛ يستولد الأزمات والصراع، والصراع فيه على ضربين: الصراع الداخلي، الذي يجلي حال التمايز بين الممثل ووجدانه النفساني. والصراع الخارجي، وهو الصراع الذي يظهر بين الممثل وشخصيات أخرى مضادة، أو مع أسباب الطبيعة وظواهرها، أو مع المحيط المجتمعي، أو مع قوى وجودية كبرى (مثل مونودراما: موتى بلا تأريخ، للكاتب العراقي قاسم مطرود).
الأدب المونودرامي حال كثيفة من الذاتية المركبة، إذ إنها تنمي فعالية التداعي الحر، فإن البطل في الأدب المونودرامي يكون دائما عُرضة لكافة هيئات الصراع التي تجابه البشر. والنص المونودرامي يحتاج إلى أديب فيلسوف صاحب رؤية ودُربة. كما أن الأدب المونودرامي يحتاج (بصورة أساسية) إلى تثوير الحال الدرامية، التي تعتمد (في جوهرها) على شخصية واحدة؛ إذ يتحول: “الفعل التبادلي، في المسرحية متعددة الشخصيات، إلى فعل ذاتي يقوم الكاتب أثناءه بتحفيز شخصية واحدة، ويدفعها دفعا نحو التطور والنمو، ويحدد ردود أفعالها أثناء نمو الحدث“(3).
ويمكن القول إن النص المونودرامي أصعب في تقنيات وآليات الكتابة من النص المسرحي متعدد الشخصيات. الأدب المونودرامي (برغم رسوخ الشكل وتطور مهرجاناته وفعالياته) يواجه إشكالية حقيقية، ألا وهي إشكالية التواصل الحي والفعال. فإن تلقي المونودراما يواجه صعوبة ونفورا من قبل جمهور المسرح، فإن جُل المتابعين يعتبرونه (كما يقول عباس الحائك) فنا نرجسيا أعد للنُخبة والخاصة، والحق يقال إنه لا يتابع عروض المونودراما (حتى الآن) إلا أهل الفن المسرحي وأسرة اللعبة المسرحية ليس إلا. إن محنة التلقي تنبع أساسا (كما قال نفر من بحاثة المسرح ومتابعوه) من القصور في إبراز مميزات وخصائص الأدب المونودرامي، الذي يعطي للمونودراما ألقها ورونقها الأخاذ(4)،
فإن النص المونودرامي قد يتناول موضوعا ليس مهما بالقدر الكافي، أو فكرة لا تحمل مقومات العمق المفترض، أو هيئة نصية لا تحمل سحر النص المونودرامي وتحفظ تفرده الضروري المصون في وعاء القالب، أو أن يكون نصا ذا حوار سردي مترهل لا حيوية فيه، وهذه الإشكالية تبنع من فقر مزدوج للمؤلف والمخرج في ابتعاث رؤية خلاقة لعرض مونودرامي مختلف(5)،
كما أنها تنبع من نفر من الممثلين غير المحترفين (فإن المسرحية المونودرامية لا يجب أن يمثلها إلا ممثل مذهل، عرك التجربة المسرحية، وخبر أدواتها الفنية الخفية)، الذين يصرفون جُل اهتمامهم لما يطلق عليه في المصطلح النقدي: البَرانِي(6) في وعيهم بأبعاد الشخصية الدرامية، التي يقومون بأدائها على خشبة المسرح. المونودراما تحتاج (احتياجا آكدا) إلى الممثل المُطلَق، الذي (وكما قال جواد الأسدي الفائز بجائزة الأمير كلاوس عام 2004م) لا يستطيع أن: “يحقق تناصا حداثيا مع الأداء المسرحي؛ إلا إذا ابتلع دوره، وقام بلوك وهضم الدور، وفكك روح الشخصية وعاداتها وإشاراتها التي سيلعبها بجسده هو؛ وصولا إلى كيمياء روحية وجسدية بينه وبين الشخصية المكتوبة. إذ ينبغي أن يمضي إلى أبعد من قشرة الدور الخارجية؛ حتى يصل بوعي بصري ووعي فكري إلى نبش قيعان الشخصية“(7).
كل ما سبقت الإشارة إليه، يسدل ستارا داكنا؛ يحول بين العرض والنظارة؛ فيفقد النظارة انجذابهم للعرض واستجابتهم لمفرداته المسرحية المشعة…
المراجع:
- طرح فحواها باستفاضة، الكاتب (عباس الحائك)، في مقالته النقدية المتميزة، التي عنوانها: “المونودراما خصائصها وإشكالية التلقي”، والتي نشرت في مجلة قوافل، العدد السادس والعشرين، ربيع الآخر، عام 1430هـ.
- عرضتها في تسلسل علمي محكم، الممثلة والكاتبة الأردنية (مَجد القَصَص)، في مقالتها النقدية الرائدة، التي عنوانها: “المونودراما: مسرح الشخص الواحد” جريدة الغد الأردنية، يوم الجمعة، الخامس من ديسمبر كانون الأول، عام 2008م.
- مجد القصص، المونودراما: مواجهة عميقة مع دواخل الذات بلا أقنعة، جريدة الغد الأردنية، في الرابع والعشرين من نوفمبر تشرين الثاني، عام 2008م.
- يرجع، عباس الحايك، المونودراما خصائصها وإشكالية التلقي، مجلة قوافل.
- يرجع، السابق نفسه.
- يرجع، السابق ذاته.
- جواد الأسدي، الموت نصا، دار الفارابي، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، عام 1999م.