د. خالد عاشور يكتب:”أشغال شقة” مؤبدة للضحك.. وكوميديا وُلدت لتعيش.
المسرح نيوز ـ القاهرة| سينما وتليفزيون
ـ
د. خالد عاشور
إن أصعب انواع الكتابة هي الكتابة الكوميدية.. والأصعب منها ان تجد مخرجاً وفناناً يتناولها دون ابتذال او اسفاف في الطرح او في التمثيل.
ولأن الأعمال الكوميدية في السنوات الأخيرة في مصر عانت من الأببتذال والأستسهال وكثيراً من النحت الكوميدي من الغير – سواء كانت اعمال قديمة يتم اعادتها أملا في استثمار نجاحها- أو تلخيص الكوميديا في مجرد مسلسلات معتمدة على الأسكتشات والأيفيهات التي تواترت في السوشيال ميديا وتداولها الناس فيما سبق أو البحث عن صناعة “افيه” على امل أن يكون حديث يتعلق به الناس ويتحول الى افيه جديد يتضمنه المسلسل.
صحيح ان مسلسل أشغال شقة مقتبس أو يتناص مع فيلم “صباح الخير يا زوجتي العزيزة 1969” بطولة الفنان “صلاح ذو الفقار” والفنانة نيللي والفنانة “تحية كاريوكا” قصة وسيناريو وحوار “سامي أمين” واخراج “عبد المنعم شكري”.. غير ان ذكاء مؤلفي المسلسل خالد دياب وشيرين دياب اعتمد على الفكرة فقط دون اللجوء الى الاقتباس الكامل أو أخذ احداث الفيلم كما هي في استنساخ كامل وتحويلها الى مسلسل كما يفعل الغير..
فقط الفكرة التي أخذت وجعلت من المسلسل أفضل الأعمال التي تم اقتباسها من عمل قديم وبشكل يتفوق عليه في حداثته ومعاصرته للواقع الزمني الذي يدور فيه واثناءه المسلسل الذي أخرجه المخرج “خالد دياب” برشاقة.. ثم يأتي ابداع الأستهلال في عنوان المسلسل حيث التناص بينه وبين الحكم الجنائي “أشغال شاقة مؤبدة” وهو أولى عتبات الأختلاف والتميز وقدرته على تفخيخ الأسم بدلالات مربكة للمشاهد قبل ان يرى المسلسل..
ثم ينكشف الأمر من الحلقات الأولى لذلك التناص والأستعانة بتناغم الأسم في النطق مع الحكم القضائي “أشغال شاقة مؤبدة” فهو اختيار ذكي لمؤلفي العمل من البداية حيث يقع بطلي العمل “الزوج والزوجة” والمشاهدين في رؤية دراما حكم عليها بالمؤبد اللذيذ والمبهج في الأضحاك من خلال الشغالات في شقة الزوجين أو ما يعرف “بمديرة المنزل” اذا اردنا مسمى وظيفي للمهنة.
من بداية المسلسل استعان السيناريو بأسرة من الطبقة المتوسطة حتى تكون قريبة من الجميع.. فالزوج الفنان “هشام ماجد / حمدي عبد الرحيم” يعمل أخصائي بالطب الشرعي.. والزوجة الفنانة “أسماء جلال/ ياسمين” تعمل مذيعة بأحدى القنوات الفضائية واللذان يرزقان بتوأم.. ومن هنا تبدأ المعاناة في البحث عن “شغالة” أو ربة منزل لتراعي الطفلين وليتفرغ كلامها الى عمله.. كانت تلك بداية الرحلة السعيدة نحو “أشغال شاقة” في البحث عن “خادمة” وخاصة أن الزوجين لديهما رواسب تمنع ان ترعى الحماتين “أم الزوج وأم الزوجة” الطفلين لما سيتسبب في تفاقم الخلافات بينهما والذي رأيناه في أحداث المسلسل بين الحماتين والزوجين.
انتصار الكوميديا وبهجتها.
بدأت الحلقة الأولى بأولى ضيفات الشرف للعمل والتي لم يقتصر دورها على كونها ضيفة شرف بقدر ما كان دورها أكثر “الشغالات” كوميديا في شخصية “أم صابرين” للفنانة الكبيرة “انتصار” وذلك التعلق الغريب بينها وبين تليفونها المحمول كحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة على أذنها طيلة الوقت.. تلك الشخصية التي اثرت المسلسل من الحلقة الأولى بكوميديا السهل الممتنع في التحكم في انفعلاتها ولغة جسدها واشارتها طيلة الوقت الى عيونها اذا طلب منها شئ..
رغم انه لا يتحقق هذا الطلب.. انتصار حولت الدور ومساحتها الى بطولة مختلفة في تكوينها الكوميدي وطريقتها الغنية بالضحك.. ام صابرين واحدة من اجمل الشغالات التي حولت الكوميديا الى حكم مؤبد سيلتصق بانتصار وتحول الى كوميكس وميمز على صفحات التواصل الأجتماعي لصدقها وتمكنها من الشخصية في الأداء والحركة والصوت والملابس والمفارقات التي سحبت المشاهدين من الحلقة الأولى إلى متابعة المسلسل رغم بداية الكوميديا التي تناغمت بين كل من الفنان والكوميديان الواعد “مصطفى غريب” في شخصية “عربي” مساعد أخصائي الطب الشرعي “هشام ماجد /حمدي عبد الرحيم”..
ورغم وجود كوميديا خفيفة بين الحماتين والدة الزوج الفنانة “شيرين/ درية” ووالدة الزوجة الفنانة “سلوى محمد على/ سوسن” إلا ان الحكم النهائي في الكوميديا كان لصالح الفنانة “انتصار” في اجمل شخصيات المسلسل كوميديا وهي “أم صابرين” وتليفونها المحمول المعلق طيلة الوقت بحكم مؤبد بين حجابها وأذنها.
إيمان السيد ومتلازمة “هانزلبه”.. حين تتحول اللهجة الى مفتاح للكوميديا.
اللهجة المصرية رغم انتشارها بين الدول العربية لما لها من حلاوة في النطق وسهولة كبيرة وما أثرت به السينما والدراما على المجتمعات العربية في فهمها ومحبتها واستساغتها بيسر.. الا ان الشعب المصري لديه لهجات مختلفة في واقع الأمر.. فلكل محافظة تقريبا لهجتها الخاصة..
ولكل مركز وقرية في تلك المحافظات لهجة خاصة به.. ومن اغرب اللهجات واكثرها حضوراً وغرابة بين المصريين هي لهجة أبناء محافظة الشرقية.. كان ذلك مفتاح الأستعانة بها لأحدى الشغالات في شخصية “فاطمة” للفنانة والكوميديانا خفيفة الظل ومقتنصة الضحكات “إيمان السيد” من خلال لهجة الشراقوة “نسبة لمحافظة الشرقية” و
ما آلت اليه البطلة من سمنة مفرطة لحلاوة أكلها وسحرها في الطبخ وافيه جديد وطازج نزلت به للكوميديا “هانزلبه” وتعني بلهجة اهل الشرقية “سأنزل به” لتصعد بهذه الكلمة الى قمة الكوميديا واداء ساحر من الفنانة نفسها.. بالطبع لا ننسى أن هناك ابطالا كان لهم تأثيراً كبيرا في الكوميديا وقفوا ندا أمام بطل المسلسل “هشام ماجد” وعلى رأسهم الفنان الواعد “مصطفى غريب” والفنان “محمد عبد العظيم” في دور المدير لهشام ماجد ومصطفى غريب والفنان “عبد المنعم رياض مدير القناة التي تعمل بها الزوجة والفنان الشاب أحمد عبد الوهاب صانع المشاهير والمتابعين على السوشيال ميديا وكل ابطال وضيوف الشرف في المسلسل ” محمد محمود و رحمة أحمد ومي كساب ونهى عابدين وريم خوري وانجي وجدان وحازم ايهاب في دور وكيل النيابة و ميشيل ميلاد بشاي في دور مترجم السفير الهندي..
حتى من ظهر في مشاهد قليلة كضيف شرف كالفنان “أكرم حسني” الذي تفوق في مشاهده على وفي الكوميديا على أدواره المستقلة والبطولة الكاملة.
إنعام سالوسة.. كوميديا الخبرة والأنسيابية.
صحيح ان جميع الشغالات أو مديرات المنزل والمشاركات في المسلسل تفوقن في الكوميديا وعلى رأسهم الفنانة انتصار.. إلا ان تفوقاً من نوع آخر كان واضحا ومتميزاً لدى الفنانة القديرة “إنعام سالوسة” التي صنعت بهجة كبيرة في دور “تيتة صفية” بتلك الموتيفة التي زادتها جمالا كونها لا تسمع جيدا الا من خلال ميكروفون ثم سماعة اذن..
تيتة صفية التي قدمتها الفنانة القديرة والخبرة في الكوميديا دون الأستعانة الى الحركة الكثيرة فقط من خلال تعابير الوجه والعينين جعلت منها الشخصية الأكثر كوميديا مع الفنانة انتصار والتي انهت فيما بعد معاناة الزوجين من احتلال شقتهم من محتل خارجي وهو الثنائي المشاكس “مي كساب أو فايزة” وزوجها البلطجي “رجب” الفنان “أحمد محارب” وما حدث من مفارقات واحتلال للشقة وجعل الزوجين يعيدان الأستعانة بكل الشغالات السابقات لطرد المحتل وعلى رأسهم “تيتة صفية” الفنانة القديرة في صنعتها وكومديتها “إنعام سالوسة” والتي كانت أكبر مكاسب المسلسل هي وجميع من شارك في المسلسل أو ظهر في مشهد واحد وظفه السيناريو والأخراج خير توظيف.
أشغال ما كان ليقع فيها المسلسل.
رغم أن مسلسل أشغال شاقة صنع كوميديا مختلفة تفوقت على كل الأعمال الكوميدية التي عرضت خلال السباق الرمضاني في مصر وعلى رأسهم مسلسل “الكبير قوي” لأحمد مكي في جزءه الثامن والذي اتمنى ان يكون الأخير.. وكذلك على كل المسلسلات التي تدعي انها كوميدية وصنع نوعاً جديدا للكوميديا ولد ليعيش وسيكون حاجزاً لصناع الكوميديا في مصر من الصعوبة ان يتجاوزوه واختبار لمؤلفي العمل ومخرجه في كتابة شئ يشبهه كاول عمل كوميد لهما بعيدا عن الدراما والتراجيديا التي تفوقوا فيها سابقاً..
الا ان العمل وقع في بعض الأخطاء التي يمكن تجاوزها مثل عدم تحديد طبيعة البطل ذاته “هشام ماجد أو حمدي عبد الرحيم” فتارة يقول البطل على لسانه انه خريج كلية علوم وتارة يؤكد العمل على كونه طبيب شرعي خريج كلية الطب.. هذا التذبذب لم يتداركه السيناريو.. ثم تلك المبالغة في جانب زيادة وزن البطلة والسخرية منها مع نفس المبالغة في حلقة الأصابة بقمل الرأس لدى الزوجين وفي شخصية الشغالة “ريم خوري” والأنبهار بجمالها من الجميع..
ولكنها المبالغة المحببة والمقبولة لأنها كانت خفيفة الظل وزادت من جرعة الكوميديا التي انتهجها المسلسل مختلفاً تماما عن كوميديا الأستسهال والأفيهات المعادة والنمطية وكلاشيهات الكوميديا السمجة في غيره.. مسلسل أشغال شقة كوميديا ولدت لتعيش سنوات طويلة كحكم مؤبد للضحك والتميز.