مقالات ودراسات
د. عامر صباح المرزوك يكتب: مسرحية (حجي ليل) .. بحثا عن وطن مفقود!
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
ا.د. عامر صباح المرزوك ـ
ناقد وأكاديمي عرااقي
قُدمت مسرحية (حجي ليل) تأليف حسين نجم حسين وإخراج فلاح حسن وتمثيل علي كاطع ونور آل عطية، وسينوغرافيا مصطفى كاظم وتنفيذ المؤثرات الصوتية والموسيقية نعمت الفتلاوي والإضاءة علي زهير المطيري يوم الأحد الموافق 1/10/2023م ضمن عروض مهرجان العراق للمسرح الشبابي في النجف الأشرف، علماً أن المسرحية من إنتاج منظمة عيون الفن الثقافية.
جسد عرض (حجي ليل) معاناة الإنسان وما آل إليه من ويلاتٍ متتاليةٍ من خلال زوج وزوجة يجتمعان في مقهى شعبي ليكون مأوى لأحلامهم التي لا تتحقق، يسردون معاناتهم وما أصابهم من أزمات، يحلمون بوطنٍ يأويهم، لكنهم لم يجدوه، فيعودان إلى البداية مرة أخرى، وأن كل ما مر بهم من أحداث كانت مجرد (حجي ليل)، وهو استعارة للممثل المعروف (كلام الليل يمحوه النهار) الذي عُرف في زمن الخليفة هارون الرشيد، وهذا يعني أنهم سيعودون إلى ما هم عليه مع مطلع صباح اليوم التالي، فكانت الأحداث جميعها ليلاً، فالعمل يبدأ بأغنية لأم كلثوم وينتهي بأغنية لأم كلثوم، وهي دلالة على استمرار فعل الليل والانتهاء به، ليعدوا مرة أخرى لحياتهم التي أرهقتهم، والاستمرار في بحثهم عن وطنٍ يأويهم.
حمل نص العرض في طياته ذكريات الماضي، والمعاناة، وبطش السلطة، وهيمنة العسكر، والأحلام التي لا تتحقق، ومرجعيات الأهل والولادة وإلى ما ذلك بسردية متتالية في خط درامي واحد، رغم اجتهاد المؤلف في كتابة هذا النص بحرفية عالية، ومعرفته بأدوات الكتابة الدرامية، واستخدام المفردات بحسب كثافتها، وبتنوعها على المستويين الفصيحة والعامية، وبحسب الموقف الدرامي المطلوب، إلا أنه وقع في مشكلة تطور البناء الدرامي للوصول إلى تصاعد الحدث وهبوطه، رغم أن طبيعة هذا النص كتب بطريقة السكيجات يجمعها هدف واحد بمجموعة من اللوحات المتعددة، وهذا ما انعكس سلباً على الإخراج، كما لا تحسب للمؤلف تناول موضوعات مستهلكة وسطحية كموضوع (تحريم الفن) وهذا ما أوقع العرض بالمباشرة والتكرار والاستعارات من مقولات متداولة وجاهزة.
جعل المخرج من خلفية خشبة المسرح مقهى تراثي شعبي ثابت يملأ الخشبة بالقطع التي توحي لتلك الثيمة، وأمامه تم توزيع القطع الديكورية (ميز، كراسي، راديو، قطع شطرنجية، مكانس، أقمشة، صواني، إلخ)، ليتعامل معها الممثلان، وتتحول بحسب الحالة الدرامية، واستطاع المخرج أن يحول هذه القطع إلى أكثر من دلالة لتعطي الحدث المطلوب (ولادة، منصة، قبر، برج مراقبة، عرش ملك، مكان جلوس، إلخ)، إضافة إلى تحويل المكانس لـ(كمبيوتر، سلاح، شاخص عشاق، آلة عزف، إلخ)، وبهذه التحولات كسر المخرج رتابة المكان، وقدم أكثر من لوحة مسرحية خدمت ثيمة العرض.
قسم المخرج حركة الممثليّن (الزوج، الزوجة) بشكلٍ متوازٍ للتعامل مع المكان يميناً ويساراً، ليوزن حركتهم مع المكان ويملؤه، وهما يتبادلان في أماكنهم، والتعامل مع المفردات الديكورية في رسم سينوغرافيا العرض، رغم تحركهم في مستوى واحد، فكانت السينوغرافيا رشيقة ومميزة رغم تكرار الحركة ذاتها في المستوى المطلوب.
رمز المخرج لثيمة السلطة برمز (الملك) بحجمها الكبير كقطعة شطرنجية، وهو يراقبهم ويرافقهم في الوقت ذاته، وبقيت هذه الثيمة حاضرة حتى نهاية العرض من خلال الصوت (الرقيب) الذي يطلب منهم استكمال العمل، والعودة لطريقة تحريك البيادق (الجنود)، وإعادة الولادة لهم، ومن ثم موتهم، فأنها لم تكن جديدة في الطرح وآلية الاشتغال.
اجتهد المخرج في مشهد الولادة حينما قلب المعادلة جاعلاً من الزوج هو من يقوم بفعل الولادة، وأعطى دلالة الشريط الأحمر المستمر ليقول أن هناك تاريخ طويل من الدماء والعذابات حتى ان الزوجة قد لفته على رقبته لقتله بذات الحبل.
كما تم توظيف الإضاءة بطريقة فيضية الا في مشهد الولادة ومشهد الرقص، واستخدام الألوان التي ساعدت على خلق الجو المسرحي المطلوب، وكانت للمؤثرات الموسيقية والصوتية الدور الكبير في مساعد الممثلين في خلق الجو العام في استخدام الأغاني الشعبية، والهوسات، والمقطوعات الموسيقية، رغم رتابة بعضها، مما انعكس سلباً على المتلقي، ليفقد تأمله في انتظار الجديد والمختلف.
أما الأداء التمثيلي، فقد تميز فيه الممثلان (علي كاطع، نور آل عطية)، وبحسب أدوارهم، وأبعاد شخصياتهم، وما تتطلب من أداء صوتي وجسدي، وتنوع وفق معطيات الدور، وهكذا اجتهد الممثلان في استرخائهم، والتعامل مع مفردات العرض، زد على ذلك انسجامهم الذي وصل إلينا كزوج وزوجة، خاصة في (اللحظات الرومانسية، الرقصات، التودد، إلخ)، وما أسجله عليهم من ملاحظة، هو عدم الإحساس بالحوار، وطريقة توصيله إلى المتلقي، وطريقة دفع الكلمة والتلوين، وهذا ما انعكس على الأداء بشكل عام، ليجعله في ذات الخط الدرامي الواحد.
أخيراً أبارك لكادر عرض (حجي ليل) هذه التجربة المسرحية المغايرة، وننتظر منهم المزيد من التجارب المسرحية الشبابية التي تُنعش المسرح في مدينة النجف الأشرف الذي نطمح أن يكون في الصدارة والفرادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: جريدة الصباح