مقالات ودراسات
د. علي خليفة يكتب عن مونودراما “مضار التبغ” للكاتب الروسي أنطون تشيكوف
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
د. علي خليفة
مسرحية عن مضار التبغ
للكاتب الروسي أنطون تشيكوف
«1904 – 1860»
مسرحيات تشيكوف الطويلة والقصيرة لها سحر خاص، وجاذبية كبيرة للمشاهدين والقراء، وهو كاتب مثير للاهتمام؛ لأنه كان دائم التجديد في مسرحه، وكان مهتمًّا بكشف أغوار النفس الإنسانية، وإظهار الشخصيات المسحوقة في المجتمع، كما أنه كان قديرًا في رسم قطاعات مختلفة من المجتمع في مسرحياته الطويلة، ويعرض خلال ذلك معاناة كل شخص بدقة، ويستطيع مع اقتراب نهاية كل مسرحية منها أن يجمع الخيوط التي قد تبدو متباعدة
في هذه المسرحيات.
أما عن مسرحية”عن مضار التبغ” فهي أقصر مسرحية كتبها تشيكوف، وتعد من أوائل مسرحيات المونودراما التي كتبت في العالم.
والشخص الوحيد الذي يظهر في هذه المسرحية ويتكلم هو نيوخين الذي يبدو من حديثه أن زوجته قد اضطرته لإلقاء محاضرة عن مضار التبغ، وهو في هذه المسرحية يحاول أن ينفذ رغبتها بإلقاء هذه المحاضرة.
ويحاول نيوخين أن يظهر نفسه عظيمًا مهمًّا خلال كلامه، وكثيرًا ما يعدل في هندامه؛ ليعطي صورة عن عظمة شخصيته التي يدعيها في كلامه.
وهو يدعي أن له أبحاثًا علمية مهمة، ومنها بحث نشره عن مادة الكافيين في الشاي والقهوة، كما أنه يدعي أن الحديث عن مضار التدخين يمكن أن يتحدث عنه في محاضرات كثيرة؛ لغزارة معلوماته في هذا الأمر، ولكنه يقول: إنه سيحاول اختصار كلامه في هذه المحاضرة.
ومن باب إظهار العظمة أيضًا ينبه نيوخين الأطباء الذين يستمعون إليه في هذه المحاضرة للتركيز فيما سيسمعونه منه؛ لأنهم سيستفيدون معلومات طبية مهمة من كلامه.
وبعد هذه المقدمة الطويلة التي حاول بها نيوخين أن يلفت الحاضرين لتمكنه العلمي ولتنوع ثقافته، إذا به يخرج ورقة من أحد جيوبه، ويحاول ألا يراها الجمهور المتابع لمحاضرته، ومن خلالها يقرأ بعض العبارات عن مضار التبغ.
وتسقط منه هذه الورقة على الأرض، ولا يراها، فيضطرب قليلاً، ويرتجل الكلام عن حياته، ويبدو كلامه في ظاهره فيه مدح لزوجته التي تمتلك مدرسة داخلية للبنات، ولكننا بتتبع كلامه وتجميعه بعضه إلى بعض ندرك أنه يعيش حياة صعبة مع هذه الزوجة، فهي تقهره، كما أن كل الظروف المحيطة به تقهره أيضًا، فزوجته تجعله مسئولاً عن شراء الطعام الذي تعده الخادمة في هذه المدرسة، ولو حدث أن تلميذة عوقبت، وحرمت من الطعام في وجبة معينة، فعليه هو أن يأكلها، حتى إن كان لا يفضّل أكلها.
ويضاف لهذا أنه يدرس في هذه المدرسة معظم المواد التي تدرس بها، فهو يبدو كالثور الذي يدور في ساقية، ولا يتوقف دورانه حولها.
ويتحدث ضمن كلامه في هذه المحاضرة عن بناته التسع اللائي أنجبتهن زوجته، ويقول: إنها لم تنجب له أي ولد، وإن بناته هؤلاء يتميزن بالجمال وحسن الخلق، ومع ذلك فإن فرصهن في الزواج ضعيفة جدًّا، وذلك لصعوبة الزواج؛ لتكاليفه الكثيرة، ولأن بناته شديدات الحياء، وهن قلما يظهرن في الحفلات، فأمهن لا تقيم حفلات في بيتها؛ لعدم توفر نقود لذلك، والحفلة الوحيدة التي يذهبن لها هي حفلة تقيمها الخالة ناتاليا مرة كل عام.
وخلال حديث نيوخين عن حياته الشخصية ومعاناته في الحياة يرى الورقة التي لخص فيها كلامًا عن مضار التبغ، فيأخذها من الأرض مغطيًا إياها بمنديل له؛ حتى لا يلتفت أحد من الحاضرين إليها، ويعرف أنه يقرأ معلوماته عن مضار التبغ منها.
وبعد أن يجد هذه الورقة يقرأ منها قليلاً، ثم يعود لحديثه عن معاناته في حياته، وشعوره بالضعف أمام زوجته التي – كما قلت – تقهره في تعامله معها.
ومن الواضح أن نيوخين يعد الجمهور الحاضر في الصالة هو الذي أتى لاستماع محاضرته، ولا شك أنه سيضحك منه، ومن طريقته في الخطابة، ومن حديثه عن نفسه الذي يثير الضحك بأسلوب عرضه له، ولكنه يحتوي في باطنه على مرارات كثيرة، تعبر عن معاناته اليومية في حياته.
د. عبد الحسين علوان، Mohamed Sayed Barakah و٢٢ شخصًا آخر
٤ تعليقات
٥ مشاركات
أعجبني
تعليق
مشاركة