د. علي خليفة يكتب: مسرحية بيت على البحر لابراهيم الحسيني.. والمزج بين المسرح وفنون أخرى
المسرح نيوز ـ مقالات ودراسات
ـ
بقلم: أ. د. علي خليفة
د. علي خليفة يكتب: مسرحية بيت على البحر.. المزج بين المسرح وفنون أخرى
هذه هي المسرحية الثالثة التي قرأتها للكاتب الكبير الأستاذ إبراهيم الحسيني، وأهم ملحوظة توصلت إليها بعد قراءتي هذه المسرحيات الثلاث هي أن إبراهيم الحسيني كاتب يرغب في التجديد والتجريب عند كتابته لمسرحياته، وأنه غالبا ما يمزج في مسرحياته بين المسرح وفنون أخرى خاصة فن القصة، وفن الرواية،
إذ إنه يسرف في ذكر إرشاداته المسرحية التي تصور لنا الأماكن والمناظر بدقة شديدة، وكذلك هو يهتم خلال هذه الإرشادات بكشف جوانب كثيرة في شخصياته، كما أنه في هذه الإرشادات يعرفنا بجوانب كثيرة من الأحداث التي يعرضها في تلك المسرحيات، وأيضا يبدو مزجه لآليات فن القصة القصيرة في مسرحياته بوضعه عناوين لمشاهدها التي تشبه في سرعتها – في بعض مسرحياته – مشاهد السينما، ومن ثم يبدو أيضا مزجه بعض تقنيات السينما في بعض مسرحياته، كما نرى في مسرحية بيت على البحر.
وأيضا اتضح لي من قراءة هذه المسرحيات الثلاث لإبراهيم الحسيني أنه يحب أن يغير طريقته في الكتابة – مع احتفاظه بسمات أسلوبية خاصة به تسري فيها كلها – من مسرحية لأخرى، فنراه يكتب مسرحية الرعب والجريمة والقسوة، كما نرى في مسرحية قضية العدالة الفاسدة، ونراه يكتب مسرحية فيها جانب خيالي فنتازي، كما نرى في مسرحية نظرية إسكات الببغاوات التي يجعل فيها للبغاوات حياة خاصة، وهم فيها يتصارعون كالبشر، ويسخرون من نظرة الناس لهم، ونراه في مسرحية بيت على البحر يهتم بكشف بواطن النفوس الإنسانية ، وكيف أن بعض الخصوم يمكن أن يلتقوا، ويشعروا بالرغبة في أن تتغير علاقة العداوة بينهم لعلاقة صداقة.
ومسرحية بيت على البحر فيها عدة خطوط درامية، ولكن الخط الرئيس فيها هو عن جابر المسن القعيد الذي عزل نفسه عن الواقع – الذي يرفضه لعدم قدرته على التكيف معه – في شاليه له على البحر، ويقوم بخدمته فيه غباشي الذي هو مسن مثله، ولكنه يمتلئ بالحيوية، واعتاد على الضحك والالتحام بالناس.
وخلال وجود جابر في هذا الشاليه نراه يقوم بإكمال تمثال لابنته ونس، وفي الوقت نفسه يستعيد ذكريات شبابه وكفاحه، ضد أوضاع كان يرفضها في فترة السبعينيات على وجه الخصوص، وشاركته زوجته سناء في ذلك التمرد والكفاح، وتتجسد بعض هذه الذكريات في مشاهد على خشبة المسرح، ونرى جابر معلقا بالماضي بقوة حتى إنه يتحدث إلى ابنته ونس كثيرا على أنها زوجته المتوفاة سناء.
وتحاول ونس في زيارة لها لوالدها في ذلك الشاليه أن تجعله يعيش الواقع، ويترك الماضي الذي صار حبيسا له، وتظن أنها نجحت في ذلك حين رضخ لها والدها ووافق على أن يترك ذلك الشاليه المنعزل بجوار البحر، ويذهب ليعيش معها في البيت، ولكنها تكتشف في الصباح قبل أن يسافر معها أنه قد مات؛ مما يدل على أنه صار كالسمك الذي يعيش في البحر ولا يمكنه أن يغادر المكان الذي عزل نفسه عن الواقع فيه، وصار يستحضر ذكريات ماضيه به.
ومن الخطوط الدرامية الأخرى في هذه المسرحية أنه أتى لجابر في ذلك الشاليه شخص اسمه صفوان، ويذكر له أنه يعرفه معرفة جيدة، ويعرفه انه كان يراقبه لمدة خمسة وعشرين عاما، وأنه يعرف عنه معلومات لا يعرفها هو، ويذكر له بعضها، ويقول له: إنه خرج على المعاش، ولكنه لا يستطيع أن يتخلى عن العمل الذي كان يقوم به، ويعرض صفوان على جابر أن يكون صديقا له، ولكن جابر يرفضه، كما أن ونس ترفض الشاب يوسف الذي لجا لشاليه والدها مدعيا أنه هارب من الشرطة لاتهامه بجريمة لم يرتكبها، ثم تكتشف من تصريحه لها بعد ذلك حين اقترب منها، وشعر بمشاعر نحوها أنه كان يراقبها، ليعرف بعض الأمور عنها، وعند ذلك ترفضه، وتطرده.
وأعتقد أن هذا الخط الدرامي من الممكن أن تكتب عنه مسرحية وحده.
ومن الخطوط الدرامية الأخرى في هذه المسرحية أننا نرى طائرا مهاجرا من أوروبا لمصر في فصل الشتاء تصيبه رصاصة أحد الصيادين ويقع في شاليه جابر، ويتعاطف معه جابر، ويعالجه ويطعمه، وحين يقوى على الطيران يطير، وكان جابر قد اكتشف رسالة مربوطة في إحدى قدميه، وهي مرسلة من امرأة، ومحتواها عن استحالة تحقيق الأمل الذي كانت تنتظر تحقيقه طوال حياتها، وربما كان ذلك يعني استحالة أن يتوافق جابر مع واقع لا يتكيف معه، ولا يشعر أنه منسجم فيه.
ونرى في هذه المسرحية مستويين من الحوار، والمستوى الأول نرى فيه الحوارات القصيرة المتراشقة لا سيما حين يكون غباشي الواقعي طرفا فيها، وهناك حوارات طويلة تكشف أغوار بعض النفوس وأحلامها خاصة على لسان جابر وابنته ونس .