وجوه مسرحية
د. محمد سمير الخطيب يكتب: سباعي السيد … الباحث والمترجم الجاد والمنقب عن الجديد
المسرح نيوز ـ القاهرة | وجوه مسرحية
ـ
د. محمد سمير الخطيب
ناقد وأكاديمي مصري
لعل المتابع للمسيرة النقدية للراحل سباعي السيد يدرك مدى فداحة الغياب نظرًأ لأثره المهم في الحركة المسرحية العربية منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
حيث كان الراحل من المسرحيين القلائل الذين يجيدون ضيافة الآخر العربي والغربي عبر ممارساته المختلفة من كتابة وترجمة وإنشاء مواقع الكترونية، بالإضافة إلى أنه كان صاحب مشروع نقدي وبحثي متسق مع ممارساته المختلفة مستلهمًا من روح المسرح وطبعه الجماعي أسلوبًا لتأسيس مشروعه النقدي.
سباعي السيد .. المترجم وضيافة الآخر.
منذ بداية كتابات الراحل سباعي السيد نجد أنه كان مشغولاً بالآخر المسرحي ومنجزه النقدي، وحاول استضافته في ثقافتنا؛ فكان من الأوائل الذين قامت على أكتافهم مشروع ترجمة أمهات الكتب بالمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي،
فترجم على فترات متفاوتة بعض الكتب التي شكلت لحظات مهمة في هذا المشروع منها، كتاب “مجال الدراما” لمارتن ايسلين، و”المسرح في مفترق طرق الثقافة” لباتريس بافيز، “المسرح والعلامات” لألين استون وجورج سافونا” ثم ختم مشروعه بترجمه كتاب “مارفن كارلسون في المسرح العربي”.
عند التدقيق في تعامل الراحل سباعي السيد مع الآخر النقدي نجد أنه لا يحاول صهره والغاء هويته الفكرية، بل ترجمه من خلال لغة تخلو من التجريد والغموض، هذا ما جعل ترجماته عبارة عن لقاء منفتح بين ثقافتين أولى منتجة وأخرى متلقية لا يسيطر عليها عقد النقص، ونافذة على الإطلاع بالمنجز المسرحي الغربي.
ففي أول كتبه المترجمة وهو مجال الدراما للكاتب مارتن ايسلين، كان من أوائل الكتب المترجمة عن السيميولوجيا في المسرح، التي تنظر إلى العرض الدرامى على أنه يعتمد على عدد كبير من العلامات، وأبراز الدور الذى يلعبه كل عنصر من هذه العناصر المختلفة في النص والعرض المسرحي في خلق المعنى النهائى للعرض،
وكان وجهة نظره أن مثل هذه الكتب يمكن أن تفيد كل من الممارسين للمسرح، بالإضافة إلى أنها يمكن أن تنمي وعي المتفرج بالظاهرة المسرحية. كما أن أهمية الكتاب تكشف عن قدرة السميولوجيا في معرفة الدراما الموجودة في مختلف الوسائط من مسرح وسينما وتلفزيون، أي أن الكتاب كان بمثابة رسم خريطة الطريق لفهم أفضل للدراما من خلال السميولوجيا.
وإذا كان الكتاب الأول يهتم بضيافة الآخر في ثقافتنا عبر لغتنا، وتقديم منجزه الذي يمكن أن ننفتح عليه ويساهم في تطوير ممارساتنا، إلا أن في كتابه الثاني وهو المسرح في مفترق طرق الثقافة لباتريس بافيز يتناول تجربة الذات المسرحية الغربية في ضيافة الآخر الشرقي، فالكتاب يدرس من منظور سيميولوجي قضية التداخل الثقافي بين الشرق والغرب، بداية من أرتو مرورًا بيتر بروك وأريان منوشكين ويوجينيو باربا مما اسفر هذا الانفتاح على جدل استمر حتى نهايات القرن العشرين.
ولعل أهمية كتاب المسرح في مفترق طرق الثقافة هو أنه يقدم نموذج تحليلي لدراسة الانتقال الثقافي من ثقافة منتجة إلى ثقاقة أخرى (مستقبلة)، حتى يصل إلى الكشف عن تأثير ذلك على المتلقي المسرحي الغربي المستهدف.
من ثم المنحى الذي اتخذه “بافيس” لدراسة التداخل الثقافي كان وسيلة لفهم جديد للممارسة المسرحية عند الغرب، ويبدو أن الغرض من كتابة الكتاب بلغته الفرنسية، كانت تتفق مع الحاجة التي تأسست عليها استراتيجية مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي وهي الانفتاح الثقافي على الآخر لتطوير الممارسة المسرحية لدينا من أجل فهم لظاهرة المسرح.
أما الكتاب الثالث، “المسرح والعلامات” هو تأليف مشترك بين الين ستون وجورج سافونا، وهو كتاب تعليمي يمكن أن يفيد الباحثين الجديد في الخوض في غمار السميولوجيا عبر أفكار وتطبيق على نصوص مسرحية مختلفة، بالإضافة إلى أن الكتاب يهتم بالمتفرج وطريقة تشفيره وحله لنظم العلامات الموجودة في العرض.
يخصص المؤلفان النصف الأول من الكتاب لتحليل النص الدرامي، ويتضمن فصولاً عن الحبكة والشخصية والحوار والإرشادات المسرحية. أما النصف الثانى من الكتاب فيكرس لتحليل العرض، ويتضمن فصولاً من سيميوطيقا العرض والإرشادات المسرحية والصورة المسرحية والعلاقة بين النص الدرامي والعرض.
أما الكتاب الرابع والأخير في الترجمة وهو “مارفن كارلسون في المسرح العربي” الذي يعد أحد الوجوه النقدية الغربية التي اهتمت بالممارسة المسرحية العربية ونقلها للغرب، أي أن – كارلسون- أحد فرسان التداخل الثقافي بين العرب والغرب، والكتاب هو ترجمة لمقالات كارلسون في قراءته للممارسة المسرجية العربية، ويقسم الكتاب إلى قسمين،
القسم الأول منه عبارة عن اربعة مقالات كتبت على فترات متفاوتة على رحلاته المختلفة للبلدان العربية وحضور مهرجاناتها، فالمقالة الأولى تتحدث عن الندوات العلمية وفعاليات مهرجان طنجة المشهدية بالمغرب 2016.
وتستعرض ابرز المشاركين فيه، أما في المقالة الثانية التي كتبها عام 2018 تتناول عودة مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي بعد فترة توقف ويحاول رصد المتغيرات التي حدثت نتيجة للظروف السياسية والثقافية، أما المقالة الثالثة يقوم فيها بقراءة نقدية لعرض مسافر ليل للمخرج محمود صدقي والتي اشاد فيها بالأخراج المسرحي ومستوى التمثيل.
أما المقالة الرابعة التي كتبها في 2003 يرصد من خلالها خريطة المهرجانات العربية بالوطن العربي الأردن وسوريا ومنطقة الخليج العربي. أما القسم الثاني من الكتاب، يحتوي على خمسة دراسات وهي أوديب العربي، والمعالجات العربية المختلفة، وقراءة في اعمال الطيب الصديقي، اربع مسرحيات عربية عن هاملت، واربع مسرحيات من شمال أفريقيا، ويختتم الكتاب بالدراسة المركزية وهي ابن دانيال اريستوفان العرب والتي نال من خلالها على جائزة أوسكار بروكيت للمقال النقدي من الجمعية الأمريكية للبحث المسرحي عام 2014.
سباعي السيد .. الباحث الجاد.
لم يكتف الراحل بالترجمة فقط، بل كانت له اسهامات بحثية متميزة منها أطروحته عن الماجستير بعنوان الدراما الرقمية والعرض الرقمي، وفي هذا الكتاب يرصد الراحل العلاقة بين المسرح والتكنولوجيا الرقمية، وتأثير التكنولوجيا الرقمية على الإبداع المسرحي والتي لها تأثيرًا على عمليتي الإنتاج والتلقي في المسرحي. يحاول من خلال هذا الكتاب الربط بين الفنون الرقمية والأطروحات الفلسفية عند فوكو وبودريار وغيرهما من فلاسفة ما بعد الحداثة.
من خلال قراءة للإبداع المسرحي الرقمي الذي بدأ بالدراما الرقمية عند تشارلز ديمر Dimer وانتهاء بأحدث التجارب في العرض الرقمي واستخدام مسرح الإنترنت. أما رسالته للدكتوراه وكانت متسقه مع مشروعه النقدي والذي لم يمهله القدر على مناقشتها وكانت تدور حول الاستجابة النقدية للسميولوجيا عن النقاد والاحثين العرب.
وفي النهاية، رحم الله الباحث القدير والمترجم سباعي السيد الذي اثرى حياتنا المسرحية والنقدية بالعديد من الكتب المتميزة التي أفادت الباحثين والممارسين للمسرح.