شهادة الكاتب “شاذلى فرح” في محور الكتابات المسرحية الجديدة.. علي هامش المهرجان القومي للمسرح المصري الدورة الـ11
المسرح نيوز ـ القاهرة| شاذلي فرح
ـ
ولدت فى جنوب مصر بمدينة كوم امبو محافظة اسوان و هى مدينة يجرى فيها نهر النيل بشبابه العفى و بها معبد كوم امبو أنشئ في عهد بطليموس السادس لعبادة الألهة سوبيك وحورس . فى طفولتى لمحت عيناى كل ما يدور من حولى ( عادات – تقاليد – طقوس – فنون ) و بدأت اسجل فى مخيلتى كل ما يدور فى جنوبنا الرائع و عندما كنت على مشارف الصبا بدأت اعى ما يدور حولى فكنت احضر كل فنون جنوبنا ( سيد الضوي راوي السيرة الهلاليه – الشيخ أحمد آب برين – العجوز – أمين الدشناوى – ياسين التهامى و هم من اشهر المنشدين ( الشيخ عبد النبى الرنان اشهر المداحين – رمضان محمد احمد – ناصر جعفر – عادل كرامة – ابراهيم حسين ) و هم مطربين يقدمون الفن الجنوبى – و أبو درويش فنان النميم الاول .
هذه الفنون و السوامر التى كانت تقام فى جنوبنا عن العادات والتقاليد التى افرزت العديد من الطقوس فكنت دوما لصيق بها ولا افوت فرصة كمشاهد او طرف فى هذه الطقوس ( التحطيب بالقوالة – العديد و هو للميت – المرماح و هو سباق الخيل – التسبيل و هو خاص بحزن الرجال على فقد عزيز غالى – الحنة – الدخلة – الخطوبة – السبوع – زيارة المقابر ليلا للخلفة . كحريتة و هو جبل صغير تتدحرج عليه النساء لكى تحمل و هو موجود على مقربة من مقام الشيخ ادريس . القودة و هو خاص بتقديم الكفن لمن عليه الثأر لمجموعة التى تطلب الثأر و ذلك حقنا للدماء – المجالس العرفية للاجاويد – مجلس ردم بورة الدم و البورة حفرة و يقودهم قاضى الدم الذى يرتب للقودة – طقوس العزاء – الميلاد – السفر – الترحال – الحج – حياة الغجر وعالمهم و دوما يستقرون على اطراف البلد .
كل هذه الطقوس و العادات و التقاليد و الفنون ادركت وقتها اني نتاج بيئة تعتمد على الصورة و هنا تشكل لدى الميل نحو كتابة المسرح . و لست كاتبا رائعا و لكن انا من بيئة رائعة تحمل طقوسا و عادات وتقاليد بما لم تتوفر لاى بيئة اخرى مثل الجنوب .
كنت دون العشرين من عمري و كتبت بعض النصوص المسرحية الصغيرة و كنت لا اعلم لمن اعطيها او كيفية نشرها او عرضها و ساقتنى قدماى لقصر الثقافة و الذى كنت اقوم بالتمثيل فيه الى نادى الادب وهناك قابلت المخرج خالد عطالله و المخرج محمد الشحات و الملحن عبد المنعم الشريف و الفنان التشكيلى محمد مختار و الفنان التشكيلى على المريخي و المثقف جمال فاضل . هؤلاء الستة كانوا يقرأون مسرحياتى و كانوا يوجهوننى للكتابة بشكل كبير و كنت اعتبرهم قامه في الفن والأدب و ذلك لفرق العمر بيننا فهم يكبروننى فى العمر و الثقافة وقتها .
تركت الكتابة و لم اقم بكتابة اى نص مسرحى طوال عشرة اعوام و فيها اخذت قرارا ان احمل حقائبى و اذهب للقاهرة و قلبى وقتها يعتصر على هجرتى من جنوبى للعاصمة و انشغلت بالادارة العامة للمسرح و شرفت بالعمل مديرا للمتابعة و اللجان ثم مديرا لاهم حركة فى مصر و هى ادارة نوادى المسرح.
فى عام 2007 جلست مع صديقى المخرج اشرف النوبى و قدمت له سيناريو فيلم شيخ العرب ليقرأه و بالفعل قرأه فى ساعة زمن اسفل شجرة منف ووجدته منفعل ويطالبنى ان احوله لنص مسرحى و هنا تملكنى الخوف لاننى قد تركت الكتابة للمسرح منذ سنوات و امام الحاحه كتبت النص المسرحى من السيناريو و قدمه فى قومية الاقصر و نجح العرض و وجدت نفسى انساق الى الكتابة المسرحية مرة اخرى .
فى عام 2010 اتصل بى الصديق المخرج عادل حسان ان اقدم في مشروع لمهرجان الشباب الثانى على مسرح الطليعة وتقدمت مع العديد من المخرجين وتم الموافقه علي مشروعي ووقتها اخرجت بعض قصاصات الورق القديمة التى كنت اكتب بعض الافكار او ملامح الشخصيات و عكفت على كتابة مسرحية الجنوبى و بالفعل تم إنجاز المشروع تأليفا واخراجا , وقمت بعمل البروفات و الموسيقى و انتظرت شيك الانتاج و لكن قامت ثورة يناير 2011 و توقف المهرجان برغم مساعدة المخرج عادل حسان و المخرج هشام عطوة مدير الطليعة وقتها و مهندس الديكور وائل عبدالله و تحمسهم لى .
قمت بالتركيز فى الكتابة عامى 2011 و 2012 وقد انجزت العديد من النصوص و جاء فوزى بجائزة توفيق الحكيم وحصلت على الجائزة الثانية و تحمس المخرج الكبير الأستاذ ناصر عبد المنعم لى كمؤلف و قام باخراج مسرحية الجنوبى و التى غير اسمها الى ليل الجنوب بالاتفاق معى.
مرحلتى كمعد او دراماتورج كانت مع المخرجة الموهوبة ريهام عبد الرازق تقابلنا فى المسرح العائم و اخبرتنى انها تريد تحويل نص بيت بيرنالدا البا ليوركا الى صعيدى . رفضت رفضا شديدا و هى كيفية تحويل الشخصيات الاسبان الى جنوب مصر و تحويل قانونهم و عاداتهم , ولكن امام اصرار ريهام عبد الرازق وافقت و خرج نص حريم النار و نجح نجاحا كبيرا و حصد جوائز عديدة فى مهرجان فرق البيوت و المهرجان القومى للمسرح المصرى .و يومها اخذت اول جائزة فى مصر وهى جائزة الدراماتورج و بعدها تم تعميم الجائزة فى بعض المهرجانات و قد تم اخراج النص اكثر من عشرين مرة الى الان و قد وصل الامر الى ان اكثر الفتيات اللاتى يقدمن فى اختبارات معهد فنون مسرحية يقدمن بأحد مونولوجات حريم النار .
ناصر عبد المنعم هو من قدمنى كمؤلف و العمل معه متعة فهو استاذ يحمل فوق ظهره خبرات عديدة و تم عرض ليل الجنوب فى المانيا و تونس و الجزائر .
كتاباتى كلها تحمل هموم المرأة الجنوبية و العادات و التقاليد و الطقوس لاننى ابن بيئة لديها العديد من الفنون و الطقوس و المسرح بحاجة الى تنوع انتاج على عدة مستويات تؤرخ للوطن و ما يدور فى مدنه.
البعض يرى اننى تاجرت بطقوس و اسرار الجنوب و المسكوت عنه و هؤلاء تناسوا رائعة يحيى الطاهر عبداله فى الطوق و الاسورة و روايات الكاتب الكبير عبد الوهاب الاسوانى ( كرم العنب – اخبار الدراويش – النمل الابيض ) كل هذه الروايات قدمت الجنوب بما له و ما عليه . نحن نرصد مجتمعنا و بعيدا عن الصراخ او اصحاب الحقد .
اجمل ما فى حياتى نصوصى المسرحية و جائزة الدولة التشجيعية فى التأليف وكون المخرج الكبير ناصر عبد المنعم يخرج لي عرضا مسرحيا