مقالات ودراسات

ضيوف مهرجان الدن في دورته الخامسة يتحدثون عن المسرح في زمن التقنية والذكاء الاصطناعي.. استطلاع رأي


المسرح نيوز ـ القاهرة: مقالات ودراسات

ـ

استطلاع : خالد بن محمد البلوشي

 

تتطور التقنيات يوماً بعد يوم، ويقف الذكاء الاصطناعي على أبواب الفنون كافة، ويتجدد السؤال الذي رافق المسرح منذ عقود هل ما زال هذا الفن قادر على الصمود أمام الثورة الرقمية؟ وهل يمكن للمسرحيين أن يحافظوا على حضورهم في وسط تتصاعد فيه شاشات الضوء ومنصات العرض الافتراضي؟، وفي هذا الاستطلاع، تتقاطع رؤية ثلاثة أصوات.

ثبات الفن أمام التطور الرقمي

أكد الدكتور غريغوري زاسلافسكي أن الجدل حول تهديد التكنولوجيا للمسرح ليس وليد هذه اللحظة، فقد رافق الفن المسرحي منذ أكثر من ألفين وخمسمائة عام، موضحاً أن كل تقنية ظهرت من السينما والتلفزيون وحتى الوسائط الرقمية الحديثة وصفت في بدايتها بأنها نهاية المسرح، لكن التجربة العملية أثبتت أن المسرح ظل قائماً، يحتفظ بجاذبيته وطاقته الخاصة.

وأشار إلى أن السينما لم تغلق مسرح واحد في العالم، ولا منصات البث الحديثة استطاعت تقليص دور الخشبة، معتبراً أن هذا الثبات التاريخي دليل قاطع على قوة المسرح وصلابته وقدرته على التجدد، ولفت إلى أن المسرح ليس فن هش حتى يهدد بتقنية، بل هو بناء قائم على علاقة حية لا يمكن لأي وسيط رقمي أن يحاكي طبيعتها الملموسة.

وأوضح زاسلافسكي أن الذكاء الاصطناعي، رغم قدرته على إنتاج نصوص وصور ومؤثرات، ما يزال بالنسبة للفنون المسرحية أشبه بـ “لعبة مسلية” يمكن الاستفادة منها دون أن تحل محل جوهر العرض، وأشار إلى أن وجود روبوت على الخشبة قد يجذب المتفرج بدافع الفضول، لكن هذا الاهتمام قصير المدى، لأنه لا يعادل الطاقة التي يمنحها الإنسان للمشهد المسرحي.

وبين زاسلافسكي أنه لا يهتم بنوع العرض سواءً قدمه انسان او رجل آلي بقدر اهتمامه بقدرته على إحداث أثر داخلي، مؤكداً أن الجمهور يذهب إلى المسرح بحثاً عن تلك المشاعر الحقيقية كالقلق، الحيرة، الانفعال، والدهشة.

ولفت زاسلافسكي إلى أن المؤثرات التقنية من إضاءة وشاشات وإسقاطات قد تكون عنصر داعم قوي إذا استخدمت بوعي. وأكد أن المبدعين الكبار عبر التاريخ كانوا دائماً يواكبون ما تتيحه التقنية من إمكانيات، لكن القيمة الحقيقية تظهر عندما تكون التقنية في خدمة النص والفكرة، لا عندما تحاول أن تحل محلهما.

 

#المسرح_نيوز #آمنة_الربيع
#المسرح_نيوز #آمنة_الربيع

النص المسرحي والهوية الرقمية

وعن أثر العصر الرقمي على الكتابة المسرحية، أكدت الكاتبة الدكتورة آمنه الربيع أن التحول الحاصل لم يبدأ من التقنية بقدر ما بدأ من تغير الوعي بالزمن والإحساس بالمكان وبالذات موضحة أن العصر الرقمي لم يبدل لغة الكتابة فقط، بل أعاد تشكيل الشعور بالسرعة والهشاشة، مما جعل الشخصية المسرحية اليوم أقرب إلى “أثر” يمر بين ذاكرة الإنسان وذاكرة الخوارزمية، وليس بطل تقليدي كما كان سابقاً.

وأشارت الربيع إلى أن الشخصية لم تعد مجرد جسد فوق الخشبة، بل باتت ظل رقمي وصورة مؤرشفة وتاريخ متشظي، وهو ما يجعل من المسرح مساحة فريدة لالتقاء الحضور بالغياب.

وفيما يتعلق بعلاقة النصوص الجديدة بالذكاء الاصطناعي، أوضحت الكاتبة أنها لا تتعامل معه كأداة بل كخصم معرفي يعيد طرح أسئلة كبرى حول الذاكرة والهوية والأخلاق، وأضافت أن اهتمامها في الكتابة لا ينصب على التقنية ذاتها، بل على الفراغات التي تتركها خلفها، مثل تآكل الهوية وفقدان القدرة على الإصغاء للذات.

وأكدت أن الواقع الافتراضي ليس عالم موازي بقدر ما هو تجربة فقدان، تتلاشى فيها الحدود والأدوار التقليدية للشخصية، مشيرة إلى أنها تتعامل مع الذكاء الاصطناعي كقوة تعيد ترتيب علاقة الكاتب بالزمن والحضور.

وأوضحت الربيع أنها تخشى على المسرح حين يتحول إلى شاشة، وتخشى على الجمهور حين ينغمس في صور لامعة بلا عمق، لكنها شددت على أن الجمهور لا يهرب من المسرح نحو الإبهار، بل يهرب من الفكرة الضعيفة، وقالت إن الفكرة عندما تكون متجذرة إنسانياً لا ينافسها هولوغرام ولا شاشة عملاقة.

وأضافت أن التحدي الحقيقي الذي يواجه الكاتب ليس في مواجهة التقنية، بل في مواجهة كسل الخيال.

وأشارت الربيع إلى أن أخطر ما يواجه النص الحديث ليس التطور التقني بل تراجع الشغف بالكتابة نفسها، إذ يميل بعض الكتاب إلى استبدال الصراع الدرامي بالمؤثرات الضوئية، ما يفقد المسرح روحه ويحول الكاتب إلى مصمم مؤثرات أكثر منه صانع شخصيات.

واختتمت الربيع حديثها بالتأكيد على أن الحفاظ على العمق الإنساني يبدأ بالأسئلة التي لا تستطيع الآلة الإجابة عليها: لماذا نخاف؟ لماذا نحب؟ لماذا ننهار أو ننهض؟ وقالت إن التقنية قد تضيء المشهد، لكن الإنسان وحده هو الذي يصنع الدراما، لأن الجسد الحي والنفس المتقطع وصرخة الممثل أمور لا يمكن ضغطها في ملف رقمي.

صادق مكي: العراق.. الإمكانات والتحديات

أوضح صادق مكي سينوغرافي وممثل مسرحي من جمهورية العراق أن المسرح القديم اعتمد على الممثل بوصفه مركز العرض، لكن دخول أنظمة الصوت والإضاءة ثم التطور المتسارع في التقنيات البصرية أعاد تشكيل الرؤية الإخراجية بالكامل. وأشار إلى أن هذا التكامل بين الصورة البصرية والموسيقى والحركة منح المخرجين مساحة أوسع للابتكار، وجعل المتفرج جزء من التجربة وليس مجرد مشاهد خارجي.

وأضاف أن التقنيات الحديثة قادرة على خلق أجواء متعددة ليل، نهار، ضباب، غموض، حركة بطريقة أقرب إلى الواقع، ما يرفع مستوى الإقناع والجمال في العرض.

وبين مكي أن بعض الأدوات لم تعد مجرد إضافات، بل عناصر ضرورية في تكوين العرض، مثل وحدات البروفايل التي تسمح بتحديد مناطق الإضاءة في مقدمة الخشبة أو عمقها، وأنظمة الكونترول التي تصنع تدرجات لونية دقيقة، ولفت إلى أن أجهزة الضباب التي تبرز جماليات الضوء أصبحت جزء أساسي في بناء العمق البصري.

وأشار مكي إلى أن واحدة من أكبر العقبات اليوم هي كلفة التقنيات العالية، وقال إن كثير من العروض تمتلك رؤية إخراجية قوية لكنها لا تجد الإمكانات الإنتاجية التي تساعد على تنفيذ هذه الرؤية، مما ينعكس على جودة النتيجة النهائية ويجعل بعض العروض أقل مما يمكن أن تكون عليه لو توفرت تجهيزات أفضل.

وأكد أن دخول الروبوتات إلى العروض ليس خطراً على المسرح، بل خيار يمكن توظيفه طالما أنه يخدم النص والجماليات العامة للعمل، وبين أن الفنون تتغير مع الزمن، وقد تظهر تقنيات مستقبلية لا نتوقعها الآن، لكن المهم هو حسن استخدامها.

نشرة مهرجان الدن الدولي للمسرح ـ الدورة الخامسة


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock