غير مصنفمقالات ودراسات
كتابات نقدية متعددة الرؤى عن العرض الموريتاني “كاستينج” 1ـ 3
المسرح نيوزـ موريتانيا|بقلم: محمد عبد الرحيم
ـ
أنا مؤمن ببضعة أشياء ، ومما وقَر في قلبي منها أن الخشبة جزء أصيل من المشهد الذي يتجسد فوقها. شيء تعلمته مرة بخصوص المكان ، فهو ببنيته وخصائصه إذ ينحني ويتمدد ؛ لم يعد ذلك الساكن المطلق المحايد الذي تتحرك بداخله المادة دون أن يملك أدنى تأثير عليها بل صار جزءا أصيلا من لعبة أكبر ..
بدأت ذات يوم قائظٍ بِكُرة من اللهب الناري يتقاذفها إلى جنبه الزمان والمادة ،وهم بداخلها؛ لينتهي بها المطاف ذات مساء جميل بنا حيث قد انخفضت حرارتها في البقعة المباركة التي نحتلها منها إلى درجة معقولة ونحن مجتمعون أمام عَرْض مسرحي مدهش هو تجسيد مصغر عن اللعبة الكونية الكبرى حيث الخشبة والإضاءة والممثلون والمكياج والموسيقى والنص قد تكالبوا جميعا ليخرج إلينا CASTING .
أنا غني عن القول أن ما أتحدث عنه هو بالدرجة الأولى CASTING وهو يتجسد في مخيِّلتي وحين يتجسد أمامي كما أراد له ذووه ، ضاربا عُرْض الحائط بأي نواقص جانبية شِيئَ لوزرها أن يُلقى على كواهل ثلة من الكهول المقيمين إشرافا على خشبة مهترئة لم يرضوا لها إلا أن تظل كذلك. كاستينج هو لحظة ملحمية في رحلة فنان صادق قد شغفه المسرح حبا فأعطاه كله ، لحظة محفورة بعمق في ذاكرة الزمان حين يمضي بتثاقل مُرهَق على منكبنا المسرحي المنكوب هذا .
وكما كنا نحن مجرد عَرَض جانبي يضج بالمعنى لاصطدام عنيف مارسته على بعضها النجوم ذات لحظة غاضبة ؛ فإن كاستينج هو عَرَض جوهري للحظة جنونية من الإبداع جمعت كاتبا من حجم الشيخ نوح بفنان كعلي ديده فلا بأس حينها ببعض الجنون. فحين يخاطب المسرح قلوبنا ويصدح بأنٍّاتنا ويلامس فينا ذاك الشعور الخفي بضرورة البحث عن معنى الحياة ؛ فلا يصير ذا جدوىً أن نحيا كيفما اتفق ، بل المهم أن كيف ، وبأي معنى ، وأي هوية نستسيغ الحياة ، فنحن بلا ريب أمام كاستينج. إذ يعلنها النص صارخا أن ما كان مسكوتا عنه لم يعد بوسعيَ عنه السكوت ؛ فتهتف أجساد الممثلين وحناجرهم بصوتها المدوي تأييدا له لتهتز بالمشهد كله الخشبة وظل الكاتب فوقها يتمايل خلفهم مفعما بالرضى وهو يرى نصه المارد أمام ناظريه وكما أراد له، يتجسد ، فلا يصير بوسعنا في حرم هذا كله غير الإنصات المطبق والسكوت .