مسرحية الشـَّـــرْخ.. للكاتب والأكاديمي المصري سعيد نصر سليم
مسرحية الشـَّـــرخ..( فرعون يغرقُ مِن ْ جديد )
تأليف: سعيد نصر سليم
كاتب وأكاديمي مصري.. مقيم بالجزائر
ـــــــــــــــ
إهــــداء
إلى نفسي العربية .. هوية ً ، وروحا ً ..
وجدانا ً ، وجسدا ً ، ودما ً .. خلايا ، ونسيجا ً ، وكيانا …
إلى ذاتي العربية ، بكل سلبياتها ، وتناقضاتها ، وتمزّقها …
إلى ذاتي .. بكل تخلفها ، وجهلها ، وتَرَدِّيها ، وضياعها ، وانكساراتها ..
وأخطائها ، وخطاياها .. وتشظيها ، وانسحاقها …
أ ُهديك ِ نفسي موقفي من القضية !!! …
سعيد نصر سليم
تمهيد :
تظل القضية المصيرية لنا كعرب .. هيّ القضية الفلسطينية …
جيلي ، وجيل آبائي قدمنا الكثير .. شهيدا ً ، أو أسيرا ً ، أو دماءا ً
أو أموالا ً .. وفي أقل القليل ــ وهو كثير ــ إحساسا ً بالمهانة …
والأجيال القادمة من أبنائنا ، وربما أيضا ً أحفادنا .. ولا أريد أن
أغرَق في التشاؤم ، وأقول أحفاد أحفادنا سيدفعون الكثير ،
وسيتحملون الكثير .. وأخشى عليهم من نفس المصير …
وعندما يأتي شخص ٌ ، مهما عَلا ، فهو فرد ٌ ، يدّعي أنه يملك
مفتاح القضية .. وسواءا ً عن عمدٍ ، أو حُسن ِ نيّة ، يتخذ قرارا ً
سواء كان صائب ، أم كان خائب ، لتقرير مصيرنا نحن الملايين
فقد حوّلنا عن قصد ٍ ، أو غفلة إلى قطيع !! …
ولِم َ لا ؟ .. ومالغريب في الأمر ؟ .. أليس جل الأنبياء ِ مِن َ
الرُّعاة ؟ .. فلِم َ لا يكون هو أيضا ً نبي ّ .. بل رسول .. وراع ٍ
للسلام ، ونحن ُ القطيع ُ من َ الشـِّياه .. ويرضى عنه الرّب سام
ويباركه العم نوبل .. ونعود ُ نحن ُ للخيام .. نغنى ليلى ، والسلام
طار ياليلى الحمام .. فلتنامي ياليلى في دِفء السلام .. في حُضن
السلام ..
ليلى عليك ِ السلام …
سعيد نصر سليم
برج الكيفان ــ الجزائر العاصمة
ويبقى السؤال :
هل يحترم اليهود وعودهم ، وتعهداتهم ، واتفاقياتهم
مع محمـد أنور السادات ، بينما نقضوا عهودهم مع
محمـد بن عبد الله ، عليه الصلاة ُ ، عليه السلام ؟ !! ..
سعيد نصر سليم
الجزائر في :
07 أكتوبر 2014
ويُلِح ُ السؤال ؛
يُتعِبُني السؤال :
هل ينجح محمـد أنور السادات مع اليهود ،
فيما فشل فيه الأنبياء .. كل ّ الأنبياء ؟ !! …
الشخصيات :
ــــــــــــــــــــــ
ــ الأمير ( البهلوان )
ــ الرئيس أنور السادات
ــ زوجة الرئيس
ــ الشيخ محمـد متولي الشعراوي
ــ كبير الياوران ( مسئول التشريفات )
ــ البابا شنودة
ــ طفل ٌ مابين السابعة ، والعاشرة من العمر .
ــ شيخ ٌ في الثمانين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المكان : القاهرة
الزمان : من 1976
إلى 1981
أنا الـزعـيــم البهلوان
أنا في السياسة أ ُلعبان
ولكل عصر له رجال
وكل عهد له أوان
قول ياتاريخ
قول يازمان
أنا الزعيم البهلوان
لو كنت إنت دون كيشوت
أو حتى كنت دون جوان
لا تنسى إني أ ُلعُبان ..
لا تنسى إني الأ ُلعبان ..
في دولتي .. في عهدتي
شِرا النفوس بالمناصب
بالدراهم .. بالفلوس
وكل شخص له ثمن
إنْ كان معارض
يصبح محايد ..
أو .. مؤيِّد في العلن ..
من قال كرامة
يدفع غرامة
ولو امتنع ..
وهو حيّ يندفن ..
***
بيجين ، ويّا جولدا
مَن فينا يكسب الرهان ؟
مَن فينا يخسر الرهان ؟
متر هنا .. شبر هنا
إحنا في النهاية لبعضنا
أحنا جيران ..
ليه الخصومة ..
ده احنا أبناء عمومة
من زمان ..
ليه الخصام ؟ ..
ليه الخصام ؟
الحرب لعبة
والحرب خدعة
والأصعب منها السلام
ليه الخصام ؟
مِد الأيادي بالسلام
والله وحده المستعان
ليه الخصام ؟
هيا بنا ياثُعلبان
نجلس نفاوض
إتخلى عن طبع القوارض
هيا بنا ياثُعلبان
نمحو أيّ احتقان
هيا بنا ياثُعلبان .
***
الرب في سماه
الرب في عُلاه
هو الإله ..
وأنا في الأرض الأمير
لا سُلطة تعلوا سُلطتي
لا شيخ في جامع
وَاَلاّ أ ُسقف ..
لا شيخ معمم
وَالَاّ كاهن
او حتى بابا الكنيسة
راس الكنيسة الكبير
لا سُلطة تعلوا سُلطتي
أنا هنا .. أنا الآمير
أنا .. أنا .. هوّ الأمير.
مسرحية الأمير
المشهد الأول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المنظر : السادات يجلس على كرسي خيرزان ، في فناء بيته الريفي ..
يرتدي ثوبا ً ريفيا ً أنيقا ً .. بيده البايب .. كلبه إلى جواره
جاثيا ً على قدميه الخلفيتين ، يربت على رأسه مداعبا ً..
حرم السادات تجلس على يساره .. يتابع حديثا ً للشيخ محمـد
متولي الشعراوي في التليفزيون .. هدوء يسود المكان .. ضوء
القمر .. وأصوات خنافس الحقول .. يقف أحد الخدم وراء السادت
من بعيد .. الخادم غير واضح الملامح .. تبدو ” بَرْجولة ” على
على اليسار في خلفية المنظر .. كما يمكن الإستغناء عنها .
في عُمق المشهد .. في الخلفية .. يظهر طفل قروي .. بثوب ٍ
ريفي .. حافي القدمين ، كأنه يقرأ ُ في لوح ، مثلما حال أطفال
الزوايا والكتاتيب .. ثم يهاجمه كلب ، يدافع الطفل عن نفسه
باللوح ضد الكلب .
السادات : والله ياشعراوي رغم إعجابي بك .. لكنني أصبحت أغار منك ..
الزوجة : ( ضاحكة ) رئيس الجمهورية يغار من شيخ ٍ معمم .. من فقيه ؟ ..
السادات : هذا الشيخ المعمم الذي لا يملأ عينك .. أصبح ينافسني شهرة ،
داخل البلاد ، وخارجها .. من يدري .. ربما ينازعني مكانتى أيضا ً
الزوجة : أراك تتمادى في مزاحك .. ( ضاحكة ً ) غير معقول .. لا أصدق
ماتقول .. إلى هذا الحد ؟
السادات : الغير معقول .. أن ينصرف شعبي عن متابعة حديثى ، ليتابع أحاديث
الشعراوي .
الزوجة : ماذا لو جئت به إلى مصر .. ماذا لو حجمته .. ووضعته تحت حصارك ..
تحت سيطرتك .. أنا أعرف أنه خارج مصر .. لست أدري على وجه
اليقين إن كان لا يزال في الجزائر ، أم عاد إلى السعودية ؟
ـــ إظـــــــــــــــــــــــــــــلام ـــ
مسرحية الأمير
المشهد الثاني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المنظر : مكتب الرئيس في القصر الرئاسي .. الشيخ الشعراوي يجلس
بمفرده .. يدخل الرئيس السادات مهرولا ً ..
يقف الشيخ الشعراوي منتصبا ً .
السادات : مرحى .. مرحى .. شيخنا الطيب .. إمام الدعاة ،
وشيخ المجددين .. تفضل بالجلوس .
الشعراوي : شكرا ً لفخامتكم سيدي الرئيس .
السادات : أشتقت لرؤياك .. تمنيت الجلوس معك .. وأن أنهل من
علمك وفضلك ..
إيه والله .. ياسلام .. لكن الحمد لله .. فأنت لم تحرمنا
من إطلالتك في التليفزيون .. العرب .. كل ّ العرب ، يتابعون
إطلالتك المحببة البهية على الشاشة الفضية ..
آه لو تدري يامولانا كم أنا من أشد المعجبين بأحاديثك الدينية ..
إنني شديد الحرص على متابعتها .. رغم كل مشاغلي ..
وفي سفرياتي أطلب من أولادي تسجيلها خشية أن تفوتني ..
إن مصر كلها ، رئيسا ً ، وشعبا ً فخورين بك .. فأنت سفيرنا
إلى الأمة الإسلامية .
الشعراوي : أخجلتمونا بكريم ثنائكم فخامة الرئيس ..
ماأنا إلا عبد ٌ ضعيف .. وماأ ُوتيت ُ من العلم إلا قليلا ..
السادات : وأنا لا أخشى إلا من هذا العبد الضعيف .
الشعراوي : مِنِّي أنا .. تخشاني أنا ؟
السادات : أخشى من شعبيتك الطاغية .. لقد أحتللت قلوب الشعب كله ..
وأخشى أن لا تترك لي مكانا يتسع لكلينا في قلوب ذلك الشعب
الطيب المسكين
الشعراوي : معاذ الله .. إنني في دهشة مما تقول
السادات : يارجل .. لا عليك .. إني أمزح ، ليس إلا ..
( جادا ً ) أبدا ً تلك هي ّالحقيقة .. لكن أعتقد يامولانا أنه قد
آن الأوان من عودة الشيخ إلى صباه …
الشعراوي : عودة الشيخ إلى صباه .. هل قرأته ؟
السادات : سمعت عنه .. لكن لم أقرأه .. لا وقت عندي للقراءة .. ولا صبر
أيضا ً ..فأنا لست كسلفي الذي كان يدفن نفسه في الأوراق ..
ماعلينا .. أقصد قد آن الأوان كي يعود الشيخ إلى أيكه ..
( مستدركا ً ) إلى عُشِّه .. إلى الوطن .. الوطن كله يفتح ذراعيه
لك مُرَحِبا ً يامولانا .. الوطن الآن في عصر ٍ جديد .. في عهد ٍ
جديد .. الوطن الآن يتنفس ُ حريّة ..
الشعراوي : الحمد لله على نعمائه ..
السادات : الوطن الآن مُشَرَّع الأبواب لكل أبنائه المخلصين ، الأنقياء
الطاهرين من أمثالك .. إن مصر في حاجة إليك .. مصر أولى
بك ياشعراوي .. ولهذا استدعيتك ..
الشعراوي : أنا لم أبعد عن الوطن حتى أعود اليه .. أنا دائم الزيارة
للأهل ، وللوطن ، وحتى لقريتي .. انا لم أتخلى يوما ً
عن مصر .. أنا دائم التردد عليها ..
السادات : أنا أشفق عليك من الغربة .. خاصة لمن هو في مثل سنّك ..
ياشيخنا مصر أولى بك من الجزائر ، ومن السعودية …
الشعراوي : كلها أوطان عربية ..كلها بلاد إسلامية .. جميعها بلاد الله ..
كلها أرض الله …
السادات : ( متلعثما ً ، ومرتبكا ً ) أعلم .. أعلم .. لكن عندنا .. في قريتنا ..
يقولون ماتحتاجه الدار ، يحُرّم على الجامع
الشعراوي : عفوا ً فخامة الرئيس .. مصر مليئة بآلاف العلماء ، والدعاة ،
ومنهم من هم أفضل مني ، وأكرم …
السادات : أما أعيتك الغربة ؟ .. أما كفاك وقد استنزفت أحلى سنوات
عمرك في الجزائر وفي أرض الحجاز .. أوليس لبلدك عليك حق ؟ ..
ماذا أفعل ، وأنت الوحيد الذي يرتاح اليه قلبي .. وينشرح له صدري ..
أنت الوحيد ياشيخنا الذي يبدد من عقلي الغيوم .. ويجلوا عن قلبي
الهموم .. آه ٍ لو تدري ياشيخ كم تتفاقم المشاكل على رأسي كل يوم ..
يالها من تركة ٍ ثقيلة ورثتها عن سلفي .. ايه .. الله يرحمه ..
على كُلٍّ ، لا يجوز عليه غير الرحمة .
الشعراوي : أزاح الله عنك كلّ كرب ٍ .. وأعانك الله على تحمل المسئولية ،
وخدمة البلاد ِ ، والرعيّة …
السادات : وهل قدري أن أتحمل المسئولية وحدي .. لابد أن يشاركني أمثالك ..
أريدك معي في الحكم .ياشيخنا .. لا أن تجلس على الحافة .
الشعراوي : وماذا بيدي أن أصنع ؟
السادات : للشخصية دور حاسم في السياسة ، يل في الحياة .. بيدك الكثير ..
مولانا .. في القرية عندنا يقولون : عفوا ً .. لا تؤاخذني .. ” جحا
أولى بلحم تورُه ” .. أنا أولى بك ياشيخ .. أقصد .. مصر أولي بك ..
وإذا كان الله أعلم بمدى ايمانك ، فأنا من يعلم بعمق وطنيتك ..
الوطن في حاجة إلى أيقونات ، عليها إجماع .. لذا ؛ قررت ُ
تعيينك وزيرا ً للأوقاف ، وشئون الأزهر .
الشعراوي : ( مذعورا ً ) سيادة الرئيس …
السادات : وأنت ابن الأزهر .. وما أدراك ما الأزهر ..
الشعراوي : فخامة الرئيس .. أنا لا أصلح للوزارة .. ولا خبرة لي في الإدارة ..
أرجوك سيادة الرئيس .. أعفني .. أنا لست أهلا ً لهذا المنصب …
طوال عمري وأنا بعيد عن السلطة .. لا أهواها .. ولا أتقرب إليها ،
ولا أقترب منها .. ولا أسعى نحوها ، أو لها ..
( مازحا ً ) لم يكن في يوم ٍ من الأيام ، بيني وبين السلطة غرام ..
ليس بيني وبينها مودّة …
السادات : إفهم ياشيخ .. أنا في حاجة إليك .. ومصر أشدّ احتياجا ً إليك ..
تعِبت ُ من كل هؤلاء الأغبياء المحيطين بي .. سئمت منهم .. أ ُريدُك َ
أن ْ تُطهر الوزارة من العفن الذي يُعَشِّشُ فيها ..
على فكرة .. الوزارة ليست في حاجة إلى مهارة .. الوزارة
في حاجة إلى طهارة .
الشعراوي : فخامة الرئيس .. أكره العيش في جو يزدحم بالمؤامرات ،
والمناورات ، والدسائس ، والصراعات .. ( الزُّنَب ياريّس )
السادات : فضيلة الشيخ .. قُضىّ الأمرُ الذ فيه تستفتيان .. تم إعلان
توليك الوزارة عبر كافة أجهزة الإعلام الرسمية قبل أن
تدخل علينا ، وحتى قبل أن تُشَرّفنا بالزيارة ..
( ضاحكا ً ) سبق السيف العزل ، كما تقولون أرباب العربية .
الشعراوي : ياإلهي .. إنني أبتعد عن السياسة ، بينما السياسة تسير نحوي ،
في خطوة تبدو قدرية .
( الشيخ مطرقا ً الرأس ، مهموما ً .. السادات ينتصب )
السادات : غدا ً حلف اليمين .
ـــ إظــــــــــــــــــلام ـــ
مسرحية الأمير
المشهد الثالث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المنظر : نفس المشهد السابق .. مكتب الرئيس .. الأنبا شنودة جالسا ً ..
يدخل السادات مهرولا .. يقف الأنبا شنوده .. يشير عليه السادات
بالجلوس .
السادات : عذرا ً نيافة الأنبا شنوده ، إن ْ كنت َ قد انتظرت قليلا ً .. فأنت تعلم
مشاغل ، ومسئوليات أمثالنا .
شنودة : أنا لم أنتظر قليلا ً .. بل انتظرت ُطويلا ً ..
السادات : قليلا ً .. طويلا ً .. قليلا ً كثيرا ً ..
ماذا وراءك .. إعتبر نفسك في صلاة ..
شنودة : الصلاة للرب ، وليس للعبد
السادات : ( يتحسس وجهه مكفهرا ً ) بم تُلمِّح ؟ .. ماذا تعني ؟
شنودة : الصلاة للإله ، وليس للرئيس .
السادات : ( مصطنعا ً الضحك ) مازال لسانك حادا ً ياشنودة ..
حتى مع رئيس الدولة .. أنت كما أنت .. لم تتغير .. مازلت صعيديا ً
حتى وأنت في القاهرة .. كسلفي تماما ً .. صعيديان .. عنيدان ..
ورأسان يابستان ..
( ضاحكا ً ) .. ماعلينا .. دعنا من الرسميات ..
دعك من فخامة .. ودعني من نيافة وقداسة ..
وأنبا .. وبابا .. وماما .. هاهاها …
دعنا نتخاطب صديق لصديق .. أخ لأخ .. فنحن في الأصل في مصر
كنا كلنا أقباط ..
شنودة .. نبينا عليه الصلاة والسلام ــ كما تعلم ــ صاهركم ..
ماريا القبطية منكم …
شنودة : هذا تشريف لنا فخامة الرئيس .. هذا تكريم لنا سيادة الرئيس
السادات : لم تسألني لماذا استدعيتك ؟ .. ( مستدركا ً ) .. آه .. أقصد دعوتك .
شنودة : أيا ً كانت الأسباب .. ( مازحا ً ) حضرت ُ خوفا ً من الغياب .. فالغياب
يعقبه عقاب .
السادات : ( ضاحكا ً ) .. منك لله ياشنودة
شنودة : أيا ً كان السبب ، فهذا شرف كبير ، غمرتني به فخامتكم .
السادات : مامطالبكم ؟
شنودة : ليس لي مطالب …
السادات : لست َ أنت .. بل رعيتُك
شنودة : آه .. حسنا ً .. نحن في حاجة إلى بناء دور ٍ للعبادة …
السادات : تقصد كنائس
شنودة : نعم ، بالطبع
السادات : وغيرها ؟
شنودة : أن ْ تتوفر الفرص لأبنائنا ، مثل إخوانهم المسلمين بالألتحاق بالكليات
العسكرية ، والشرطة .. وأن ْ يكون منهم وُلاة ، وقُضاة …
السادات : تقصد محافظين ..
شنودة : نعم ..
السادات : ايه .. حسنا ً .. مارأيك لو قدمت لك ماهو أكثر ، وأهم من ذلك ،
وأجدى نفعا ً لك ، ولمصر .
شنودة : وماهو الأهم ، والأجدى من ذلك ؟
السادات : أن أتولى بنفسي تدعيم نفوذك على كل كنائس أفريقيا
شنودة : هذا الأمر قائم ، حتى في عهد سلفك الراحل .. نفوذ
الكنيسة المصرية يمتد حتى أثيوبيا ، وعلى مسيحي
أفريقيا .. بل ويمتد إلى كنائس روسيا …
السادات : معلوم .. معلوم .. ولكن دون تفعيل .. سأكلف جميع سفاراتنا
بتدعيمك في الخارج .. سأجعل من معقلك في الكاتدرائية ..
( ضاحكا ً ) من عرينك في العباسية ، أفخم كاتدرائية في
أفريقيا قاطبة ً .. سأجعلها أفخم من الفاتيكان .. سأجعلك
تضارع بابا روما في حد ذاته .. شنودة ياعزيزي .. سأغلف
جدران وسقف قاعتك المقدسة بصفائح الذهب الخالص ..
سأجعل من الباطريارك ، أهم شخصية عامة بعدي ، منذ
أن فتح عمرو بن العاص مصر .
شنودة : فخامة الرئيس .. شكرا ً لك على أية حال .. الرب يرعاك ..
الرب يبارك خطاك .. لكن سيادة الرئيس ، أنا لا أريد إثارة
أحد .. ولا أسعى لنزاعات ٍ ، أو ضغينة مع أحد …
السادات : أفهم ماذا تقصد .. ومن تقصد .. أتَفَهّم ما تقول
( بنشوة وافتخار ) ماانا بافهمها وهيّ طايرة …
( ينتصب السادات واقفا ً .. فيقف الأنبا شنودة )
على بركة الله .. مكتبي ، وقصري مفتوح لك
في كل وقت .
ـــ إظــــــــــــــــــــــــــلام ــ
مسرحية الأمير
المشهد الرابع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المنظر : حديقة القصر الرئاسي .. برحولا خشبية .. على مقربة منها
منها مقعدان من الخيزران وطاولة صغيرة .. يجلس السادات
ومعه زوجته ..
يظهر الطفل الريفيّ ثانية ً في عُمْق المشهد .. وكأنّهُ يقرأ ُ
في اللوح .. يهاجمه هذه المرّة قُرصان .
جيهان : أحقا ً ياريس ماأعلنته إعتزامك الذهاب الى اسرائيل ؟
السادات : نعم .. لقد أخذت خطوة ، ولا يمكن أن أتراجع ..
لماذا فغرت ِ فاهك ِ ؟
جيهان : أخشى أن تخطوا بهذه الخطوة إلى مثواك الأخير .
السادات : ( ضاحكا ً ) .. وبدل أن تكوني سيدة مصر الأولي .. تحملين
لقب أرملة مصرالأولى .. لا تخافي .. زوجك بسبع أرواح ..
سوف تعيشين وتشهدين حفل التوقيع .. توقيع اتفاقية السلام
جيهان : أخشى ألا يكون حفل التوقيع .. بل حفل التأبين .. مراسم التأبين .
السادات : جيهان .. أما كفاني هيكل ؟
جيهان : ماذا به هيكل ؟
السادات : ( يفرد جريدة أمامه ) يتمادى في شطحاته ، ويقول عني أنا
محمـد أنور السادات : ” رئيس يحب الصدمات المفاجئة ،
ويعشق الأضواء ، ويبدوا مُحَيّرا ً ” .
أنا سأعرف كيف أ ُخرسه .. سأقتلعه من قلعته .. سأطرده
من الأهرام .. ولن يكتب حرفا ً واحدا ً بعد اليوم .. لا ..
سأجعله يكتب خبر نعيّه .. سأجعله يكتب مرثيته لنفسه
بخط يده .
اسمعي ياجيهان .. ماذا يقول عني هذا الخَرفان :
” إنه ــ يقصدني أنا ــ أني لا أصلح كعسكري ، أو حتى
سياسي .. ” .
ياسبحان الله .. أصلح ايه ياسي هيكل ؟ ..
سباك عشان ترتاح ؟ ..
وفي مقال آخر يقول : ” الرجل ارتقى إلى أعلى منصب
في البلاد ، ويتبوأ أعلى مكانة في هرم السلطة بالصدفة ..
الرجل وصل إلى ما هو فيه بمجموعة مصادفات .. ” .
وبكل وقاحة يتساءل في نهاية المقال :
” وهل يعقل أن تُحكَم دولة بحجم مصر بالصدفة ؟ .. رجُلٌ
السياسة عـنده حذ لقة … ” .
قسما ً ياجيهان ، سأجعله يبيع السردين .. لا .. بل سأجعله
يبيع الفصفص ، واللب ، والفول السوداني .. الكاوكاو ..
سأجعله يبيع الجازوز .. سأجعله يبيع ُ الشيبس ، والفِشار …
جيهان : إهدأ ياأنور .. لا داعي للعصبية .. عصبيتك تلك ستوصلك
للتصادم مع كل التيارات اليسار ، واليمين ، والناصريين ،
والكنيسة ، وحتى الإخوان .
السادات : جيهان .. لن أسمح لأحد ٍ بتعطيل مركبتي .
جيهان : ماذا ياأنور .. ألست أنت من تقول أنه لترسيخ الديمقراطية ،
لا بد من وجود معارضة حقيقية .. وليست معارضة حريرية ؟ .
السادات : أه .. شوفي .. إسمعي .. واحد آخر من صبيانه .. صحفى نكرة ..
كتب عني يقول :
” بالأمس كان لدينا زعيم .. زعيم تاريخي .. واليوم ؟ .. لدينا
أيضا ً زعيم .. زعيم اللحظة .. ولا يهمه ما الذي يحدث بعد تلك
اللحظة .. زعيم لا يرسم الأفق الكبير .. بل يُسيّر اللحظة .. ” .
السادات : هل كانوا يجرؤن على التفوه بمثل هذا الكلام في عهد سلفي ؟
( يلتقط جريدة أخرى ) .. ” آه .. أنعم الله علينا برئيس يُرعِد ،
ويُزبِد ، ويغضب .. لكن هذا لا يُجدي معنا .. هذا لا يُرهبنا . ” ..
جيهان : ماذا كنت تتوقع ؟ .. انه رد فعل طبيعي لما أنت مُقدِم ٌ عليه ..
أنا التي زوجتك .. شريكة حياتك .. اتعجب .. لأن قرارك هذا ضد
قناعاتك …
( جيهان ترى الشيخ الشعراوي مقبلا ً .. تنهض للمغادرة ..
الشعراوي يشيح بنظره عنها إلى أن تخرج ، وتحتفى من المشهد)
جيهان : مالذي يعجبك في هذا الرجل ؟ .. انه ينفرني .. لقد صار مصدر
ازعاج بعد أن كان مصدر ملل .
السادات : أخفضي من صوتك ..
أهلا ً .. أهلا ً مولانا الإمام .. أهلا ً بك ، ومرحبا .. دعوتك الى هنا
ياشيخ ، بعيدا ً عن المكتب .. وعن الرسميات .. فكلانا في الأصل ،
والمنشأ ، والمنبت فلاحين ، أبناء فلاحين
( مازحا ً ) ومن الكادحين .. من هذا الطين .. لذا أنت وأنا من
عشاق الطبيعة ..
الشعراوي : أصبت .. كلنا من تراب .. والى التراب نعود …
السادات : هل تعلم لماذا استدعيتك اليوم ؟
الشعراوي : العلم عند الله
السادات : هه .. خمّن .. أرني فراستك
الشعراوي : أكيد لأمر ٍ يخص الوزارة أو الأزهر
السادات : لا .. لا .. لا .. الأمر أبعد من ذلك بكثير .. لأمر ٍ يخص
الوطن .. يخص الأمة .. وأنت تحدثني عن وزارة .
الشعراوي : أهي الحرب من جديد ؟
السادات : بل السلم
الشعراوي : شاهدتك في التلفزة .. وأنت تعلن عن مبادرة .. جزِعت ُ في
البداية .. امتعضت .. لكن نفسي حدثتني أنها مناورة ..
قد تكون مناورة .. مجرد مناورة …
السادات : لا ياشيخ .. إنني بالفعل أنوي الذهاب الى العدو في عقر داره ..
وأريد اصطحابك معي .. أ ًريدُك أن ترافقني في تلك المهمة ..
لا تقلق .. بالنسبة لك ، لا تعتبرها مهمة .. إعتبرها رحلة ..
نزهة يعني .. فأنا أستبشر بك خيرا ً ..
الشعراوي : ( مصعوقا ً ، مرتبكا ً ) لابد أنك تمزح سيدي الرئيس ..
أنا أعرف عنك أنك تهوى المزاح …
السادات : بالعكس .. ليس من عادتي أن أكون جادا ً مثل اليوم ..
سوف نُصلّي معا ً في المسجد الأقصى ، أولى القبلتين ،
وثالث الحرمين .
الشعراوي : ولماذا أنا ؟ ..
السادات : لماذا أنت ؟ !! .. وهل سأجد خيرا ً منك ؟ .
الشعراوي : لماذا لا تصطحب شيخ الأزهر .. فضيلة الإمام الأكبر ؟ .
السادات : رفض .. رفض .. شيخ الأزهر رفض .. إمامك الأكبر ..
الذي فضلته للمنصب من بين ثلاثة مرشحين .. زكيته على
غيره ، ينسى فضلي .. يعصيني .. يتنكر لي .. ويعض يدي .
الشعراوي : وماذا سوف تفعل مع منكر ، ونكير ؟
السادات : من تقصد ؟
الشعراوي : بيجين ، وباراك .. وزبانيتهم .. ديان ، وشارون ..
وعجوزهم الشمطاء .. الحرباء .. جولدا مائير
السادات : سأقول لهم في عقر دارهم ، قول الله في كتابه الحكيم :
‘‘ وإن عدتم عدنا ‘‘ .. سوف أ ُرّقِصَهُم جميعا ً على
الحبال .. سأُلاعب بيجين على وجه الخصوص ..
سأ ُلاعِب بيحين ، وفريقه ِ بطريقة رائعة ، بل وممتعة ..
سوف أ ُسجل أهدافا ً في مرمى هذا العجوز القزم الذميم
القمىء المتغطرس ، المُتَجَبِّر المتعالي .
الشعراوي : عفوا ً سيادة الرئيس .. إنها ليست مباراة كرة قدم ..
إنه مصير شعب .. مصير أمة .
السادات : آن الأوان ، أن نخرج من حالة التفكير بمنطق رد الفعل ،
إلى حالة التفكير بالأستباق يجب الخروج من رد الفعل ،
إلى الفعل نفسه .. كل من حولي .. وحتى من سبقني
كانوا يفتقدون النظرة الإستشرافية ..
الإشكالية ياشعراوي في الرؤية ، والأولوية ، والخَيار .
الشعراوي : سيدي الرئيس .. نتفهم تماما ً شِدَّة َ وطأة الضغوط التي
تمارسها أمريكا عليك …
السادات : ( محتدا ً ) شعراوي .. انتبه لما تقول .. لم يُخلَق بعد من
يمارس ضغوطا ً علىّ .. يجب أن تفهم هذا جيدا ً أنت ،
وغيرك ياشعراوي .. لم يولد بعد من يضغط على السادات ..
ليكن في علمك أنت وشيخ الأزهر ، ليس أنا من يُلوَى له ذراع ..
الشعراوي : إهدأ فخامة الرئيس .. لا أقصد إثارة حنقك .. ولا أنا ولا شيخ
الأزهر في مواجهةٍ معك .. دعك من أمريكا .. نتفهم ضغوط
الوضع الأقتصادي .. والضائقة التي نعيش فيها ، وأن الشعب قد
أ ُنهِك َ طوال ربع قرن ٍ في حروب .. لكن كل هذا ليس مبررا …
السادات : هاأنت قلتها بنفسك .. الضائقة .. أريد أن أخرج من الضائقة التي
نحن فيها ..
الشعراوي : بل ستُخرِجُنا من الضيق إلى التيه .. سيدي الرئيس .. لماذا تهوَى
زرع العواصف ؟
السادات : بل قل : أهوَى غرس أشجار الزيتون .. زيتون السلام ..
كفانا حروب .. يجب أن نطوي الصفحة .
الشعراوي : من سيطوي الصفحة ؟ .. نحن أم هم ؟ .. وكيف ستُطوى ؟ ..
ومحمـد سينجب محمـد .. وبيجين سيلد بيجين .. ومن شارون
سيتوالد ألف شارون .. فمن منا سيمزق الصفحة ؟ ..
السادات : والى متى نتلقى الصفعة ؟
( فترة صمت ) صفعة إثر صفعة .
الشعراوي : أنك تضع الأمة في ورطة
السادات : أووه .. أنا لا أحب اليائسين ، ولا المتشائمين .. ولا المتخاذلين ..
الشعراوي : تريث سيدي الرئيس .. لا تُعَقِّد الأمور .. المعاهدة تدمير للوطن ..
وتسليم الوطن لأعداء الوطن ..
السادات : على العكس .. تماما ً .. سوف أقول لهم في الكنيسيت ،
في عُقر دارِهم ، ما جئتُ أحمل السلام ، بل الحرب ..
( بغمز ) ولكن من نوع آخر .. ماجئت مستسلما ً ، بل
مسالماً .. جئت أحمل سلام الشجعان .. سوف أكشفهم
ياشعراوي .. سوف أ ُعَرِّي سوآتهم .
الشعراوي : لا شىء يُخزيهم ..
سيدي الرئيس .. تريث .. يعلم الله أن تلك المعاهدة لن
تجلب لنا غير الشر …
السادات : شعراوي .. منذ متى جلب السلام الشر ؟
الشعراوي : السلام ؟ .. عن أي سلام تتحدث ؟ .. منذ متى كانوا أهلا ً
للسلام ؟ .. منذ متى تصالح الماء والنار ؟ .. يبدو الأمر
مربك بشكل ٍ فظيع .. وإذا لم تأت المناورة ــ عفواً ــ
المبادرة ، بما ترجو من ثمار ؟
السادات : ولماذا لا تعتبرها تكتيكا ً إستباقيا ً ؟
الشعراوي : أيضا ً تجيبني عن سؤالي ، بسؤال ..
السادات : لم أك ُ أعرف أنك بهذا القدر من العناد .. تذكرني ياشيخ
بمن كان قبلي ..
( ساخرا ً ) أنت مثله عنيد .. مع أنك لست من الصعيد ..
الشعراوي : ( جادا ً ) لكم أتمنى لو كان في وسعي أن أساعدك .
السادات : ماذا تنتطر ؟
الشعراوي : ( برفق ) عندما يصبح عندك .. شرف الله ، وشرف الوطن
شيئا ً واحدا ً .
( فترة صمت .. صوت رياح )
السادات : ( فجأة ) إذا كان لم يعد لدينا مانقوله ، فيجدر بنا
أن نسكت .
الشعراوي : لدينا كل شىء ليقوله أحدنا للآخر ، ولعل الفرصة
لن تسنح مرتين .
السادات : عجل إذن .. ولا تنسى أنني رئيسك ياشعراوي ..
وطالما بقينا على هذه الأرض .. طالما تجمعنا هذه
الأرض .. طالما ننتمي إلى هذه الأرض .. فإن عليك
أن تبادر بخطوة تجاهي .. أنا على استعداد للتغاضي
عن اصرارك على مهاجمة اليهود ، واستفزازك لهم
بتفسير الآيات والسور التي تتناولهم .. وأتغاضى
عن خطاب بيجين معاتبا ً يشكوك .. لكن لا تنسى أنني
الرئيس .. لا تنسى أبدا ً ياشعروي أنني من يمسك
بدفة السفينة .
الشعراوي : ولا يمكنني أن أصحبك في الرحلة ، وأنت توجه دفتك
ضد الريح .
السادات : ماذا تستفيد من دفعي إلى نهاية صبري ؟
الشعراوي : لا شىء .
السادات : على أية ِ حال .. سأثبت لك أنني صانع المعجزة ..
أنني من يُصالح بين الماء ، وبين النار .. فكر في الأمر ..
فكر في ذهابك معي .. أتمنى ألا تخذلني كالآخرين .
الشعراوي : تقصد صاحب الفضيلة ، مولانا الإمام الأكبر شيخ
الأزهر …
السادات : ( متهكما ً بمرارة ) الشيخ الأكبر .. والشيخ الأصغر ..
وحتى وزير الخارجية .. وزير خارجيتي يرفض الذهاب
معي .. مع أن ذلك من صميم عمله وصلت السخرية إلى
هذا الحد ؟ .. وصل الإستهتار إلى هذه الدرجة ؟ .. مهزلة
مهزلة ياشعراوي .. ياشعراوي .. من القائل :
أطيعوا ولو تأمّرَ عليكم عبد ٌ أسود ، وكان على رأسه
زبيبة ؟ .. أنا أم محمـد بن عبد الله ، عليه الصلاة
والسلام ؟ .
الشعراوي : ماذا تتوقع منهم أن يقولون :
إذهب أنت وربك ، فوقعا ، إنا معكما مساندون ؟
( ينتصب السادات واقفا ً .. فيقف الشعراوي متأهبا ً
للإنصراف مهموما ً )
( السادات كمن يتذكر فجأة )
السادات : امامك أسبوع .. بل نهار .. وأسمع منك القرار .
الشعراوي : أنا لا أرى في هذه الزيارة ، غير الإثارة ..
ياريّس .. هذه الزيارة لو تمت ، ستكون لها ارتدادات
لهزات ، وردات فعل مأساوية .. سيادة الرئيس .. حذار ِ
من القفز في الفراغ .. فالطرق بيننا وبينهم متباعدة ..
بل متقاطعة .
السادات : ياسبحان الله .. من المتحدث الشعراوي ، أم هيكل ؟
( مازحا ً ) ياشعراوي لا يجدي معك غير القمع ..
الشعراوي : أنت تلاحق خيوط دخان .. معاهدة السلام ستموت ، فابحث
لها منذ الآن عن تابوت .. سيادة الرئيس .. كان من الأولى
أن تُطبِقَ فكيّ الكماشة مع سوريا ، على إسرائيل .. عوضا ً
عن أن تهادن .. فهم قوم ٌ ليس لهم أمان ، من قديم الزمان ،
حتى من قبل سيدنا محمـد ، ومن قبل عيسىى عليهما السلام .
السادات : ياشيخنا .. علينا أن نكون واقعيين .. كل حرب دخلناها ،
خرجنا بانكسار .. السلام يبني الديار ، ويجنبنا الإنتحار .
قل لي ياشيخ .. ماذا لو رافقتني لزيارة صديقك بطريرك
الكنيسة ؟ .. انها زيارة للكاتدرائية .. هنا في العباسية ..
وليست للكنيست في تل أبيب .
الشعراوي : لا مانع .. بل واجب .. فنيافة الأنبا شنودة ، صديقي ،
وشريكي في الوطن .. لكن لو أذنت لي في السؤال ..
مالمناسبة ؟ .. ومالداعي للزيارة ؟ .. هل الرجل مريض
لا قدّر الله ؟
السادات : سوف تعرف .. لا تتعجل الأمور ..
كبير الياوران : ( يدخل مهرولا ً ) سيدي الرئيس .. الكنائس تحترق ..
في الخانكة ، والدرب الأحمر .. وفي الزاوية الحمراء ،
و شبرا ..
السادات : أين وزير الداخلية ؟ .. أين الأمن المركزي ؟ .. من الفاعل ؟
كبير الياوران : لم تصلنا تقارير عن الموقف بعد .. لكن من غيرهم ؟
السادات : من تقصد ؟
كبير الياوران : خفافيش الظلام .. الذين أخرجتهم من جحورهم .. ورخصت
لهم بالعمل في العلن .
السادات : كان القصد ضرب الشيوعيين واليساريين ، لا المسيحيين ..
الشعراوي : وهاأنت أخرجت المارد من القمقم .. فكيف ستعيد إرجاعه
للقمقم ياتري ؟ ..
السادات : تعيب عليّ ، وأنت َ منهم !! …
الشعراوي : كنت ُ منهم .. في سن الحداثة ، إنتميت إليهم .. نعم ..
وكنت عضوا ً في تنظيمهم .. لكن لمّا أدركت ُ نواياهم ..
واطلعت على خباياهم .. تبرأت منهم ..
الخشية أن ينقلبوا عليك .. سترك ياألله .
( يتجمد المشهد .. كلّ ٌ في مكانه ، وكأنهم تماثيل )
ـــ إظــــــــــــــــــــــــلام ـــ
مسرحية الأمير
المشهد الخامس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المنظر : القاعة الذهبية بالكاتدرائية .. الأنبا شنودة منتصبا ً
في صدر القاعة .. يدخل السادات ، والشيخ الشعراوي .
السادات : جئنا زائرين نيافة الأنبا شنودة .. زيارة وديّة ، وليست
رسمية .. يعني زيارة مجاملة .
شنودة : مرحبا ً بكم في دارِكم .. بارك الربّ فيكما .
( يشير عليهما بالجلوس )
السادات : حمدا ً لله الذي أكرمني بصحبتكم .. وأكرم مصر بكم ..
يامن تسكنون القلب .. آه .. أولا َ قبل كل شىء
ياصاحب القداسة .. الأحداث الأخيرة لا سابق لها ..
جديدة علينا .. فلم تُحرَق كنائس من قبل .. أي يجب أن
نضع الحادثة في حجمها الصحيح .. ولا يجب تضخيمها ..
أي ليست ظاهرة .. وعلينا جميعا ً وأد الفتنة في مهدها .
شنودة : يؤسفني أن حرق الكنائس حدث في عهدك .. ولم يحدث
في عهد من سبقوك
السادات : أنا أصدرت أوامري على الفور بترميم الكنائس المحترقة ..
وعلى حسابي .. أقصد على حساب الدولة .. كما أصدرت
أوامري لوزير الداخلية بالقبض على كل المتورطين .
شنودة : تقصد الإرهابيين …
السادات : قلت المتورطين .. ليس في بلدنا إرهابيين ياقداسة البابا ..
الحدث جنائي .. ولا داعي لتسيسه .. لقد وجهت رسالة
للقضاء أن يتعامل مع المجرمين بكل حزم ، وحسم ،
وبالقانون .. ودون تسويف .. في عهدي أرسيت دولة
القانون .. ودولة المؤسسات .. في عهدي لا أحد فوق
القانون .
شنودة : ماأخشاه أن يكتب التاريخ أن في عصر الرئيس السادات
تعرض الأقباط للإضطهاد .. ( الأولاد الآن ياريّس بطلّو
يلعبو عسكر ، وحرامية .. والجيل الحالي حيبطل يلعب
عرب ، وصهيونية .. اللعبة ستكون إسلام ، ومسيحية )
السادات : أنا رئيس كل المصريين .. مسلمين ، وأقباط .. فضلا ً
عن أنني زعيم مؤمن ، وديني يأمرني بحماية الذميين ..
ولن أسمح بتكرار ذلك أبدا ً .
شنودة : نصلي لأبانا الذي في السماء ، أن يرفع عنا شر البلاء ..
المجد لله في الأعالي وعلى الأرض المضرة .. عذرا ً ،
المسرة .
السادات : ( والأنبا شنودة ) آمين ..
( السادات يقف يتطلع في القاعة .. فيقف الجميع ..
فيشير عليهم بالجلوس )
ماشاء الله .. تبارك الله .. القاعة تليق بنيافتكم .. حتى
شيخ الأزهر لا يمتلك قاعة مثلها .. أليس كذلك
ياشعراوي ؟ .. ايه .. قاعة بالغة الفخامة .. أكيد كنيسة
أثيوبيا لا تمتلك مثلها .. ولا حتى هيلاسلاسي نفسه ،
لديه قاعة مثلها .. أعتقد أنّ بطريرك روسيا لا يعيش
في تلك الأبهة .. أنا الآن ارتحت .. إرتاح قلبي ..
واطمأننت عليك .
شنودة : المكان يستمد أهميته من الرجال .. وليس بالجدران
السادات : نعم .. نعم .. لما لا تتكلم ياشعراوي ؟
الشعراوي : وهل بعد قولك قول يافخامة الرئيس ؟ .. أخي نيافة
الأنبا قامة ، وقيمة داخل الكاتدرائية ، وخارجها ..
بل وداخل مصر ، وخارج مصر .
السادات : نعم .. نعم .. أ ُوافقك الرأي تماما ً .. افتحا أعينكما ،
وآذانكما .. فإنكما لن تريان كل يوم ٍ ماتريان الآن ..
فهذا لقاءٌ تاريخيٌّ لكما .. وهذا حدث ٌ تاريخيٌّ لنا ..
لذا فلقد اخترت الأنبا شنودة لمرافقتي لإسرائيل .
شنودة : عذرا ً فخامة الرئيس .. لقد حرّمت ُ على أقباط مصر
الصلاة في بيت المقدس ، وبيت لحم ، مادامت تحت
الإحتلال الصهيوني .. وذلك من حِس ٍ وطني ، وليس
ديني .. ولن أ ُبارك قبطيٌّ يدخل بيت المقدس بتأشيرة
إسرائيلية ، و لن أ ُناقض نفسي ، فأُحِـل ّ لنفسي
ماحرّمته على رعيتي .
السادات : ياقداسة البابا .. حسب معرفتي أنّ المسيحية جوهرها
السلام .. وهاهي الفرصة قد جاءتك لنجبر اسرائيل
معا ً على السلام .. وبالمرّة تصلي في كنيسة القيامة
وتزور بيت المقدس .. ومهد المسيح في بيت لحم .
شنودة : لن أطىء القدس ، ولن تكون صلاة لقبطي في بيت
المقدس ، طالما علم اسرائيل يعلوا قبابها .. ويُدنّس ُ
معابدها ، ومآذنها .. كيف نصلي بابراز بطاقة هوية ،
وبتصريح ممهور من أبناء اليهودية .
السادات : أخشى أن يُشَق الصف .. توقفتما عند الرمز .. الهلال ،
والصليب ، والنجمة .. أنتما ــ للأسف ــ تفتقدان
إلى الحنكة .
الشعراوي : فخامة الرئيس .. قد لا نملك ماتمتلكه من حنكة .. لكن
لسنا عرائس قراقوز .
شنودة : ( يلتفت للشعراوي ) .. ( بينما في خلفية المشهد
هلال بالضوء من جانب المسرح يتحرك باتجاه صليب
من الضوء يقابلة من الجانب الآخر ، إلى أن يلتقيان ،
ويتعانقان ، بأن يحتضن الهلال الصليب بداخله . )
الصليب ، والهلال ُ متعانقان .. وأنا والأزهر متفقان .
السادات : آه .. فهمت .. الآن فهمت .. إذن الأزهر ، والكنيسة
ضدي .. الأزهر والكنيسة متفقان .
شنودة : السيد الرئيس .. لاتأخذ الأمر على هذا النحو ..
قد نختلف مع النظام ، نعم .. لكن لا نختلف مع
الوطن .. كيف نصلي في القدس ، ونجمة داوود
تعلوا الهلال ، وتحجب الصليب ؟
السادات : هل تريد أن تقنعني أنك وطني أكثر مني ؟
شنودة : على الأقل أنا لست أقل منك وطنية
السادات : لا أحد يُزايد على وطنيتي …
شنودة : ولا أحد يُشكك في وطنيتي .. أنا على الأقل حملت
مدفعي على كتفي وقاتلت اليهود في الميدان وجها ً
لوجه ، على أرض سيناء .. على رمال سيناء ..
في قيظ سيناء حاربت في الميدان وليس خلف المكاتب
المخملية ، مكيفة الهواء ، فوق المقاعد الدائرية ..
الدّوارة ، الوثيرة ، الطريّة .
الشعراوي : ( يشير على شنودة بالصمت ) سيدي الرئيس .. منذ
متى احترمت اسرائيل نفسها ، واحترمت مواقفها ،
ومواثيقها ؟ .. بل منذ متى احترم اليهود عهودهم
ومعاهداتهم ؟ …
شنودة : مافعله اليهود بنا ، وبيسوع ، سيبقى صفحة سوداء ،
ولو غفرته لهم روما ، فأقباط مصر لن يغفروه لليهود ..
أو نسيتم بسهولة مافعله اليهود بنبيكم الأمين ؟ .
فخامة الرئيس .. أنت بهذا تريد قبر مصر …
السادات : أنا الذي سأحفر قبر اسرائيل .
شنودة : ( ساخرا ً ) بورقة ؟ …
السادات : أنا الذي أعلنت الحرب .. وأنا الذي أعقد السلم .
الشعراوي : يالعُسر الولادة .. ويالغرابة المولود …
شنودة : بتوقيعك على المعاهدة ، فإنما توقع على ورقة إعدام
الأمة .
السادات : أعرف أن لليهود مكائدهم .. لكنني أعرف أيضا ً أني
أستطيع أن أ ُحطمهم عندما أ ُريد .
شنودة : إذا ً .. لماذا لا تحطمهم ، وأنت في عُقر دارك ..
لماذا تذهب اليهم .. لماذا هذا العُرس .. لماذا تلك
الزّفة والعروس منهوكة العِرض ، مُغتَصَبَة ؟ .
السادات : قل لي ياشنودة .. كم تمتلك الكنيسة من دبابة ، كيّ
تُحارب إسرائيل ؟
شنودة : وهل يمكن أن تلعب الكرة بلا مضرب ؟
السادات : وهل تنتظر إلى أن تأتي الكرة إليك ، بحجة المضرب ؟
لماذا لا نُبادر ؟ .
الشعراوي : هذه ليست مباراة كرة فخامة الرئيس ؟
السادات : بل هي مباراة بيني وبين العجوز بيجين .
شنودة : إذن .. وهل كان الأمر كذلك بين موسي ، وفرعون ؟
السادات : إنها الضرورة .. لست كالآخرين .. وأنتم تعرفون ..
هه .. لست والآخرين سواء ، فأنا لا أهوى التعامل
في الخفاء .
شنودة : تقصد الحكام في المغرب .
السادات : ياليت الأمر يتوقف على المغرب .. أو نسيتم بعض
حكام الخليج ؟ ..
( ينظر للبابا شنودة غامزا ً ، لامِزا ً )
وأيضا ً في لبنان ..
أنا ليس لديّ ماأخفيه .. على كلّ ، ماذا نفعل لو
أبناء العم يريدون السلم ؟ ..
شعراوي .. ‘‘ إن جنحوا للسلم ، فاجنح لها ،
وتوكل على الله ‘‘
الشعراوي : كلمة حق ، يراد بها باطل
السادات : قف عندك .. لست أنا القائل .. أوليس الله هو القائل ؟
أتتهم القرآن بالباطل ؟
الشعراوي : معاذ الله .. أستغفر الله ..
السادات : إذن اسحب كلمتك ياشعراوي
الشعراوي : أرجوكم فخامة الرئيس ، لا تلووا أعناق الكلمات ..
لا تلووا أعناق الآيات ..
شنودة : إن جنحوا للسلم .. وهل جنحوا حقا ً للسلم ؟ ..
أو مالوا نحوه ، لا عنه ؟
الشعراوي : إن كانوا قد جنحوا حقا ً للسلم ؛ فأنا أول من يذهب
معك .. لكن من هو في مثل سنّي لا يقوى على القفز
في الفراغ .
السادات : ‘‘ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ، إدفع بالتي هيّ
أحسن ، فإذا الذي بينك وبينه عداوة ً ، كأنه وليٌّ
حميم ‘‘ . . صدق الله العظيم .
شنودة : إلا بني إسرائيل .. على مرّ التاريخ شربنا من مكرهم ،
وخداعهم حتى الثمالة .
الشعراوي : هذا يمكن في الأمور البسيطة ، بين الأفراد ، من
مشاحنات ، أو كلمات نابية ، يكون الأمر بـ ‘‘ إدفع
بالتي هيّ أحسن ‘‘ .. ولكن السؤال .. هل كل أحد ٍ
يوفق إلى ذلك ؟
السادات : ستثبت لكم الأيام أنني من سيحدد مصير المنطقة ..
بل مصير العالم .
شنودة : إن الجواد الذي تمتطيه سيلقي بك أرضا ً ، قبل أن
تحدد مصير العالم .
السادات : أتكلمني بالألغاز .. أفصح .. ماذا تقصد ؟ .. ماذا تعني ؟
أتقصد أمريكا ؟
شتودة : الأيام كفيلة بتوضيح قصدي .
السادات : لا تعتقدا أنكما بموقفكما هذا تُضعفان من موقفي
التفاوضي ، أمام الطرف الآخر .. تريدون أن تُظهِراني
في صورة المهزوز .. شعراوي .. أنا آمُرك …
الشعراوي : من يأمرني هو الله
السادات : أنا ولي الأمر
الشعراوي : أ ُطيعك فيما لا يضر
السادات : هه .. وأين يكمن الضُّر ؟
الشعراوي : سيلحق بالوطن ، والقضية .. سوف تفتح بابا ً
للشيطان ، يسكن أوطاننا ، ويعشش بيننا كأفراد ،
وأوطان .. سوف تنهار بلادنا واحدة تلو الأخرى ..
وسوف تنهار الأوطان وطنا ً إثر آخر ..
من خلال اتفاقية السلام ، فإن إسرائيل ستتعمد إلى
عزل مصر ، كيّ تتفرغ لباقي الأمة .. أنت تعطى
الفرصة لإسرائيل لتنال منا الواحد تلو الآخر ..
سوف ينفرط العقد ، وتنفرط المسبحة .
السادات : إنني أعمل لأولادنا ، وأحفادنا من بعدنا .
الشعراوي : المعاهدة لن تخدم سوى الأمريكان ، واليهود .
السادات : أتفهم في السياسة أكثر مني ؟
الشعراوي : إذن دعني
السادات : بل يجب أن تطعني .. طالما أنت على هذه الأرض ..
وبما أن هذه البلاد كلها تحت سلطتي .. إذن ينبغي
عليك أن تطعني .
الشعراوي : فيما لا يغضب الله .. ولا يزعزع ثوابت الأمة ..
ولا يُقَزّم الوطن .
السادات : ( زمجرة مكتومة من السادات ) كيف تجسر على
أن تقول لي هذا ؟ .. كيف تبلغ بك الجرأة أن تتفوه
أمامي بذلك ؟ .. أتحسبني خائنا ً ؟
الشعراوي : من أنا حتى أ ُخَوِّن أو أ ُكَفِّر ..
سيدي الرئيس ، لا تجعل حقدك على من سبقك ،
يقودك إلى عمل ٍ يُكبد الوطن ، ويُكبله للأبد ..
فكر في الأمر قبل فوات الأوان .
السادات : اللعنة .. من كان قبلي لم يكن يصبر عليكم ..
من كان قبلي لم يكن ليطيل الكلام معكم هكذا ..
من كان قبلي كان ليأمر بـ ….. كان يعتقلكم ..
وكان سبب هزيمتكم .. ولا أستطيع نزعه من
قلوبكم .. كم سئمت هذا الرجل .. وسئمت من
ذكراه .. يسد علىّ طريق حياتي حيّا ً ، وميتا ..
الشعراوي : على أيّة حال ، فليرحمه الله .. كل ماأملك أن أقوله
لك سيدي الرئيس ــ لو تأذن لي ــ إلعب لعبتك
معهم على الأقل بكرامة ..
السادات : مامن كل من لبس العمامة يزينها ياشعراوي ..
قِسٌ وشيخٌ يهزءان بي ، وبهيبتي ؟ ..
أنت ياشيخ تعكر صفوي .. تشوش فكري .
شنودة : نخشى عليك ياسيدي أن يكتب التاريخ عنك ،
أنك حولت القاهرة ، قلب العروبة النابض ،
من قاهرة المعز ، إلى قاهرة المُذل ..
انظر ماذا سوف يسجل التاريخ لك .
السادات : خسئت .. خسئتم .. خسىء كل من يتفوه بذلك ..
ياإلهي .. أنتما تُفقداني عقلي .. وترفعان ضغط
دمي .. بمجرد الحديث معكما ، تسببان لي انتفاخ
القولون .. تثيران أعصابي أكثر من بيجين نفسه ..
أنتما إذن لا تريدان لجمرة الحرب أن تنطفىء ..
الشعراوي : ( وشنودة معا ً ) نحن أم الآخرون ؟
شنودة : كيف تريد منا أن نقلب قناعاتنا من النقيض إلى
النقيض ؟ .. مازالت دماء الشهداء تغطي رمال
سيناء .. لقد خضنا غمار حروب قاسية ، ومؤلمة .
السادات : وتريدان مني أنْ أ ُواصل الكارثة ، بمزيدٍ مِنَ
الشهداء .. لا يشعر بالجمر إلا من يكتوي بها .
الشعراوي : ونار الآخرة أشد ، وأقسى من نار الدنيا ..
لا تأخذك العزّة بالإثم ، وتجعل من خطوتك بطولة ،
ومن زيارتك فتحا ً ، ومن مبادرتك نصرا ً .
( تتراءى في الخلفية سلويت للشهداء ، وكأنهم
أشباح تترنح وتبتلعهم الرمال ) .
شنودة : نحن لا نرى في خطوتك تلك بطولات ، ولا فتوحات ..
بل استسلام ، لا سلام .
الشعراوي : أنت لن تضع نفسك وحدك في مأزق .. بل ستحشر
الوطن ، والأمة في أبشع مأزق .
السادات : إنني أحمل همّ هذا الوطن .. إن لم تحملوا همّ هذا
الوطن معي ، فأنتم همّ على هذا الوطن .. بل أنتم
تطعنون الوطن في الظهر .
شنودة : وأنت تطعن الله ، والمسيح .
الشعراوي : إن المسئولية أمانة .. وأنها يوم القيامة خزيٌّ ،
وندامة .. إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها .
السادات : لا يوجد أدنى بريق ٌ في رؤوسكم المطلمة .. لا يوجد
أيّ ُ وميض ٍ في جماجمكم المعتمة .
شنودة : فخامة الرئيس .. أنت لا تريد سماع الحقيقة لأنك لا تريد
رؤية أوهامك تتحطم …
الشعراوي : سيدي الرئيس .. أخشى أن تكون كمن ينام على بركان ٍ
نشط ٍ قد ينفجر في أيّ لحظة .
السادات : إذا كنتم تعارضون قراراتي وسياساتي الآن ، فسوف يأتي
يوم تعترفون لي بالفضل .
شنودة : لن نكون في يوم ٍ من الأيام من مادحي القصائد ، أو حملة
المباخر .
الشعراوي : السيد الرئيس .. لا تأخذك العِزّة بالإثم .
السادات : عن أية عزة تتحدث ، وعن أيّ إثم ؟ .. سيشهد التاريخ أن
أنور السادات رجل سبق عقله زمانه .. أنا كالصقر ، أرى
من علو ٍ مالا يراه الأقزام .. أنا الصقر في زمن الدواجن ..
شنودة : ( هامسا ً للشعراوي ) ياأخي في الله .. الرجل انتابه جنون
العظمة …
السادات : ( مواصلا ً ) أنا النسر الذي لن يهبط مع الطيور لألتقاط فتات
الموائد من شيوخ النفط ، وأمراء الخليج .
شنودة : على الأقل من أبناء العم .. أشرف من إعانات ، ومعونات ،
وهبات أبناء الغم …
السادات : من تقصد ؟
شنودة : مَن غيرهم ؟ .. أبناء العم سام .
السادات : ماهذا الكلام ؟ .. محال أن أ ُتاجر بأرواح الأبناء .. بدماء
الشهداء …
شنودة : وأين هو الشعب من هذا كلّه .. هل أخذت َرأي الشعب ؟ ..
هل استشرت الشعب ؟ .. هكذا إختزلت الشعب في شخصِك ؟
سيادة الرئيس .. لا يمكنك تجميل الخنزير بأحمر الشفاه .
السادات : أفصح .. ماذا تقصد ؟
شنودة : أقصد المعاهدة .
السادات : المعاهدة بداية عهد السلام .
الشعراوي : بل قل : بداية عهد النكوص .. مهما حوت من نصوص .
السادات : المعاهدة بداية عهد الأنتصار
شنودة : بل بداية عهد الأنحسار ، والإنكسار .
الشعراوي : إخفض سقف توقعاتك حتى لا تنصدم .. فاليهود ليس لديهم
قِيَم .. على كل ٍ المعاهدة لن تصمد .
السادات : بل ستصمد .
الشعراوي : ولماذا أنت وائق ؟
السادات : لآن الضامن أمريكا .
شنودة : وهنا الكارثة .. ليس ألعن من المضمون ، سوى الضامن .
السادات : ولماذا تحج إليها إذن ؟
شنودة : أذهب إليها للتداوي ..
السادات : ولماذا تتكرر زياراتك لها على التوالي ؟
شنودة : لأرعى القبط فيها ، فهم ُ أبنائي .
السادات : إذن إبقى هناك من الأساس .
شنودة : أخشى أن يكون قد حدث لك في الأمر إلتباس .. مصر هيّ
الأصل .. هي ّ المهد ، وفيها اللحد .. وهيّ الأساس .
السادات : أنتم القساوسة .. وأيضا ً المشايخ .. دائما ً ما أصاب منكم
بعسر الهضم .. شنودة .. أنت بالذات تصيبني بانقباض ..
هل ترون ؟ .. أنا لا أطلب منكم غير الصمت .. لا تؤيدوني ..
ولا تعارضوني .. هه .. اتفقنا ؟ ..
شنودة : حين يكون المستهدف وطنا ً ، يصبح الحياد خيانة ،
والصمت تواطأ ً ..
الشعراوي : ربما تُسمِع ُ كلماتي يوما ً من به صمم .. انت تسلم للأعداء
رقبة الوطن .
السادات : إسمع .. لقد تجاوزت قدرك .. وأنت تجاوزت حدّك ..
إسمعا .. مصر لا يمكن أن تخضع لسيدين .. ولا أن يسطع
عليها شمسان .. أنتما مستفزان ..
( لشنودة ) وأنت بالذات .. لا تُجبراني على اتخاذ قرارات ٍ
قهرية .
الشعراوي : وأنا لن أبيع شرفي كي أبقى في الوزارة .. الشعراوي لن
يُساوَم .. وأنا الذي ما سعيت يوما ً لمنصب ٍ ، أو وزارة .
شنودة : فخامة الرئيس .. أشرف لي أن أ ُركَن ، كأيّ أثاث ٍ قديم ،
في أقبية ٍ منسية ، على أن أ ُشارك في تلك المسرحية
الهزلية .. أنا لن أكون السيد نعم .. حاضر ..
السادات : أتعرف ماذا تقول ؟ .. هذا عصيان …
شنودة : وأنا لن أسمح لنفسي أن أ ُشارك في الكرنفال .. ولا أن
أكون بهلوانا ً في هذا السيرك السياسي .
السادات : شنودة .. اضبط لسانك .. من منا أعلى سلطة من الآخر ؟ ..
الكنيسة ، أم القصر ؟ .. لا سلطة تعلوا سلطتي في البلاد .
الشعراوي : رجاءا ً .. أخرجني من حساباتك السياسية
السادات : لا تتعجلا الأمور .. سأ ُثبت لكما أنني أعرف كيف أستغني
عنكما .. لقد ضقت بكما ذرعا .. فأنتما تحيدان عن الخط
السياسي العام .. لن أصبر عليكما أكثر من ذلك ..
أنتما تستقويان بشعبيتكما .. واحد يستقوي بأقباط المهجر
في أمريكا .. ويحركهم ضدي ليقذفونني بالبيض ويهتفون
ضدي في واشنطن .. وأنت ياشعراوي تظن أن شعبيتك بين
مريديك من العامة والدهماء الذين يستمعون لأحاديثك أمام
شاشات التليفزيون كالبله ، هم من سيحمونك مني .. لا تظن
أنك تستقوى بهم عليّ .. لا تتوهم أنك في موقف قوة ..
سأثبت لك من فينا الأقوى … ( يتناول كأس مياه ليشرب )
الشعراوي : الله أقوى منك ومني .. الله أقوى منا جميعا ً
السادات : ( يهتز .. يقع الكأس من يده ) أنت تغلبني
الشعراوي : أنا أ ُصارِحُك .. أنا لا أ ُصارعك حتى أغلبك .. أنا فقط قلت
لك : لا .
السادات : لم يُخلق بعد من يقول لي : لا .. أنا أفرم كل من يقف في
طريقي .. وهاهو الشيخ المحلاوي مُلقى ً في السجن مثل
الكلب .
الشعراوي : الأزهر لا يُخَرّج كلابا ً .. بل عُلماء .
السادات : ( يتوتر .. يسقط البايب من يده )
( مهددا ً ) أنا لن أرحم من يُعارضني .. صدقني ..
الشعراوي : يكفيني أن تمسني الرحمة الإلهية .
السادات : هذا إذا كنت جديرا ً بها .
الشعراوي : الله ورسوله أعلم .. الله هو الرحمن الرحيم ..
الله أرحم بعباده .. السيد الرئيس .. اسمعها مني ..
كلمة أخيرة لوجه الله .. في تلك الخطوة ، سوف
يكون مقتلك ..
شنودة : اسمعها مني .. بسببك .. وعلى يديك .. مصر مرشحة
لمستقبل غامض .
السادات : ومستقبلكما واضح .. على الأقل بالنسبة لي
( يتأهب للخروج .. ينهض الشعراوي للحاق به .. يشير
عليه السادات بالجلوس )
أعرف طريقي .. لا أريدك أن تصحبني .. ابق مع حليفك
( يخرج السادات غاضبا ً حانقا ً )
الشعراوي : رعده ُ جعجعة .
شنودة : ماهذا العبث السياسي الذي يمارسه ..
الشعراوي : إني أراها هرطقة سياسية .. انه يمارس سياسة الهروب
إلى الأمام .
شنودة : أصبت ياإمام .. نحن نعيش في عصر البهلوانات ..
أقصد في حكم البهلوانات .. حدسي يخبرني أنّ هذا
الرجل دجال سياسي كبير .. وأنا ليس لي في الدجل
السياسي .
الشعراوي : إنه لا يريد أن يسمع .
شنودة : مسكين .. إنه لا يسمع إلا صوت نفسه .. هل تيقنت
الآن أن المنصب أكبر من الرجل ؟
( يعود السادات )
السادات : ليكن في علمكما .. لا سلطة بعد اليوم تعلوا سلطتي ..
لن أسمح بزعامة دينية تنافس زعامتي .. أنتما لا تمثلان
مؤسسات دينية .. أنتما رمزان للنرفزة الوطنية
( السادات يخرج )
الشعراوي : الرجل شعوره بالعظمة يتزايد .. الرجل يرى نفسه زعيما ً
عقله يسبق عصره .. الرجل أصابته لوثة جنون سياسية .
شنودة : شعراوي .. هل تظن أن نظرات الغضب من القرد ، ستصيب
الأسد بالرعب ؟ .
الشعراوي : اللهم غيّر مصائر الذين يتحكمون في المصائر .
شنودة : ألم أقل لك ياشعراوي أن مطبخ السياسة شىء خسيس
الشعراوي : نعم .. إن المرء فيه ليَجُرَّ معه روائح نتنة .. روائح عطنة .
( السادات يعود كمن تذكر شيئا ً فجأة .. مخاطبا ً شنودة )
السادات : سأجردك من رتبتك الكنسية .. ولتُنفى إلى وادي النطرون ،
تعتكف في دير .. في آخر دير .. أبعد دير .. حيث الفقر ..
والخبز الحافي .. والصلوات الليلة .. علاج ناجع ضد شموخ
الأنف ، وضد الرفض .. هناك حيث لا يسمع عنك صغير
أو كبير .. نرتاح منك ، ومن همك .. أتسمعني ..
إهرع إلى وادي النطرون ، لعلك تقابل الله هناك .. فلتحمل
فلتحمل صليبك وترحل .
شنودة : لا بأس .. سبق وأن حمله من هو أفضل مني .. يسوع ..
سبقني روح الله ، سار حافيا ً على الأشواك .. ودميت
قدماه على طريق الآلام ..
السادات : ( ضاحكا ً ، ساخرا ً ، مستهزئا ً ) هاهاها .. يظن نفسه
المسيح .. هِه .. المسيح ُ يعودُ من جديد ..
الشعراوي : ( مواسيا ً شنودة ) لا تقلق من تدابير البشر .. فأقصى
مايستطيعون فعله معك ، هو تنفيذ إرادة الله ..
السادات : ( ملتفتا ً إلى الشعراوي ) أما أنت ياشيخنا ، يامن جعلك
الإعلام ديناصورا ً دينيا ً ، فأنت في نظري لا تزيد عن
أصغر قطعة شطرنج .. أنت لا تكاد تزيد عن طولها أمامي ،
على رقعة اللعب .. فأولى بك قريتك .. تلزم بيتك .. تحكم
دارك .. خير من اعتقالك .. هناك ، حيث لا برامج .. لا
تلفزة .. إلى أن ترحل إلى المقبرة ..
شعراوي : إني أشتاق لنفسي القديمة .. فلتكن ارادتك ياالله .. رضينا
بقضاء الله .. والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه ..
لعل هذا يكون آخر لقائي بك .. إذا كنت قدرنا ، فليوفقك
الله .. وإذا كنا قدرك فليتولاك الله برحمته .. فليعنك الله ..
السادات : لا أ ُريد ُ أن أراكما .. إني أتقيأ عندما أراكما ..
( للشعراوي ) لم أعد أقوى على رؤيتك .. لم أعد أطيق
رؤيتك ..
شعراوي : كل الشواهد تقول أني لن أراك بعد . ( ينظر اليه الشعراوي
بنظرة اشفاق )
السادات : هل تشعر بدنو أجلك ؟ .. هل تشعر أنك ستموت ؟
الشعراوي : بغير شك سيدي الرئيس .. كلنا سنموت .. لكن أين ،
ومتى ؟ .. على الفراش ؟ .. أم بالسم ؟ .. أم برصاصة
في ساحة ؟ .. الله وحده هو صاحب القرار .. آمل أن أصِلَ
إلى قريتي بسلام .. أعتقد أنني سألقى الموت هناك .
السادات : أيها الشيخ اللئيم .. كم أود أن أراك هامدا ً في قبرك عما
قريب .
الشعراوي : ربُّ السجن أحب إلى ّ مما يدعوني إليه .
…………………………………..
( يختفي الشعراوي من المشهد )
( إضاءة على السادات وحده .. في الخلفية يظهر الطفل
القروي .. وشيخ ٌ مُسِن ، أنيق يرتدي حُلّة الأربعينات
وطربوشا ً أحمر ، ومِنشة ٌ يده ، وفي الأخرى عصا
أنيقه من العاج .. الصبي والشيخ بالإمكان تجسيدهما
كسلويت ، حسب رؤية المخرج )
الصبي : ألم تعد تملُك ُ أمرك ؟
السادات : ( بعصبية ) أ ُسكُت أنت .
الشيخ : ماسمعته منك ، يُخالِف حقيقة َ أمرِك ؟ .. وبتناقض مع
ماغرسته فيك من مبادىء …
السادات : آه .. حتى أنت ياأبي …
الشيخ : ياعدوَ نفسه ، أ ُحَذّرُك َ العُقبَى …
السادات : لابُدّ مما ليس َ منه ُ بُـدَّ
الصبي : حسبُك َ ما سوف َ ترَى …
السادات : كُفوُّ عنّي ألسِنَتِكُم .
( يدور السادات حول نفسه ، سادا ً أ ُذ ُنَيه ِ
بيديه .. وهو يردد : كُفو عني ألسنتكم ..
لا أ ُريد ُ أن أسمع …….)
ـــ إظــــــــــــــــــــــلام ـــ
16 ورقة أجندة يومية تتساقط .. الورقة الأخيرة 06 أكتوبر
صوت طلقات رصاص .. صوت نفير سيارة إسعاف .. صوت ضوضاء
وهرج ومرج وصراخ
صوت مسجل : يعجز لساني ، وقد اختنق بما تموج به مشاعري أن
أنعي إلى الأمة ، رئيس الدولة ، فخامة رئيس الجمهورية .
تعليق مع تيترات تنزل على الشاشة وسط الظلام التام :
ــ لم يشارك في الجنازة زعيم عربي واحد ، ماعدا الرئيس السوداني
جعفر نميري .
ــ كانت الجنازة أمريكية ، ممثلة في ثلاث ٍ من الرؤساء الأمريكيين ،
ومستشار الأمن القومي ، اليهودي الأمريكي هنري كيسنجر ، ووزير
الدفاع الأمريكي
ــ بالإضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجين .. على أنغام
المارش الجنائزي لفريدريك شوبان .
هكذا كانت النهاية .. ويالها من نهاية .
ـــ ســــــــــــــــــــــــــتـار ـــ