مسرحية “حضرة حرّة”من سوريا عبر فعاليات الدورة الـ 10 لمهرجان المسرح العربي بتونس: توقا إلى أفق فيه وطن..
احتضنت قاعة الفن الرابع مساء اليوم الخميس 11 جانفي العرض الأول للمسرحية السورية الألمانية “حضرة حرّة” لأسامة الحفيري.
عرض يندرج في إطار المسابقة الرسمية للمهرجان العربي للمسرح في دورته العاشرة التي تحتضنها تونس في الفترة الفاصلة بين 10 و16 جانفي 2018.
عمل يعتمد أساسا على الكوريغرافيا والرقص لتجسيد مختلف مشاهده الغائصة في مفهوم الغربة والاغتراب ، هو اغتراب نفسي وروحي يحاصر الأجساد المنطلقة نحو آفاق الشرح.
نقصد هنا بالشرح تلك الجزئيات الضئيلة والعالقة في أرواح مغتربة ، نشعر بضيق المكان أحيانا وبانعدامه في مواقع أخرى.
تطرح “حضرة حرّة” عبر نسق ممتدّ من الرقصات والمشاهد تنقّل “المغترب” من حالة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر مصوّرة صعوبة هذا “التنقل” أو الانتقال ، فكأنه يحمل الكرة الأرضية فوق رأسه وكأنه يحاول التخلّص من شيء ما عالق في ذاكرته ولكن دون جدوى.
يشارك في هذا العمل من الراقصين كل من سجا نوري وماهر عبد المعطي ومحمد أمين و”فاني لو” و”جول ألهولو” ز”شيزري تادا” ، والمسرحية
–كما أشرنا- هي عمل مشترك بين سوريا والمانيا أو لنقل بين سوريين يعيشون خارج وطنهم وزملاء لهم من العالم العربي وأساسا ألمانيا.
اشتغل محمد ديبان وهو مصمم رقصات العرض والكوريغرافيا على ثنائية السفر والوصول.
بين نقطة الانطلاق ونقطة الوصول تشرئبّ الأرواح باحثة عن منفذ وعن واحة تزيح عنها عبء الطريق.
هو طريق محفوف بخطر السؤال عن ماهية الأنا في مكان فيه حاضرها ولكنه لا يستكشف ماضيها ، عبثا تلهث وراء سؤال “من أكون ؟” و”أين وطني؟”
يحقّ لكل سوري مغترب عن وطنه أن يخاطب العالم “هل يوجد جرح أعمق من جرحي؟”، هل يصدّق هذا العالم ما يغمرني من انهزام ووهن؟ وكيف لي أن أقف من جديد وأنا في هذا الحال من العدم ؟”
كانت حركات الأجساد المنتفضة تخاطبنا ثم تفترش الأرض لتغيب عن الوعي والحركة فجأة ، وكنا نرقب انتفاضها من جديد ، فكأنّ حدسنا الجماعي ينبئنا بنهاية أخرى لا تشبه الموت.
ما يثمّن على مستوى الوسائل الكوريغرافية الموظّفة هو نجاح الموسيقى المصاحبة في إدارة القلوب والىذان إليها : نحن عنا أمام معجم ديني صوفي منمّق ب”صرعات” موسيقى “التكنو” العصرية ، مع كل هذا المزيج “صوت جهوري” يسرد بأسلوب شبيه بترتيل النص القرآني جملا وعبارات محرّضة على الحلم أو الشعور بالألم.
ولا يخلو العمل من حلم يغالب ألم اللحظة ، حلم بغد يعود فيه الطائر المهاجر إلى وطنه البعيد القريب ، فكما كان استيطان وطنه في قلبه وروحه فقد يعود بجسده إلى تلك الاراضي التي غادرها مكرها …ربّما.
كان المشهد الراقص الأخير من العمل تلك النافذة الباحثة عن أفق آخر ، عن تلك الطريق التي لا يرجمنا فيها الحاضر بوابل الرصاص والدم ، بتلك الصرخة المحرّرة لأشباح الجحيم ، بذاك الكم الكبير من الإيمان بعدل الإله وجدوى الحلم.