مقالات ودراسات
من إنتاج المسرح الجهوي لمدينة سعيدة الجزائرية.. مسرحية “الغائب” قراءة في ماضي إستعماري نسج خيوطه على العلاقات الإجتماعية
المسرح نيوز ـ الجزائر| العربي بن زيدان
ـ
استضاف المسرح الجهوي “الجيلالي بن عبد الحليم” لمدينة مستغانم في إطار فعالية مستغانم عاصمة المسرح إحتفاءا بخمسينية تأسيس المهرجان الوطني لمسرح الهواة،المسرح الجهوي “صراط بومدين”لمدينة سعيدة في أحدث إنتاج مسرحي لسنة 2018 و المتمثل في العرض الشرفي لمسرحية”الغائب” .
العرض من تأليف الروائي عبد الوهاب عيساوي و إخراج الفنان مولاي ملياني محمد مراد. إستقطبت مسرحية “الغائب” في أولى عروضها لسنة 2018 ،إهتمام عشاق أبي الفنون من مستغانم و خارجها بينهم ممثلين و مخرجين و أستاذة حضروا من وهران،سيدي بلعباس ،عين تموشنت ،معسكر و سعيدة، فضلا عن طلبة قسم المسرح بجامعة مستغانم،حيث كانت الأجواء فنية و مسرحية بإمتياز بقيمة و مستوى ما قدمه الكاتب عبد الوهاب عيساوي في أول تجربة له في الكتابة للمسرح و ذلك بعد تجربة مثمرة في مجال الكتابة الروائية حصد خلالها عدة جوائز بينها جائزة رئيس الجمهورية “الشهيد علي معاشي” أدب الشباب” و جائزة الأديبة “أسيا جبار” و جائزة “سعاد الصباح بدولة الكويت إلى جانب جائزة “كتارا” في قطر ،
فقد نجح إبن مدينة الجلفة ،في تقديم معالجة درامية لنص “الغائب” من زاوية إجتماعية و أخرى تاريخية ،رصدت ما يمكن وصفه بتداخل و تشابك العلاقات بين المجتمع الجزائري و نظيره الفرنسي (عدو الأمس) فمن خلال علاقة زواج تجمع بين شاب جزائري ينحدر من أسرة ثورية بفتاة فرنسية، تتأزم علاقة الشاب بوالده المجاهد و بعدها بأسرته خاصة شقيقه الأكبر الذي يعتبر إمتدادا طبيعيا لوالده المجاهد على مستوى المبادئ.
حيث ينفجر صراع عائلي بعد عودة الإبن من فرنسا ، حول تقاسم الميراث تحت ضغط الشاب الذي يريد حصته من الميراث بينما تتشبث العائلة بهذا الإرث التاريخي في رمزية تحمل أكثر من دلالة أبرزها تشبث العائلة بالوطن الأم و المحافظة عليه رغم كل العوامل السلبية حيث يحتدم الصراع بين الإخوة في منحى إيديولجي يتخذ من الخيانة خيانة الأب الشرعي ركيزة رفض الأخر بينما يصر الشاب الذي نهل من ثقافة الغرب في مسعى إنتقامي من كل ما يرمز لسلطة الأب ،في محاولة منه التخلص من هذا المقدس الذي لازمه طوال حياته و كان سبب علته و إحساسه بالقهر و التسلط …
لقد طرحت مسرحية “الغائب” إشكالية غياب رؤية واضحة للتاريخ في شقه المتعلق بالعلاقات الإجتماعية في ظل بقاء صورة الأب الشرعي عالقة تثير صراع الأجيال أكثر مما تزيل رواسب الماضي في ظل تداخل و تشابك العلاقات الإجتماعية بين الجزائريين و الفرنسيين بالنظر للماضي الإستعماري و وجود موجة الهجرة بنحو فرنسا منذ أمد طويل .
و على مستوى الإخراج ،فقد إشتغل المخرج ،مولاي ملياني محمد مراد في هذا الإنتاج الجديد بعد تجربة مميزة له مع المسرح الجهوي لمدينة وهران و المسرح الوطني ،إشتغل وفق عناصر الفرجة و الإبهار بتقنيات حديثة تشتغل على ديكور متحرك يتماشى مع وتيرة تواتر المشاهد كما إستعمل تقنية الديكور المعلق في تصوير المشاهد الداخلية للبيت و إستعان بمجموعة من الأدوات على غرار ساعة حائطية عملاقة و بورتري يحمل صورة الأب ،أدوات ساهمت في تفكيك الجوانب الرمزية في العرض في جوانبه التاريخية خاصة منها القضايا العالقة بين الطرف الجزائري و الفرنسي على غرار قضية تجريم الإستعمار و الإعتذار .
كما شكلت مشاهد قاعة المطار و الديكور الذي يحيل المتفرج إلى مطارات العواصم الأوروبية ،ذاك الجسر الجوي الرابط بين الجزائر و فرنسا و الذي في الحقيقة هو جسر إنساني و بشري يوضح مدى ترابط العلاقة بين الضفتين، حيث ظهر الأداء و طريقة الإلقاء لدى شخوص المسرحية،منسجما مع مكونات السينوغرافيا لمسرحية الغائب سواء تعلق الأمر بالإضاءة أو الموسيقى الأمر الذي ساهم في بروز الجوانب الحسية لدى الممثلين و نخص بالذكر الممثل نبيل مغاربي في دور مراد و الفنانة مليكة يوسف في دور الأم إلى جانب الممثل فتحي مباركي في دور علاء و الذي قدم على الركح شخصية طبق الأصل للأب المجاهد ،ساهم في تفعيل الصراع الدرامي لدى أفراد العائلة كما شارك في العرض ،الممثلة شيخ أسماء في دور البنت ،جباري محمد في دور نبيل و في يعد إمتدادا لشخصية مراد الشاب الذي إستهوته الحضارة و الثقافة الغربية من خلال إصراره على العيش في فرنسا