من الديكور إلى السينوغرافيا الجزء الثاني من كتاب “سينوغرافيات المسرح الغربي”للباحث أحمد بلخيري
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
أحمد بلخيري*
باحث من المغربي
لآن سورجيرس المعنون ب”تطور تفكير وتطبيق للفضاء المسرحي”. قالت هذه الأخيرة: “السينوغراف” في عصر النهضة في عصر النهضة وجد المعماريون والمنظرون الإيطاليون في كتابات العصور القديمة،
لا سيما في بحث المعماري لفتروف Vitruve أن “السينوغرافيا” تدل على “فن عرض المنظور”، أي تنظيم رسم ومعمار المدينة، أو ربما ديكور المسرح ارتباطا بوجهة نظر الإنسان. الكلمة موثَّقة في هذا المعنى في اللغة الفرنسية سنة 1545.
استعمل منظرو الرسم والمعمار إذن دون اختلاف مصطلح سينوغراف ومصطلح الرسام. في جميع الحالات، الكلمات التي هي من عائلة السينوغرافيا كانت، في عصر النهضة، تتعلق بالمرئي أو المنظور. كذلك حدد جاك أندرويه Jacques Androuet في مصنفه “الحصون الأكثر امتيازا في فرنسا” « Les Plus excellents Bastiments de France » كلمة scenographum بوصفها عرضا للمعمار الرابط بين بُعْدَيْ المنظر الأمامي -المسمى في وقتنا الراهن الارتفاع- مع استحضار البعد الثالث بواسطة المنظور. في عصر النهضة، مثل العصور القديمة،
لم تكن الوظائف التي نسميها اليوم إبداعا تتميز عن وظائف الصناعة والإنجاز. بالنسبة للفرجات والاحتفالات الأميرية، كان المسئول عن المشروع يتحمل مسئولية العرض والتصور الذي سينجز.
وكان أحيانا مسئولا، مسبقا، عن بناء المسرح أو تنظيم فضاء مسرحي مؤقت. فعلى سبيل المثال، عُيِّن سيرليو Serlio (1475-1554) باعتباره معماريا، وأيضا باعتباره مسئولا عن النجارة. وحينما شارك برونولليشي Brunelleschi في فرجات كان ذلك بصفته Ingeniere ، الكلمة الإيطالية التي تعني “الذي يجِدُ” (Celui qui trouve) مصمم الديكور يمكن أن يُعتبر ، في عصر النهضة وإلى القرن السابع عشر، inventor، Inventeur في اللغة الفرنسية، مبتكِرا: المصطلح موروث من البلاغة. في فرنسا من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر طيلة ثلاثة قرون كانت السينوغرافيا هي فن المنظور. وفي نهاية القرن السابع عشر،
حددها فوروتيير Furetière في كونها “وصفا لوطن كما هو معروض أمام أعيننا، ووصفا لحصن، وساحة حرب، حسبما يبدو عليه حينما ننظر إليه من خلال إحدى واجهاته حيث يكون وصف سوره، وأبراجه إلخ وكل ما هو منظور وله ظلال”. نجد، تقول آن سورجيرس، هذا المعنى نفسه مرتبطا بعرض تخطيط لحجم على مستوى المنظور في أنسكلويبدية ديديرو Diderot ، الذي قابل بين السينوغرافيا (“عرض جسم منظور في مخطط”) والإيكنوغرافيا L’ichnographie (“تصميم عمارة”)، ;الأورتوغرافيا L’orthographie (“عرض واجهة عمارة أو أحد وجوهها”).
استحضرتْ طبعة 1884 لمعجم الأكاديمية هذه القاعدة: السينوغرافيا مصطلح يتعلق بالرسم، إنها فن جعل وعرض الأشياء منظورة. يكون تطبيق السينوغرافيا خصوصا في فن رسم الديكورات المشهدية”.
في الواقع، استُعمل أحيانا مصطلح سينوغرافيا في القرن التاسع عشر للمسرح لان ديكور المسرح كان قد نُظِّم من خلال المنظور، ولأن مصممي الديكور Les décorateurs كانوا قبل كل شيء مهرة. وإذا كان مصطلح سينوغرافيا لم يُستعمل في اللغة المسرحية في فرنسا في القرن السابع عشر، فإن ذلك يعود، بدون شك، إلى أن العرض المسرحي لم يكن مصمَّما أيضا حصريا في إطار وظيفة الإيهام التي يحققها المنظور.
وكل ما هو مرتبط ب”أشغال” الفِرقة، بما في ذلك أسئلة الديكور، هو إذن موضوع قرارات جماعية يتخذها الممثلون وكل أعضاء الفرقة الذين توحدوا في جماعة. وتبعا لهذا تُقسَّم المسئوليات حسب قدرات كل واحد. فعلى سبيل المثال، عُيِّن ماهيلو Mahelot (1620-1640) بوصفه صانع ديكور Décorateur.
ماذا يعني إذن هذا المصطلح؟
في مذكرته، وهي نوع من البيانات التي قدمت في قصر بورغون Hôtel de Bourgogne، ذُكرت وظيفة صانع الديكور التي تتناسب مع وظيفة السينوغراف أو الميكانيكي أو مدير المسرح Régisseur في الوقت الراهن. وتسمح المذكرة بفهم الأدوار المتعددة التي يمارسها صانعو الديكور في قصر بورغون، فماهيلو أوبيفوكان Buffeuquin
على سبيل المثال هما في الوقت ذاته سينوغرافيان، ومديران تقنيان، ومديرا مسرح Régisseurs، ومن المحتمل ميكانيكيان (هذه الكلمات استُعمِلت حسب معانيها اليوم)، أو صانعا أكسسوارات، وهي وظائف، في أيامنا هذه، تتعلق باختصاصات محددة تُمارس منفصلة. وقد حمل كتاب”المسرح الفرنسي” لصمويل شابيزو Samuel Chappuzeau المنشور سنة 1673 إضاءات حول كلمة Décorateur
وكذلك حول أسباب غياب مصطلح السينوغرافيا في مسرح القرن السابع عشر. إن صانع الديكور في القرن السابع عشر هو أيضا معادل تقريبا للميكانيكي أو مدير الخشبة في الوقت الراهن مع إضافة الرسم له. وبفضل سجلِّ لاغرانج La grange (السجلُّ مخطوط من 359 صفحة يسمح بمتابعة يوما بعد يوم نشاط فرقة موليير ثم الكوميدي فرانسيز من 1659 إلى 1685 شارل فارلي Charles Varlet المسمى لاغرانج ممثل فرنسي 1635-1692 كان مع موليير)
نعرف أيضا بأنه نحو سنة 1660 كان لفرقة موليير صانع ديكور يسمى ماتيو Mathieu لكن لا أثر للميكانيكي في هذا العصر. في القرن السابع عشر، وأيضا في بداية القرن الثامن عشر، لم يُعيًّن السينوغراف المعاصر بمصطلح صانع الديكور، ولكن عُيِّن بمصطلح الميكانيكي. وهو مكلف بالعرض برمته، من العام إلى الخاص: يصمم المسرح، المؤقت أو الدائم، الآلات، وديكورات الفرجة. أدى هذا الدور فيغاراني Vigarani مع موليير حين عرض احتفالات فرساي الكبرى، خاصة سنة 1664.
وقد اقتحم المهندس المعماري، منذ عصر النهضة، ما نسميه، تقول آن سورجيرس، اليوم السينوغرافيا. مع التطور، صار الفصل بين الوظائف في فرنسا منذ النصف الثاني للقرن الثامن عشر واضحا جدا، لكن مصطلح سينوغراف لم يُستعمل بعد. ذلك أن المهندس المعماري يشيد المسارح دون تدخل في الفرجات، ويتولى الميكانيكي المسئولية من أجل تنظيم الخشبة وإعداد الديكور والفرجة. الشاهد على هذا التنوع الوليد الشجار العنيف الذي كان بين المهندس فكتور لويس Victor Louis وبيير بولي Pierre Boullet ميكانيكي مسرح la porte Saint-Martin سنة 1790.
رأى فكتور لويس أن القاعة الجديدة للقصر الملكي (اليوم الكوميدي فرانسيز) كانت مناسبة لاستقبال متفرجي الأوبرا. أما بيير بولي فأجاب بصراحة: “إن هناك خطأ في رسالته وعدم معرفة لنظام المسارح في أحكامه. […] أدعو السيد لويس إلى الاعتقاد بأن ذلك ليس حسدا، وليس مجرد اختلاف الذوق اللذين أوحيا لي بهذا الجواب. […]
وحينما سيتابع اشتغال المسرح فقط خلال بضعة أيام، فأنا مقتنع جدا بأنه سيتفق معي حول كثير من الأشياء التي لا ينازع فيها إلا لأنه يجهلها. […] إنه من واجبي تنوير الجمهور حول الأخطاء التي نرتكبها تجاهه” (جواب بولي على رسالة فكتور لويس في جريدة باريس 30 أبريل 1790).
انطلاقا من بداية القرن التاسع عشر ، صارت تتميز بوضوح أكثر فأكثر الوظائف الأساسية لإعداد فرجة الواحدة تلو الأخرى. لا نتكلم بعدُ دائما عن السينوغراف. ولم يعد مصمم الديكور هو الميكانيكي، ولكن الرسام، أو الرسام صانع الديكور. وقد عُيّن بلانشار Blanchard ولومير Lemaire من خلال هذين المصطلحين في العقود التي ربطتهما بالكوميدي فرانسيز في بداية القرن التاسع عشر، وكذلك سيسوري Ciceri سنوات قليلة بعد ذلك.
وتعني كلمة صانع الديكور Le décorateur من الآن فصاعدا المسئول عن الديكور. وفي جميع الحالات فإن صانع الديكور في القرن التاسع عشر رسام يبتكر الديكورات، ويرسم النماذج، ويسهر على التنفيذ في المحترَفات، أو ينظم فرقة من رسامي الديكور. ومعروف، علاوة على ذلك، أن مدير المشروع الأساسي للجزء البصري للفرجة أن يكون إذن معيَّنا باعتباره رساما: لا يمكن تصميم عرض مسرحي، من جهة أخرى، إلا في إطار الخشبة الإيطالية.
إن القدرات المطلوبة لتخيل الجزء البصري للعرض المسرحي ليست من مهام السينوغرافيا كما نفهمها اليوم حيث صار فضاء الخشبة وتصميم الديكور محددين مسبقا ومنظمين بصفة نهائية. من “الديكور” إلى “السينوغرافيا” خلال ثلاثة قرون تقريبا، بين بداية القرن السابع عشر ونهاية القرن التاسع عشر، كان هناك مسار طويل قاد العرض المسرحي بالطريقة الإيطالية نحو عقم نسبي في التصور: لقد تم إفراغ السينوغرافيا والمنظور من معناهما الأصلي ليغدوا مجرد تمرين يدور في حلقة مفرغة،
وكان هذا سببا في الثورات المسرحية الكبرى في نهاية القرن التاسع عشر، قادها على الخصوص كريغ Craig وأبيا Appia. وقد طالب المنظرون لهذه الثورة المسرحية باشتغال على الفضاء، وعلى الجسد في الفضاء وعلى الحجم. فتخلى هؤلاء عن كلمتي Décor و Décoration المرتبطين ارتباطا وثيقا بالرسم لفائدة السينوغرافيا التي تتدخل في فضاء العرض المسرحي بصفة عامة وشاملة.
هذه الثورة في التفكير وفي التطبيق المسرحي أدت إلى ميلاد وظيفة، إذا لم تكن جديدة، اكتسبت أهمية أكبر: وظيفة المخرج المسرحي الذي يرافقه في التصور العام للفرجة صانع الديكور-السينوغراف. عما معا يقودان تفكيرا شاملا حول العرض المسرحي، حول أمكنة العرض المسرحي، وحول العلاقة مع الجمهور في النهاية. وخلال السبعينيات من القرن العشرين وضعت المعارك الحادة أحيانا حول الكلمات والمهام مصطلح السينوغرافيا في بؤرة الضوء.
وهو عصر عرف فيه المسرح إعادة تحديد حيث صار لكلمة Décorateur معنى قدحي. هكذا وجد السينوغراف نفسه إذن يقوم بوظيفة منظم ومصمم فضاء العرض المسرحي، وظيفة كانت له بدون شك في العصور القديمة. وبالموازاة مع هذا، عادت في الوقت الراهن معركة قديمة أساسها تفوُّق الفنان عن الحِرَفي، وهي معركة كانت في القرن السابع عشر مع شارل لوبران (1619-1690) والأكاديمية الملكية للرسم.
في الوقت الراهن، وفي صورة العرض المسرحي الذي حاول تدريجيا الخروج من إطار المسرح على الطريقة الإيطالية منذ بداية القرن العشرين، يمكن للسينوغراف تطبيق فكره ومهاراته في مجالات منها المسرح. ذلك أننا نتحدث عن السينوغرافي الذي يقوم بتهييئ الفضاء في المتاحف، وفضاء عرض الأزياء الخاصة بالموضة، والحدائق، والمدينة، وفي كل مجال دُعي إليه الجُمهور للمشاهدة.
لقد غطت وظيفة السينوغراف جزءا من اختصاصات انتقلت أيضا إلى المهندسين المعماريين. يمكن أيضا في النهاية التدقيق بأن عصرنا، تقول آن سورجيرس، لم يحافظ من المصطلح الإغريقي سينوغرافيا سوى النصف: إن السينوغراف المعاصر مصمِّم، وبصفة استثنائية منفِّذ. * Anne SURGERS, Scénographies du théâtre occidental, Armant Colin, 2 Ed, 2007.