وجوه مسرحية
من فوانيس المسرح الجزائري: الممثلة الرائدة فتيحة بربار (11 فيفري 1945 – 16 جانفي 2015)
المسرح نيوز ـ الجزائر| وجوه مسرحية
ـ
بقلم الناقد والإعلامي: رابح هوادف
وُلدت فتيحة بربار (اسمها الحقيقي فتيحة بلال) في الحادي عشر فيفري من عام 1945 بحي القصبة الشعبي وسط العاصمة الجزائر، وبدأت مشوارها الفني وهي طفلة صغيرة، فتألقت على خشبة محيي الدين بشطارزي ولم يتجاوز عمرها الرابعة عشرة، وانضمت كمغنية في عام 1959 إلى الفرقة الموسيقية للراحلة “مريم فكاي”، والمطربة “فضيلة الدزيرية” التي اعتبرتها أحد أقرب الناس إلى قلبها.
التحقت فتيحة بالمعهد الوطني للموسيقى فرع التمثيل، رغم أنّ الجزائر كانت في ذلك الوقت تعيش تحت وطأة الاستعمار الفرنسي، لكن ذلك لم يمنعها من الكفاح من أجل إشباع طموحها الفني، رغم المعارضة الشديدة لعائلتها في ذلك الوقت، واكتشفها محي الدين بشتارزي وكانت حاضرة في الكثير من أعماله المسرحية.
مثّلت فتيحة أولى أعمالها إلى جانب الراحلة “كلثوم” سيدة المسرح الجزائري و”نورية” نهاية خمسينيات القرن الماضي، كما وقفت مع عمالقة التمثيل في الجزائر أمثال المرحوم “رويشد”، “مصطفى كاتب”، “علي عبدون”، “يحيى بن مبروك”، “العربي زكّال”، الفنانة “وهيبة” وغيرهم.
وبالموازاة مع جمعها الأدوية خفية لفدائيي الثورة، أدّت فتيحة عدة أدوار في مسرحيات “بني كلبون” لولد عبد الرحمان كاكي، “جحا والناس” لمحمد بن ڤطاف و”أغنية الغابة” لحميدة آيت الحاج، واختارها المخرج الراحل “مصطفى قريبي” لتقمّص دور في مسرحية “تارتيف” لموليير.
وقدّمت المرحومة عشرات الأعمال الخالدة من قبيل “وردة حمراء من أجلي” عام 1964، “ما ينفع غير الصح” عام 1965، “القرّاب والصالحين” 1966، وأعمال أخرى امتدت حتى عام 2007 في “البوقالة”.
وبرزت فتيحة بربار سنة 1965 لدى مشاركتها في فيلم “أمهاتنا” لمصطفى بديع، كما شاركت في “المرأة المثالية” لفاروق مزران سنة 1969.
في مشوارها الفني الطويل، قدّمت فتيحة عدة أعمال مسرحية وتلفزيونية وسينمائية، كما كوّنت ثنائيا ناجحا مع الممثل الراحل “رويشد” في فيلمي (البوابون) و(حسان الطاكسي) 1978، ومن أفلامها “عايش بــ 12” عام 1976، “عايلة كي الناس” سنة 1990 مع الممثل عثمان عريوات، ويعدّ الفيلمان من أشهر كلاسيكيات السينما الجزائرية، كما اشتهرت فتيحة بربار في التلفزيون الجزائري عبر المسلسلات الرمضانية “المصير”، “البذرة” 1 و2 وغيرها.
أدت “بربار” أدوارً مميزة في أفلام طويلة منها “أحداث متنوعة” لمحمود عصمان سنة 1973، و”العالم الآخر” لمرزاق علواش 2001، الذي عالج ثيمة الإرهاب في العشرية السوداء.
ورغم المشاكل الصحية التي كانت تعاني منها، لم يتوقف عطاء فتيحة، حيث ظهرت في عدة أعمال تلفزيونية منها فيلم “الهجرة” لياسين بوجملين وأعمال أخرى.
وترأست فتيحة جمعية “أحباب رويشد” منذ 2003، ورأى نقاد أنّ هذه الممثلة لم تفجّر كامل طاقتها، ورغم ذلك ظلّت رمزا ركحيا هاما في الجزائر.
وأبهجت فتيحة بربار مجالس الجزائريين بعطاءات حافلة امتدت لسبعة عقود عانقت خلالها الفن الرابع بكل حب وسلاسة، فغدت هذه المرأة التي استهواها الغناء قبل أن يغويها فن التمثيل، أيقونة في سماء الفن الجزائري احتفظت بسحر الحضور الهادئ، ورقي القول.
وكانت الراحلة خير سند ومثالا يحتذى لرفيقاتها في الدرب من مثيلات “نورية”، “دوجة عشاشي”، “صونيا”، “فطومة أوصليحة” وغيرهنّ، وأنجبت “فتيحة” خمسة أولاد بين البنات والذكور.
توفيت “فتيحة بربار” في باريس إثر سكتة قلبية مساء الجمعة 16 جانفي 2015 عن عمر يناهز 76 سنة، وتمّ نقل جثمانها إلى الجزائر، وخلّفت الراحلة مشوارً حافلاً بالأعمال الفنية التي شكّلت علامة بارزة في السينما والمسرح الجزائري.
+4