مهرجان فنون مشهدية طنجة يطفىء شمعته الثانية عشر بتنوع ونقاش فكري وفني غني
المسرح نيوز ـ شفشاون _المغرب | عزيز ريان
ـ
شهدت مدينة طنجة ما بين الفترة الممتدة من 15 إلى 18 شتنبر 2016 فعاليات مهرجان طنجة للفنون المشهدية في دورته 12 والمنظم من طرف مؤسسة الفرجة والتي يرأسها الدكتور خالد أمين. وعرف المهرجان تنوعا فنيا فرجويا ممتعا سافر بالجمهور نحو عوالم حكائية وفنية تصب في الشعار العام الذي اختاره المنظمون وهو: المنعطف السردي في المسرح(عودة فنون الحكي The Narrative Turn in Theatre).
فخلال أربعة أيام كاملة شهدت عروسة الشمال المغربي احتفالا بالفرجة وبالحكي عبر أغراض فنية مختلفة قدمت طبقا شهيا وغنيا للمتلقي،حيث شاركت فرق مسرحية بعروضها المسرحية والفرجوية والتي تنوعت بين مسرح ومونودراما وبرفورمونس فني.
في اليوم الأول الذي شهد حفل الافتتاح بمتحف القصبة بالمدينة العتيقة مع كلمة إدارة المهرجان التي أكدت على الأبعاد العامة والأهداف الإنسانية للمهرجان. بعدها قدمت فرقة مسرح أكون(المغرب) مسرحيتها : شوكة التي لامست قضايا متنوعة تفاعل معها الجمهور. واحتفلت فرقة جسد الخشبة(المغرب) عرضها لبانا والذي اعترف بقيمة الفرجوية في زمن يحفل بالعولمة. في حيث تعرف الحضور على فرقة سارة مولينا وهي تعرض ( Suhuf) حيث التجريب المسرحي الإسباني المتقدم.
باليوم الثاني احتُفِل بالكتاب المسرحي وشهدت قاعة فندق شالة مراسيم توقيع وتقديم كتاب: الكتابة المسرحية العربية وأسئلة ما بعد الكولونيالية لهشام بن الهاشمي وكذا توقيع مسرحية ليلة بيضاء لبوسرحان الزيتوني. بعد تم الانتقال إلى فن فرجوي أخر وهو الفيلم الوثائقي الموسوم ب: لسنا أرقام للفنانة المصرية مروة مهدي المغتربة بألمانيا والتي سجلت شهادات للاجئين عرب وحولتها لعرض مسرحي عن طريق الحكي الفردي للاجئات عربيات لفظتهن الحروب والقهر.
سجلت الدورة حضورا لافتا للفنانة المصرية حنان شوقي التي عبرت في مسرحيتها الفردية خط أحمر بالجامعة الأمريكية والتي عبرت عن ما يخالج قلب الفنان وقلب مصر المحروسة. بعدها قدمت فرقة داهاواسا(المغرب) عرضها التعبيري بلا سمية بقاعة متحف القصبة والذي ركز بشكل شبه كامل على الحركة والجسد والرقص متجنبا في أغلب الأحيان الحوارات التي تعارف عليها الكتاب المسرحيين. ثم قدمت فرقة Lormontaise (فرنسا) عرضها الفرنسي:”Je suis une femme,moi بقاعة جمعية تبادل والذي غاص في هموم الأنثى وتعمق في انكساراتها اليومية.
أما اليوم الثالث فاستُّهلَّ بتوقيع وتقيدم كتاب: حوارات في المسرح العربي لعبد الجبار خمران بفندق شالة،وكذا توقيع كتاب: من مسرح المثقافة إلى تناسخ ثقافات الفرجة والذي ترجمه الدكتور خالد أمين عن كتاب الألمانية إيريكا فيشر لسشته وهي من الأصوات المؤثرة في مجال دراسات الفرجة على المستوى الدولي كأستاذة للدراسات المسرحية ومديرة المعهد الدولي لتناسخ ثقافات الفرجة التابع للجامعة الحرة ببرلين. وبمتحف القصبة مساء التقى الجمهور المسرحي بعرض لفرقة تيفيوين(المغرب) تحت عنوان: بيريكولا وهو عرض باللغة الأمازيغية يخترق عوالم منسية. وبقاعة الجامعة الأمريكية تابع الجمهور عرضا فرديا(مونودراما) للمخرج المغربي المعروف نبيل لحلو والذي أدار الممثلة صوفيا هادي خلال عرض مقتبس من رواية لأربير كامو(La chute) والتي تحكي عن هموم وهواجس لقاضي تائب يداوم على بار مكسيكو سيتي،فنعيش انتكاساته وانتشاءاته وهلوسته على لسان امرأة لا تعرف نفسها هل ذكر أم أنثى بعد. أما بقاعة جمعية تبادل فلقد احتفل الحاضرين بعرض أخذ الكلمة لفرقة عبور(المغرب) حيث عبر بنا نحو تشابكات ركحية وفرجوية معاصرة.
أما في اليوم الأخير والختامي،فلقد قدمت نتائج لأشغال ورشة مختبر لاليش بمتحف القصبة،ونتائج أشغال ورشة الارتجال والحكي بمتحف القصبة فالحكاية وفنون الحكي هي المحتفى بها خلال كل مواد (الفنون المشهدية)بطنجة هذا العام. ثم اتجه جمهور المهرجان نحو الجامعة الأمريكية لمتابعة ومناقشة فيلمين: محمد شكري،و فيروز. ووقدم كتاب المرأة في المسرح لحليمة البخاري ونصا مسرحيا لأنس العاقل موسوم ب: جزيرة السلمون.
ثم التقى الحضور بقاعة متحف القصبة مع مسرحية الحريق لفرقة دوز تمسرح(المغرب،فرنسا) لقاسم محمد والتي مثلها الممثلان: المغربي: عبد الجبار خمران والعراقي:محمد سيف والذي قام بإخراجها.
وببهو فندق شالة قدمت الفنانة الإيرانية عرضها الإستعراضي Hippolyt III وهو برفورمونس فرجوي تجريبي يرتكز على الأسطورة وثنائية الحياة والموت ويعتمد تيمة إعادة حياة الأسطورة بأبعادها الفلسفية.
وقد رافق كل هذا ندوة طنجة المشهدية والتي سعت إلى متابعة اجتراح بعض التساؤلات الإشكالية المتعلقة بفنون الفرجة. موضوع الندوة هو شعار المهرجان: المنعطف السردي في المسرح،حيث بدأت العودة إلى فنون السرد في المسرح بعيدا عن مظاهر التسريد القصصي الملازم للواقعية الطبيعية. فنرى عودة السرد إلى المسرح عبر المونولوج الذي سبق الديالوج،لتزلزل وهم الدراما. ولقد قدمت أوراق لكتاب وفناني مغاربة وعرب وغربيين. من بينهم(شارك العشرات من الباحثين لا مجال لعرض كل أوراقهم هنا):
فحسن يوسف عاد للنبش في كتابات سعد الله ونوس بورقة موسومة ب: مساحات السرد وتحرير التخييل المسرحي في نص الأيام المخمورة لونوس والتي اعتمد فيها خصوصا على السرد وتحرير المتخيل المسرحي حيث عرفت كتابات سعد الله تحولا مغايرا في أخر أيام حياته فاقترن السرد بالدراما لديه. وقدم محمد أبو العلا عرضا تحت عنوان: المسرح والحكي: التفاعل والإزاحة حيث التراث يتصادم بخطاب حداثي،وبتسريد استراتيجي في المسرح. وقدم سعيد كريمي ورقة: السرد الممسرح لسنوات الجمر والرصاص بين اللعبي وبنيوب وهي كتابات فضحت ممارسات تغسفية تعرض لها اليسار المعارض،فالسرد (في النصين) دلالة تمرير خطاب مسرحي وفلسفة التسامح.
وقدمت خامسة علاوي من الجزائر ورقتها : نحو شعرية تأويلية لسردنة المسرح والتي وقفت خلالها عند تقاطعات الممارسة السردية والمسرح وبعض مظاهر النص الأدبي باعتماد مخطط متشابك،بأطراف الإقناع والتفعيل والتضليل.
وعرض بشرى السعيدي: سردية المونودراما،صمت له كلامه لعبد الرحمان بن زيدان نموذجا،حيث السرد يمثل طريقة للتعبير عما يخالج ذهن السارد والمعبرة بجمال الصياغة. فالخطاب المسرحي يعد حكيا ممسرحا.
وغاص عزالدين بونيت بعوالم الراحل الطيب الصديقي عبر بحث قدمه: من السردية إلى التمسرح في بساطات الطيب الصديقي والذي أطل على فنون سردية مختلفة وانفتح على الموروث العربي(المقامات) وعلى المحكي الشعبي المتشابك بفن الملحون المغربي.
وبعد الكلمة الختامية لإدارة المهرجان التي ثمنت الدعم الذي قدمته وزارة الثقافة وجامعة عبد الملك السعدي لمؤسسة الفرجة المنظمة. واعترفت بشجاعة ببعض الهفوات التي ستسعى لتجبنها والرقي بالفن والمسرح وأشكال الفرجة إلى ذوق إنساني عالمي تلتقي به وخلاله كل التجارب والألوان والجنسيات والنظريات. وخير ما تم الختم به عرضا مونودراميا للفنانة المصرية نورا أمين التي تعيش بألمانيا ووسمت عرضها ب: الإنبعاث. حيث قدمت لأرواح مذبحة المسرح بمصر والتي عرفها عهد مبارك البائد جراء التقصير في حماية أرواح أكثر من خمسين مسرحيا (منهم زوج الممثلة) والتي أشركت الجمهور في فقدها وأوقدت شموعا حزنا على هذا الفقد… هذا الغدر. لتتنهي فعاليات مهرجان الفنون المشهدية على وقع موعد مع النسخة الثالثة عشر باحتفالات أخرى بالفرجوي والحكائي بشكل ممتع وفني.