مهند هادي يستعرض الصراعات في العراق على خشبة المسرح في مسرحيته..”خلاف”
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
كتبت: مفيدة خليل
مسرح مولاي رشيد:
مسرحية: خلاف إخراج مهند هادي
الصراعات في العراق تنقل على الركح
يسكنهم الوطن أينما حلّوا، يحملون معهم ألمه واضطرابه وضبابية الرؤية في كثير من الأحيان، يتجولون في العالمين مثقلين بمشاكل العراق وحكاياته عبر التاريخ، عراق الحضارة والثقافة يتشرّبه أبنائه ومثقفيه ويقدمونه الى الآخر في شكل إبداعات فنية تتلوّن بتلون الوجع والامل أيضا.
ومهند هادي يحمل عراقه بين جنبات القلب دوما وأمام جمهور مسرح “مولاي رشيد” بالدار البيضاء قدم لجمهور مهرجان المسرح العربي في دورته الثالثة عشرة مسرحية “خلاف ” هي جزء من وجع عراقه، بطولة هيثم عبد الرزاق، سهى سالم، مرتضى حبيب، ومعهم علي عادل السعيدي، حسين أمير، علي صباح وأسامه خضر.
“خلاف” هو عنوان المسرحية، والعنوان عتبة العمل منه يدخل المتلقي لفهم الرسائل وتفكيك الشيفرات، “خلاف” بين الافكار والاجيال والرؤى، خلاف بين “الانا والاخر” بين المواطن والسلطة، بين اليمين واليسار، خلاف يكون ضحيته الانسان.
“امل” في المسرحية الشخصية المحورية، امراة، فكرة ووطن، اختار المخرج لعمله نصّ فرنسي، اعاد تطويعه ليصبح بنفس عراقي يرصد قصص الناس ويعيد تشكيلها على الركح.
“أمل” امرأة من حديد، شامخة لا تعرف معنى الياس او المستحيل، امل فكرة متمردة على الموجود دفعت الزوج والاب والدم ثمنا لنضالاتها، امل عراقية يسارية ترّبت على المقاومة، حفظت شعارات الرفيق جيفارا، التقطت ذاكرتها صور المقاومة اللبنانية، كانت راس الحزب وعنفوانه، امل احبّت في زمن الحرب، تركها الزوج وفي رحمها نطفة منه، علمته معنى الوطن، والثورة والحرية، زرعت في ابنها كل القيم الانسانية واليسارية وسمته “كاميلو” على اسم ابن جيفارا، في المسرحية ينقد المخرج معنى التوريث.
فأمل في النهاية لم تختر ان تكون يسارية ولا حزبية، والدها من زرع فيها كل تلك القيم، تشبهت به في لباسه، مشيته، حفظت شعاراته وخطبه وحضّرها لتكون مكانه، وهي ايضا لم تعط لابها الفرصة ليختار، فلا اسمه ولا دراسته واختصاصه ولا الشعارات والمظاهرات اختارها بل والدته من سطّرت له ذلك.
“امل” مسرحية مشحونة وجعا، الشخصية الرئيسية تعيش انفعالات نفسية مختلفة حد الجنون، تضحك وتبكي في الوقت ذاته، وبالسينوغرافيا يحمل المخرج جمهوره من مناخ درامي الى اخر، فالديكور متحرك، فقط الكرسي في مكانه، اما بقية عناصر الديكور والشبيه بالبيت او الفضاء المغلق تتحرك حسب الاحداث،فضاء مستطيل بستائر شفافة لينعكس عليها الضوء فيشاهد المتفرج ما يوجد داخلها، كانها عملية إسقاط على دواخل الانسان وما يفكر فيه ويشعر به من أحاسيس مختلفة.
تتصاعد احداث المسرحية باختفاء “كاميلو” يطلب من والدته الذهاب الى “اسطمبول” للاحتفال بعيد ميلاده، يسافران، يدخل البحر، يغيب ولا يعود، تعتقد الام ان ابنها “غرق” واصبحت تسمى ام الغريق، لكن تتداخل الأحداث وتختلف بوجود ضابط المخابرات في بيتها للتحقيق معها في حادثة اختفاء ابنها، الاضاءة الصفراء تقسم الركح الى أروقة صغيرة للدلالة على ضيق الحيز المكاني والالم النفسي الكبير لشخصية “الام”، الموسيقى ايضا تكون وسيلة لاكتشاف دواخل الشخصية ومدى يأسها، تعيش المراة هلوسات لترى ابنها غارقا في الوحل الاسود، هذا الوحل هو سواد داعش ورجالها.
فكاميلو الذي كبر وترعرع على الحزب واليسارية ونضالات جيفارا وقصة وبطولات جده في الحرب اللبنانية، قرر ان يختار طريقه ويرفض فكرة التوريث الفكري والقيمي، واختار “الايمان” بمن يدعون الى “الله” ويحاربون باسمه، اختار كاميلو “داعش” او “الوحل الاسود” كما تسميه امّه، اختيار زعزع كل مفاهيم “امل” المتمسكة بحق الانسان في الحياة.
تكشف المسرحية تورط الأنظمة ايضا في تسفير الشباب الى “داعش” فالاجهزة المخابراتية تعرف ان الشباب يسافر لاسطمبول ليلتحق بالمجاهدين “كنا نعرف ذلك، الشباب هو الوقود الجديد للأنظمة السياسية، لماذا نمنعهم، الجهل ثروة والتطرف ثروة ايضا” كما تقول شخصية رجل المخابرات.
في مسرحية “خلاف” يسائل مهند هادي الجميع، يسائل السلطة، والمجتمع والمنظومة الأخلاقية والام، فجميعهم متورط في تدجين “كاميلو” والكل مساهم في نفور الشباب من اوطانهم وبحثهم عن “وطن” اخر يعتقدون انه يحقق احلامهم.
العراق وطنه، العراق فكرته ورسالته الفنية التي يعمل عليها مهند هادي في مسرحياته، “خلاف” عمل مشحون بالغضب والياس والخوف وصور الدماء والقتلى، لكن العراق سينتصر حتما، واختيار اسم “امل” للشخصية المحورية لم يكن اعتباطا، فرغم كل المحن والصراعات المتعاقبة لا يزال هناك “امل” في العراق.