نص مسرحي قصير “زمـــــكان” للكاتب صفاء الجابري
المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص
ـ
مســرحية زمـــــكان
صفاء الجابري
الشخصيات
- المرأة
- الرجل
المكان غرفة قديمة ونافذة تطل على عالم غريب بالقرب من الشباك لوحة مرسوم عليها ملامح امرأة مسنة وستائر مطرزة بالورد الأحمر الداكن, يتوسط المسرح مائدة جلوس متواضعة عليها مفاتيح.
المرأة: نعم أذكر ذلك جيدا كنا نتكلم عن العصافير والأشجار,كم كانت رحلة جميلة. والناس كانوا قريبين منّا, أحدهم لا يبعد سوى نصف متر, لقد شاركنا الكلام, ضحكته دافئة وأسنانه بيضاء. وذلك الفستان الذي ترتديه تلك المرأة يبهر الأنظار كم هي تقليدية لا تبتسم كثيرا. فالسكون يحيط بنا من كل صوب.
الرجل: كل شيء سار بسرعة, ها قد كبرنا وربما لم نعد نتذكر تفاصيلاً أخرى.
المرأة: لم تشرب قهوتك أنت تحبها كذلك.
الرجل: سأشرب من كان يظن انكِ تسكنين في بيتنا القديم الذي غادرناه منذ زمن بعيد فأن بالكاد عثرت عليك حتى الناس في هذا الحي لا يعرفون انك تسكنين هنا لولا تلك المرأة هي التي ارشدتني.
المرأة: وأخيراً ألتقينا بعد غياب طويل فها نحن نجلس معاً, الآن ونشرب القهوة.
الرجل: ما هذه العتمة. يشعل المصباح على اليمين (يصبح المكان اكثر نورا) هكذا افضل.
الرجل: -حسنا إذن ينظر من الشباك- ذلك السلم الذي يتكئ على علية الجيران لم يتزحزح.
المرأة: والرجل المقعد يجلس على كرسيه القديم في باب الدار, وينظر الى الناس نظرة كلها حقد, ويتمنى ان لا يمشوا على ارجلهم.
الرجل: هل تزوجتي يا سفر؟
المرأة: -بثقة عالية- نعم. تزوجت برجل متواضع لا يحلم أحلاما كثيرة وينام مبكرا وهو لا يصدر شخيراً أثناء نومه.
الرجل: يضحك وبصوتٍ عالٍ, ومن الذي لا يصدر شخيراً إثناء نومه!
المرأة: -تستغرب- لِمَ تضحك؟!
الرجل: لا. لا شيء
الرجل: هذا البيت قديم جداً أهدته لك والدتي أ ليس كذلك؟
المرأة: اجل. كذلك.
الرجل: في وقتها كنا نرى انكِ تستحقين ما هو اكثر.
المرأة: علينا ان نقبل من الآخرين ما هو ليس بأيدينا لستر الحال ليس إلا.
الرجل: وهل لديك أبناء.؟
المرأة: -بثقة عالية- ولد وبنت.
الرجل: يريد أن يتكلم (تقاطعه).
المرأة: وكيف حال جزاء. لقد تزوجتما عن حب؟
الرجل: انفصلنا عن بعضنا. كانت رغبتنا ان لا يستمر هذا الزواج طويلاً, وهذا الذي حصل. اتفقنا على الطلاق رغم وجود طفلين بيننا. اقصد ابنين اثنين. لقد كبروا الآن.
المرأة: والحب؟!
الرجل: الحب لا يمكنه أن يستمر اذا كان مبنياً على الوهم. اقر انه لم يكن حباً بداً. جزاء ليست هي من كان يبعث لي تلك الرسائل. وانت تعرفين باقي قصة الرسائل التي كانت تصلني بين فترة واخرى وليست لجزاء. فالأخيرة لا يمكن لها ان تكتب مثل هذا الكلام. نعم هي جميلة جداً ولا زالت, الا اني ادركت ليس باستطاعتها كتابة سطر واحد مما قرأت. كلمات الحب والمشاعر والغرام. لا لا هي ليست من هذا النوع الذي يفكر ان يبعث برسالة واحدة
المرأة: كيف اكتشفت هذا؟ كنا نظن أننا سوف ننسى الماضي بكل ما فيه من ألم.
الرجل: الألم الحقيقي في هذه لحياة أن تعيش بالوهم لفترة ليست بقصيره من عمرك. حياتنا كانت مليئة بالأسرار, نتعامل بحذر مع كل ما من حولنا وننظر إلى بعضنا بشفقة.
المرأة: ربما وصلتَ متأخراً بعض الشيء وبقيت صامتاً طوال هذه الفترة. أتيت لتسأل عني في هذه الأزقة الميتة. ها انا اسكن في بيت قديم ومتهالك وسقف مهلهل ينفذ منه ماء المطر في الشتاء القادم بالمقابل انا راضية الرضا بما كتبه لي القدر لأن ليس هناك متسع للأحلام.
الرجل: أسئلة عالقة في ذهني, فوضى عارمة في داخلي الذي يقبع بالوجع, ولابد لي أن اعرف.
المرأة: كنت بعيدا جدا واتى بك الفضول لتسألني عن سنين قضت وولت. ففي مثل هذه المدن الميتة لا تشعر بأنك تعيش مع اناس هم من البشر فالحديث مع هؤلاء لا يمكن ان يكون حديثا عاديا. فهو لا يخلو من طرافة, وقد لا يخلو من جنون أيضاً.
الرجل: بهدوء, كم هو شعور سيء ان يعيش المرء وحيدا أسيراً لوساوسهِ وحديثه مع نفسه بعد ماضٍ صاخب متخم بالذكريات انظر الى كل الاماكن اجد ذكرى وعلى الجدران اجد تاريخاً لايعبء بمحبيه ولا يرحم ناقميه, في النهاية يجب ان يستقر المرأ على رأي يقنعه بكل ما حصل.
المرأة: انت محق الانسان في هذه الازمنة اعتاد انت يجد الحلول الجاهزة والمعلبة, لا يعبأ بكل ما يدور من حوله, لا يحرك ساكنا يسعى ليجد من يفكر بدلا عنا ومواقفنا الغريبة مع انفسنا ومع الآخرين تجبرنا ان ننصاع ضمن ما هو معروف عنا عنّا بأننا لا نحترم الوقت ونستدرج أنفسنا نحو الهزيمة.
الرجل: أنتِ تعرفينني كنتِ اقرب الناس مني هل اجد تفسيرا مقنعا لذلك ها؟
المرأة: نعم كنت رفيقتك في المنزل وفي الحفلات التي يقيمها والدك. الذي كان ينظر الى حذائي اكثر من وجهي والدك ذو الطباع الغريبة صديق زهرة الخشخاش التي في الحديقة وهو من كان يظن نفسه لفترة ما مديرا لجمعية المحاربين القدامى وواحد من مخططي الانقلاب الفاشل الذي قمعته الحكومة في صيف احدى السنين, ثنائية القدر المسكين لعبت دورا لا بأس به نحو استمالة ابيك لنفسه ليصيح ثورياً مجنون.
الرجل: أبي؟!
المرأة: ابي أبي كفى لا تزال تحلم ان لك ابٌ. لست على صواب. ابوك كان رجلاً مجنوناً كان نباتياً ومن الصعب إقناعه في شيء.
الرجل: أبي كان عشابا يطيل الجلوس في الحديقة نعم وهذا ليس شيئاً ملفتاً اذا كنت انت ترين عكس ذلك أحب أبي واعشقه لأنه كان يعبر عن ما يكمن في نفسه بسرعة كبيرة, وقد يبدو ذلك غريبا الا انه والدي.
المرأة: ارى انه كان مدمناً ويهذي كثيراً ويرى نفسه فوق السحاب لا يشعر بالآخرين انانيا صرفاً وطريقة وفاته اوحت لي الكثير عن شخصيته الغامضة وموته في المرحاض القديم المهجور لم يجعله مسكينا في نظري وبقائي في البيت بعد موت والدتك في حضن ابيك وهي مبتسمه كأن الحياة قد انشطرت اعترف إني عانيت كثيراً من ذلك لقربها منّي وتعتبرني مثل ابنتها, لكنها لم تتبناني, واكتفت ان ابقى خادمة وأداة لترويضك فقط.
الرجل: تنظرين إلى الحياة من نافذة خلفية ولم تتعبي نفسك في فهم الآخرين وفي أعماقك حقد دفين لا يمكن ان تنسيه.
المرأة: وفي الأخير انا امرأة وحيدة, ليس لي احد ليرعاني لم انسَ هذا صدقني, لكن لدي كلام اود البوح به ولو لمرة واحدة كي لا الوم نفسي كثيراً.
الرجل: للأسف, كل ما قلته كان صادما لي. ولا اعرف كيف ان اعبر عن دهشتي بكل ما تفوهتِ به
المرأة: مجيئك اليوم ليس غريبا بالنسبة لي. لكنه سيكشف لك حقيقة والديك غريبي الأطوار, امك على دراية تامة بالقصة. وهي من سعت بكل جهدها لفعل ذلك. انت حر اذا كنت لا تريد ان تصدق او لا. فهذا شأنك انت. فهم لا يرون انك ذلك الانسان الذي يصيب في اختياراته او يعتمد عليك في كل شيء كالطفل الصغير.
الرجل: انت من كنت تكتبين كل تلك الرسائل الرطبة التي تتدفق عشقاً وتفيض بالإخلاص حدثيني لأفهم فقط؟!
المرأة: -تضحك ضحكة طويلة- شاكر ليس كل ما تراه, قد يكون مثاليا ولك ان تنظر مدى تطابق اقوالنا مع افعالنا, المسافة بينهما بعيدة جدا كالمسافة بين المدينة والبلدة ولهفتك لمعرفة كل تفاصيل تلك المرحلة قد لا يعجبك فهذه الحياة مليئة بالبساتين الكاذبة, كنت خادمة, هي قريبتي اليك اكثر واكثر, جعلتني احلم, اتكبر, فرشت ريشي كالطاووس. دخلت عالم ليس لي دون استئذان. سمعت دقات قلبك. بحثت عنها وجدتها فيك يال المفاجئة. كنت اصحو في الصباح مسرعة لارافق رجلا معي في ذات البيت في الليل يمزق ثيابه ويحرق كتبه ويغني اغنية مبهمة لم اسمعها من قبل.
الرجل: أنت امرأة مجنونة.
المرأة: نعم انا مجنونة, بصقت نفسي مرتين في المرأة. ومشيت بكعب مكسور وسقطت ثلاث مرات من اعلى السلم. لكن في النهاية الرسائل وصلت اليك. لقد قرأتها. وهنا انتهى دوري واكملت جزاء باقي القصة.
الرجل: انت من كتبت كل تلك الرسائل الملتهبة. عشق على نار زرقاء. وشتاء حار اشعله الحب ورمش عينيك سقط على كتفي. ارجع بألواني فقد رحلت معك هاتني. أليس كذلك؟.
المرأة: -بصت عالٍ- لا ليس هذا فقط هناك في الدرج رسائل لم تصل اليك.
الرجل: -يصرخ- سوف أقرأها.
المرأة: -تقف أمامه لتمنعه- لقد فات الأوان لم يعد لها اي فائدة غسلها المطر.
الرجل: لم افهم.
المرأة: ألم اقل لك انه يزورني كل سنة؟
الرجل: من؟
المرأة: المطر.
الرجل: يفتح الدرج يجد رسائلاً يأخذ احداها ويقرأها بصوت متقطع كنت دائما انظر الى عينيك فمنها عرفت أنني احبك.
المرأة: بعض الذكريات بقيت مركونة. نعم ربما سننساها غدا.
الرجل: كأنه لا يوجد في هذا لمكان غيرنا ما هذا الصوت كأنه الآذان؟!
المرأة: لا زلت تسمع أصواتاً غريبة؟.
الرجل: كفى لا أريد ان اسمع المزيد كفى كفى.
المرأة: -تكلم نفسها- انا كفراشة بلا اجنحة عاشقة خرساء شجرة بلا حلم. انا انانية متطفلة -بصوت عال- نعم بعثت كلل تلك الرسائل. انا من كتبت كل تلك عبارات الغرام في بيت ميت.
الرجل: الأشرار والطيبون في كل مكان.
المرأة: -متعبة- في مكان ما وزمان ما. -تتكلم بطريقة جديدة- كم كنت تبدو لطيفاً معي انقلبت الامور كلها ضدنا. ولا يمكن لنا ان نقول كل ما نرى. بدأنا نفقد الثقة ببعضنا, وبكل ماهو حولنا -تلتفت الى شاكر- شاكر عليك ان تغادر هذا المكان فلا ورود في هذه المدينة ولا اشجار ولا عصافير ارحل أرحل.
الرجل: (يهم بالمغادرة)
المرأة: شاكر ألا زلت تعاني وسواسا قهريا. شاكر هل تعلم ان قلبك في الجهة اليمنى من صدرك انا لست متزوجة الى هذه اللحظة. اشعر وكأنني مهزومة.
الرجل: اعلم… وليس لديك أبناء. اعلم انك مغرمة بي ومعذبة عليك ان تعيشي كما انتِ أتمنى ان تكون قد ارتحتِ الآن. الوداع ياسفر.
المرأة: شاكر لا تنسَ, للزمان والمكان رائحة لا تنسَ تذكرني دائما… –تتكلم لوحدها- سيدتي أنجزت كل عملي سوف اذهب إلى غرفتي أطفأت نور الشرفة الخلفية, وسقيت وردة الشاي كما قلتِ لي.