ننشر كتاب “توبة الثعلب” 4 مسرحيات للطفل ( 3ـ 4) نص: الثعلب “الذي خدع نفسه” للكاتب السوري أحمد اسماعيل اسماعيل
المسرح نيوز ـ القاهرة| مسرح طفل
ـ
الثعلب الذي خدع نفسه
(المنظر عبارة عن تل يشرف على سهل أخضر رحب، فوق التل صخرة كبيرة يختبئ خلفها
الثعلب وهو يسترق النظرات إلى السهل، تمر لحظات يدخل بعدها ذئب هزيل الجسم )
الذئب : عووو..
الثعلب : (يجفل) أهذا أنت أيها الذئب العجوز ؟
الذئب : هل أخفتك ؟
الثعلب : (مكابرا ) لا.لا. لم أخفْ .
الذئب : لكنك جفلت، وشحب لونك .
الثعلب : ظننتك ذئباً أخر.
الذئب : ذئباً شاباً وقوياً ؟ أليس كذالك؟
الثعلب : (بضيق ) أف أيها العجوز، دعني أنفذ المهمة التي أمرني بها ملك الغابة
(يعود الثعلب إلى مراقبة السهل )
الذئب : ( باستغراب ) ماذا قلت، مهمة ؟! لا شكَّ أنها مهمة خطرة!
الثعلب : (بغرور ) نعم، هي كذلك .
الذئب : وما هي ؟
الثعلب : هذا سر.
الذئب : وهل توجد أسرار بين الأصدقاء ؟
الثعلب : ( وهو يراقب، يخاطب نفسه ) أوشكت الشمس على المغيب، ولم أشاهد جملاً أو حملاً.
الذئب : الآن فهمت .
الثعلب : ماذا فهمت ؟
الذئب : إنك تنتظر فريسة ما ؟
الثعلب : نعم .
الذئب : وعندما تشاهدها ستنادي الملك لينقض عليها .
(الثعلب يصمت في حيرة)
الذئب : لماذا لا تجيب ؟
الثعلب : ماذا أقول ؟
الذئب : قل : إنك نطقت الصواب أيها الذئب الفهمان .
الثعلب : (بضيق) هل تعرف ما هو الصواب أيها العجوز؟
الذئب : (بسرور) ما هو يا صديقي ؟
الثعلب : أن أنادي الملك لينقض عليك ويفترسك بدلاً من الفريسة التي أنتظرها .
الذئب : (برعب ) لا حاجة لذلك يا صديقي، سأصمت، سأصمت تماماً.
(يصمت وقد كمُّ فمه بيده )
الثعلب : بل يجب أن تذهب من هنا أيضاً، وفي الحال .
الذئب : لماذا ؟
الثعلب : (ينادي) أيها..
الذئب : (بخوف، يكمُّ فم الثعلب ) سأذهب، سأذهب في الحال يا صديقي .
(يخرج الذئب. الثعلب يضحك بانتشاء. ثم يعود إلى مراقبة السهل، يحملق فجأة
في السهل )
الثعلب : ما هذا ؟! ماذا أرى ؟ إنه..إنه ثور، بل ثوران. يالها من وليمة !!
(ينادي الأسد ) يا سيدي، أيها الملك ، يا سيد الغابة المعظم .
(يدخل الأسد مزمجراُ، يقاطع الثعلب )
الأسد : ما هذا العواء المنكر أيها الصعلوك ؟
الثعلب : غنيمة يا سيدي، وليمة فاخرة .
الأسد : (بسرور ) وليمة ؟ أين هي ؟
الثعلب : في السهل يا سيدي، هناك في السهل .
(يلقي الأسد نظرة إلى السهل فيزمجر مسروراُ بما يراه )
الأسد : ( يزأر) أيها الثعلب .
الثعلب : نعم سيدي .
الأسد : انظر إلى عيني .
(ينظر الثعلب بخوف إلى عيني الأسد ) قلْ لي :كيف تراهما ؟
الثعلب : محمرتين يا سيدي ، إنهما محمرتان كجمرتين متقدتين .
الأسد : (يزأر ) وفمي..كيف تراه ؟
الثعلب : جميل يا سيدي ، إنه أجمل فم رأيته .
الأسد : (بغضب ) لم أسألك عن جماله أيها الصعلوك .
الثعلب : ( بحيرة وخوف) إنه ..إنه رائع يا سيدي الجميل .
الأسد : (بانفعال) أعرف ذلك أيها الأحمق، ولكن قل لي :هل فمي يرغي ويزبد ؟
( يزداد خوف الثعلب وهو يرى فم الأسد يرغي ويزبد )
الثعلب : نعم، نعم يا سيدي ،إنه يغبد ويزرب..(يستدرك) يرغي ويزبد.
الأسد : (يزأر ) وصدري . كيف تراه ؟
الثعلب : جميل يا سيدي، جميل وقوي يا سيدي القائد .
الأسد : هل يعلو ويهبط كموج البحر ؟
الثعلب : ماذا ؟!!
(يحملق في صدر الأسد الهائج بخوف زائد فيصمت مرعوباُ )
الأسد : تكلم أيها الجبان، قل ماذا ترى ؟
الثعلب : أرى .. أرى موج بحر هائج يعلو ويهبط ..يهبط ويعلو يا سيدي الثائر.
الأسد : (يزأر) الآن أصبح بإمكاني الانقضاض على الثيران بسهولة ويسر، وتمزيقها شر تمزيق.
( يزأر الأسد ويهبط الوادي بسرعة فائقة )
الثعلب : (لنفسه، باستغراب ) ما أسهل فعل ذلك وأيسره ؟!
( يقلد حركات الأسد ، يسمع زئير الأسد ، فيتابع ما يحدث في الوادي )
يا إلهي! الثيران المذعورة تفر كالفئران، أحد الثيران ينطح الملك ، يا للهول، الملك يسقط، غير معقول !! (بسرور ) ها هو ذا يهب واقفاُ، يزأر، يلطم الثور، يسقط الثور على الأرض، يهرب الثور الآخر، عظيم، عظيم يا سيدي، عاش الملك ، عاش الملك الملهم الفذ..(لنفسه) إنه بعيد عني، ولن يسمع صوتي وأنا أهتف له . سأهبط لأهتف أمامه.
(يهبط إلى الوادي وهو يعوي ويهتف ) عاش الملك..عااااش .
(يتغير المنظر، يظهر الثعلب جالسا ًيفكر. بعد لحظات يدخل الذئب العجوز، يرى الثعلب يحدث نفسه ويقوم ببعض الأفعال والحركات الغربية )
الذئب : لاشك أن صديقي العزيز يخطط لتنفيذ حيلة ماكرة .
( الثعلب لا يلتفت ناحية الذئب )
( بخبث ) هل هي مهمة خطيرة كالمهمة السابقة ؟
( الثعلب لا يجيب ، بل يستمر في أداء حركاته الإيمائية )
( وبعد تفكير ) لكن الملوك لا يحتاجون إلى الحيلة لتحقيق ما يصبون إليه .
الثعلب : (باستغراب ، وقد انتبه إلى وجود الذئب) ماذا قلت ؟
الذئب : قلت : إن الملوك لا يحتاجون إلى الحيلة لتحقيق ما يصبون إليه .
الثعلب : لماذا ؟
الذئب : لأنهم ملوك، قوتهم تكفيهم .
الثعلب : ( بغرور العارف ) أنت مخطئ يا صديقي العجوز.
الذئب : لماذا ؟
الثعلب : لأن الحيلة أساس قوتهم .
الذئب : كيف ؟! لم أفهم شيئاً مما قلته .
الثعلب : ببساطة شديدة جداً جداً. لقد عرفت كيف أستأسد، تعلمت هذا الفن. وسأفترس الحيوانات القوية كما أفترس الدجاج والأرانب.
الذئب : ( باستغراب ) كيف ؟!
الثعلب : (بغرور ) هذا سرٌّ أيها العجوز .
الذئب : سر ؟ !! هل توجد أسرار بين الأصدقاء؟
الثعلب : (بضيق ) وهل تريد أن يمزقك الملك ؟ (يعوي )
الذئب : لا .لا. سأبتعد . سأبتعد ( يخرج الذئب )
الثعلب : (لنفسه ) والآن ، من سيراقب لي السهل ؟ هل أراقبه بنفسي (يفكر) لا.لا. هذا لا يجوز. فأنا الملك.. ولابدَّ من أن يناديني أحدهم : أيها الملك المعظم، يا سيد الغابة ( يفكر ) لماذا لم أطلب من الذئب القيام بهذه المهمة ( يفكر ) يُفضل أن أقبض على ديك أو أرنب و أحضره عنوة إلى هنا. ليؤدي هذه المهمة. هذا أفضل. وحين يرى حيواناً ما. سينادي: أيها الملك، يا سيدي المعظم ..
( يفرك يديه بسرور. ثم يعود. يخرج )
( يتغير المنظر، يظهر أرنب خلف الصخرة الموجودة أعلى التل يسترق النظرات القلقة الخائفة إلى السهل . يطل الثعلب برأسه بين الحين والأخر)
الثعلب : ( يهمس ) لماذا لا تناديني أيها الأرنب الغبي ؟
الأرنب : لم أر أي حيوان أيها الثعلب .
الثعلب : ( بحنق ) نادني بالملك المعظم يا غبي، ألم أوصك بذلك ؟
الأرنب : (بخوف ) حاضر، يا ..أيها الملك المعظم .
الثعلب : ( وهو يتوارى خلف الصخرة ) لا تنسَ ذلك .
الأرنب : حاضر يا سيدي .
(تمر لحظات من الترقب، يطل الثعلب برأسه مرات عديدة )
الثعلب : هل مرّ أحد ؟
الأرنب : لا يا سيدي
الثعلب : تابع المراقبة جيداً .
الأرنب : حاضر يا سيدي .
( يختفي الثعلب خلف الصخرة . الأرنب يحدث نفسه و هو يراقب السهل) أمر هذا الثعلب عجيب. انقض عليَّ فظننته سيفترسني. فإذا به يطلب مني أن أراقب هذا السهل. (ينظر إلى السماء ) أوشكت الشمس على المغيب ولم يقع بصري على أي حيوان (بخوف ) يا إلهي. ماذا أفعل؟ إذا حل المساء ولم يجد فريسة فسيأكلني (بعد لحظات. بفرح ) ماذا أرى؟ إنه أرنب. سأناديه (يمعن النظر في السهل. بفرح زائد ) يا للفرصة الذهبية. إنه أرنوب؛ عدوي. لقد وقعت أيها الغشيم .
(ينادي الثعلب ) أيها الثعلب.(يطل الثعلب برأسه غاضباً)
الثعلب : أنا الملك أيها الغبي : ملك الغابة المعظم .
الأرنب : أيها الملك المعظم .
الثعلب : ماذا تريد ؟ ما هذا العواء المنكر أيها الصعلوك؟
الأرنب : ( يتردد) هناك .. هنا..هناك .
الثعلب : تكلم أيها الأحمق .
الأرنب : ( لنفسه ) إني أحمق فعلاً .
الثعلب : تكلم أيها الجبان .
الأرنب : لا. لاشيء يا سيدي الملك. لا شيء.
الثعلب : لا شيء! ولماذا ناديتني؟
الأرنب : توهمت أنني رأيت أرنباً .
الثعلب : ( باحتقار ) أرنباً ؟!
الأرنب : أقصد حصاناً يا سيدي الملك .
الثعلب : انظر جيداً ( يتوارى خلف الصخرة )
الأرنب : حاضر يا سيدي الملك ( لنفسه ) أية حماقة كنت سأرتكب، بل خيانة، خيانة واحد من أبناء جلدتي، أف .
( يعود إلى مراقبة السهل . بعد لحظات من المراقبة ينادي بصوت عال ) أيها الثعلب . أيها الملك العظيم .
الثعلب : (يهرع نحوه) ما هذا العواء المنكر أيها الصعلوك ؟
الأرنب : (باستغراب ) أنا لم أعو يا سيدي ، بل ..
الثعلب : (بحنق ) هيا تكلم . قل إنها غنيمة يا سيدي . وليمة فاخرة .
الأرنب : غنيمة يا سيدي ، وليمة فاخرة .
الثعلب : أين هي ؟
الأرنب : في السهل يا سيدي . في السهل .
( ينظر الثعلب إلى السهل . يعوي مسروراً )
الثعلب : ( يعوي ) أيها الثعلب .
( الأرنب يتلفت حواليه باستغراب وخوف )
الثعلب : ( بحنق ) لماذا تتلفت حواليك هكذا أيها الأجدب ؟
الأرنب : أين الثعلب الذي خاطبته يا سيدي ؟!
الثعلب : أنت هو .
الأرنب : أنا ؟!
الثعلب : نعم . قل : أمرك يا سيدي .
الأرنب : ( بخوف) أمرك يا سيدي .
الثعلب : انظر إلى عيني .
( ينظر الأرنب إلى عيني الثعلب )
كيف تراهما ؟
الأرنب : إنهما صافيتان كعيني الديك يا سيدي .
الثعلب : ( يعوي ) قل : إنهما محمرتان كجمرتين متقدتين .
الأرنب : ( وقد استبد به الهلع ) إنهما محمرتان كجمرتين متقدتين يا سيدي .
الثعلب : (يعوي ) وفمي ؟
الأرنب : رائحته عطرة كالمسك والجزر يا سيدي .
الثعلب : (بغضب ) لم أسألك عن جماله أيها الصعلوك. أقصد عن رائحته .
الأرنب : إنه جميل يا سيدي .
الثعلب : (بغضب شديد ) قلْ إنه يرغي ويزبد .
الأرنب : إنه. إنه يرغي ويزبد يا سيدي.
الثعلب : ( يعوي ) وصدري.كيف تراه ؟
الأرنب : إنه جميل يا سيدي .
( الثعلب يعوي)
أقصد أنه يعلو ويهبط. يهبط ويعلو كموج بحر هائج يا سيدي الثائر.
الثعلب : (يعوي ) لقد أصبح في مقدوري الانقضاض على هذا الثور بسهولة ويسر، وتمزيقه شر تمزيق.
(يهبط السهل، يعلو عواؤه ، فيتابع الأرنب ما يحدث في الأسفل)
الأرنب : ( بحماس ) إنه يحوم حول الحمار، يهجم عليه، لقد رفسه الحمار، الثعلب يسقط. الحمار يدنو منه، يا إلهي. الحمار يرفسه ثانية (بحماس أكثر ) الثعلب يتمدد على الأرض جثة هامدة. عا.. عاش الحمار ويسقط الثعلب.
(ينط الأرنب ويرقص فرحاً.. يشاهد الذئب العجوز وهو يدنو منه، فيهرب)
(يتغير المنظر . يظهر الذئب العجوز إلى جانب الثعلب الجريح )
الذئب : فمك يرغي ويزبد يا صاحبي .
الثعلب : (بألم وسرور ) عظيم . وعيناي، كيف تراهما ؟
الذئب : عيناك حمراوان كجمرتين متقدتين .
الثعلب : عظيم . وصدري ؟
الذئب : ما به ؟
الثعلب : ألا يعلو و يهبط كموج هائج ؟
الذئب : بلى يا صاحبي .
الثعلب : ( بسعادة وهو يتألم ) هذا يعني أنني صرت أسداً ؟
الذئب : ( بسخرية ) بل هذا يعني أنك تحتضر. وقد تموت الآن أيها الثعلب المخدوع، والواهم .
( يتحسس الثعلب جسده . يتألم . يبكي وهو يرى الذئب يعوي مكشراً عن أنيابه)
النهاية