ننشر مسرحية “الكادود” تأليف الكاتب العراقي.. عبدالخالق كريم
المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص
ـ
مسرحية الكادود
تأليف : عبدالخالق كريم
عربة حصان على خشبة المسرح ، المرأة في الخمسين من عمرها نائمة وهي تجلس القرفصاء ، نسمع ضربات قلب بشري متوالية .. من خارج المسرح نسمع صوت صهيل قادم من البعيد ، يتصاعد قليلا قليلا يرافقه تصاعد مع ضربات القلب .. صمت .. ضربات القلب تستمر بالتواتر والتصاعد ثم صوت صهيل مرتفع جداً، تقفز المرأة من نومتها وهي تشهق وتصرخ
المرأة : | كادود .. اين انت ؟ أين |
( تبحث في الارجاء وهي تصيح به ) | |
( تقف .. صمت ) | |
حلم ، أيضا حلم ، فارقتني وتركت حلم عودتك يحاصرني ، كل حين نفسي تخدع نفسي بصوت منك ، حلم ؟ | |
( تهز رأسها وتركض باحثة في الارجاء ) | |
لا ، ليس حلم إنه أنت ، أنت كادود ، لا ، لا اصدق انك انت ، انت دون سواك من يهجرني ، ليس حلماً ، إنه أنت | |
مهراً صغيراً ارضعتك ، ويداي تمسك بقماشة تحايلت كي اجعلها كما ثدي بين يدي يرويك كي تغادر اول العثار | |
قفزت امامك كالمجنونة كي اجعلك تقفز دون ان تلوي قوائمك الايام | |
تتركني أنا ؟ | |
أتتركني لحلمي بعودتك الي وما تعود ؟ | |
ليس أنا ؟ ليس أنا فقط بل حتى السماء تعجز أن تصدق ما أنا فيه ، | |
لا ، لن اناديك ؟ ليس بعد الآن ، تأتي أو لا تأتي لا فرق | |
سأمزق كل شيء | |
لن نجتمع أبداً لا أريد حلم يخادعني بلقاء مللت إنتظاره | |
لا أريد | |
( تفرق اجزاء العربة على خشبة المسرح وكأنها تمزقها الى أجزاء ) | |
لا أريد | |
( تنهار على الخشبة ، يتدلى رأسها ، تتصاعد ضربات القلب ، تفز وهي تنهض واقفة ) | |
لا ، لن أنام | |
سأغلق عيناي في وجه النوم كي لا يخادعني حلم أتوهم فيه مجيئك إلي ، لن أتوهم ، لا ، لن أنام ، سأفعل | |
( تدور في المسرح ) | |
سأفعل ، أفعل ، أفعل | |
( تقف ثم بحزن عميق ) | |
أفعل ماذا ؟ ومن أجل من ؟ | |
ما عاد منهم أحد هنا | |
( ترفع يديها أمام ناظريها ، تنظر إليها ثم تنهار بالبكاء والصراخ وتضرب يديها وهي تدور على اجزاء العربة المنتشرة المبعثرة على خشبة المسرح ) | |
ما عادوا هنا ما عادوا هنا | |
لا شيء سوى يداي المضرجتان بدمهما والعويل ، لا شيء سوى جريمتي وأنا واطياف وجهيهما المرعوبة من جنون تمكن مني حتى … حتى قتلتهما | |
( تقف تنتبه الى نفسها ، تمسح يديها بعباءتها المؤتزرة بها ) | |
لا لا لم أقتل أحد أحداً ، كابوس مرعب | |
لم أقتل أحد أحداً | |
سأصحو ، بعد حين سأصحو وأضمهم إلي | |
آه يا لشوق روحي الى كل روحي ، لم أقتلهم .. أبني أبنتي ؟ هل يعقل هذا ؟ لا لم أقتلهم ، يجب أن أنام لأستفيق من كابوسي هذا | |
سأنام ، أنام كي أصحو ، أنام ، أنام | |
( تجلس القرفصاء عند احد اركان المسرح تضع رأسها بين ركبتيها وتغطي رأسها بيديها ) | |
أنام | |
( صوت صهيل وفي ذات اللحظة تنهض صارخة ) | |
لا ، لاتصهل في رأسي | |
( تجوب ارجاء المسرح وهي تصرخ ) | |
اللعنة كيف أنفيك مني كيف ؟ | |
( تقف وسط المسرح وهي ترفع كفيها في السماء ) | |
نعم قتلتهما .. انا قتلتهما وملأ كفي دمهما ، إنظر هاهما مضرجتان بالدم ، بدمهما ( الليدي مكبث) | |
هل سمعت أنا قتلتهما ولن انتظر عودتك إلي | |
إياك أن تعود وإلا فإني سأخنق صهيلك بيدي | |
لن أنتظرك ، أنتظر من ؟ ولأجل من ؟ | |
ودم الكل ملأ كفي | |
( تصرخ ) | |
أنا قتلتهما | |
( تنزل يديها ببطء ، وبصوت منكسر ) | |
لا ، لم أقتلهم ، أنت تعرف ذلك كادود ، انت تعرف ، لم اقتلهم | |
لكنهم قتلوهم بِيَدَيْ ، أجل قتلوهم بِيَدَيْ | |
حين فقدت الرشد ، قتلوهم بِيَدَيْ | |
بل حين رفضت التوقيع على ورقة أبيع بموجبها قطعة ارضي المطلة على البحر قتلوهم بيدي ، انا الغبية امام مكيدة تمكنت من يداي يدي لاقتل بها ولدَيْ | |
(تضرب العربة بيديها) أنا من قتلهم ، أنا ، أنا | |
( تلف جسدها بيديها وتتكور وهي تجلس على الارض ) | |
يقولون أن الجحيم نار متقدة | |
لماذا جحيمي انا برد حد ارتجاف النخاع | |
برد ، آه يا لبرد روحي ، موحش هو نبضي المحاصر بموت النبض فيهما | |
كادود أين صهيلك | |
تعال ( تجوب المسرح وكأنها تستجدي أحدهم بالحضور الحضور من احدهم) تعال ، وهماً حلماً كابوساً ، تعال لا تتركني لوحشة وحدتي دونكم | |
اعرف إني أغضبتك | |
أغضبتك كثيراً ولكن لا تتركني وحيدة فأنا في وحدتي أجهل حتى سبيلي الى الموت | |
تعال ، إترك غضبك وتعال كن عوناً كن موتاً لافرق | |
فقط تعال تعال فحسب ، لم أعتد حياتي دون وجودكم فيها | |
أريد أن أسمع ، هيا ، اسمعني صهيلك | |
ها ، أين أين أين صهيلك كادود | |
لا ، إياك إياك أن تتركني وحدي | |
لقد تمكن مني جحيم البرد دونكم ، تعال كادود ، كادود ، اسمعني صهيلك ، اين انت ؟ كن كابوسي واطرد وحدتي عني | |
لاتتركني وحدي | |
( تنهار على الارض ) ( ثم تحدث نفسها وهي تتمتم بالكلمات ) | |
( تضحك بمرارة .. بصوت خافت ثم ترتفع ضحكتها شيئاً فشيئاً ) | |
أنادي من ؟ | |
كم ناديت الذي سبقك ولم يأتي | |
أيام وليال طويلة | |
نذرت روحي قربان خطوته إلينا | |
ولم يأتي | |
ترك في حضني طفلة صغيرة ، وطفل تواً إستقام دون عثار طفولته | |
تركهم ، تركنا ورحل | |
بل هناك قتلوه | |
قال رفاقه إنه تحايل على الشظايا والرصاص | |
كان يقفز من ربية الى اخرى ومن ساتر الى آخر ينام في خندق ويزحف في الآخر يجري مسرعاً كي يبقي روحه في جسده وهو يختبأ يختبئ خلف بقية درع متفحم تحايل وتحايل وتحايل عَلَ الموت يؤجل موعده معه حتى يلتقينا ، ولكن ، لم يستطع ان يغير مسار رصاصة تمكنت من ان تكون اول موته ، تركنا هنا وظل هناك ، لا شاهد قبر لا بقية منه كي نبكيه ، هناك ، هناك مات وحيداً ، في الحرب الجميع يهاجر الى وحدته رغماً عنه ، لم يأتي | |
ولن تأتي ، لن تأتي أعرف إنك لن تأتي ، ولكن | |
( تتدارك ) | |
لا ، ستأتي ، كما المرة الأولى ستأتي أيضا في الثانية أيضا | |
أنت هبة السماء إلي ، مد الله بحيرة الملح امامي أجمعها كل يوم بلورات بيضاء ملح الغيرة أملأ به بيوت الديرة | |
ما كنت لاستطيع أن أفعل ذلك وأجمع قوت اليوم لو قوائمك التي تسجب عربتي أمام الابواب في كل الشوارع والدروب وصوتي يعلو يخترق الابواب والجدران ملح الديرة ملح الغيرة | |
ما كنت لأفعل ذلك دونك | |
حين سرق الساتر روح أبونا أبينا | |
وهبتنا السماء أنت لتطوف بي حيث رغيف خبز وستر العيال | |
ستأتي وإلا فإني سأقبر بهذه الورقة حين لا أجد مفراً من التوقيع عليها نعم كادود لا مفر من التوقيع عليها | |
أذكر إن كل شيء بدء بتوقيع ، ورقة واحدة حين رفضناها توالت علينا كل هذه المصائب حتى صارت اليوم هذه الورقة الواحدة هي القاتل وهي الملاذ ، الكل يريد قطعة الارض التي تستقر اقدامنا عليها كي نعرف إنا في وطن ، الكل كادود الكل صار كما الواحد والواحد صار الكل لا شيء يريدوه إلا قطعة أرض لطالما كانت وطن وطناً ، الكل يريدها كادود | |
( تمزق مجموعة من الاوراق المبعثرةثم تبعثرها على المسرح ) | |
لكن لا .. لن اوقع ، سيأتي الكادود سيأتي لن يتركني وحيدة أمام هذه الورقة الذي تريد إغترابي في البعيد ، سيأتي | |
( تجري في جوانب المسرح ) | |
تعال ، تعال إلي ، لا تتركني تحت كل هذا القصف وحدي | |
ملجأي أنت وأنت ملاذي والعالم فوهة مدفع تستهدفني أشلاء
( تصرخ بصوت عال جداً وكأنها ملت المناداة والتوسل حد الغضب ) |
|
كادود ( صمت ) | |
هل تذكر حين حاصرتنا القذائف ونحن في حقل الملح نجمع قوت يومنا ، أنا وأنت وهما | |
كنا نترقبه معاً ، نترقبه أن يجف كي نجمعه | |
ونجوب به المدينة والقرية | |
( وكأنها تنادي الناس وهي معتلية العربة ) | |
ملح الديرة ملح الغيرة | |
ملح الديرة ملح الغيرة | |
كنا نأمل ولكن وأنا أجمع حقل الله الابيض | |
حاصرتنا القذائف من كل مكان | |
هنا وهنا وهناك في كل مكان | |
لم أعرف ساعتها أين أفر بهما | |
اللعنه ، أين المفر ، سيقتلان ولداي سيقتلان ، القذائف من كل مكان وانت ، انت تقف أمامي | |
جاعلاً من جسدك ستراً وساتراً لي ولطفلي | |
دون وعي مني حفرت في تلة الملح الابيض حفرة كبيرة ودفنتهم فيها | |
لملمت من الارض كل ما تركه البحر من بلوره الابيض لملمت كل الغيرة على الارض لتعلو بها التلة ويكونا بأمان | |
ولكن ، ما هذا كادود ، ما هذا الخيط الاحمر الذي صبغ تلتي ملاذي ساتري ، إنه ، إنه دم ، دم | |
لا .. لا | |
( وكأنها تحفر في التلة ) | |
لا .. لا ، ولدي ، ابنتي ، فاضل فضيلة | |
ماما فاضل ، ماما فضيلة | |
فاضل .. فاضل ولدي | |
من أين من أين جاءت هذه الشظية لتستقر في رأسك | |
سبحت تلتنا البيضاء بدمه الفائر | |
اذكر عيناه عينيه وهي تنظر ألي ، صار يبكي على لبكائي | |
وكنت انت تحفر الارض بحوافرك تحفزني كي أصعد العربة | |
لم أكن أملك رأساً تستطيع أن تفكر وصارت كل عيناي عيني دمع دمعاً | |
صرخت بي أخته الصغرى وهي تصعد العربة ماما لنأخذه الى المشفى | |
كنت أظمه ألى صدري مرعوبة من جرح رأسه الذي لا يتوقف نزيفه | |
فضيلة من أمسكت بلجامك | |
لتشق بصدرك ريح شظايا وقصف اعمى | |
وعرة صارت الطرقات
وأنت أنت من يقفز بالعربة على مسار الريح دون مسار الطريق |
|
عندها آمنت ان للرب مسارات أخرى لا نبصرها | |
كان القصف يشتد والقذائف تطاردنا وأنت ، أنت كادود من راوغ الموت حتى أعياه دون ان تمكنه منا | |
نعم أنت كادود أنت من أعيا الموت دوننا | |
وهناك | |
كنت تصهل في الباب كمن يترجى يرتجي خبراً في باب المشفى | |
هناك كان القدر يرسم لنا وجهة أخرى | |
( تبحث في الارجاء بين الاشياء المتناثرة ، حتى تخرج صورة أشعة قديمة لرأس بشري ) | |
الشظية استقرت في الرأس وليس بالإمكان المساس بها | |
هكذا قال الطبيب ، الشظية استقرت بالرأس | |
وحيث استقرت صارت الحياة لحظة إضطراب نتوقعها كل حين | |
سيكون بحاجة إلى إنبولة أمبولة كل شهر وإلا | |
توقف نبضي حين توقف الطبيب عن الكلام | |
وإلا ما ذا ؟ | |
سيموت ؟ | |
لن يموت ، قال الطبيب ولكنه قد يكون شخص آخر | |
سيصاب بحالة انفصام بالشخصية دون هذه الانبولة | |
لن يعرفك لن يعرف أحد بل ، قد يتوهمكم اعداء له | |
( ترفع الأشعة أمام عينيها ) | |
لكنها صغيرة ، صغيرة جداً | |
كل هذا بسبب هذه الشظية الصغيرة التي بالكاد ان اراها | |
ولدي ، فاضل يتخيلنا أعداء أعداءاً ، ولدي يخطأ يخطئ في محبتي إليه
ولدي يظل يضل سبيله إلَيْ |
|
بسبب هذه التي بحجم حبة العدس ، كيف يمكن للشيطان أن يسكن حبة العدس هذه ، كيف تمكن منا وهو بهذا الحجم بهذا الصغير ، ضئيل أنت فكيف تمكنت منا ، ولماذا أيتها اللعنة | |
لماذا ؟ | |
( تحدث الشظية ) | |
لماذا اخترت رأساً لم تعرف بعد كيف تضع راءاً بين حرفي الحب لتكتب حرباً | |
ما كان يملك بكفه سبابة تجيد رقصة الموت مع زناد | |
ما كان يعرف أن يكره كان يضحك حين يجوع ظناً منه إننا نداعبه بأصابعنا كي يضحك | |
لم يعرف بعد معنى ان يهدد أحد
أو أن يهدده شيء حتى الجوع |
|
كان يقاسم الملائكة رغيف برائتها | |
لماذا ؟ لماذا | |
عشرون سنة مضت | |
عشرون سنة وأنا حبيسة سؤال واحد ، سؤال لم يغادرني ولم أجد السبيل لمغادرته ، كل يوم وكلما تعمدت النظر اليك يجتاحني ذات السؤال ، لماذا ؟ | |
( تنتبه الى نفسها ) | |
لا أدري ربما كي نصل الى هنا | |
الى ما وصلنا إليه | |
الى ما أنا فيه من رعب في الصحو | |
ورعب حين اغفو | |
ربما كي يجتمع برد الارض ويلفني إليه | |
حتى وإن كانت شمس الله في متناول كفي | |
باردة روحي حين نوم | |
باردة هي حين أصحو | |
عشرون سنة مضت وأنا أجمع ملح الأرض | |
من أجل إنبولة يبقى ليبقى فيها فاضل أبني دون أن تهزمه تلك الشظية في رأسه الى نسيان ينكرني فيه | |
عشرون عام عاماً أنا وأنت كادود | |
نتوسل ثدي الارض بأن يدر بين يدي ملحاً | |
كي أظل أنا في رأس فاضل
وتظل فضيلة إخته |
|
ويظل البيت والعتبة وسقفه في رأسه | |
كم كنت أُرعب اذا نسي شيء شيئاً | |
يرتجف جسمي كالزورق في عاتيات الموج
إذا ما نسي فاضل شيء كباقي الخلق |
|
كنت أخاف ، أخاف ان ينسى شيء فيضيع من رأسه كل شيء | |
أن يبصرنا برأس لسنا فيه | |
لهذا كنت أجاهد كي اجمع ثمن انبولة هي الأغلى | |
أبيع من المدخرات حين لا يمنحنا الملح كامل غيرته ويتركنا في عوز | |
لم أنسى يوم أنس يوماً، لم أنسى أبدا خوفي من ان ينسى أو يتألم | |
فقط ذات مرة | |
نعم ، ذات مرة تذكرت في الساعات الاخيرة | |
فطويت الارض بقدمي وأنا أقصد المدينة من أجل إنبولة أخاف ضياع الدنيا دونها ، وحين عدت | |
كان كل اهل الديرة امام الباب
البعض يرمي الكادود بالحجارة البعض يحاول ان يمسكه البعض يريد ان يتسلل من الجدار وحيداً كان هنا وكل الديرة تحاول وكان ستري ، شهر حافريه بوجه الكل حتى منعهم من الوصول الى عتبة البيت |
|
حين دخلت كانت فضيلة منهكة القوى | |
متعبة وتضع جسدها المتعب على باب غرفة حجزت فيها اخيها فاضل كي لا يخرج للشارع دون رأسه فيوصم بالجنون أبداً | |
حضنتها وصرت واياها نستقبل ضربات الباب الموصد على جسدينا | |
لقد فارقه رأسه والانبولة في يدي | |
بقينا هكذا حتى تمزق الباب وجسدينا وحتى انهكت قواه | |
حين اغمى عليه لم يفق الا على ابتسامتنا وكأن شيئاً لم يحدث | |
لكنه حين نظر الى جسد أخته والكدمات عليه | |
أنهال دمعه ، بقي أياما حبيس غرفته والدمع | |
تلك كانت المرة الوحيدة التي تأخرت الانبولة عن موعدها وأقسمت اني لن أتأخر ثانية مهما كلفني الامر | |
هل تذكر كادود ، كيف لا | |
كيف لا تذكر وقد أخذت نصيبك من الحجر | |
لقد كان الملح مر | |
نعم الملح مر ما عاد ملح الغيرة | |
نعم لطالما كان الملح مر .. ولكني أنا تناسيت أو نسيت أو إن الغباء تمكن مني فقتلتهما معاً | |
( تتدارك ) | |
لا .. لا لم اقتلهم ، بل قتلوهم بيدي | |
كم كان قلبي أعمى | |
وكم كان قلبك يبصر ما لا نراه | |
وحدك لا تخطأ في الحق | |
أجل وحدك كادود ، وحدك لا تخطأ في الحق | |
يومها كنا أنا أنت | |
أنا وأنت فقط ، شمس الله تشهد على إنا كنا نجمع غيرة الإرض في ملحها كي ينصفنا الناس وننصفهم | |
وحدنا كنا في البساط الابيض الممتد أمامنا | |
وكلانا كان ينظر فيه إنبولة ورغيف خبز لا غير | |
ما كنا نطمع بأكثر | |
رأس كنا نسعى كي نبعدها عن حرب نائمة فيها | |
ورغيف نتقاسمه حتى ينظر الله فينا | |
يا ويلي ، يا ويلي | |
كم كان قلبي أعمى | |
وكم كنت بصيراً ياكادود | |
فجأة
( تقف وهي متوترة وتترقب ) إهتزت الأرض تحت قدمي |
|
ما هذا ؟ أهي حرب أخرى ، أهو قصف من جديد | |
ما بها الارض تهتز
( تلتفت الى الوراء ) كادود ، ما بك لماذا تضرب الأرض بحافريك أهدء ما بك ؟
ـــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
أهدء إهدأ ، ما بك كادود |
|
كان صهيلك يعلو وحوافرك تحفر الارض
وعيناك ، للمرة الأولى أرى الدمع في عينيك |
|
وأنا قلبي أعمى لايبصر ما تبصر | |
تقف أمام العربة وتمسك اللجام بأسنانك وتضعه بيدي | |
ماذا ؟ ما بك ؟ | |
لماذا تنزل الى الأرض
هل تريد ان أضع لجامك |
|
يا ألهي ما ذا يحدث ؟ | |
( تعتلي العربة ، نسمع صوت حوافر فرس وهي تطوي الارض مع صوت ريح عاصف ) | |
أنتظر لم اركب بعد | |
ولكن أنت فقط وحدك كنت تسمع صراخهم من بعيد | |
كادود لم أركب أهدء | |
وكنت تسابق الريح كما ليس كل مره | |
احاول ان أسحب اللجام | |
وتتجاهل نزف فمك وما تبطأ تبطيء | |
اللعنة كادود ما بك ؟ | |
اللعنة ما بك ؟ توقف | |
( تصرخ بأعلى صوتها ) | |
بل اللعنة عليٌ ، ملعون قلبي الذي ينبأني ينبؤني | |
ملعونة أنا ملعونة أنا التي ما رف قلبها لمصيبتها | |
وقلبك من كاد ينفجر | |
( تصرخ وهي مازالت ممسكة باللجام فوق عربتها ) | |
كادود ، مابك ؟ | |
خبرني مابك ؟ | |
( تقف مذهولة لحظات وكأنها تحت تأثير حدث صاعق ) | |
ما هذا ؟ اللعنة ما هذا | |
لم استطع ان اشق صف صفوف الناس كي اصل | |
هل تذكر كادود | |
ما ان التفت اليك حتى فروا من صهيلك ومن حوافرك التي تتوعدهم بالضرب | |
( صوت صهيل مع ضجيج اصوات بشرية ) | |
ولكن .. ياويلي .. يا ويلي ماهذا فاضل ولدي من فعل بك هذا ؟ | |
( تصرخ بصوت عال وكأنها تصرخ بجمهرة من الناس ) | |
من فعل هذا ؟ | |
من فعل بولدي هذا ؟ | |
( تجمد بمكانها ) | |
ها ، ماذا ؟ | |
( تريد ان تتهاوى على الارض ) | |
لا .. مستحيل | |
فاضل ؟! فضيلة ؟! مستحيل | |
لم يحن أوان انبولته بعد ، لم يمض سوى اسبوع واحد | |
ما الذي تقولوه تقولون ؟ مستحيل | |
أصدق كل شيء إلا هذا | |
فاضل ؟ | |
فاضل لايخطئ في الشرف دربه | |
فاضل كان يريد الاعتداء على أخته ؟ على فضيلة | |
( تضحك وهي رافضة الفكرة مع هستيرية مكتومة ، ثم تصرخ بهم ) | |
مستحيل ، لا لا لا | |
كذب وأفتراء ، إلا ولدي | |
( تستدير وهي تصرخ ) | |
فضيلة ، أين أنت ؟ فضيلة ؟ أين تختبئين | |
أخرجي الآن لتصرخي في وجوههم ، فضيلة | |
( تلتفت الى الجهة الاخرى ) | |
ماذا ؟ هربت ؟ ولماذا ؟ لماذا تهرب | |
ها ؟! لا ليس ولدي | |
فضيلة ، فضيلة أين أنت تعالي | |
أخرجي الآن وكذبي هؤلاء الحثالة | |
( تبحث في الارجاء وكأنها تبحث في الغرف ) | |
فضيلة ؟ أين انت ؟ أين أخرجي ؟ أخرجي الآن ، فضيلة ، لماذا ؟ لماذا تهربين ؟ | |
( تلتفت بعصبية وعنف ) | |
لا ، اللعنة عليكم ، لم اطعمهم الا من عرق الجبين | |
ولم ازرع فيهم الا الغيرة | |
من أين لنا بكل هذه الرذيلة | |
اللعنة ، اللعنة عليكم | |
( صمت ، ثم بهدوء وهي تحدث نفسها ) | |
أيعقل هذا ؟ ها ؟! | |
هل يمكن لكل هذا الاثم أن يحدث هنا | |
هنا في بيتي أنا | |
( تسير بخطى متعبة تجلس قرب العربة تمسك بشئ تضعه في حضنها وكأنها تضع رأس أبنها ) | |
فاضل ، ماما فاضل | |
لا ادري من أين امسك بك وكلك جراح | |
فاضل ولدي هل حقاً | |
أعرف انك لم تفعل ، ولكن هل هجرك رأسك حتى صرت لاتعرف من انت فتوهمت وأخطأت | |
حدثني ، أخبرني ماما | |
أعرف إنك فاضل بكل شيء | |
ولكن ربما غدرت بك تلك التي ادمنت وجودها في رأسك
ربما توهمت ، أو هي اوهمتك |
|
فاضل ، حدثني ، لم انت صامت | |
تحدث إلي ، | |
( بعصبية وحدة ) | |
تحدث إلي ، ملعون من أرضعك وأطعمك ومن سهر الليل على انينك حتى تغفو في حجره | |
ملعون من رءاك رأك وسمعك | |
ملعون من لامست خطاه خطاك | |
ومن جاع حتى اشبعك | |
فاضل ، حدثني أخبرني ، قل لي شيء شيئاً، أي شيء | |
مافائدة الدمع ولسانك معقود بالرذيلة | |
( بهدوء تمسح على ما تتوهمه ابنها ) | |
لاتستطيع أن تقول شيء ، أعرف ، إني أرى ، أرى جسدك المثخن بالجراح أرى جسدك النازف ، لقد تمكنوا منك برجمك بالحجارة حتى ماعدت قادر على ان تقول شيء | |
أعرف ، ألمك كبير | |
ما أنت إلا جرح ، جرح مفتوح لن يندمل يوماً ولن يشفى | |
أعرف بني ، أعرف ذلك | |
سترتاح ، أعدك إنك سترتاح | |
ستنام وتهدء وتنسى كل شيء | |
تعبت ، أدري ، تعبت ياولدي ، تعبت في دنياك كثيراً ، كانت حياتك | |
تعباً ليس إلا | |
ستنام ، أعدك انك ستنام ، | |
( ترفع رأس تتوهمه رأس أبنها وتضربه بالعربة ) | |
سترتاح ، ترتاح ، نم ، نم نومتك الأبدية هيا نم | |
( يرتفع صوت الصهيل مع صوتها ) | |
لا تصهل ، لن يخذلني عزيز | |
ولن اربي رذيلة دون ان أقبرها بيدي | |
لا تصهل | |
نم يا ولدي نم | |
( كأنها تبحث في رأس المتفجر بين يديها ، وتخرج الشظية ) | |
هذه ، هذه هي من اوهمتك هذه هي اللعنة | |
صغيرة حين تأتي ولكنها مصائب لا تنتهي حين تلازمنا ، هذه التي ارهقتك وارهقتني | |
هذه التي هزمتك وهزمتني | |
كم صغير هو الانسان المهزوم بلعنة هذا حجمها | |
كم صغير | |
( تتلفت حولها ) ( يرتفع صوت الصهيل ) | |
فضيلة ؟ أين أنت ؟ أين فضيلة ؟ | |
كف عن الصهيل وإلا | |
( تتراجع مرعوبة ) | |
ماذا ، كادود | |
هل تريد ان تضربني بحافريك كادود | |
ليس الآن ، دعني اغسل ماتبقى من رجس ألبسوني إياه وأقبرني حينها | |
( صوت الصهيل يبتعد ) | |
كادود الى أين ؟ أين تذهب | |
( تظل تدور كالمحمومة ) | |
فضيلة ، فضيلة أين أنت ، أين أنت فضيلة | |
( تقع مغشياً عليها ، صمت ، ثم بهدوء ) | |
لا أدري كم ساعة ، كم ليلة ، كم نهار أغشي عليّ | |
كان الصمت كصمت القبور | |
الليل لبس سكينة الموتى | |
والدهر توقف ولكن | |
( تضع رأسها على الأرض وتنصت ) | |
الارض تهتز ، بداية زلزال ، بركان | |
نعم ، لابد ان تهتز الارض بعد كل ما حدث لا بد من زلزال لاتستقيم الحياة ومثل هذه الرذيلة | |
إنها تهتز ، تهتز | |
( يرتفع صوت حوافر صاخبة قادمة من بعيد ترتفع شيئا فشئ ، تنهض من مكانها ) | |
اعرف ان دنيا الصمت هذه حبلى بعاصفة ، انها تهتز ، الارض تهتز أنها النهاية ، ما عادت السماء تتحمل جريمتنا على الارض ، هي تهتز | |
( فجأة مع ارتفاع صوت الحوافر ، يرتفع الصهيل ) | |
كادود ؟ نعم إنه كادود وها هي ها هي فضيلة تعتلي سرجه وبيدها مشعل تقفز جدارهم وتقف في منتف البيت وتناديني | |
أمي أخي ما كان الا أخي | |
ولكل هم به انتخي | |
أخي ما نسي أنه اخي | |
ولكن طمعو بالارض دون جورتنا فجاروا علينا | |
وكما ذاقو طيبنا نذيقهم جحيمنا ، | |
فضيلة ، ابنتي فضيلة | |
أبتعدي عن النار أبتعدي فضيلة ، فضيلة | |
أتركني كادود لاتقف حاجزا بيني وبينها ، اتركني ، النار تلتهمها | |
النار تلتهما ، فضيلة | |
( تبرك وسط المسرح ) | |
أخي ما كان الا أخي | |
لكن قلبي لم يكن هو قلبي | |
قتلوهم بيدي ، حين فقدت الرشد كبرت اللعنة حتى صارت اكبر من ان تسعها ارض ، قتلوهم بيدي ، فضيلة احرقت كل شيء واحترقت وفاضل يداي معفرة ملوثتان بدمه | |
وانت ، اناديك فلا تأتي ، كادود | |
( تغفو لحظات ، صوت الصهيل من بعيد ) | |
كادود اشرقت شمس الله وانت غائب | |
( يتساقط عليها الورق من اعلى ) | |
بدل ورقة البيع صارت اوراق | |
الكل يريد الارض دوننا | |
لكن لا ، لا لن أبيع ، لسنا للبيع | |
تعال كادود دونك الكل يريد الارض دوننا | |
( تلملم الاوراق من الارض ) | |
هذا وهذا وهذا الكل كادود | |
( تقف في منتصف المسرح ) | |
لكن لا لن لست للبيع | |
( تضع الرسن على كتفيها واللجام في فمها ) | |
الكادود هنا ، وهنا سنبقى | |
لن ابيع ( تسحب العربة وهي تصهل ) | |
لن ابيع نحن هنا وهنا سنبقى | |
( تصهل وهي تسحب العربة )
إظلام |
|
عبدالخالق كريم |