ننشر نص “عازف المطر” للكاتب العراقي منير راضي العبودي
المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص
ـ
مسرحية
( عازف المطر )
(منفيون بنعش واسع)
تأليف
منير راضي العبودي
بيئة المكان** (زمن ما – المكان ليس له حدود )
( باحة بيت صغير يدل على قدم طرازه, حيطان متهالكة , يتوسط البيت حوض
ماء ذات صنبور تندلق منه قطرات ماء متقطعة وشجرة سدره يابسه ذات اغصان
متشابكه , غرفة متهالكة وحمام ومطبخ عتيق على جوانب الباحة
,ليل معتم وصفير ريح وزخات مطر تضرب بقوة ,تخرج الزوجة من الغرفة
وبيدها فانوس مضاء ملتحفه بردائها الاسود, منشورة الشعر وقد بان لون وجهها
الشاحب رغم الوان الزينة الرديئة التي وضعتها, ثم تمشي بخطوات ثقيلة)
الزوجة :- (ضوء البرق المتقطع يضيء هامتها بين لحظة واخرى) من الطارق في
هذا الليل , ام هي الريح تعوي بنذور زوجات مجرى الدم المسفوح في سوح العدم
( تستدرك نفسها ) مالك يا مرأة وهذا العويل الم يرجع فحلك, اليس هو
الان من يتوسد فراشك الذي غادره منذ دهور,
ألست القائلة ,, إن ندف الثلج يذوب بوهج القلب ورعشة اللقاء ,, أأندب حضي أم
انوح لموت تلك الرعشة ,, روعك يا مرأة, روعك ( اصوات أنين من داخل الغرفة) يا ويلي عليه, انه يتمتم في يقظته ومنامه, ولكن
,بعض الاحيان العقول تغشى قبل العيون,, آه يا وجعي ما اطول فجيعتي بك ,
لقد غادرني كل شيء منذ رحيلك لساحات الهلاك والخيبة الا من تجليات ليلة
وداعك ورحيلك ,,منذ زمن بعيد وانا اطرد كل روائح الرجال التي تحوم حول بيتك (تحدث نفسها )
دعك من هذا البؤس وابعدي عنك هذا النحس ,واتركي كل الخيبات, احترسي عند كلامك معه,, فقد شاخ معوله واخذت منه الحروب فحولته وعنفوان شبابه,,,
فاحترسي عندما يعيد وضع ميزان الفجر(مازال المطر ينهمر ويصاحبه صوت عصافير الصباح يصاحبه ضباب شتائي) ها هو الصبح قد تنفس ,,
لقد سأمت من صندوق الصباحات المقيتة , اريد عودة الروح في فسحة الصحو هذا ( ترمي وشاحها , وتضع فانوس
الضوء على اغصان الشجرة,, وتذهب تفتح صنبور الماء وتدلك وجهها بالماء بقوة
وهي تنتحب , يخرج الزوج برأسه من الغرفة وهو مازال ببدلته العسكرية الرثة )
الزوج:- شاخت نظارتك ويبس عودك ( الزوجة تهلع وتنتصب بجسمها من سماعها هذه الجملة, ثم يخرج ليتجه
نحو الشجرة وهو يتفحص اغصانها) شاخ كل ما فيك ,( الزوجة تتدارك الموقف,)
الزوجة :- الا أنا , فمازال ماء الورد يتنفس فراشك, اتذكر تلك الليلة قبل رحيلك,
الزوج:- كان جمار قلبك يثمر ويزهر زغاريد تتلوى فوق اغصانك
الزوجة:- نعم كنت تلتحف جسدي مع اغصان هذه
الشجرة, قلت لي حينها ,, فتشي عني بين اغصانها فستجدين نثيث روحي ممطرة
بين ذراعيك,, ( بفرح ) فقد كنت افعل هذا كل يوم,, ( بغنج ) فتنتابني تلك الحميه المذبوحة على الرمضاء,,
الزوج :- ( وهو ممسك بالشجرة وهو يدور حولها ) ما هذا,, اين حياءك ايها الخجل, أي عهر هذا,,, ما عهدتك هكذا, انك تنزعين لحاء عفتك الان
الزوجة:- (تتحرك اليه وهو يدور حول الشجرة وهي تتبعه بالدوران ) عفتي وحمرة وجهي لن يضيء الا في محرابك, انا لا اتجمل بل اغدو كريح السفن التي تخفوا على منارات التيه في خضم بحرك الضائع
الزوج :- لن أنشب الفأس العقور في بطون القبور رغم انها تفور,, ( يتكلم مع الشجرة وكأنه يتأهب للمعركة ) سأخرج برأسي الان لهم ,, ( يلوح بيده ) انا هنا ,, انا هنا, يا رفاق الجراح ,, إياك ان تسدد رميتك هنا ,, اجب, اجب
الزوجة :- ( وهي تلوح بيدها له من جهة الشجرة المقابلة وتصرخ به ) ولكننا نحن هنا , هم هالكون ونحن باقون, اقفز من تابوت المنيه وتعال فقد جف
ملح القطيعة , أنظر إلي , أنظر إلي ,, (تسرع في دورانها مع تصاعد البرق وصوت المطر)
الزوج:- لا مهرب, فقد وضعوا تحتنا منيه وفوقنا المنيه شاخصه
الزوجة:- إن الروح تجلي إليك في كل حين , منذ دهر لم تتلمس روحك دربي
الزوج :- (كأنه يرد على احدهم) انها معادلة خاسرة , عليك ان لا تطلق النار على عويل ناحب , اجب ,هنا السفينة وانا ربانها فقد افرغتها من اشرعة الطغاة, اجب, اجب …..
الزوجة:- (تهيج بنفسها و ترمي بوشاحها في الهواء) منذ دهر وهذا الجسد الملتهب ينتظر غضبك , اغضب, اغضب ولكن بلا معول حفاري القبور,,
الزوج :- ( يرفع الفانوس الضوئي وكأنه فنار السواحل ) انا هنا , انا هنا , ايها
الرفاق فوق التل , تحت التل, ارفعوا السارية حتى اراكم, فما عاد للوقت من
متسع , اشعر ان ساحة حربي بدأت تتآكل شيئا فشيئا,, ( يمسك بأحد الاغصان )
الزوجة:- وهنا جراحاتنا ضيم لا ينقطع فقد اضرموا فيها سعير لا يهدأ
الزوج:- (يتقدم بغضب )وهذا الرشاش هو الان من يتحكم بأصابعنا حيث ما يحب ان يغدو ( وهو في وضع تصويب نحو الزوجة ) اجب يامن هناك, اجب
الزوجة :- ( تشبك بيديها على قمة راسها وهي تتقدم نحو مخدعها نائحه ) هل اصبحت فرس عقور يدور بحبل الناعور ,, سنين وسنين وانا انتظر, فما زال صوت الناعي يقطر فينا وجعا
الزوج :- ( يحتمي بالشجرة وكأنه في لب المعركة ممسكا بجهاز المناداة ) سيدي
,سيدي, أنهم قادمون , انهم يتحركون, ارسلوا التعزيزات , انهم يزحفون نحوي
وانا الوحيد الناجي, نعم وحدي الان ,ماذا,, اين الموقع,, ها موقعي , موقعي الان
خلف كتيبة اعداماتكم , عفوا سيدي, قصدي, صفر على الشمال صفر على
الجنوب, أتسمعني, الاخرون اصبحوا رماد,, اجب, اجب , انهم قادمون, انهم قادمون
الزوجة :- ( صارخة بحرقه ) دعك من اوهامهم , دعك من سراب الساتر ..
(تضرب باب المخدع بيدها ) أفق , أفق, أفق,, ( تدفع باب المخدع فينفتح وتخرج
حزمة ضوء ممزوجة بدخان احمر كثيف ) في مخدعي ماتت الرحمة بسوط
الانتظار,, تعال, فما زالت حروبك هنا تضج بهزيع الليل الدافئ, لاتثير فينا اوجاع لا تسكت بعد الان
الزوج:- لا تبعثر الاصفار وتقول لي انتظر, اننا قادمون, تعالوا خذوني حيث ما
شئتم حتى لو كان قاع الجحيم فليس فرق هنا او ها هناك, فقد اصبحت الارض كلها من دمع هتون , هنا انكسر رقاص الساعة فتاه العقرب في حواشي الدروب
الزوجة: (وكأنها في لب المعركة ايضا) بل في مخدعي لا تتيه, لقد تزاحمت كل المساءات الرمادية لتنهش عفة وسادتك فكنت ادفع بتلك الانياب والمخالب
بشهقة اللقاء لتستنهض وحشة الليل عني, ( تتقرب اليه وهو
مازال ينظر بمنظاره العسكري) دعني اخفف عنك حمل ادرانهم وآثامهم , تعال لتهجع سويعة من فورة هذه الكوارث ,, تعال أغيثك في نسائم الروح
الزوج :- ( يستدار بناظوره نحوها ) صفر على الجنوب, اجب, ( يتقدم نحوها )
صفر على الشمال , اجب, ( صارخا ) وانت تتحدث عن الرحمة ومازال دخان
بنادقهم في صدري ,( يمزق قميصه من صدره) خيانة,, انها الخيانة ,,
الزوجة:- هنا في مهجعك, لا مكان للخيانة ولن ادعك في حيرتك وحيدا تتلظى بنار الفقد, ودعنا نبحث عن ضوء يفتح فيه اقفال تواريخهم البائسة
0الزوج:- ( هائج الروح) ها انت تبحث عن العلاقة بين ال( ب)
وال (ح) لقد شحت عناقيد الوجد عندي ,, وحشة الليل, فورة الدم ,, أتهجع ايها
القلب لهذه الخيانة ,, ( يتحرك نحو الزوجة ويسلمها فانوس الضوء وهو متجهم
الوجه ) قالوا لي, لا ترجع, فهناك , لا دفء ولا ضوء لك وعراء قاحل
الزوجة :- (وهي بحالة ذهول)اخرج من بطون الحيات و تعال الى مخدعك
الزوج 🙁 ينزع قميصه ويضعه فوق رأسه ) تبا لرجولة بلا موضع ورشاش وساتر خائن
الزوجة :- قد تمتلئ المواضع بضحايا الغدر, عندما يموت الرشاش واقفا, حينها ينتهي كل شيء
الزوج :- لا ,لا (يمسك برأسه ويتلوى) فقط عندما تنتكس الخوذة يكون ذلك ,
فحينها يصفر بوق النهاية,, ثم ينزف الدم من جوف الحيرة وتتمزق اشلاء المنطق , انها الخيانة, بل الغدر
الزوجة:- ان عقلك كومة حزن مسبي ا لمراثي,, اخرج من سبي جن المواضع واؤده في جدران مخدعك ألمكلوم بك وحطم مرايا التيجان والنياشين
الزوج :- ( يستدار نحو المخدع ثم يتفحصه بالمنظار ويتقدم ببطء ) إذا لم يكن من
الموت بُد,, فمن العيب ان تموت جبانا, سأقتحم الساتر واسلاكه الشائكة واحفر
خندق طويل لالتقاء الاصفار ( يتقدم نحو المخدع بحذر بوضعية القتال ويدخل )
الزوجة:- الى متى تبقى اسير النكوص والركود ومرض الانقياد,, ( تضرب على
باب المخدع المغلق ) الى متى , الى متى,( الظلام يلف باحة البيت )
0الزوج- 🙁 من داخل المخدع صارخا) ابتعد ايها الامس, ابتعد ايها الوجع , فلا وقت عندي كي اغني لسكارى العيون,, فمازلنا بين هروب واختباء
الزوجة :- (تمسك بباب المخدع) ايها المجلود بالضياع,, لقد كنت اول شوط بحياتي ,وملاذا الف به صوتي, انت الان تغدو في رمق شوطي الاخير, انها ساعة الحساب
الزوج:- ( وهو يصول ويجول في المخدع ) الزموا الصمت جميعا , الان بدأت
ساعة شغلي, في يدي رمح بطول الاغتراب , انا لست اهتم بمن كان معي ام ضدي
ليس اهتم ان بكت عني العيون دموع او دماء, فالحداد لا يليق بالفقراء, اسكت انت
اما انت فأشح بوجهك عني,, وانت, نعم انت ايها المسخ, انزل رأسك بصمت,, أنتم شياطين انقلابات وحروب, ونحن نحصد الويل والثبور بلا حصون
أنتم شياطين الثروة ونحن حفاة الثورة, وغدونا بين مصلوب ومطلوب
الزوجة :- ( ترثي نفسها ) كان همي واحدا , ان اسبق الموت للقاء بك, فهتف بي
هاتف, اني مت حد الانتظار, وها انت الان بقايا من رماد وشظايا انفجار
الزوج :- (كأنه يصرخ بأحدهم ) اعترافات كاذبة كعزاء على بطاقات الاعراس, كنا
كقطيع انعام نحمل نعشنا قسرا, وانت الان تعرب عن تعازيكم لنا وفينا, (صوت
صفعات متكررة من داخل المخدع) انفرط كل شيء الان , كنا نغرق في كل يوم
بساقية الدم, منفيون بنعش واسع للموت( صوت بوق الحرب من الداخل)
الزوجة :- تركتني في زمن القبض على الجمر وسكة قطار بلا محطات ينوح فيه الليل مأثوم بغدر المسافات, ولكني ما زلت احلم بورود الفراشات
الزوج:- أتسمعون, أتسمع (يصفع احدهم) وتقول لي اننا قادمون فلا تهلع
الزوجة :-, تركتني في مدينة عند كل ساعة فيها يجهض طفلا, ويسلب مهدا
الزوج:- هل سمعت ( يصفع احدهم) جميع البيوت في المدينة تملاها العناكب ,وانتم بجلباب السلطان تنعمون
الزوجة :- وهنا في كل ناصية وركن, كفن وصورة وتابوت, انتكست عدت
رايات الا راية بيتك بقيت بيضاء الطهر,
الزوج :- (نسمع صوت بوق الحرب من الداخل, ثم يفتح الباب ونرى الزوج يحتضن كرسي, وبوق يتدلى على صدره, وعلى كل كتف من جسمه كرسي ويتجه نحو الجمهور في حالة هيستريا يصاحبه اضاءة باهته وموسيقى مناسبة )
من سنين ونحن كرقاص الساعة ,( يضع ظهر الكرسي باتجاه
الجمهور) ضرب في يمين الهامة( يضع الكرسي بجانب الاول يمين )
الزوجة:- من العار ان تطلب الرحمة من قلوب غادرتها نزاهة الروح
الزوج :- وضرب في يسار الهامة ( يضع الكرسي بجانب الاول من اليسار)
حتى دقت اجراس الطاعة في حرب ولاة الامر( يؤدي التحية بسخرية ) ماذا, ماذا ( يمسك بالكرسي ويطرحه الارض كمن يجهز على رجل )
اي نصر تتحدث عنه ايها الجزار الذي لا يميز بين جثة
عارية وجيفة مكتسيه ,( يمسك بالكرسي الثاني ويطرحه ارضا), سأقلب تاريخ الزمن هنا حتى اكشف عن سكين الراعي, اين ذخيرتكم , اين المتراس
بل قلي اين الناس ,اين العفة والزيجات ,, لقد عقرتم سيوف الرجال
الزوجة :- انتكست عدت رايات الا راية بيتك بقيت بيضاء الطهر, كنت اغسل في كل ليلة من جسدي زاوية حتى لا اسقط في المعصية, كنت اعصر الايام عصرا حتى لا يموت الانتظار
الزوج : -( وهو يدور حول الكراسي ) انت, بل انت , لا, بل انت, اجب , من نحن
وما نحن ولمن نحن , ها ,(صوت بوق انذار ) اجيبكم انا , ايها الاعادي كنتم تتلذذون بشحذ سكاكين النحر فينا وتقطيع الايادي وتتمتعون بصرف دنانيركم
وتجويع المساكين ونصب تماثيلكم في الساحات والازقة والميادين
وتجعلوا منها آلهة للتبرك سجدا لها
الزوجة:- بعد النحر من أديم الارض وقابيلها, بدأت المأساة والفواجع لوطن قربانه حجر السجون
الزوج:- ماذا , ماذا (يتوقف عند احد الكراسي ) اي وطن واي خيانة, انتم حكام الطبول , ولدة البشرية على قرع طبولكم (يشتد صوت بوق الانذار )
,زحفنا الارض على انغام طبولكم وعند الشباب طحنتنا قرقعة سيوفكم
الزوجة :- ( وهي ممسكه بالفانوس وتعمل على انتصاب الكراسي كل في مكانه بغضب )
كانت البشرية آمنة تحت سقف السكينة , ولكن , دمدمة طبولكم كانت تنذرنا بأن الصمت سيطول وهطل المطر الاسود يعلن بالويل, والريح تزفر بالثبور كي تعلو اصوات الطبول
الزوج :- ( يأخذ فانوس الضوء من الزوجة ويتجه نحو الكراسي و يدور حولهن )
من منكم اشعل البارود , من منكم نبش البركان وجعل حمم سقر تسقط فوق رؤوسنا, من منكم حشر بالملائكة
برحم الشيطان ,, صيرتمونا جيوشا فاسدة فوهتها مسدده بحراب الابرياء , ( يتوقف
فجاءة, ثم يستدار نحو احد الكراسي ) ها, ماذا قلت, اعد جملتك, القانون, ها
القانون, تعال ( يسحب الكرسي على الارض بقوة وكأنما يسحب بأحد ما) سأريكم الان قانون الحياة
والموت , ( يعلق الكرسي في احد اغصان الشجرة ويذهب الى الكرسي الثاني
ويفعل به كما في الكرسي الثاني)
الزوجة:- وندب الامهات الثكلى وانين مخادع الطهر, ولاذ الصبر بظهر الدهر
ينتظر الفرج المقتول بشروط الساجد والراكع
الزوج :- ( يذهب الى الكرسي الثالث ويعمل بنفس طريقة الكراسي الاخريات)
وساحات الاعدام ومسالخكم السرية, وهزائمكم المذلة, وانتصاراتكم المزعومة( يكسر ساق الكرسي الاول) أنا ,أنا (يصرخ )
لم اتخلى عن موضعي ايها المسخ,( يكسر ساق الكرسي الثاني) بل تخليت عن
تابوت الموت,( يكسر ساق الكرسي الثالث ) سأدفنكم في تابوت واحد, سأسخر من
موتكم كي أُحي ضحايا نادبات الله,, جعلتمونا ك الاطفال لانفرق بين الفرح والحزن.
الزوجة :- اتذكر طاسة عمتي عند وداعك, فهي ما زلت تتربع قلب شجرتنا, اتذكر
اشارتها, اتذكر دعائها حين ازفت ساعة رحيلك صوب فوهات الجحيم
الزوج :- ( يقف كالمذهول امام الشجرة ,ثم يمسك بها , يشمها, يحتضنها, ثم يمرر
يده وينزل الاناء المملوء بالماء ويحتضنه ) ُأمي , تذكرت عناقها, حضنها , سواد عينيها كأنه كحل الغروب, عطرها المسفوح بين خياشيم القلب,
حينها ادركت ان في عينيها قداسة الماء,( يصب ماء الطاسة على هامة رائسه ) ثم قبلت الاناء
وشممت فيه ذلك الطهر والنقاء, ( ينزل على ركبتيه الارض ويضع الاناء امامه )
يا امي , اه لصبر الامهات ( يكور جسده وينام ويحتضن الاناء ), كم اشتهي عودة ذلك الزمن , تلك المواويل ,
ذاك الحنان , ادمنت عطرك واغفو عليه , انام, وانام طفلا بأحضان عشي وارى
ملك الموت يهش الي مبتسما ثم يمضي قائلا لي ,سيجمعنا يوم ذاك اللقاء
الزوجة :- وآه يا عمتي , قد ابعدوه عني , ضيعوه, انقضى دهري حزن عليه, كم
قاسيت, كم تهت , أفنيت عمري وافرغت دمعي بطاسة مائك,, ( تحتضن اناء الماء وتبكي ثم تتحرك نحو حوض الماء وتقف عنده )
الزوج :- ( لايزال بنومته وهو ينهش بأظافره جسده ) سفوح من الرجال اكلتها
دودة الارض دون رحمة ( ينهش بجسمه ) , صفر على الغرب, صار جسدي كالسفينة تنهش فيه شياطين البحر , صفر على الشرق, اين انتم(ينهش بجسمه)
الزوجة:- (تملء الاناء بالماء وترميه على جسد زوجها وبحركات سريعة ) كلهم خانوا العهد والمواثيق ورملوا نياط قلوب الامهات وحزوا رحم المخدرات
( ينهش بجسده بقوة ), الراكبين فيها فرائس , صفر على الشمال (ينهش بجسده بحركة سريعة ), رمت بهم الريح بحرا, صفر على الجنوب ( ينهش بجسده مع تصاعد حركة الجسد)
الزوجة:-(وهي ماتزال ترميه بالماء) كل رسالاتك تطايرت مثل حبات الرمال في صحراء الغربة, ما من نصر في برزخ الخيانات
الزوج:- لقد تصدوا للريح صفرا, عندها ما عاد الصفر رقما ( ينهش بجسده ثم ينهض صارخا ويتجه صوب احد الكراسي ويكسر ساقه) ويضل الصفر
عندي رقما, ( ينهش ببطء ) ويضل الصفر عندي رقما ( ينهش ببطء) بل سيبقى الصفر عندي رقما
الزوجة 🙁 تجلس على دكة حوض الماء وهي ترتل ) سأتلو ايامي مثل النغم لسابغ النعم, ( تملآ الاناء وتسكبه على قمة رأسها اثناء الحوارات )
يا هاربا سيق الى العدم, يا هاربا جيء به الى العدم, اطلع بهامتك من دن
القمامة, صيرتني يا هذا ,كشهرزاد لكل ليلة قصة , تكذب فيها أرق
الكلام حتى صياح الديك عند الغبش ثم في سبات تنام
الزوج : – (ينهض و يخاطب الكراسي بقسوة ) عجبا, عجبا, تبكون وتنتحبون , سأذبح الديك نذرا لخلاص شهرزاديات الكون كله
( يكسر ساق احد الكراسي ) واحبس الصباح ( يكسر ساق الكرسي الاخر ) حتى يفيق شهريار ويحين الختام.(يكسر ساق الكرسي الثالث)
الزوجة :- ( وهي ماتزال تسكب الماء على قمة راسها ) اما تعبت يا طفلي الوديع ,
الم يبتسم ثغر المصائب عندك يوما, وتسكت الشكوى لديك, فلم يبقى لك سواي,
الزوج 🙁 وهو يدور حول الكراسي بغضب) لم انتهي بعد من نبش هذه الرمم , فما زالوا يزعمون أن عورتهم تغطيها
العفة و القيم, حرثونا ولم يبقى عندنا شيء لم ينطفئ, الا قنديل امي وضوء وجه ابي
الزوجة :- ماذا عساك تنتظر لكي ترى, ام , اب, اخ, خال, عم , دعنا نرحل في تيه الفجر بعيدا عن نعيق غربان الفلوات
الزوج :- (يصرخ) كلنا قتلى, نحروا فينا المزامير حتى الفاجعة , ولكني اعلم ان للتاريخ بطون كبطون حيات يتدحرج الى اخر الزمن( يدور حول الكراسي )
انهم يسخرون منا ويهمسون لي, انهم يقولون لي دعك من ذكر الحواشي , أيا اولاد قراد الخيل, تقولون عنهم حواشي, ابي كان بيدق في كتائب العاطلين ,
حواشي ها, امي حتى الرب بكى للجة دعائها ونحيبها حتى مطلع الفجر
فصعدت اليه راضية مرضيه, حواشي ها. اخي البكر منتحرا في
منفاه ,والثاني اصبح بسببه سجين, أما الثالث امسى شبح هائم وطريد الدود
والذباب, ها حواشي, اما ابي فقد ابيض راسه دون ان يذرف الدمع لان فيه سر دفين, ( وهو يدور حول الكراسي )
حواشي يا زناة الليل , حواشي( صارخا بالكراسي) كل هذا
الضيم ويقولون لي انهم مجرد حواشي , أيا زبالات الموت انتم الحواشي
الزوجة :- ( تتوقف عن سكب الماء , تنهض وتتحرك صوب الشجرة كي تضع اناء
الماء في مكانه القديم ) ها انا ذا منذ سنين واعوام طوال , احن , اشتاق, بل
اشتهي لو اني بقيت طفله , طفله , لا تعرف ما معنى بكاء الفرحين ,( وهي تتجه
صوب المخدع) لم اعرف عدد شمعات عمري , ولكني الان ادركت سحر الكلمات وهي تتلوى على مجامر الشمع دون ميلاد , ( تدخل المخدع )
الزوج :- ( ينتبه لغلق باب المخدع فيتجه اليه , يقف عند الباب ثم ينتبه لصوت
الماء المتدفق من الصنبور يتحرك اليه ويجلس وسط حوض الماء ) وتوقف الارسال من بث سمومه ,
وتوقف جهاد النحر, صمت مطبق, حراب مطعونة بقاتليها , مدن تعج بضحايا الغدر (يسكب الماء على جسده كأنما يغتسل غسل الاموات) ارواح تلملم اشلائها, اصبح الان لها تقويم يحسب اكفانها التي ماتزال تصعد الى الفردوس, حيث الان اصبح
للصمت ملائكة تحرسه من بطش السكون , من يرمرم دكة ضحايا المغتسل, من يعفرها بزعفران الرب, اين انا الان ,بل اين انت ( يصرخ ) اين انا , اين انتم
انا لا اطيق السكون , اين انا, هل لهذا الصمت علامات الفناء , (يقف ثم يتجه صوب المخدع) هل لهذا الصمت حزمة امنيات غادرت صوب دكة الزعفران
الزوجة:-L ( من داخل المخدع ) مهما استطال القهر فيك ,لا تجزع واثبت على الرجوع فلكل الضحايا شواهد وان تعددت ساحات القبور
الزوج :- البسونا نطاق الذل واطلقوا اقدامنا الحافية في متاهة الموت, كنا نساق
كالخراف للمجهول , كنا نتسابق كالطرائد نبحث عن حاكم في هذه المعمورة لم يقترف جرما او مذبحة او خيانة ضمير, فما عاد يجدي هناك الا الهروب
ركضنا وركضنا حتى تاهت الدروب من اقدامنا
الزوجة:- كل الدروب تشعر بالغربة الا من انجبتك فهي تشعر بمرارة الفقد
الزوج:- (يهرع لغلق باب المخدع) كنا نلوذ بالبيوت الخالية من رجالها, كنا نطرق
ابوابها ونهمس لنسائها بتوسل,, ابيت ليلة واحدة دون اخرى, او أستحمر عندك بلا
نسب, بلا عنوان, بلا أجر, تفرقنا كل واحد منا اصبح في مهب ,منهم من افترسه كلاب صيدهم, ومنهم من عبر الساقية ولم يعد, ومنهم من سقط في المجهول
الزوجة :- ذات مساء دق الباب , ناديت , من , فأجابني بصوته الاجش, افتحي, (
تفتح باب المخدع ) فتحت الباب ( تسقط الى الارض مرعوبة) , يا رب ما هذا , سقطت من طولي وانا انظر اليه, كان وجهه يورق فيه كل بغض العالم
وجه بشع, قرأت في كفيه نعي, دار حولي وعينيه ترمقني بسيل من الوعيد الفاحش (تزحف جلوسا الى باب مخدعها) وفتل شاربيه وهو يتفحصني بنظرة دونيه
وفتل شاربيه وقال لي, اليك عندي بشاره , بصق في وجهي , ثم رمى في الهواء
بطاقة هوية احوال مدنية ( تصل باب المخدع زاحفه ثم تقف ببطء ) , وقال لي اغلقي الباب ,(تدخل وتغلق باب المخدع )
الزوج :- (يكمل حوار لحظات الهروب) وبقيت كلاب صيدهم سابحة في الارض تبحث عن بقايانا الهاربة ولازال
طوفان ابواق الحرب تنذر بجموع الصاعدة نحو المواضع , ( يتحرك نحو الكراسي ) انتم في اعالي الشرف ونحن معفرين الوجوه في تراب الحفر , ترجمونا بمعاول الشيطان, كلما زادت نياشينكم وقلائد نصركم الفاشي المزيف
الزوجة :- (تفتح الباب وترمي مجموعة من الصور ) وفي بيوت الثكالى تزداد الصور الصاعدة نحو السماء, ابي عمي اخي زوجي, لقد كابدت الاهوال وجعلت من نفسي شاهدا لزمن المأساة
الزوج:- ولم يبقى منهم سوى شهادات الموت وبلا شموع ميلاد
الزوجة:- (ترمي بزي العروس امام الزوج ) ومخادع سوداء تلوذ بسهاد ليل طويل غادرتها شهوت الرجال وعيون مغلقة
الزوج :- ( وهو يكلم الكراسي بهيستريا مستعرضا بثوب العرس ) يا صناع الموت من منكم يريد البراءة, ( صمت) لا جواب ! (يمزق جزء من بدلة العرس )
من منكم يريد الحياة !, ( صمت ) ايضا لا جواب( يمزق جزء من بدلة العرس , من منكم يمنحني شهادة الوفاة او يعيد شهادة
ميلادي!,( صمت ) لا جواب (يمزق جزء من بدلة العرس) وانا الان, لن امنحكم لذت النصر والقرار,
الزوجة :- ( من داخل المخدع وهي تعمل بمدق الهاون, (الزوج يتحرك نحو الشجرة ويعلق على اغصانها كل اجزاء بدلة العرس مع كل حوارات الزوجة )
الزوج :- دق هاون الحياة ,
الزوجة: بخوركم في كل مساء ,
الزوج:- ويضعن المسك في المواضع
الزوجة:- على وصل اللقاء والعناق , عناق بلا فراق ,
الزوج:- عناق بلا صمت , بلا زعفران
الزوجة:- عناق دون عزف على اوتار الوجع , دون اكفان
الزوج : – ( ينزع نطاقه العسكري ويتجه نحو الكراسي ) اين المفر ايها العراة
الزوجة:- ( تناديه بصوت عال) على من تتلو مزاميرك الان ايها الراعي
الزوج :- (يجمع الكراسي كلها في نطاقه العسكري ويحملها على ظهرة ويتحدث
اليها ) , الان فطنت على من استدعاني من آخرة الدنيا للحياة, فكرة قض المضاجع لا تنفع معكم ,وأدكم معي هو الانجع, سأمشي ولن يكون لظلي ظل يرتجف بعد الان, ( يتحرك صوب الشجرة هامسا لها بفرحة المنتصر ) سأطرق الباب وادخل خلسة الان من عيون اللصوص وعسس الليل وكلاب الصيد,
الزوجة:- وباب وجدي مفتوح لك وعصي بوجه الناس والطير والحجارة
الزوج:- (يدور حول الشجرة ) وعندها اقفل الباب ثم الباب, ثم الباب , ادخل القلب واقفل الباب ,ثم الباب, ثم الباب, ثم الباب, واصيح اقفلوا الابواب
( نسمع صوت غلق ابواب متعددة , ويعم الظلام الا من بقعة ضوء
تسلط على باب المخدع وقبضة الباب الخارجي )
الزوجة : – ( صوت طرق على الباب الخارجي, تفتح الباب كما فتحتها في بداية العمل بنفس الهيئة وبنفس الحركة ولكن بصورة امرأة عجوز, فضاء المشهد
يرجع كما كان في بداية العرض)
الصوت من خارج البيت:- من هناك
الزوجة : – ( تخرج وبيدها قميص عسكري ممزق) أطمئن أيها الناطور, عندما رحل الرجال لم يعد منهم سوى ثيابهم
( تتحرك نحو الشجرة وتنزل اناء الماء من على الشجرة وتسقي التربة التي تحيط بجذع الشجرة )
سأسقيك على الدوام ,لأني وحدي من يراك , ويبقى هذا الحال في كل صبح ومساء( تنظر الى الجمهور ثم الى الباب الخارجي)
هل هنالك طارق في هذا الليل , ام هي الريح تعوي بنذور زوجات
مجرى الدم المسفوح في ساحات الحروب ,, ( تستدرك نفسها وكأنها تكلم امرأة اخرى ) مالك يا مرأة وهذا
العويل , ( ترجع الى مخدعها ) الم يرجع فحلك , اليس هو الان من يتوسد فراشك
الذي غادره منذ دهور,, ألست القائلة ,, ( تصل عند باب المخدع ثم تلتفت الى
الجمهور ثم الى بدلة العرس التي علقت على اغصان الشجرة المتوهجة باضاءة خاصة وترميهما بجملتها الاخير باسمه لها وبصوت امرأة عجوز ) إن ندف الثلج
يذوب بوهج القلب ورعشة اللقاء, الى اللقاء ( ثم تدخل الغرفة رويدا رويدا وتغلق الباب )
ستار
منير راضي العبودي