ننشر نص مسرحية “قضيـة إسكـات الببغــاوات” للكاتب إبراهيم الحـُـسيني
المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص
ـ
إبراهيم الحـُـسيني
كاتب مسرحي وسيناريست مصري
قضيـة
إسكـات الببغــاوات
(مسرحية)
قضية إسكات الببغاوات
الشخصيات:
ـ هــــويدا
ـ القاضـي
ـ ليــــــلى
ـ لــــــطفي
ـ حـُـــسني
ـ الــمُـراقب
ـ الرجل ذو القبعة
ـ الضــابط
~الببغاوات الثلاثة:
ـ زارا
ـ سـُـندس
ـ جيكـا
~ العـُـمال الثلاثة:
ـ عامل 1
ـ عامل 2
ـ عامل 3
……..
~يـُـحـكى أن ..
سيدة كانت تمتلك ثلاثة ببغاوات هم كل شعبها ، كانت تضعهم في قفص أخضر وترشهم بعطرٍ يكرهونه ، حاول الحـُـرّاس تدريبهم علىالاستمتاع بالحياة داخل القفص ، لكنهم لم يتعلموا واعترضوا ، داخـل القفـص كـان الألم يزداد بينما خارجه تتكدس الثرثرة عن الحـُـرّية بلا معنى ،الببغاوات ملت من ترديد كذب الحـُـرّاس الذين لا يفهمون لغتهم، وتيـّـقـنـوا أخـيــراً أنهمماضون في آلامهمبينما الحـُـرّاس مستمرين في قطع الألسنة …
ــ 1ــ
يـُـحكى أن ..
سيدة كانت تمتلك ثلاثة ببغاوات هـُـم كل شعبها ..
[ بيت ” هويدا “تحـيطـه حـديقـة من جميع الجهات ، تتجاور حديقته مع حدائقبيوت أخرى، العـُـمال يقومون بعملهم في تجـديـد البيت ، أحدهم يـُـهذب الأشجار ويقـص الحشائش الصغيرة ، بينما يقوم آخر بطلاء المنزل ، وثالثيبني قفصـاًخشبياً كبيراً ،العـُـمال يـُـحدثونضجـة كبيـرة ، يطـل الجـيـران من نوافذ بيوتهم وهم يصرخون.. تظهر ” هويدا ” ؛ وهي امرأة في الخمسين من عـُـمرها … ]
لطفي : اسكـِـتوا هذه الضوضاء … لقد كـِـدت أجن.
ليلى : أطفالي يريدون المذاكرة ولديهم مدرسة في الصباح.
حُسني : إن استمر الحال لساعةٍ أخرىسأقدم شكوى إلىقسم الشرطة ، هذه آخر مرة أحـذركم فيها.
هويدا : [تشير لهم ] أيها السادة اهدءوا من فضلكم [ وهي تشير لهم بورقة ] لديّ تصريح من مجلس المدينة بإنهاء تشطيبات منزلي الجديد حتى السادسة مساءً.
لطفي : ولكنها السادسة وخمس دقائق الآن.
هويدا : أضبط ساعتك يا سيدي ، إنها السادسة إلا دقيقة واحدة [ للعمال ] استمروا في العمل [ وهي تنظر لساعتها ] الآن توقفوا .. إنها السادسة تماماً ،أنا أحترم القوانين يا سادة..[ يـُـغلق السكان نوافذهم في غضب ، يـُـلملم العمال أدواتهم ويتجهـزون للمغادرة ، تستوقفهم .. ] هذاهو الأجر الذي اتفقت معك عليه.
عامل1 : ولكننا ثلاثة عمال ولسنا عامل واحد.
هويدا : لقد اتفقت معكَ على عمل مُحدد بمقابل مالي مُحدد ولم أتفق معك على عدد العمال … يمكنكم اقتسام المبلغ بالتساوي بينكم.
عامل 2 : وماذا عن أكلنا وسجائرنا..؟
هويدا : أنا لا أمنح أي عامل قرشاً واحداً زيادة عن الأجر المُحدد والمُـتفق عليه ، كان كلامي واضحاً.
عامل 3 : لماذا أشعر أنني أمام كومبيوتر ولست أمام سيدة جميلة يمكنها أن توّزع علينا بعضا من ابتساماتها وهي تحدثنا بدلاً من هذه الجديـّـة المُـبالغ فيها.
هويدا : حسناً .. إليكَابتسامتي [ تبتسم مع انحناءة أرستقراطية ] لكن ليس للابتسامة أي معنى مادي.
عامل 1 : [ بضجر وملل من ” هويدا ” ] شكراً لكِ.
[ يخرج العـُـمال الثلاثة ، تتعالى الموسيقى، تــُـقدم “هويدا” رقصة تعبيرية ناعمة وهي تغني ، ثم حركة إضاءة مُـتغيـّـرة يدخل بعدها الببغاوات الثلاثة:”زارا ، جيكا ، سُندس”، وهم يتقافزون في مرح حتي يصلوا إلى القفص المُخصص لهم ، تغلق ” هويدا ” عليهم الباب ]
هويدا : أهلاً بعائلتي الجميلة .. آه لو تعرفون كم أحبكم … لقد تكلفت مبالغ كبيرة كي آتي بكـم معي ، تأشيــرات وجوازات سفر وأقفاص ورعاية طبية … آه .. لقد تعبت .. لكنني سيدة وحيدة وأحتاج لعائلة وأنتم عائلتي التي اخترتها بمحض إرادتي ولا أتخيـّـل أبداًالعيش بدونكم .. ما رأيكم في منزلنا الجديد …؟
سُندس : [ يُـكرر بشكل آلي ] أنا سيدة وحـيدة..
زارا : [ يـُـكرر هو الآخر ] أحتاج لعائلة..
جـيكـا : [ تكرر ] منزلنا الجديد..
هويدا : عظيم .. أصبحتم تكررون الكلام بشكل أفضل ، أفادتكم دروسي في تعلم الكلام …استمروا فالقادم أفضل.
زارا : استمروا ..
جـيكـا :تكررون الكلام..
سُندس : القادم أفضل..
هويدا : [ تقدم لهم الطعام ] هذا طعامكم … أرجو ألا تحدثوا تلك الضوضاء التي تعـوّدتم عليها في بيتنا القديم ، السكان هنا قليلي الاحتمال وقد يقدمون فينا الشكاوى لقسم الشرطة.. تناولوا طعامكـم واخـلــدوا للنوم[ وهي تحييهم ] ليلتكم سعيدة ..
[ تتركهم “هويدا” وتدخل للمنـزل … الببغــاوات فـرحـة لخروج “هويدا” لكن أحدهم يصرخ فجـأة .. ]
زارا : [ صارخاً ] أريد أنثى ..
جـيكـا : [ لـ “زارا” وهو يحمي “سُندس” منه ] لو كررت ما فعلته قبلاً يا زارا مع سُـندس سأمزق جسدك.
زارا : لماذا تحظى بأنثى بينما أظل وحيداً..؟ يجب أن تأتي لي هذه السيدة الغبية بأنثى وإلا سأضطر لإرغامك على مشاركة نفس الأنثىمعك.
سُندس : أوه .. لا تـكـرر ذلك مـرّة أخرىيا زارا ، لقد اخترت جـيكــا وعليك احترام اختياري …
جـيكــا : وأنا قادر على حمايتك يا سُـندس فلا تخافي.
زارا : الأمر ليس حرباً بيني وبينك … كل ما أريده أن أنال نفس حظك، هذا حقي الطبيعي.
جـيكــا : اطلب من السيدة ، ليس لنا ذنب في ذلك.
زارا : ولكنها غبية …كل ما يهمها هو ترديدنا لكلماتها العبيطة ، كيف أقول لها ما أريد ..؟
سُـندس : هذه مشكلتـك … لا دخـل لنا بها ، وأحـذرك للمـرّة الأخـيـرة لا تتحـرش بي أثناء نوم جيكا.
جـيكـا : [ لـ “سُـندس”غاضباً] هل فعـلهـا مرّةً أخـرى..؟ [ توميء “سُـندس” له بالموافقة بخجل ودلال كيتدفعه للتشاجر مع “زارا” ] أيها الوغد سأنال منك ..
سُـندس : [ بدلال لـ ” جيكا ” ] نـل منه يا جيكا.. إنه يـُـريد أن يأخذني منك[ يتشاجر “زارا وجيكا” بينما “سُـندس” تدور بينهما وهي تصدر أصواتاً كثيرة فرحة تشجع بها حالة العـِـراك.. ] هيا ، أحب كثيراً أن يتقاتل الذكور بسببي .. هيا مزقا بعضكما من أجلي.
[ تـفتح نوافذ الجيران ويطلون منها وهم يصرخون .. ]
ليـلـى : مـرّةً أخرى تقلقون راحتنا[ بضجر ] كم هي مـُـزعجة هذه الساكنة الجديدة.
لطـفـي : لابد أن نتخذ كافة الإجراءات التي نـُـجـبـر بها هذه السيـدة على مغادرة المنزل.
حسني : [مُـدققـاً النظر ] ماهذا ..؟! انظروا .. توجد ثلاثة ببغاوات في حديقـة منزلها يتقاتلون .. لا .. هذا كثير سأذهب وأشكوها للشرطة.
لطـفـي : انتظر .. سآتي معك …
ليـلـى: أتضامن معكما في هذه الشكوى ..
[ نوافذ الجيران تقفل تباعاً في غضب واضح ، الببغاوات مازالت تتقاتل مُـحدثة ضجة كبيرة … ]
ــ 2ــ
كانت تضعهم في قفـص أخـضـر
وترشهم بعطـرٍ يكـرهـونـه ..
[ قسم الشرطة …”الضابط” يجلس على مكتبه يـُـطارد الذباب في ملل ، ” هويدا “تجلس أمام جيرانها ، حالة صمت تسود لدى الجميع ، ينفجـر الضابط بالكلام … ]
الضابط : لن نصل بهذا العـِـناد إلى حـل … يجب أن نتحدث معاً وإلا سأضطر لتحويل ملف الشكوى إلى النيابة .
ليـلـــى : رأيي يا سيدي الضابط أن تفعل ذلك فهذه السيدة عنيدة جداً ولا تقبل بالحلول السلمية.
هـويــدا : لا أقبل منكِ هذا التطاول وأرجو تسجيل ذلك في مضبطة الجلسة.
الضابط : لا توجد مضبطة ولا نسجل اتهاماتكم لبعضكم ، هذه جلسة وديـّـه أحاول فيها توفيق الأوضاع بينكم فأنتم كلكم سادة محترمون ويجب أن ينتهي الأمر هنا بدلاً من تصعيده وإرهاق السلطات القضائية بهذه الأمور التافهة.
هـويـدا : سيدي … أحترم وجهـة نظرك في حل الأمر بشكل ودي لكنني أتحفـظ على وصفك القضية بأنها تافهة.
الضابط : ولكنها في واقع الأمر قضية بسيطة ؛ فهي لا تتعلق مثلاً بدفن النفايات النووية في حديقة منزل أحدكم ، الأمر كله عبارة عن ثلاثة ببغاوات نريد إسكاتهم ، هناك ما هو أهم من ذلك بالفعل.
ليـلــى: [ مُـتدخلة ] ألم أقل لك أنها عنيدة جداً …؟
هـويـدا : سأضطر للرد عليكِ هذه المـرّة … أنتِامرأة سيئة وجارة مـُـزعجة لا تحترم حق الجيرة ، ألا تتذكرين ما فعله أطفالك الثلاثة بـ ببغاواتي …؟
الضابط : وماذا فعل أطفالها بالببغاوات ..؟
هـويــدا : كانوا يرمونهم بالحجارة ويرغمونهم على تكرار كلمات بذيئة كنت تقولينها لزوجك أثناء .. أثناء وجودكما معاً فى حـُـجرة النوم بعد أن ينام الأطفال ، وقاحات وشتائم عنيفة وسادية يخجلني ذكرها من مثل …
الضابط : رجاءاًيا سيدة هويدا لا تكرري هذه الكلمات هنا .. لكن إن كنتِ مصممة فلتذكريها لي بعد هذه الجلسة.
ليـلــى: ماهذه الوقاحة ..؟ كيف تتفوهين بمثل هذا ..؟!
هـويـدا : السؤال موجه لكِ أنتِ .. كيف تتفوهين بمثل هذه الفظائع النابية ..؟!
حُـسني : لقد نسينا موضوعنا الأساسي يا سادة وهو كيفية إسكات الببغاوات أو رحيلها عن المنزل.
لطـفـي : [ هامساً لـ “حُـسني” ] دعهما يتشاجـران فلربما عرفنا ماهي هذه الشتائم والوقاحات التي تقولها مدام ليلى لزوجها أثناء …..
حُـسني : [ مُـقاطعاً ومـُـتذمراً ] يا لطفي يا صديقي .. هل سنتكلم في الوقاحات ونترك أمر إزعاج الببغاوات …؟
لطـفـي : كنت فقط أريد أن أعرف [ لنفسه ] لماذا لا تتفوه زوجتي بأي كلمة من هذه الوقاحات …؟ إنها صامتة كحجـر.
حُـسني : هل قلت شيئاً ..؟!
لطـفـي : [ بطفولية ] أريد أن ينتهي أمر هذه الببغاوات بسرعة، فليس لدينا المزيد من الوقت لهذه التفاهات.
الضابط : لننتهي من هذا يا سادة.. [ لـ “هويدا” ] سيدة هويدا يجب أن تعالجي أمر الببغاوات ، امنحي لهم مزيداً من وقتك ، تعرفي على مشاكلهم عن قــُـرب ، قدمي لهم طعاماً جيداً ، أسمعيهم بعض الموسيقى ، لا ترغميهم على ترديد كلماتك ، دعيهم يتحررون من القفص لبعض الوقت كل يوم ، امنحيهم بعض الرفاهية ولنرى كيف سيـُـحدث ذلك تغييراً في سلوكهم.
ليـلـى: مازلت عند تصميمي بتحويل الأمر للنيابه فهذه السيدة …..
هـويدا : قلت لكِلن أسمح بأي تجاوز …انتبهي لكلماتك فأنا لست عاجـزة عن تكييل أكثر الشتائم قذارة لكِ.
الضابط : لا داعِ للشتائم أو إلقاء الاتهامات ، لنـُـجـرّب هذه الاقتراحات التي ذكرتها فلربما نجح الأمر.
حُـسني :أرجو أن تأخذ السيدة هويدا هذه الاقتراحات بعين الإعتبار.
هـويدا : سأجـرّب بالطبع ، وأشكرك سيدي الضابط على جهودك معنا.
[ تخرج “ليلى ” مـُـندفعـة من المكان …يقترب ” لطفي ” من ” هويدا ” هامساً لها.. ]
لطـفـي : ولكن يا سيدتي هل يمكنني أن أعرف ، إذا كان ذلك ممكناً ، تلك الكلمات القذرة التي كانت تقولها مدام ليلى لزوجها …؟
هـويـدا : [ تنظر له غاضبة ] ماذا قلت ..؟
لطـفـي : [ مُـرتبكاً ] لا شيء أنا أمزح فقط.. تفضلي يا سيدتي.
[ تــُـرسل له “هويدا” نظرة احتقار قبل أن تخرج …أصوات الببغاوات تتعالىوهي تقوم بأداء أغنية مرحة … ]
ــ 3ــ
حـاول الحـُـرّاس تـدريبهـم
علي الاستمتاع بالحـيـاة داخــل القفــص ..
[أمام منزل ” هويدا ” ، صدى الأغنية مازال يتردد ، الببغاوات ينتهون من رقصتهم داخل القفص ، يدخل العـُـمال الثلاثة وهم يرتدون القفازات والملابس البيضاء وكأنهم أطباء سيقومون بعملية جراحية ، يبدأ أحدهم بطلاء قفص الببغاوات باللون الأخضر ، بينما يـُـقدم الثاني لهم طعاماً ساخناً وكثيراً من الفاكهة ، نراه يـُـقدم لهم القليل من الطعام ويتناول معظمه خلسة، العامل الثالث يقوم بنثر رزاز مُـعطر ومُـعقم للجو بيد وبالأخرى يـُـحرك الهواء حول القفص بمروحةٍ من الريش.. ]
زارا : ماذا يفعل هؤلاء الحمقى ..؟!
سُـندس : لماذا يرشون علينا رائحة عطر نتنه لا تناسب الببغاوات ..؟
جـيكـــا : ماذا يـُـجدي العطر والطعام الجيد داخل جـُـدران هذا القفص ..؟
عامل 3 : بماذا تثرثر هذه الببغاوات ..؟
عامل 1 :حـرِك العطـر جيداًكي يصل لوجوههم أنهم سعداء برائحته..؟
[ يـُـزيد ” عامل3 ” من رزاز العطر باتجــاه الببغـــاوات … الببغـــاوات تصـرخ .. ]
سُنـدس : أوف … ستخنقني هذه الرائحة …
زارا : إنهم بـُـلهاء ومـُـصرون على بلاهتهم …
جـيـكــا : ابتعدوا عنـّـا …
عامل1 : ألم أقل لكَ .. انظر الآن كم أصبحوا سعداء …
عامل 3 : أشكرك على النصيحة … سأزيد من رشهم بالعطر ، أنا أريدهم سعداء.
عامل2 : [ ببلاهة ] ترى ما طعم هذه الببغاوات مع حساء لسان العصفور…؟
عامل1 : إنها لاتؤكل أيها الغبي ..؟
عامل2 :[ بطفولية وهو يـُـكمل أكل طعام الببغاوات ]لا .. إنها تؤكل .. كل الطيور تؤكل.
عامل 3: [ يـُـكثر من نثر رزاز العطر في وجوه الببغاوات ] هل يكفي هذا ..؟
زارا : سنموت بسبب هذا الحارس الأحمق.
سُـندس : كفى أرجوك..
جـيـكـا : كيف نعبر له عن رفضنا وضيقنا ..؟!
عامل1 : [ بدهشة ] أمازلت ترش العطر عليهم ..؟! كفي يا رجل ، سيموتون ..
[ الببغاوات الثلاثة في حالة يـُـرثى لها من أثر العطر … ]
هويــدا : [ داخلة ] هل انتهيتم ..؟
عامل 1: كل شيء على ما يـُـرام يا سيدتي .. انظري لوجه الببغاوات إنهم سعداء ، آمنون ، مستريحون.
عامل 3: العطر نال إعجابهم جداً.
عامل2 : أيضاًلا يحدثون أي ضوضاء ، لقد أعجبهم الطعام ولم يتبق منه أي شيء
عامل 1: كان اللون الأخضر اختياراً موفقاً منكِ يا سيدتي.
هـويــدا : رائـع …قمتم بعملكم بكل إخلاص.
عامل 3: نحن في الخدمة دوماً.
هـويـدا : [ تخرج لهم النقود ] هذه نقودكم.
عامل 1: حسناً…سنقتسمها نحن الثلاثة .. [ وهم يخرجون ] إلى اللقاء …
[ يخرج العمال الثلاثة ، تتأمل السيدة الطيور في سعادة … ]
هـويـدا : أرجـو أن ينال اهتمامي بكم بعضاً من رضاكم .. والآن هل تودون سماع الموسيقى أم ستخلدون إلى النوم مبكراً..؟[ تجـيب ] السكوت علامة الرضا .. إذن فلتعمل الموسيقى ..
[ يـُـحاول الببغاوات الرفض لكنهم لا يستطيعون من أثر الخـدر الذي سرى في أجسادهم بسبب رزاز العطر ، تخرج أصوات رفضهم كمقاطع صوتية غير مفهومة … تشكل هذه المقاطع لحناً خاصاً مع الموسيقى التي تديرها ” هويدا ” وتتراقص عليها ، يتداخل الجيران باعتراضاتهم مرّةً أخرىعلى الضوضاء التي يـُـحدثها هذا اللحـن الغريب ، تكمل أصوات اعتراضاتهم تلك الحالة الصوتية حركية والتي تبدو في مجملها متناغمة ومبهجة رغم تنافرها .. ]
ــ4 ــ
لكنهـم لم يتعلمــوا واعـتـرضــوا..
[ المحكمة …الجيران الثلاثة : “لطفي ، حسني ، ليلى ” يقـفـون وعلى مقـربة منهم”هويدا”أمام القاضي ، بالقرب منهم رجل صامت غريب الأطوار يرتدي معطف طويل …الجميع في حالة تأهب للعـراك غير مفهومة ، القاضي يدق بالمطرقة أمامه إيذاناً بالكلام … ]
القاضي : ليس أمامنا إلا حـل واحـد يتمثل في إسكـات هذه الببغاوات إما عن طريق رحيلها من المنزل أو العمل على تهيئة ظروف معيشية تضمن لنا سكوتهاوعدم إزعاج الجيران وسلبهم حقهم في أن ينعموا بالراحة والهدوء ، وعلى السيدة هويدا تنفيذ هذه الأوامر مع الإلتزام بدفع كافة مصاريف وأتعاب التقاضي للطرفين.. رُفِـعت الجلسة …
هـويـدا : سيدي القاضي هل تسمح لي بلحظة واحدة قبل أن ترفع المحاكمة ..؟
القاضي : لا يوجد جديد يمكن أن نقوله في هذه القضية …القانون يعمل على راحة المواطنين وضمان حقهم في عدم الإزعاج ، وقد قال كلمته وعليكِاحترامها وتنفيذ الأوامر.
هـويـدا :القانون يا سيدي القاضي لا يـُـعاقب علىاقتناء الببغاوات… وأنا لا يمكنني ترك ببغاواتي ، إنها معي منذ ما يزيد على عشرة سنوات ، إنها كل عائلتي.
القاضي : هذه حقيقة …القانون لا يـُـعاقب علىاقتناء الببغاوات لكنه يـُـعاقب صاحبها على تجاوزاتها وصراخاتها المـُـقلقةلجيرانه.
هـويـدا : لكنني قـُـمت بتهيئة الظروف المعيشية للببغاوات التي طالبت بها.
ليـلــى: وبالرغم من ذلك مازالت تصرخ.
هـويـدا : [ مُـعترضة ]ُ لم تكن تصرخ .. إنها تغني …
القاضي : [ لـ “لطفي وحسني” ] هل كانت تغني …؟
حـُـسني: لا .. كانت تصرخ.
هـويـدا : كانت تغني.
لـطـفــي: كانت تصرخ.
القاضي : هل يمكن لكَ تقليد صوتها …؟
لـطـفـي: سأقلد أصواتها [ لـ “ليلى وحـُـسني” ] رددوا معي …
[ يبـدأ الثـلاثـة في تقـليـد الببغـــــاوات بشـكــل كـاريكــاتيـري مما يـُـضايق “هويدا” … ]
هـويـدا : لم يكن الأمر بذلك السوء … إنهم يبالغون في الصراخ ، كانت ببغاواتي تصدر أصواتاً مهذبة ولطيفة .. انظروا .. كانت الببغاوات تعزف وتقول..
[ تبدأ “هويدا” هي الأخرى في تقليد الببغاوات من وجهة نظرها .. ]
ليـلـــى: لا لم يكن الأمر بهذا الشكل ، بل كان مـُـزعجاً للغاية..
القاضي : لم نصل لنتيجة ..؟
لطـفــي: [ مـُـقترباً من “هويدا” وهامساً لها.. ] سأمنحك فرصة أخيرة …هل يمكـن لكِ أن تخـبـرينـي بتلك الكلمات الماجـنـة التي كانت تقولها السيدة ليلى لزوجها ..؟ إن فعلتِستعجبك شهادتي في حق ببغاواتك..
هـويـدا : [ وهي تبتعد عنه ] هل تعاني مشكلة ما مع زوجتك أيها الحـقيــر ..؟! لا تكن سافلاً …
حـُـسني : [ ضاحكاً ] سافلاً ..؟! هل تعرفك هذه السيدة ..؟
لطـفــي : سأنال منها.
القاضي : [ يدق بمطرقته ] هل هناك أمر ما ..؟
لـطـفــي : إنها تحاول رشوتي كي أقول أن أصوات الببغاوات جميلة.
القاضي : ماذا ..؟
هـويـدا : [ بدهشة ]هذا لم يحدث … إنه هو الذي…
القاضي : أكملي..
لـيـلـى:[ تتدخـل ] لا يا سيدي لم تحاول هويدا رشوته … لقد سمعت ما قاله لطفيلها ، هو الذي كان يساومها ، بالرغم من أنني أكـره هذه السيدة وببغاواتها إلا أن هذا لا يمنعني من قول كلمة الحق …
هـويـدا : [ لليلى ] أشكرك …
القاضي : لقد مللت من هذه القضية الغبية ، هذه ثالث جلسه قضائية ولا نصل فيها لشيء … سأضطر آسفاًلاستقدام خبير في أحوال الطيور وتعيينه مُـراقباً لأصوات وحركات الببغاوات لمدّة ثلاثة أيام وموافاتنا بتقرير شامل يتضمن ما إذا كانت هذه الببغاوات تحدث ضجيجاً يستحيل العيش معه أم لا .. وذلك حتى يتسنى لنا الحكم ، وعليه تتحمل السيدة هويدا وجيرانها مصاريف انتقال وأجر هذا المُـراقب .. رُفـِـعت الجلسة …
[ ” هويدا ” وجيرانها الثلاثة يترامقون في غضب ، الرجل الصامت الذي يرتدي المعطف يـُـدوّن بعض الملاحظات …]
ــ5 ــ
داخـل القفـص كان الألـم يـزداد بينما خارجـه
تتكـدس الثـرثـرة عن الحـُـرّية بلا معنى ..
[ أمام منزل “هويدا” ، الببغاوات تتقافز في حالة نشاط … ]
سُـندس : هيا أريد نشاط أكثر من هذا.
زارا : كفى.. لنبدأ الآن العـِـراك.
سُـندس : تمارين الإحماء مهمة ، أريد منكما عراكاً جيداً يليق بأنثى جميلة مثلي.
جـيـكــا : لا أعرف لماذا تجبريننا على العِـراك من أجل فوز أحـدنا بكِ..؟! ألم تقولي لي إنكِ تحبينني..؟
سُـندس : نعم أنا أحبك ومازلت … لكن أنوثتي تريد أن تشبع..
جـيـكــا : وكيف نشبعها .. ألم أكن كافياً لكِ..؟!
سُـندس : بالطبـع كنت كـافـيـاً ، لكن لماذا نستمر على أكل نفس التفاحـة طالما أن هناك تفاحات أخرى تلقي بنفسها في حـجـرك..؟
جـيـكــا : لم أكن أعـرف أنكِ ببغاءة لعوب..؟!
سـُـنـدس : جيكا … أنا لا أحب الشتائم ، فقط عليك الدخول في عِـراك مع زارا ومن يفوز سأصبح مِـلكاً له.
جـيـكــا : ومـاذا ستـكـسبيـن إن فـُـزت أنا مـرّةً أخرى ستعودين للأكل من نفس التفاحة…؟
سُـنـدس : لا لن تكون نفس التفاحة … سيكون طعمك شهياً لحظتها كما لم أعهدك من قبل.
جـيـكــا : وما الفرق ..؟!
سُـنـدس : عندما تعود لتنالني مـرّةً أخرى ستكون قد بذلت جهداً كبيراً في الحـفـاظ عليّ وهذا بالطبع سيـُـشبع أنوثتي وسيـُـضاعف من متعتي …
زارا : هل فهمت أيها الأحمق…؟
جـيـكـا : لابد أنها فكرتك اللعينة …؟
سُـنـدس : بدلاً من هذه الشتائم لتبدءا العـِـراك الآن ..هيا …
[ يبـدأ العـِـراك …تتصاعد أصوات “جيكا وزارا” بينما تتراقص سـُـندس حولهما وهي تواصل تشجيعهما … يدخل الرجـل الصامت الذي يرتدي المعطف، يـُـراقب الببغاوات مُـسجلاً كل صـرخاتها وحركاتها … ]
رجل المعطف : [ يكتب ] الببغاوات تتعارك ، اثنان منهما يتعاركان والثالث يـُـغني ويتراقص مُـنفرداً… هل هذه أغنية تدل على الفرح أم أن هذا صراخ بسبب الجوع أو الخوف ، سنرى..؟
[ تــُـفتح نوافذ الجيران … ]
لطـفـي : أرأيت سيدي مُـراقب الطيور .. إنها تتعارك طوال الوقت ، صرخاتها لا تتوقف ، لا نستطيع النوم .. سجـِل كل حـركة وكل كلمة .. لابد أن تشنق هذه السيدة التي تـُـدعى هويدا على اقتنائها هذه الطيور المتوحشة ، إن أطفال السيدة ليلى لا يستطيعون المذاكرة.
ليـلــى: أستطيع أن أتكلم عن نفسي يا لطفي وكل ما يهمني في هذا الموضوع هو إسكات هذه الببغاوات لا أكثر.
هـويـدا : [ وهي تخرج غاضبة ] تطالب بشنقي من أجل ثلاثة ببغاوات أيها الأبله ، يالك من سافل وحـقير.
لـطـفـي : سجل سيدي المُـراقب إنها تهينني وتسبني.
المُراقب : أنا هنا لتسجيل أصوات وحركات الببغاوات وليس لي علاقة بما يحدث بين البشر.
لـطـفـي : لكنها تسبني.
حُـسني : اصمت يا لطفي .. ليس هذا موضوعنا .. دع المُـراقب يُـكمل عمله.
هـويـدا : [ لجيرانها ] لا يصح منكم النظر إلى بيتي وببغاواتي ومُـراقبتها بهذا الشكل …ادخلوا إلى بيوتكم ولا تمدوا أنوفكم فيما يحدث داخل بيتي.
لـيـلـى: [ وهي تغلق نافذتها ] حسناً…أنا لا أريد أن أراك أمامي.
حُـسني : [ يفعل مثلها ] وأنا أيضاً.
لطـفـي : [ بغيظ ] لكنني لن أذهب مثلهما … سآتي إليكما لأراقب بنفسي عمل المُـراقب.
[ يـُـغلق لطفي نافذته …تقترب “هويدا” في دلال من المُـراقب وهي تهمس له … ]
هـويـدا : هل تناولت طعام فطورك أيها المُـراقب ..؟
رجل المعطف : لا أحب تناول طعام الإفطار …
هـويـدا : [ بدلالٍ أكثر ] ولكنني أراكَّ مُـجهداً .. هل يمكن أن تدخل معي إلى منزلي لتناول فنجان من القهوة ..؟
رجل المعطف : لا أشرب القهوة.
هـويـدا : [ بدلالٍ مُـتزايد ] ولكنني كنت أريد التحدث معكَّ لدقائق.
رجل المعطف : أنا لا أتحدث أثناء العمل.
هـويـدا : [ بضيقٍ ] هل تقبل الرشوة..؟
رجل المعطف : [ بتوترٍ ] ماذا تقولين يا سيدتي ..؟ كيف تجرؤين على …؟!
هـويـدا : [ مُـقاطعة ] هذا شيك بمرتب عام كامل لك.
رجل المعطف : [ بتوترٍ أكثر ] شيك بمرتب عام كامل ..! أنا …
هـويـدا : [ تضع الشيك في جيبه ] كل ما أريده أن تكتب في تقريرك أن الببغاوات تغني غناءاً لطيفاً بدرجة صوت لا يمكن أن تزعج الجيران.. [ وهي تنظر للببغاوات بحـبٍ كبير ] إنهم عائلتي وليس لي غيرهم.
رجل المعطف : حـسنـاً ، سأفعل ذلك.
هـويـدا : شكراً لكَّ …
[ تتركه ” هويدا ” وتخرج … رجل المعطف يـُـقطع الورقة التي دوّن فيها ملاحظاته ويرميها بعيداً… يدخل ” لطفي ” وهو يصرخ … ]
لـطـفـي : هل تأكدت بنفسك أنها تصرخ ..؟ إنها هكذا طوال الليل والنهار ، لقد أفسدت حياتنا.
رجل المعطف : لكنها تغني كثيراً وتصرخ قليلاً.
لـطـفـي : [ بدهشة ] تغني .. لا .. إنها تصرخ .. انظر لحركاتها المتوترة ، إنها غير طبيعية ويبدو أنها مصابة بالعديد من الأمراض المُـعدية ، إننا نخاف على أنفسنا وعلى أطفالنا .. اكتب ذلك في تقريرك.
رجل المعطف : برجاء عدم المصادرة على رأيي ، سأكتب ما أراه مناسباً.
لـطـفـي : مناسباً .. ؟! يا سيدي المُراقب ليس من المُـفترض أن تكتب ما تراه مناسباً ، بل يجب عليكَّ أن تكتب ماتراه بعينيكَ في واقع الأمر.
رجل المعطف : أعرف عملي جيداً ، إنني أراها تغني كثيراً وتصرخ قليلاً.
لـطـفـي : [ يـُـخـرج شيكاً من جيبه ] اسمع يا عزيزي أنا أريد أن أنتقم من هذه السيدة التي تــُـدعى هويدا ، لقد أهانتني ولن أغفر لها ، هذا مـُـرتب نصف عام واكتب في تقريرك أنها تصرخ.
رجل المعطف : [ وهو ينظر للشيك مُـتأففاً ] نصف عام.. ؟! ولكنها تغني.
لـطـفـي : [ مُـعترضاً ]تصرخ.
رجل المعطف : [ بإصرار ] تغني.
لـطـفـي : [ وهو يناوله شيك آخـر ] تصرخ.
رجل المعطف : [ وهو يضع الشيك الثاني في جيبه ] أوه .. إنها بالفعل تصرخ.
لـطـفـي : اكتب ذلك في تقريرك.
رجل المعطف : كتبته .. لقد اكتمل تقريري .. سأخرب لك بيت هذه السيدة .
لـطـفـي : أحسنت يا رجل.
[ يتضاربان بالكفوف ، يخـرج “رجل المِـعطف” ومعه “لطفي” ينتهي “جـيكا وزارا” من العـِـراك ، أصبحـا في حالة يـُـرثى لها من التعب والوجع …”سُـندس” تواصل تشجيعها لهما وهما لا يستجيبان … ]
سُـندس : هيا واصلا العراك .. لماذا توقفتما ..؟
جـيـكـا : لم أعد أستطيع روحي تكاد تفارق جسدي.
زارا : أنا أيضاً نال مني التعب ولا أستطيع التقاط أنفاسي.
سُـنـدس : [ تصرخ فيهما ] لا تتوقفـا … أريد أن أعرف من يستحقني … أريد أن أشعر بأنوثتي .. واصلا.
جـيـكـا : لا أستطيع .. اذهبي له إن أردتِ.
سُـنـدس : وأنت يا زارا .. هيا قــُـم وحـارب كببغاء حقيقي.
زارا : لم تعد بي قـوّة …
سُـنـدس : أنت إذن لا تريدني..؟
زارا : أريدك …ولكنني لا أستطيع مواصلة العراك.
سُـنـدس : سيـُـقاتلك جيكا ويأخذني هو.
زارا : إن استطاع فليفعل.
سُـنـدس : سأذهب أنا إليه.
زارا : اذهبي له إن أردتِ.
[ يقع “زارا وجيكا” على الأرض ، تظل “سُـندس” تصرخ وحيدة بصوتٍ عالِ من دون توقف … يفتح الجيران نوافذهم ، تخرج “هويدا”، كلهم يريدون معرفة سبب الصراخ..في تلك اللحظة يدخـل رجلاًيرتدي قبعة طويلة ، يسأل.. ]
رجل القبعة : هل هذا هو منزل السيدة هويدا ..؟
لـطـفـي : [ بغيظ ] نعم هذا هو المنزل ، وهذه هي السيدة هويدا ، هيا اقبض عليها.
رجل القبعة : ولماذا اقبض عليها ..؟ لقد جئت لمـُـراقبة أصوات وحركات الببغاوات… أنا الخبير الذي انتدبته المحكمة.
هويدا ولطفي : [ معاً ] ماذا تقول ..؟!
هـويـدا : كان هنا مُـراقب آخـر منذ قليل.
رجل القبعة : لا أعرف عمّ تتحدثون ، من فضلكم اتركوني أمارس عملي.
لـطـفـي : أنت نصاب يا رجل … من الذي أرسلك إلى هنا ..؟!
رجل القبعة : [ مُـندهشاً ] نصاب …؟! كيف تسمح لنفسك بالتطاول على موظف رسمي أثناء تأدية عمله ..؟
لـطـفـي : [ وهو يجذبه من ملابسه ] موظف رسمي أم نصاب رسمي ..؟
هـويـدا : أين نقودي أيها اللص…؟
لـطـفـي : نقودِك ..؟! هل أخذ منكِ نقود …؟ [صارخاً ] إنها عصابة ..
[ يـقـوم “لطفي” بضرب “رجل القبعة”، تشاركه “هويدا” ضرب الرجل الذي يصرخ عالياً … ]
لـيـلـى : ماذا يفعل هؤلاء الحمقى…؟
حُـسني :يبدو أن في الأمر شيئاً لا نعرفه..
سُـندس : [ تصرخ ] أكملا العـِراك .. أريد أن أشعر بأنوثتي.
هـويـدا : [ صارخة هي الأخرى ] قــُـل لذلك المُـراقب المُـزيف الذي أرسلته إعادة نقودي وإلا قتلتك.
لـطـفـي : لا تلوثي يديك الجميلتين بضربه يا سيدتي سأنتقم لكِ منه …[ هامساً لها مرّة أخرى ] ولكن هل يمكن أن تخبرينني سـِـراًبتلك الوقاحات التي كانت تقولها السيدة ليلى ..؟
هـويـدا : يالك من أبله تافه مليء بالأمراض النفسية.
لـطـفـي : [ وهو يواصل ضرب “رجل القبعة” ] ستدفعين ثمن هذا غالياً.
رجل القبعة : [ صارخاً ] لماذا تفعلون معي ذلك …؟
[ ” هويدا “تضرب “رجل القبعة ، لطفي”معاً…يتواصل العـِـراك والصراخ … يقع ” رجل القبعة “بينهما مغشياً عليه.. ]
ــ 6ــ
الببغاوات ملت من ترديد كـذب الحـُـرّاس الذين لا يفهمون لغتهم..
[المحكمة …”هويدا” وجيرانها الثلاثة أمام القاضي ، “رجل القبعة” يجلس متأثراً بجراحـه.. ]
القاضي : أعترف لكم بأنني لا أستطيع حل قضيتكم رغم تفاهتها … ثلاثة ببغاوات تصرخ أو تغني تفعل بنا كل هذا ..؟! محاضر واتهامات متبادلة ، عدائية غريبة وترصد مُبالغ فيه من الجميع تجاه الجميع ، تحـرش جنسي ، اعتداء على موظف رسمي أثناء تأدية وظيفته … قضايا رشوة ونصب … [ صارخاً ] ألا يمكن إسكات هذه الببغاوات حتى ننتهي من هذا العبث ..؟!
هـويـدا : لكن القانون يـصرح لي بتربية الحيوانات والطيور الأليفه ..
لـيـلـى : ألا تملين من ترديد ذلك … القانون الذي يُـصرح بتربية الببغاوات لا يُـصرح بإزعاجهاللجيران.
هـويدا : [ للجيران ] أنتم سبب عذابي.
لـيلـى: وأنتِ سبب ازعاجنا.
رجل القبعة : كفى … أصواتكم مزعجة ورأسي لا يتحمل … لقد قال لي الطبيب أنني أحتاج للراحة أكثر من ثلاثة أسابيع … ماحدث لي كان شنيعاً …
القاضي : [ يضرب بمطرقته ] لا أريد أن أسمع أي صوت .. سؤالي الآن للسادة الجيران .. هل يمكن لكم التعايش مع أصوات الببغاوات ..؟
ليـلـى: لا … أولادي لا يستطيعون المذاكرة ولا النوم.
حُسني : وأنا رجل مريض وأريد أن أستريح في بيتي وأنعم بالهدوء.
لـطفـي : وأنا لن أتنازل أبداً حتى لو قبلت هذه السيدة أصابع قدمي.
هـويـدا : أصابع ماذا ..؟ ألم أقل لك يا سيادة القاضي أنه مريض نفسي.
لـطفـي : سجل سيدي القاضي شتائمها في حقي.
القاضي : لن أسجل شيئاً… ماذا أسجل …؟! كل واحد منكم لديه تحفظات على الأخر ، أمامي ملف كبير يزن ثلاثة كيلوجرامات من الشتائم والاتهامات والشكاوى التافهة .. أنا لا أريد تسجيل المزيد .. أيها السادة قولوا لي بصراحة .. كم تكلفتم من النقود بسبب هذه القضية ..؟
هـويـدا : رهنت منزلي الجديد كي أكسب هذه القضية فأنا لا أستطيع التخلي عن عائلتي.
ليـلـى: اضطـررت لسحب الوديعة البنكية وكادت نقـودها تنفد بسبب رسوم التقاضي وأتعاب المحامين..
لطـفـي : لقد ابتزني المراقب المزيف يا سيدي القاضي وأخذ مني مبلغاً كبيراً هو كل مدخراتي.
رجل القبعة : لم آخذ منه غير اللكمات والشتائم … كدت أموت …
لطـفـي : أقول المزيف.
القاضي : أنت الآن تعترف بالرشوة يا سيد لطفي ..!
لطـفـي : رشـوة … لا يا سيدي لقد منحته النقـود عن طيب خاطـر [ وهو يبكي كطفل ] كان رجلاً طيباً ومحتاجاً.
القاضي : [ يضرب بمطرقته في غضبٍ مُـتزايد ] ماذا يمكن لرجل القضاء في مثل موقفي أن يفعل ..؟! لو أمكنني حبسكم جميعاً لفعلت باسم القانون … أنتم …
رجل القبعة : هل يسمح لي سيدي القاضي بكلمة من واقع خبرتي كمراقب للطيور طوال ثلاثين عاماً ..؟
القاضي : تفضل …
رجل القبعة : لا يمكن بأي حال من الأحوال إرغام الببغاوات على السكوت … ذلك أمراً بديهياً ، يجب أن تفتح لها النوافذ والأبواب كي تتمتع بالحـُـرية فإن اختارت البقاء في القفص فهذه إرادتها ، وإن طارت فلها ما تريد ، الطيور تتكلم لغة أخرى غير لغة حراسها وحكام أمرها ، ولن يفهم كلا الطرفين أبداًلغة الآخر.
لطـفـي : اتركي الببغاوات للحرية أيتها المستبدة الغبية.
هـويـدا : [ وهي تصفعه ] لا تعود لشتائمك الوقحة …لن أتخلىمهما حدث عن أولادي.
لـطـفـي : إنها تصفعني … هذه القذرة تصفعني..
رجل القبعة : تمالك أعصابك وتذكر ما نالني منكما من صفعات ولكمات تفوق هذه الصفعه عشرات المرات .. اهدأ كي يأتي الحق لجانبك.
لـطـفـي : يجب أن أرد لها الصفعة إذ لا يوجد حق مُـستعاد في هذا العالم.
رجل القبعة : تمالك أعصابككرجل.
ليـلـى : [ لهويدا ] ياله من موقف سيء مانحن فيه الآن … كل ذلك من أجل ثلاثة ببغاوات..؟! [ لـ ” هويدا ” ] اسمعي ، أنا أتأثر لحالك كثيراًفي أمر علاقتك بهذه الببغاوات لكن لا يمكنني بأي حال من الأحوالالموافقة على بقاءها.. يجب أن ترحل الببغاوات.
حُـسنـي : [ لـ ” هويدا ” ] لتحتفظي بببغاء واحد منها ولتتركي الباقي … حتماً سيقل الضجيج.
لـطـفـي : [ بغيظ مكتوم لرجل القبعه ] سأرد لها الصفعة صفعتين.
رجل القبعة :إن فعلت سيأمـُـر القاضي بحبسك.
لـيـلـى : لا يوجد حل غير رحيل الببغاوات.
هـويـدا : لقد رحلت مـرّة بسببها ولن أعيد الكـرة مرة أخرى .. إنها تغني
حُـسني : تصرخ …
رجل القبعة : ستظل تصرخ وتغني ولن يستطيع أحد إرغامها على السكوت.
القاضي : [ بضيق ]كفى … المحكمة تمتليء بالقضايا المصيرية التي تتوقف عليها حياة الناس ولم يكن ينقصها مثل قضيتكم ، تغلق هذه القضية لأنه لا يمكن إرغام الببغاوات على السكوت والأمر متروك لكم وعليكم أن تحلوه كما شئتم .. رُفعت الجلسة..
[ يخرج القاضي …تتزايد أصوات الجميع ، تتداخل كلماتهم ، يوشكوا على العـِـراك …تحل محل أصواتهم أصوات الببغاوات … ]
ــ 7ــ
وتيقـنـوا أخـيـراً أنهم ماضـون في آلامهـم بينما الحـُـرّاس مستمرون
في قطع الألسنة …
[ أمام منزل ” هويدا ” … منتصف الليل ، الببغاوات نائمة ، يدخل لطفي مُندفعاً وهو يحمل في يده مقصاً ، يتجه لقفص الببغاوات… ]
جـيـكــا: ماذا سيفعل هذا المجنون ..؟!
سُـندس : يبدو أنه سيفتح لنا باب القفص لننعم بالحـُـرية.
زارا: الحرية لا تأتي بهذه السهولة ، أعرف أنه يجب أن نتعب دائماً للحصول عليها.
جـيـكـا : لاحظا المقص في يده.
[ يفتح ” لطفي ” باب القفص ، يتناول “زارا” الذي يصرخ … ]
زارا : اتركني ماذا تريد مني …ماذ …
[ يـقطـع ” لطفي ” لســــان “زارا” ، تصــرخ “سُــنــدس” بينما يقف “جـيكا” صـامتـاً في ذهول ، “زارا” يصـــرخ من الألم .. يمسـك “لطفي” بـ “سُـندس”.. ]
سُـندس : لقد قطع لسان زارا …قطع لسان …..
[ يقطع ” لطفي ” لسان “سُـندس” هي الأخرى… مازال “جيكا”ذاهلاًمما يجري حوله… يتقدم “لطفي ” منه ويقطع لسانه هو الأخر ويخرج مُـسرعاً ، الببغاوات تصرخ عالياً… تتدحرج على الأرض من الألم … تخرج ” هويدا ” فتفاجيء بالحالة.. ]
هـويـدا : ببغاواتي ..أولادي .. من فعل بكم هذا..؟[ صارخة ] إنها جريمة.
[ الجيران يفتحون نوافذهم … ]
ليـلـى: لماذا يتعالى صراخ الببغاوات لهذه الدرجة ..؟!
حُـسني : إنهم يتألمون … هل وضع لهم أحد السم في الطعام..؟
لـطفـي : [ يظهر ] يبدو أن أحدهم قطع ألسنة الببغاوات … ألا ترون الدم المتدفق من أفواههم .. ياله من جزار ..
هـويـدا : [ تصرخ بأعلى صوت ] ببغاواتي .. من هذا الحقير الذي فعلها ..؟سأنتقم منه .. ببغاواتي..
ليـلـى : [ بأسى ] ما كل هذا الوجع … إنها جريمة حقيقية .. !
[ يدخـل “رجل القبعة” …يتأمل المشهد ، نسمع صوته من دون أن يتكلم… ]
صوت الرجل ذو القبعة : لكنها برغم قطع ألسنتها مازالت تصرخ إذ لا يمكن لأحد إرغام الطيور على السكوت …
[ تتعالى وتتداخل أصوات البشر مع أصوات الببغاوات مما يشكل انفجار صوتي ليعم بعد ذلك صمت كبير … تطفأ الإضاءة تدريجياً… ]
إبراهيم الحـُـسيني
مــــــارس 2020