وائل العدس يكتب: أيمن زيدان.. تلك الظاهرة!
المسرح نيوز ـ سوريةـ متابعات| وائل العدس
ـ
لم يدخر أيمن زيدان جهداً في سعيه نحو إعادة الألق للمسرح السوري، فهو تواقٌ دوماً للنهوض بـ«أبو الفنون»، لذا نجح في الموالفة بين عناصره الفنية المتعددة ليخرج إلينا بمسرحية «اختطاف» التي أعدها بنفسه مع محمود الجعفوري عن مسرحية «الأبواق والتوت البري» (1981) للمسرحي الإيطالي الراحل داريو فو الحائز جائزة نوبل 1997 معتمداً على مجموعة من الممثلين الشباب والموهوبين في مغامرة نجح بكسب رهانها وهم: لوريس قزق، ونجاح مختار، وتوليب حمودة، ولجين إسماعيل، وأنطوان شهيد، وخوشناف ظاظا.
ونظراً للحضور الكبير، اضطر زيدان إلى الاستجابة لمطالب جمهوره، فمدد عروضه في دمشق عشرة أيام، على أن يحزم حقائبه ويجول في عدد من المحافظات السورية، فيعرض يومي الأول والخامس من شهر أيار في مسرح مديرية ثقافة حمص، ويعرض يومي الثالث والرابع على خشبة مسرح قومي طرطوس، قبل أن يختتم جولته في اللاذقية يومي السادس والسابع من الشهر نفسه في مسرح المركز الثقافي.
يستحق زيدان أن يوصف بالظاهرة، فهو المؤلف والمخرج والممثل، وقد صنع ما يشبه الانتفاضة في فنه الأثير، معتبراً المسرح شعبياً بامتياز ومنبراً مواتياً لمناقشة قضايا مختلفة.
العرض من إنتاج وزارة الثقافة «مديرية المسارح والموسيقا»، وجاء افتتاحه في يوم المسرح العالمي، والموسيقا فيه لسمير كويفاتي، والديكور والأقنعة لعلي فاضل، والأزياء لريم الشمالي، والإضاءه لأدهم سفر، والتعاون الإخراجي لحسن دوبا.
حكاية العرض
يستلهم داريو فو حادثة اختطاف منظمة «الألوية الحمراء» لرئيس وزراء إيطاليا السابق ألدو مورو، وتصفيتها له عام 1978، بعدما رفضت الحكومة التفاوض مع تلك المنظمة، وأثير جدل كبير حينها عن المصالح الخفية وراء التضحية بتلك الشخصية.
يلتقط «داريو فو» الأمر، ويطرح سؤالاً مهماً، «ماذا لو كان الذي تعرض للاختطاف هو أحد أباطرة الاقتصاد الإيطالي؟ ماذا لو كان هو «جياني أجنيللي» صاحب ومالك ورئيس مجلس إدارة شركة فيات، وغيرها من المؤسسات الصناعية الكبرى؟».
تبدأ أحداث المسرحية في أحد المستشفيات، حيث تذهب «روزا» للتعرف على زوجها الذي تعرض لحادث وضاعت ملامح وجهه تقريباً، ومن خلال الحوار نفهم أن الزوج «أنطونيو» قد هجر زوجته وأنه كان يقضي نزوة مع عشيقته عندما وقع الحادث، ونفهم أيضاً أن الطبيب سيعيد تشكيل وجه المصاب طبقاً لصورته التي ستزوده بها «روزا»، وفي لحظة ما يتوقف الحدث المسرحي، حيث يتم كسره ويتقدم شخص ما معرفاً نفسه بأنه الممثل الذي يقوم بدور «أنطونيو»، ويبدأ في سرد حكايته، ويقوم باستدعاء عشيقته «لوتشيا» ليسردا معاً ما حدث بشكل عارض، حيث تصادف وجودهما في مكان الحادث نفسه، وقد دفعته الشهامة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وسط دخان كثيف، فيتمكن من إنقاذ الشخص الجالس بجوار السائق، ويخلع سترته ويلفه بها، وفجأة يحدث إطلاق نار، فيهرب تاركاً سترته بكل ما فيها من أوراق، كبطاقته الشخصية.
إن المفارقة هنا التي تثير الضحك، وتثير الخيال أيضاً هي أن الشخص الموجود في المستشفى والذي يعتقد الجميع أنه «أنطونيو» العامل البسيط المطحون الذي يعمل في أحد مصانع «فيات» الصغيرة، هو السيد «جياني أجنيللي» مالك مصانع «فيات» والشركات الكبرى والبنوك، وأن هذا السيد سيعاد تشكيل وجهه طبقاً لصورة «أنطونيو».
إن «أجنيللي» سيجد نفسه محل واحد من العمال الذين يعملون في أصغر مصانعه، قد يتعرف على معاناة العمال وكرههم لصاحب تلك المصانع الذي يستغلهم، وهو أيضاً يتذمر ويصف العمل بأنه حقير ومهين، بل سيجد نفسه أيضاً في بيت ذلك العامل مع زوجته وعشيقته.
إنها مفارقة أن يتحول الإنسان من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار رغماً عنه ومن دون أن يدري، على حين يبحث الجميع عن شخص مخطوف من وجهة نظرهم وهو السيد «أجنيللي» وبالطبع لا وجود له.
إن «أنطونيو» رغم طيبته ونياته الحسنة يجد نفسه متورطاً ومطارداً وعاجزاً عن استيعاب الموقف «هل أنقذت أجنيللي»؟! أخذته بين ذراعي ولففته في سترتي! أنا!. إذا سمع زملائي في العمل عن هذا في مصنع «ميرا فيورا» فإنهم سيصفونني، ويدهسونني بالجرارات.. سوف يربطونني إلى حائط ويبصقون علي.. سوف يبصقون علي حتى الموت.
يتم الانتقال إلى المستشفى حيث يرقد «المزدوج» الذي هو «أجنيللي»، ويخاطبه الجميع على أنه «أنطونيو»، حيث يحاول الطبيب تعليمه، وإعادته للحياة مرة أخرى، على حين تحاول الشرطة الحصول على معلومات، والمحقق يسعى لأداء وظيفته.
تنتقل الأحداث إلى شقة «روزا» حيث تتقابل الزوجة والعشيقة، وعلى خلاف المتوقع نجدهما متفاهمتين، ونلاحظ هنا أن الحدث الدرامي يبدأ بشكل تقليدي بحيث يستغرق المتفرج في الحدث وفي لحظة غير متوقعة يتم كسر الحدث لهدف ما، وهنا نلاحظ التسلل الناعم الذي استخدم للعودة للأحداث مرة أخرى.
إن «أنطونيو» المطارد والمتهم باختطاف «أجنيللي» لا يجد مكاناً يختفي فيه غير شقة زوجته «روزا»، والمزدوج «أجنيللي» الذي هرب من المستشفى وتطارده الشرطة يذهب إلى المكان نفسه للاختباء، وتقع «روزا» ضحية سوء الفهم وعدم المعرفة، فهي لا تعرف أن هناك اثنين «أنطونيو والمزدوج»، ويتيح ذلك للجمهور متعة الانفراد بالمعرفة، وخاصة عند تبادل الأدوار والأماكن وعندما تتعامل «روزا» معهما كأنهما شخص واحد، ما يثير الضحك.
جهد واضح
السخرية في المسرحية هي السائدة، وثمة نقطة مهمة هي أن الحوار مثقل بالإيحاءات والتعبيرات التي تحمل معاني متعددة، وهذا يجعل عبء إعداد مثل هذا العمل كبيراً للغاية.. حيث إن زيدان والجعفوري بذلا جهداً واضحاً في تقريب المعنى بقدر الإمكان إلى الذائقة السورية.
حضور وغياب
في وقت أثبت فيه حضوره الفعال على الخشبة، يغيب أيمن زيدان عن الدراما كممثل للموسم الثاني على التوالي، حيث أخرج الموسم الماضي مسلسل «أيام لا تنسى»، ولعب بطولة فيلمي «الأب» للمخرج باسل الخطيب، و«درب السما» لجود سعيد الذي سيبدأ معه قريباً تصوير فيلم «مسافرو الحرب»، ويحضّر النجم السوري خلال المرحلة المقبلة لأولى تجاربه الإخراجية السينمائية «النورج».
الوطن السورية