الناقد محمد الروبي يكتب: أبي حسين عبد القادر!
المسرح نيوز ـ القاهرة| محمد الروبي*
ـ
في مسيرة أي إنسان عدد من الشخصيات الذين أثروا في تكوين شخصيته. ومن نعم كثيرة أنعم الله بها علي، أن كان لي أساتذة كثيرون، رجال ونساء، حفر كل منهم نهرا في نفسي ارتوت بهم جميعا حديقة أفكاري وفهمي للعالم.
وكان من بين هؤلاء، بل على رأسهم، أستاذي الفاضل حسين عبد القادر.
حظي السعيد جعلني أدخل معهد الفنون المسرحية في عام 1982 بعد أن أنهيت دراستي في إحدى الكليات العلمية، وهناك التقيته أستاذا لمادة التحليل النفسي وأثره على الدراما، فأجلس في حضرته منبهرا، أنهل من فيضه علما جديدا لم أكن أعرفه، فأسرني ذلك العلم بقدرة أستاذه على تبسيط ما كنا نظنه معقدا وثقيل الظل، فإذا به مفتاح ذهبي لفهم المسرح بل والحياة.
حين علمت بأن المهرجان القومي للمسرح سيضع اسمه مكرما في هذه الدورة، فرحت فرحا كبيرا، وانهالت مع الخبر ذكريات كثيرة عنه وعلاقته معنا – نحن طلاب المعهد – وعن تأثيره علينا بثقافته الموسوعية وبقدرته المبهرة على ربط الأشياء بالأشياء، وعلى استخلاص العميق من بسيط المواقف.
كان حسين عبد القادر بالنسبة لنا نحن الذين نحبو بخطوات متعثرة على درب علوم المسرح، شجرة السنديان التي نستند على جذعها الرحب، نسمع ونستمتع، نحاور ونناقش، نكتشف ونحاور، وهو بابتسامته البراح لا يكف عن العطاء.
على يديه حلقنا في فضاءات سحرية، اكتشفنا أوديبا آخر وكلتمنسترا مغايرة، وأنتيجون جديدة وهاملت بأكثر من وجه. معه قمنا بزيارة لمستشفى الأمراض العقلية، وشاهدنا حالات كثيرة وعدنا نطبق ما تعلمناه على ما شاهدنا وما قرأنا من نصوص كنا نظن أننا خبرناها بما يكفي، فإذا بها تمنحنا أسرارا نزهو ونفاخر بأننا توصلنا إليها.
من حسين عبد القادر أيضا تعلمنا احترامه وتقديره لأساتذته الأولين، وكنا نندهش حين نراه يركع إجلالا وتقديرا لأحد معلميه، وكنا نخجل حين ينادينا نحن الصغار بألقاب “الصديق” و”الأخ” وهو ما يجعلنا الآن نسخط ونتألم حين نرى صغارا يتطاولون على قامات، فننهرهم ونحكي لهم عن ذلك العملاق الذي أهدانا الرب نعمة أن نتتلمذ على علمه وخلقه.
أبي حسين عبد القادر، فضلك باقٍ ما بقينا.. ولا نملك إلا أن نتوجه بالشكر إلى إدارة المهرجان على أن جعلونا نحتفي بك احتفاء ربما لا يفي ما قدمت، لكنه بمثابة وردة نهديها إليك الآن.. فتقبلها أستاذنا.. وعذرا أن جاءت متأخرة كثيرا.