المسرح نيوز ـ القاهرة ـ مسرح طفل
ـ
رسائل خوفو السرية ـ نص من المسرح المدرسي
تأليف: د.رضا عبد الرحيم *
*عضو اتحاد كتاب مصر
المشهد الأول
الملك خوفو: ما رأيك فى هذا الصرح الذى أقمناه على هذه الهضة العظيمة .أيها الساحر ددى؟
الساحر ددى(بصوت رخيم واهن):
إنه عمل عظيم يا مولاى.
الملك خوفو(متسائلا):
لماذا لم نراك من قبل أيها المبجل.؟
مولاى ..من دُعى أجاب،ولما دعوتنى لبيت.. وقد سعدت وشرفت بدعوتكم لى فى إفتتاح هرمكم العظيم(أفق خوفو)[1] ،أنه بحق صرحا يليق-ساجدا- بعظمة مولاى الملك الإله.
خوفو:
علمت بأنك تحتفظ بكتاب المعبود “تحوت”[2].وقد رأيت أن أحتفظ بهذا الكتاب فى مكتبة المعبد الجنائزى الواقع شرق هرمى هذا.
ددى:
أمرك سيدى ،لكن ..لكن…
خوفو:
لكن ماذا؟
ددى:
إن تعاليم وأسرار المعبود “تحوت” هنا- يشير إلى صدره-،ولا أستطيع البوح بها لأحد!!
خوفو(مستنكرا):
ماذا تقول أيها الساحر الكاهن ؟!!
ددى:
عذرا مولاى و سيدى الملك الإله .فمثلى لا يجرؤ على غضب إله عظيم مثلك ، لكن ربما كان فى الكتاب ما يغضبكم،ويعكر صفو حياتكم،ولا أريد أن أسبب لكم أى ضيق.
خوفو(مستفسرا):
وهل فى الكتاب حقا ما يغضبنى؟!
ددى:
يامولاى الكتاب فيه أخبار السابقين وأنباء اللاحقين.تاريخ الأجداد..ومستقبل الأحفاد.
خوفو:
وهل فى مستقبل الأحفاد ما يعكر الصفو؟!!
ددى (يلوذ بالصمت)
خوفو(محاولا سبر أغوار ددى):
لقد سمعتُ عن مواهبك فى السحر ،وأنك تستطيع أن تجبر أسدآ على أن يسير آليفا طائعا خلفك،وأنك تستطيع أيضا أن تقطع رقبة إنسان ثم تتلو عليها تعاويذك فتعود إلى مكانها من الجسم، وتسترد حيويتها.
ددى(وقد بُش بكلام خوفو):
مولاى وسيدى..كان هذا فى الماضى البعيد،أنا الآن أبلغ من العمر العاشرة بعد المائه.
خوفو(محاولا إثارة حماس ددى):
أيها الساحر والكاهن المبجل،أريد أن أرى معجزة من معجزات الماضى..هيا،هيا .(ينادى):
يا حراس أحضروا سجينا (ينظر إلى ددى):
سأقطع رأسهُ وأريدك ان تعيدها بسحرك إلى مكانها مرة أخرى.
ددى(رافضا ):
لا..لا يا سيدى صاحب الجلالة،لا تقتل كائنآ بشريآ .فمن المحرم تجربة هذه الأمور على قطيع الله،وحسبك أن أحدآ لم يطلب أداء شىء من ذلك على هذا الشعب النبيل.
خوفو(بضيق):
إذا لا معجزات سنراها منك الليلة!!
ددى(محاولا إرضاء الملك خوفو):
مولاى وسيدى..سأحكى لكم قصة مثيرة تتعلق بهذا الهرم العظيم ،وستحدث فى أخر الزمان.
خوفو(بشغف):
وهل هذه القصة موجودة فى كتاب “تحوت”؟!!
ددى(بذكاء):
نعم يا مولاى وسيدى ..ومن خلالها ستتعرف على مستقبل “كمت”[3] ،وهذا الصرح العظيم الذى سيخلد أسمكم،كل الأشياء تتبدد بفعل الزمن إلا صرحكم هذا.
خوفو(منتشيا بكلام ددى):
عظيم..عظيم ..تحدث فقد شغفت بحديثك.وأصبحت أتحرق لسماع قصتك.
ددى(بحذر):
لكن أطلب منكم الأمان ،فالقصة بها –ربما- ما يغضبك.فأمنحنى الأمان.
خوفو(بهدوء ):
لك الأمان .إخرج ما فى صدرك أيها الساحر الكاهن المبجل.
المشهد الثانى
يفتح الستار على خوفو جالسآ على عرش حكم مصر،والكاهن جدى جالسا فى مستوى أدنى.
ددى(موضحا):
بادىء ذى بدء أوضح لجلالتكم يا مولاى أن التنبؤ بحوادث المستقبل ليس معناه التمكن من التحكم فى نتائجه…وإن لكل عصر منطقهُ،وأن المبادىء التى يتبنها أو يعتنقها عصر معين ليس من الضرورى أن يتبنها عصر آخر أو يسلم بها.
خوفو(مقاطعا):
لا أحب المقدمات الطويلة ،أسترسل بلا تقديم مبررات،هات ما عندك.
ددى:
أمرك مولاى ..سيحضر فى أخر الزمان أُناس يزورون هرمكم العظيم،بل سيعبده بعض الناس ويحجون إليه.
(يجد كلامه هذا صدا طيبا لدى الملك خوفو )
سيصبح احد عجائب أهل الأرض قاطبة ،ولكن سيأتى معهم من يكرهون نسبه لمولاى،ويستكثرون عمله على أحفادكم ،ويحاولون أن ينسبوه لأنفسهم ولأجدادهم من العبيد.
خوفو(هازئا):
كيف لعبيد أحفاد عبيد أن يتفوهوا بهذا الهراء!!
ددى:
الوضع فى أخر الزمان سيكون مختلفا عن وقتنا هذا يا مولاى،سيعلو العبيد فى الأرض ،ويكون لهم دولآ وأمبراطويات،ولكنهم سيعانون من عدم وجود جذور وتاريخ لهم بين سائر الأمم ،فيحاول بعضهم أن ينتمى إليكم ،أو يسلبون أحفادكم حقهم التاريخى فى هذا الصرح العظيم.
خوفو(مستفسرا):
وكيف يكون هذا بحق رع[4] ؟
ددى(بصوت واهن):
سيحضرون للتنقيب عن آثاركم فى كل بقاع الأرضين “كمت”، سينبشون كل مقبرة ليثبتوا لهم تواجد فى صنع حضارتكم التليدة،سيزيفون التاريخ ،ويحرفونه من أجل الحصول على حق تاريخى فى هذه الأرض الطيبة.
خوفو(متسائلا بدهشة):
وأين أحفادى ..أين قوادى و جنودى..وأين الإلهة من كل ما تقول؟!!
ددى(وقد إستشعر غضب الملك):
سيدى ومولاى الملك الإله لقد قلت لكم ان هذا سيحدث فى أخر الزمان.
خوفو(واقفا):
لم يخل عصر من العصور من الآلهة،لم يخل عصر من العصور من هذا الشعب الطيب العريق.هل تقصد………؟(يضع يده على فمه حتى لا يكمل كلامه) ثم يستطرد(وكأنه يفكر بصوت عال) قائلا:
هل سيختفى المصريون فى أخر الزمان؟ أم سيغزو “كمت” شعوب الصحراء؟
ددى(منكرا وموضحا):
هون عليك سيدى ومولاى ولا تقلق أن المصريين سيزدادون ببركة المعبود “مين”[5]، يتوالدون ويتكاثرون كأرنب برى،ولن تستطيع شعوب الصحراء أو شعوب البحر أن تغزوهم .
خوفو(يجلس مطمئنا لكلام ددى):
إذا كيف سيصل هؤلاء الرعاع إلى مقابرنا وكيف سيزيفون التاريخ؟!!
ددى(محاولا توضيح الأمر للملك خوفو):
إنهم سيحضرون إلى “كمت” فى زى العلماء،سيجعلون أحفادكم يوافقون على نبش الأرض بحثآ عن تاريخ أجدادهم ،سيقنعوهم بأنهم مثلهم يعشقون أجدادهم القدماء العظام.
خوفو(مستفسرا):
هل تتحدث معى بالأحجية أيها الكاهن،أنا لا أفهم منك شيئآ!!
ددى(مدركا غضب الملك):
عفوا مولاى وسيدى الملك الإله..سيوفدون كبعثات علمية مثل تلك التى ترسلها للبحث عن الذهب والنحاس بالصحراء الشرقية.
خوفو(غاضبا مذكرا):
لقد أخبرتك من قبل بأننى لا أحب المقدمات الطويلة .لقد قلت أنك ستقص على قصة تتعلق بهرمى هذا ،فهاتها بلا مقدمات.
ددى(ململما نفسه):
سيأتى أثنان (يصمت قليلا)
خوفو(هازئا):
ماذا قلت (يضحك بصوت عال ) ويردد:
إثنان فقط..إثنان قلت
ددى(متماسكا):
نعم يا مولاى وسيدى ..إثنان . لصان (بصوت متحشرج) سيحاولان العبث بخرطوشكم .
خوفو(واقفا غاضبا):
هذا الهرم العظيم يعبث به لصان.ويصلا إلى إسمى وخرطوشى !!انت تعلم معنى هذا؟!
إنهما – إن فعلا- كما ذكرت ،فإنهما يحرمانى من الوجود فى العالم الآخر،يحرمانى من الخلود مع والدى الإله العظيم رع.
ددى (محاولا تهدئة الملك خوفو):
مولاى وسيدى…سيذبح الموت بجناحيه كل من يجروء على إزعاج مرقد الفرعون العظيم.
خوفو(مقاطعا إياه):
عليك أن كنت صادقا !!أن تحضرهما أمامى الآن ،وإلا أعتبرتك كهلا مخرفا ،وأمرت بعودتك إلى مدينتك ميدوم ، ومنعتك عن الخروج منها .
أستخدم سحرك ،أريد معجزة تنقذ إسمى من العدم والفناء ,إن الأمر جد خطير..خطير.
ددى(يستجمع قوته،ويبدأ فى تلاوة بعض التعاويذ باللغة المصرية القديمة):
“دوا أن عا رع،دوا أن عا حور ،دوا أن حات – حر”،يقولها ثلاثا.
( يدخل إلى المسرح إثنان بملابس حديثة ،وملامح أجنبية ،يتحدثان بلغة أجنبية، ويظهر على ملامحهما الإندهاش)
اللص الأول:
اللص الثانى:
خوفو(متسائلا موجها كلامه لـ ددى):
إنهما من أصحاب الشعر الأصفر والعيون الزرقاء.
بأى لغة يتحدثان يا أيها الساحر العظيم ددى؟
ددى(بثقة):
يتحدثان بلغة غريبة عنا يا مولاى ويا سيدى،ولكن بسحرى أستطيع أن أجعلهما يتحدثان بلغتنا .
(يتمتم :دوا رع حور- آختى تب – حر دوا)يقولها ثلاثا.
اللص الأول(متحدثا بالعربية):
أين نحن؟!
اللص الثانى(متحدثا بالعربية):
من الذى أحضرنا هنا؟!
ددى(بلغة صارمة متحدثا إليهما):
عليكما بالخشوع ..أنتما فى حضرة الملك الإله خوفو
خوفو(موجها كلامه لهما):
انتما لصان من شعوب البحر؟كيف تجرؤتما على العبث بإسمى وخرطوشى؟!!
اللص الأول:
نحن لسنا بلصين أيها الملك العظيم.نحن باحثان.
ددى(موضحا للملك):
يقصد إنهما يعملان فى مجال متعلق بالعلم مثل علم الطب أو الهندسة أو الفلك
خوفو(متسائلا):
وهل هذا العلم يأمركم بالعبث بمقابرنا ومعابدنا؟!!
اللص الثانى(موضحا):
نحن ندرس فى مجال ما خلفتوه من آثار ،لا يضاهيها أى حضارة أخرى فى العالم القديم والحديث.
خوفو(غاضبا):
وهل هذه الدراسة تتطلب تدميرا لمقابرنا ،وضياعا لخلودنا السرمدى فى العالم السفلى؟
اللص الأول(مستنكرا):
لا..أبدا .نحن نحافظ على هذه الأثار ،نكشف عنها وعن عظمتها،ونساعد أحفادكم على فهمها والحفاظ عليها.
اللص الثانى(بصلف مؤكدا):
إن حضارتكم وما خلفتموه من أثار ليست ملكا لكم وحدكم،إنها ملك الإنسانية.
(يحاول اللص الثانى أن يسنيه عن ذكر ما بداخله)
خوفو(بصوت عال):
صدقت أيها الساحر العظيم ،والكاهن المبجل جدى..صدقت.
يمنحون أحفادى السم فى العسل..صدقت أيها المبجل..صدقت.
اللص الأول(محاولا تهدئة الملك خوفو):
أعلم سبب غضك سيدى،لا تقلق فقد أخذنا عينة بسيطة لا تتعد 2 مل فقط من خرطوشكم ،وقد أخضعناها للتحليل فى معالمنا ،والذى أثبت أن الهرم الأكبر عمره 15 ألف سنة.
خوفو(مستفسرا من ددى):
وما معنى ذلك؟!
ددى(على إستحياء):
معناه أن …….(يصمت)
خوفو (مبادرا ):
معناه أن هرمى (أفق خوفو) ليس ملكا لى،بل ربما ذهبوا إلى أنه لا يخص الحضارة المصرية كلها،هكذا إذا يزيفون التاريخ،يطمسون إسمى ،وربما يكتبون أسماء أجدادهم !!(هازئا): ياله من علم!! أنهم يزعمون النتائج ثم يبحثون عما يؤكدها!!ياله من علم!!.
ددى(متحديا):
الملك الإله العظيم خوفو سيظل هرمكم العجيبة الوحيدة الباقية على مر الزمان،وسيظل أسمكم محفوظ مهما حاولوا طمسه.إن هرمكم الأكبر يعتبر المعجزة المعمارية الوحيدة التى وقفوا أمامها عاجزين عن حل أسرارها.
خوفو(بصوت حزين):
ما لهذا تم بناؤه يا ددى المبجل ، ما لهذا تم بناؤه ،إنها مساكن الروح.الروح يا ددى ، (ثم يلتفت إلى اللصين موجها بهدوء كلامه لهما):
سنعقد لكما الآن محاكمة عادلة،برئاسة الكاهن المبجل ددى،وعليكما أن تواجها نتيجة ما أرتكبتموه من إثم ..ددى.
ددى(مجيبا):
أمرك يا مولاى(يخرج قرطاسا من البردى ،موجها كلامه إلى اللصين):
أولا عليكما أن ترددوا ورائى هذا القسم:
” أقسم بالإله العظيم،رب الأرباب،الإله رع العظيم،وباسم الملك خوفو،الملك الإله ،أن ما أقوله هو الحق ،ولا أقرر أى كذب،وإذا قلت كذبا ،فلتقطع أنفى وأذنى ،وأن أشتغل فى الأعمال الشاقه بقوش”
(اللصان يرددان القسم وراء ددى ،وتظهر على ملامحهما الخوف ،وخاصة عند ترديد العقاب)
ددى(موجها كلامه للصين):
من أى البلاد أنتما؟
اللص الأول :
نحن من ألمانيا
ددى: وأين تقع بلادكم تلك من “كمت”؟أقصد من مصر؟
اللص الثانى:
فى الشمال ،يفصلنا عن بلادكم البحر المتوسط
ددى(موجها كلامه إلى الملك خوفو):
يقصد البحر الأعظم يا مولاى ،إنهما من شعوب البحر.
خوفو(مؤكدا):
كان الخطر يأتينا دائما من الشرق أو الغرب أو الجنوب ، وفى أخر الزمان أصبح يأتينا من الشمال أيضا.!!
ددى(موجها كلامه للصين):
كيف تسللتما إلى داخل الهرم الأكبر؟
اللص الأول(مستنكرا مخرجا أوراقا من جيب جاكيته الطويل):
لم نتسلل سيدى،لقد تقدمنا بطلب زيارة خاصة إلى المجلس الأعلى للأثار،وحصلنا على بيرميشن (تصريح) .
ددى :إذا دخلتما بعد أخذ الأذن من القائمين على إدارة الهرم فى عصركم
اللص الثانى(مضيفا):
وقد دفعنا لهم رسوما مالية للقيام بهذه الزيارة.
اللص الأول(موضحا):
يقصد إننا تقدمنا بأوراقنا كاملة ،وقمنا بسداد القيمة المالية للزيارة،ولم نتسلل أو نخترق قانون دولتكم.كل الأمور كانت فى النور .
ددى(مستفسرا):
هل كان يعلم أحد من القائمين على إدارة شؤون الهرم بنيتكم فى العبث بخرطوش الملك؟
اللص الثانى(محاولا التحدث،غير أن اللص الأول يستوقفه،ويبادر هو بالكلام):
عفوا سيدى لا أفهم سؤالك؟!
ددى(مذكرا ):
عليكما أن تتذكرا دائما القسم على قول الحق،والعقاب أيضا .أنتما لا قبل لكما على الوضع على العجلة[6].
اللص الثانى(موضحا):
إن الإدارة المسؤولة عن الهرم كلفت ثلاثة مفتشين لمرافقتنا ،صعد أحدهما معنا إلى الهرم ،ولكنه تخلف عنا فى غرفة الدفن،وصعدنا نحن إلى الحجرات الخمس التى تقع فوق حجرة الدفن .
ددى(مؤكدا):
إذا أهمل البعض وغافلتم المرافق وفعلتم فعلتكم دون علم من أحد.
خوفو(متسائلا بحزن):
هل أقدم أحد أحفادى على التعاون مع اللصين ،هل فعل أحدهما ما فعلته المعبودة “إيزيس “مع المعبود “نمتى” بمنحه خاتما ذهبيا ليعبر بها البحيرة .!![7]
ددى(موجها كلامه إلى الملك خوفو):
لست متأكدا يا مولاى ..فأنا لا أثق فى كلامهما.
ددى(موجها كلامه للصين):
وبعد صعودكما إلى الحجرة الخامسة ماذا فعلتما بالظبط؟
اللص الثانى:
لا شىء قمنا بكشط جزء بسيط جدا من مداد الخرطوش بإزميل صغير.
خوفو(بإهتمام بالغ موجها كلامه لـ ددى طالبا منه أن يقترب منه للتشاور):
أرى أن نشكل “لجنة”لمعاينة ما لحق بالهرم من أضرار.
ددى(بإبتسامة هادئة):
مولاى لا تنسى أن ما حدث لهرمك ،لم يحدث فى زماننا هذا،بل حدث فى المستقبل البعيد..البعيد جدا!!
ددى(موجها كلامه للصين):
ما الهدف من إقدامكم على سرقة خرطوش الملك؟
اللص الثانى(رافضا):
لم نسرق الهرم الأكبر..قلنا لكم : أخذنا عينة (جزء من مداد الخرطوش)لإجراء بعض التحاليل ؛بهدف تحديد عمر الهرم .
اللص الأول(مؤكدا):
ونحن إعتذرنا عن ذلك ..وممكن أن نعتذر مرة ثانية ،ونعيد تلك العينة إلى مكانها أيضا.
(خوفو يوجه كلامه إلى اللصين):
قولتما من قبل أن الهرم الأكبر(أفق خوفو) ،هل تسمعان أسمه جيدا أفق خوفو بهذا العلم الذى أخترعتموه ليس ملكا لى ولا لأحفادى من بعدى ،وهذا القول يستند على تحليلكم لعمر المداد الأحمر الذى كتب به الخرطوش .والذى أثبتم فى معاملكم أن المداد اقدم وأسبق من الهرم نفسهُ.
وأنا أقول لكما :
إن عمر المادة لا علاقة لها بعمر البناء،فقد يرجع عمر المحجر إلى خمسين ألف سنة ،وليس 15 الف سنة فقط!!(هازئا): فماذا تقولا فى هذا؟!
هل ستذهبان لسرقة مناجمنا أيضا؟!
إذهبا إذا ..إدفعا الرشاوى ،وإحصلا على تاريخ زائف.وروجا لإكاذبكما المريضة ،ولكن أبدا لم ولن تستطيعا أن تضعا التاريخ فى المعامل!!
الباحث الثانى(يحاول أن يتماسك ويبعد عن نفسه الخزى والعار):
سيدى الملك العظيم أراك تحتقر العلم؟!
الملك خوفو (بلغة صارمة):
كيف؟!!وهذا الهرم الأكبر دليلا خالدا على إيماننا بالعلم بل وبلوغنا قمته فى سائر العلوم وأولها الرياضيات والهندسة وميكانيكا التربة والفلك وغيرها.
أنا أقصد أن التاريخ لا يمكن إخضاع وقائعه لما يخضع له العلم من المعاينة والمشاهدة والفحص والإختبار والتجربة ،وبذلك لا يمكن فى دراسته إستخلاص قوانين علمية يقينية ثابته،على نحو ما هو موجود بالنسبة لعلم الطبيعة أو علم الكيمياء مثلا.
اللص الأول(محاولا فرض منطقه):
نعم . مولاى..لكن إذا كان التاريخ ليس علم تجربة وإختبار .فإنه علم نقد وتحقيق.نعم.لا نستطيع أن نستخلص من دراسة التاريخ قوانين علمية ثابتة ومع هذا لا يجوز أن نجرده من صفة العلم.
خوفو(بهدوء وصرامة):
النقد والتحقيق !!من يقوم بهما ؟(يشير بإصبعه إليهما ،تحقيرا من شأنهما ) لصان !! إن العلم لا ينظر إليه على أنه علما إلا بقدر ما هو محمل بالقيم.ونحن حتى الآن لا نعرف هل سرقتما فقط أم قدمتا رشوة إلى جانب السرقة!!
إن حضارات الأمم تقوم على دعامتين العلم والخلق،وليس العلم فقط ،ويظل القلب والضمير المصدر الأعلى للقيمة وللمعرفة على السواء.
ددى (ناظرا إلى اللصين بأسى موجها كلامه إليهما):
أيها المتعجرفان ،كفيفا الأرواح ،إن خطيئتكما من أكبر الخطايا تعاسة.إ
إنكما متهمين بسرقة حضارة وإختلاق تاريخ.
لقد أثبت المؤرخ اليهودى المعاصر لكما “شالومو ساند” بأنه لم يجد دليل أثرى واحد على أنه كان لأجدادكم أى وجود فى مصر.
لم يكن لكم وجود إطلاقا فى الدولة القديمة ،حيث بنيت الأهرامات.وأن أول ذكر لوجودكم جاء بعد أكثر من 700 عام من بناء أهرامات الجيزة.
خوفو(بنبرة متحديا):
إذا كان أجدادكم هم بناة الأهرام –كما تدعون- فلماذا لم يبنوا مثلها فى أى مكان آخر من العالم؟!لماذا لم يهدموها قبل خروجهم من مصر –كما يفعلون فى كل مكان يخرجون منه؟إنهم لو كانوا إستطاعوا بناء الأهرام فما أيسر قيامهم بهدمها!
(اللصان يلوذا بالصمت،ويشعرا بضآلتهما أمام كلمات الملك العظيم )
خوفو(ويظهر على ملامحه الإعياءوبنبرة حزينة موجها كلامهُ لددى):
خوفو(مؤكدا):
غلب عندهم الشك على اليقين.!!
ددى(مؤيدا):
الشك يتحدد لا بضرب من الأقرار بإنعدام اليقين ،وإنما بتأكيد إستحالة الموضوعية أيضا يا مولاى وسيدى الإله.
خوفو(مؤيدا):
نعم..نعم أيها المبجل…
اللص الثان(محاولا الدفاع ):لا يوجد علم يقينىPrcisely كل العلوم قابلة للتغيير،ولما كانت كل تجربه على حدة،تتم وفقا لشروط لا تكتمل البته،وفى ظروف لا تتكرر قط من دون أن يلحقها شكل من اشكال التغيير.مهما تخيلناه ضئيلا،كانت إستنتاجاتنا تقريبيه وإحتمالية وبالتالى غير يقينية.
خوفو(ناظرإليه بغضب):
قلت لكم من قبل لن تستطيعوا إدخال التاريخ فى معاملكم.التاريخ هو علم الإنسان فى الزمن ،والزمن هو المادة الأساسية للتاريخ ، فهل تستطعون أن تضعوا الزمن فى المعامل؟!!
إن تفكيركم العلمى البرجماتى يستعير الأساليب العقلية التى يرى أنها نجحت عمليا فى مجال من المجالات العلمية ليستخدمها ويطبقها فى مجال آخر دون أن يعرف نتيجة هذا التطبيق.إنه يشبه شباك الصيد تلقى فى البحر دون أن يعرف ما ستحمل هذه الشباك . فعمليات العلم هنا عمياء .!!
اللص الأول (محاولا إسترضاء الملك):
صدقت يا سيدى ،كل ما أخذناه من خرطوشكم عينة بسيطه ،وقد سلمناها لحكومتكم ويمكنكم إعادتها إلى مكانها مرة أخرى.
اللص الثان(بغباء): لقد إستطعنا أن نحلل جيناتكم عن طريق إدخال مومياواتكم الملكية فى المعامل؟
خوفو(مستفسرا من ددى):
ماذا يقول هذا الكلب الأجرب؟
ددى (مضطرا):مولاى الإله العظيم ..فى آخر الزمان لا يوجد حرمة للموتى ولا قدسية .!!
خوفو(بإندهاش): ماذا؟
ددى (بخوف): إنهم يضعون مومياوات الملوك العظام تحت أشعة صادرة من جهاز لدراسة الجسد البشرى وأعضائه ،وإستخراج معلومات .
خوفو(بغضب شديد):
جسمنا الإلهى يصبح تحت يد هؤلاء اللصوص!! أى علم؟! ،عن أى أرض تحدثنى أيها الكاهن؟!!
(يصيبه الدوار ويجلس،ددى محاولا تهدءته )
ددى:
مولاى وسيدى لن يستطيعوا الوصول لجثمانك المقدس أبدا ،فلا تقلق،ولا تحزن.
خوفو(واهنا):
تطلب منى عدم الحزن أمام هذا الهرج والتلاعب والخطر!!هذا علم فاسد،أكل هذا من أجل سرقة تاريخنا وحضارتنا.!! إلى هذا الحد يدفعهم حقدهم الدفين ،وإفتقارهم إلى جذور إلى تدميرنا نحن.!!
اللص الثان(متهكما):
إنه العلم يا سيدى.
ددى(ساخطا): أخرس إيها الجاهل الأشر،إن تحاليل الـ D.N.A للمومياوات الملكية للفراعنة العظام تحمل ظاهريا صفة العلم مما يعطى لها مصداقية يصعب التصدى لها وتكذيبها رغم عدم دقة نتائجها بل وتأكيد العلماء بأن نسبة الأخطاء المحتملة بها تصل إلى 40% .
خوفو(واهنا):
أنه أشبه باللعب بالنار.فهل يستطيع أحفادى الوقوف أمام كل هذه الإدعاءات والأكاذيب؟!أم يشككونهم فى إنتسابهم إلينا؟!!
أريد أن أسمع حكمك على هذين اللصين،ولا أقل من حكم قطع الرأس،وبعد ذلك يقطعا كطعام للطير الغادى والوحش.
ددى(يشارك الملك فى حزنه):
مولاى الملك الإله خوفو لقد سجلت كل كلمة من كلماتكم الطاهرة يا صادق القول،وإستمتعت شخصيا بحكمتكم ،وعلى أن أذكركم بأن ما سيصدر عنى من أحكام لم ولن يطبق-للأسف- على هولاء اللصوص.فقد إستحضرت أرواحهما فقط من الزمن البعيد القادم.وكما بدأت كلامى معكم بأن التنبؤ بحوادث المستقبل ليس معناه التمكن من التحكم فى نتائجه.
خوفو(حزينا موجها كلامه لـــ ددى):
نعم. ايها الكاهن المبجل.ونشكر الإله العظيم ،رب الأرباب رع حور آختى على حكمتك ونظرتك الثاقبة،وعليك أن تحتفظ بما فى صدرك من تعاليم وأسرار المعبود “تحوت”،ولا يطلع عليه أحدا سواك.
ددى(بود):
أمرك يا سيدى ومولاى.
خوفو(بنبرة حادة):
وأن تنسخ هذه المحاكمة بكل ما دار فيها ،وتضعها فى كل المعابد فى كلا الأرضين.
(يصمت قليلا متأملا اللصين ،متوجها إليهما بالحديث ،وقد تحولا إلى تمثالين مطأطأى الرأس):
إذا كان قدومكما لا محالة منه، فالواجب علينا أن نحذر أحفادنا منكما . علينا لو نستطيع أن…….(يصمت برهه ،وكأنه قد خطرت له فكرة ،يتوجه بالحديث إلى ددى):
سجل فى أوراقك أن بناة الأهرام لم يكونوا عبيدا بدليل أنهم دفنوا بجوار الهرم.دفنوا مثل الموظفين والأمراء فى مقابر تليق بهم،كما أن السخرة لا يمكن أن تقدم إبداعا.
ددى(متأثرا):
أمرك يا مولاى
خوفو:
سجل أيضا أن بناة الأهرام لم يكونوا مخلوقات غريبة من كوكب آخر؛فأسماؤهم مصرية ،وأنهم عمال مصريون دما ولحما.
ددى:
أمرك أيها الملك الإله العظيم خوفو.
خوفو:
قول لهؤلاء القادمون من شعوب البحر أن الحياة الإنسانية نهر متصل،ينبع من حيث بدأت الإنسانية –هنا- فى مصر،ويتسلل من خلال العصور والأجيال ،يسقى أبناء اليوم من رحيق ما خلف أباؤهم حتى يبلغ بالإنسانية غاية المدى من الكمال.
ددى: أمرك يا مولاى
خوفو(حاسما):قل لأحفادى أن للأموات وجودا هو وجودكم.وإن لهم تقدمهم وهو تاريخكم ،فحافظوا على تاريخكم التليد .
ددى(منسحبا متأثرا بعد تحية الملك):
أمرك يا مولاى الإله.
خوفو(آمرا حراسه):
يا حراس..يا حراس إدخلو المهندس حم – إيونو
(يدخل مهندس الهرم الأكبر حم – إيونو،بناءا على طلب الملك خوفو)
حم(جاثيا على ركبتيه أمام الملك):
أمر مولاى وسيدى الملك الإله خوفو.
خوفو(بصوت ضعيف):
سنجرى تعديلا فى تصميم الحجرات الخمس التى سنضعها فوق حجرة الدفن .
حم(بنبرة ثقة):
مولاى أن ما توصلنا إليه مع علماء الفلك يوضح لكم دور هذه الحجرات فى تخفيف الضغط الجوى على حجرة الدفن.
خوفو:
نعم.أعلم هذا ..وأعلم إنك إنتهيت بالفعل من بناء تلك الحجرات ،ولكن أريد أن تكون مساحة الفتحات التى تؤدى إليها صغيرة جدا.
أطرق إلى نفسهُ :
ربما تمكنا يا ددى من التحكم فى نتائج المستقبل!!!
حم:
تحت أمر مولاى.
خوفو:
أريد أن يصبح الوصول إلى الحجرات أمرا صعبا للغاية،
خوفو(متأملا):
حجرة الدفن .( يصمت قليلا) ،أريد أن تضع التابوت فى حجرة الدفن،لكن لا تضع جثمانى فيه،سأخبرك فى الوقت المناسب أين ستدفن الجثمان.
حم(مندهشا):
مولاى وسيدى أنا لا أفهم شيئا.!!
خوفو(آمرا):
ولا تنقش لى أى خرطوش على جدران الهرم.
حم(بآسى):
مولاى وأبن عمى الفرعون العظيم…
سامحنى وأغفر لى ،فقد قمنا بالفعل بكتابة أسمكم العظيم داخل أهليج يليق بكم داخل الحجرة الخامسة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
ـــــــــــــــ
[1] – هذا هو الأسم الذى أطلقه خوفو على هرمهُ.
[2] – إله العلم والحكمة عند قدماء المصريين.
[3] – كمت….أسم مصر فى اللغة المصرية القديمة
[4] – أحد المعبودات المصرية القديمة التى قدسها المصريون القدماء ورمز بها للشمس.
[5] – أحد المعبودات المصرية القدديمة ،وهو إله الإخصاب .
[6] – طريقة تعذيب كان يعاقب بها المصريون الخارجين على القانون.
[7] – قدمت المعبودة إيزيس” للمعبود “نمتى” رشوة ذهبية ليعبر بها البحيرة.ضمن أحداث اسطورة إيزيس وأوزوريس.
