ننشر نص “المهرج الحزين” للأطفال .. تأليف عمار سيف
المسرح نيوز ـ القاهرة| مسرح طفل
ـ
مسرحية للأطفال
(المهرج الحزين)
تأليف عمار سيف
عراق – الناصرية
كانون الثاني 2017
ammarsaef@hotmail.com
الشخصيات
المهرج
الحاكم
المختار
الفتاة
الطبيب
حارس 1
حارس 2
طفل 1
طفلة 2
ترفع الستارة ويبدأ العمل على أنغام اغنية يمكن ان يختارها المخرج، شرط ان تكون متلائمة مع المناخ العام. المسرح عبارة عن ساحة عامة ينتشر فيها عدد من الباعة المتجولين، هذا بالإضافة الى ان هناك محلات مازالت مغلقةً، نشاهدها وهي تفتح شيئا فشيئا مع ازدياد الحركة على الخشبة. وعلى جانبي المسرح يقف حارسان، يراقبان المارة وهم يقومون بشراء بعض الحاجات، وهم يترددون او يتعاملون مع الباعة أو لا يكتفون بتقليب ما معروض امامهم وفي داخل المحلات، وفجأة صرخة وسقوط جسم ما على الارض، تتعالا الاصوات من كل الجهات، وهي تردد من دون انتظام: ما هذا الذي سقط، ماذا هناك ..ماذا حدث..هل حدث شيء وإلى اخره من الاصوات التي بإمكانها ان تحيل المكان الهادئ المسالم الى فوضى مضطربة).
حارس1 : ماذا حدث، لابد ان هناك مصيبة قد وقعت !
حارس2 : ( يتحرك نحو مصدر الصراخ )
حارس1 : إلى أين ؟
حارس2 : ألا تسمع الصراخ والعويل، عليَ أن اعرف ماذا حدث
حارس 1 : لا يحق لك المغادرة ! أنت في الواجب
حارس2 : الواجب يدعوني لأعرف ماذا حصل ( يمشي خطوة )
حارس 1 : أأمرك بعدم الذهاب .
حارس2 : بأيّ صفةٍ تأمرني
حارس 1 : بصفتي الأقدَم
حارس2 : ( خارجا ) اتركنا من هذه الكلمات الخالية من المعنى ، ألا ترى ان هناك من
يتألم وفي حاجةٍ لنا (مازالت الحركة على المسرح قلقةً)
حارس 1 : وما علاقتنا نحن بما يحدث( مع نفسه ) انه عنيد ولا يطيع الاوامر
سأشتكيه للـ ..
حارس 2 : ( يعود مسرعا ) يقولون ان طفلةً صغيرةً وقعت من أعلى الشجرة
حارس1 : كل هذه الضجة والصراخ والسين والجيم، من اجل طفلة وقعت، حسبتها
قد حدثت كارثة كونية.
حارس2 : إذا كانت حياة الناس بالنسبة لك لا تعني شيئا ، فهذه هي الكارثة الكونية ،
ثم ان الامر يتعلق بطفلةٍ معلقةٍ على احدى اغصان الشجرة .
حارس1 : انت بماذا تهذي، مرة تقول انها وقعت واخرى تقول انها لازالت معلقة على
احدى اغصان الشجرة، عليك ان تكون واثقا مما تقول، انها وقعت ام مازالت
معلقة ؟
حارس 2 : لا اعرف ما الذي جعلها تصعد الشجرة العالية والكبيرة، الم تخف من
اغصانها المتشابكة الى الحد الذي لا يمكن التفريق بين اغصانها واغصان
الاشجار الأخرى القريبة منها، ولكن هذه هي الطفولة تتطلع دائما الى
وتقليد الآخرين من الاشقياء، ولكن يبدو انها اثناء تسلقها للشجرة تعثرت
بأحد الاغصان الملتوية، على كل حال، لابد لي من الذهاب والتحري من
الامر بنفسي وتقديم المساعدة…
حارس 1 : انت دائما هكذا، تدس انفك في كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، ولا تجني من اعمالك
هذه سوى المشاكل واللوم احيانا
(صراخ من خارج المسرح, يدخل بعض الأطفال إلى المسرح وهم يبكون ويتحدثون في آن واحد الى حارس رقم 1)
طفل1 : ايها الحارس، يا ايها الحارس، اسرع، هيا، تعال أرجوك، وساعدنا في انقاذ
صديقتنا …
حارس1 : لا يمكنني أن اترك مكاني، فانا في الواجب، ثم إني أخاف من الأماكن العالية
حارس2 : تعالوا معي لنرى ماذا يمكن ان نفعل من اجل انقاذها من هذه الورطة
طفله2 : نشكرك يا عم .
( أصوات من الخارج )
كن حذرا ….. حاول أن تخلصها من الأغصان المتشابكة
طفله2 : هيا يا عم أرجوك
طفل 1 : ( باكيا ) ساعدها يا عم إننا نحبها كثيراً
الأصوات من الخارج : أحسنت .. أنت شجاع .. لقد نزل بسلام
( يدخل المهرج ثيابه متسخة وممزقة حاملا الفتاة وهي مغمى عليها مع
وجود قطرات دمٍ على ثيابها يلتف حوله الجميع )
حارس 2 : هل هي بخير
طفل 1 : لماذا لم تتكلم
طفلة2 : هل حدث لها مكروه منعها من النطق ؟
( المهرج يضطرب ويبدو مذهولا ويضعها على الأرض )
حارس 2 : علينا أن نستدعي الطبيب
حارس 1 : ( يتفحص الفتاة يتلمس وجهها ، يضع إذنه على قلبها ويمسك بيدها بعد برهة
يقف ويتقدم إلى مقدمة المسرح ثم يغادر مسرعا )
حارس2 : كنت أظنه بلا قلب لاشك انه ذاهب لإحضار الطبيب
طفل 1 : لم لا تتحرك
طفلة 2 : ماذا حدث لها
طفل1 : يا عمي المهرج حاول أن تفعل شيئا من أجلها، كلمها ، داعبها كعاتك في
مداعبة الاطفال الصغار ، انا قلق عليها ، لم لا تتكلم، ولا تحرك ساكنا ؟!
حارس 2 : ربما هي في غيبوبة
طفل1 : سأجلب رأسَ بصلٍ.( ينظر إليه الجميع باستغراب ) ما بكم أمي أخبرتني بذلك
طفلة 2 : علينا أن ننتظر الطبيب
طفل1 : عمي الحارس هل ذهب صاحبك لإحضاره
حارس2 : ارجو ذلك ( دخول الطبيب )
طفل 1 : عمي الطبيب إنها هنا
الطبيب : ماذا حدث لها ( يفتح حقيبته ويخرج سماعته ويبدأ الفحص ) إنها تنزف دما،
يجب نقلها إلى المستشفى على الفور، أين والدها
حارس2 : انه هنا ( يشير إلى المهرج )
الطبيب : علينا أن نوقف النزيف أولا وأظنها تحتاج الى عملية ثم نجبر الكسور
في منطقة الحوض والساقيين التي تعرضت لها
حارس2 : سأحملها بنفسي
الطبيب : لا .. يجب ان يذهب أحدكم ليأتي ببطانية
طفلة2 : سأحضرها بنفسي ( تخرج راكضةً ، الطبيب يمسك يد الطفلة )
طفل1 : هل هيَ بخير، لم لا تقوم وتلعب معي؟
الطبيب : اسمع يا أبني يجب أن نأخذها للمشفى سريعا
حارس2 : هل حالتها خطرة جدا
الطبيب : لا أستطيع أن احدد الامر، ولكني قلق عليها
طفل1 : ماذا تقصد يا عمي الطبيب
حارس2 : أتخشى من شيء
الطبيب : أخشى أن يكون النزف داخلي ( المهرج ينزوي في أحد زوايا المسرح )
المهرج : أن قلبي لا يستطيع أن يتحمل مثل هذه الكلمات، نزيف داخلي، نجبر الحوض،
كسور في الساقين ، يا حضرة الطبيب، أرجوك أن تقول لي شيئا آخر
( يتقدم نحو الطفلة يريد أن يحضنها )
الطبيب : ما اتفوه به مجرد شكوك ( ابتعد عنها )
المهرج : لن آذِها، دعني أرجوك، أريد فقط أن احملها
الطبيب : لا يمكنك حملها
طفلة 2 : هذه البطانية
(الطبيب يوضح للحارس بأنه سيرفع الفتاة و يدخل البطانية تحتها، يحملها الجميع ويخرجون ماعدا المهرج الذي يستوقفه دخول المختار )
المختار : ماذا ارى وماذا اسمع، وما الذي يحدث بالضبط
المهرج : وما شأنك انت، لم يحدث شيئا …..
المختار : ( ينظر له بغضب )
المهرج : لقد سقطت ابنتي من أعلى الشجرة
المختار : وكيف صعدت الى اعلى الشجرة ؟!
المهرج : لا ادري
المختار : ماذا يعني لا تدري
المهرج : وما شأنك انت حتى تستجوبني بهذه الطريقة، دعني الحق بها بدلا من ان تضيع
وقتي بالكلام الفارغ ( المختار يقف أمام المهرج ويمسك يده بقوة ويمنعه من
الخروج ) بالله دعني وشأني، ان قلبي ليكاد ان يتقطع من الألم والحزن
المختار : لو كنت حقا تحبها ما حدث هذا الذي حدث
المهرج : ماذا تريد مني على وجه التحديد، ولم تلاحقني بكل هذه الأسئلة
المختار : ظننتك ذكيا
المهرج : أنا غبي جدا فقط دعني اذهب بحال سبيلي يا ايها الذكي
المختار : سأتركك تذهب ولكن معي
المهرج : ماذا قلت
المختار : ما سمعت
المهرج : تحملتك كثيرا ابتعد عن طريقي وإلا حطمت رأسك
المختار : ستحطم رأسي إن بقيت لك يداك سالمة، وبدلا من الثرثرة التي لا نفع من
ورائها، هيا معي إلى الحاكم
المهرج : الحاكم !
المختار : نعم الحاكم .
المهرج : لن اذهب معك إلى أي مكان، ابتعد عني ( يسحبه بقوة ويخرج )
( يدخل الحاكم تبدو عليه القسوة ومعه حارس 1 )
حارس 1 : مولاي هذا هو المكان
المختار : ( ينحني ) سيدي
حارس 1 : أين هو
المختار : ذهب بهذا الاتجاه
حارس 1 : ولماذا تركته يذهب ؟!
المختار : دفعني بقوةٍ وخرج
حارس1 : سأحضره حالا ( يخرج )
المختار : سيدي الحاكم ، إنه يعيش هنا، في هذا المكان ( الحاكم ينظر الى المكان بتفحص )
الحاكم : إن مكان اقامته غريب مثله تماما.
المختار : إنه مهرج وما أدراك ما المهرج
( يدخل حارس 1 ساحبا المهرج يستقبله المختار )
المختار : إن السيد الحاكم ، يريد أن يعرف منك ما حدث
المهرج : أهلا بك مولاي
الحاكم : اشرح لي ما حدث .
المهرج : لا أعرف
الحاكم : ومن يعرف
المهرج : يبدو أنها حاولت ان تقلدني فجرى لها ما جرى.
الحاكم : تقلدك، وهل من عادتك ان تتسلق الاشجار والسير على اغصانها، مثل القردة….
لقد أسلمتك أبنتي لتحافظ عليها، لتعيدها لي سليمة معافاة يبدو أني كنت على
خطأ حين أخذت بنصيحتك يا مختار، لا أدري ما الذي جعلني أوافقك واضع
نفسي في هذا المأزق
المختار : لم يكن أمامنا من حلٍّ، كانت نفسيتها متعبة جدا، وكانت الطفلة متعلقة به الى
حد كبير، وهذا في الحقيقة ما اضطرنا لذلك.
الحاكم : لقد امنتك على حياة ابنتي، انظر ماذا حدث لها، انها في المستشفى وغائبة عن
الوعي، (يهجم على المهرج) وكل هذا بسببك ايها المضحكاتي الوضيع، اقسم
لو حصل لها مكروه سأدق عنقك دقا.
المهرج : السيد الحاكم متأثر جدا وحزين، يا للمصيبة . أين كانت هذه العواطف وهذه
المشاعر حين كانت بجنبك
المختار : تحدث بأدبٍ في حضرة الحاكم
الحاكم : أني أتساءل كيف قبلت العيش معك وتركت القصر والخدم جميعهم، وفضلت
الفقر والتشرد ؟
المهرج : كنت تضيق الخناق عليها، تحاصر طفولتها، تهدد انوثتها، تتصرف معها
بخشونة، هل نسيت تعاملك القاسي معها، كيف ضربتها ضربا مبرحا حينما
شاهدتها تلعب مع ابن البستاني
الحاكم : كان عليها ان لا تلعب مع ابن البستاني، انه من طبقة اخرى ومستوى مختلف،
ولكنها عنيدة لا تسمع الكلام، لهذا عاقبتها.
المهرج : إنها طفلة، هل تعرف ماذا يعني طفلة، ثم كيف تعلمها على ان البشر مختلفون،
وبأي حقٍ تجعلها تشعر بأنها مختلفة عن باقي البشر، هل نسيت تعاليم القران
الكريم التي تقول: (لقد خلقنا البشر وجعلناهم سواسية).
المختار : أيها الوقح، لا تتجاوز حدودك….( يأخذه على جنب ) إياك أن تثير غضبه اكثر
من اللازم، سوف يقطع رأسك ان تماديت.
المهرج : لم أعد اهتم لما يفعل او سيفعل بعد الآن، أنت السبب الأول في كل ما وقع لها
( يشير للحاكم )
الحاكم : يبدو انك تجاوزت حدودك ، جئت بك للقصر لتسلي أبنتي، فتعلقت بك وحين
قررت استبعادك، ساءت حالتها أكثر وأخذت تذبل أمامي، عرضتها على العديد
من الأطباء ، ولكن بلا فائدة. لم نكن نعرف علتها، فأشار علي المختار بأن
نتركها تعيش معك حتى تتحسن حالتها، وهذه هي النتيجة، بدلا من ان تعافى
وترجع الي، انطر ماذا حدث لها، انها غائبة عن الوجود،.
المهرج : مشكلتك انك كنت تعاملها على اساس إنها ولد وليس فتاة، كنت تريد تغير
طبيعتها البشرية، ان تغصبها على ان تفعل اشياء لا تمت بصلة للطفولة، كانت
تحب ان تلعب مثل سائر البنات، ان تلبس مثلهن، فساتين مطرزة بالورود، بدلا
من السراويل التي كنت تجبرها على ارتدائها، كانت تريد ان تطيل شعرها وتظفره
لكنك كنت تمنعها، وكي لا يطول شعرها ترسلها الى حلاق الرجال لكي يقص
شعرها مثل الصبيان، كانت تحب ان تلعب بالدمى وان تكون لها صديقات مثلها،
مثلما كانت تريد ان تسمعها كلمات طيبة ورقيقة وان تعانقها لكي تعوضها عن
حنان امها الذي حرمت منه، وبدلا من كل هذا، عاملتها بخشونة وقسوة، ملئت
طفولتها بالأوامر: افعلي ما اقوله لك، ولا تمشي بهذه الطريقة المتغنجة ، امشي
هكذا اضربي الارض بقدمك بقوة مثل الصبيان الأصحاء، ماذا فعلت لك تعاملها
هكذا، هل خطأها انها جاءت الى الحياة فتاةً وليس صبيا ( تبدو ملامح الاندهاش
والتأثر على الحاكم ) لقد صادرت طفولتها بشكل مبكر( الحاكم ينهار تماما) ولكنها
في بيتي المتواضع الفقير مثلي استعادة صحتها، احست بطفولتها، بإنسانيتها
كطفلة، كنت استمع اليها وتسمع الي، صارت تقلدني في كل شيء، لدرجة انها
صارت تثير ضحك الاطفال وتنسيهم الآمهم فقرهم وحرمانهم، فتعلق بها
الجميع واتخذوها صديقة لهم، الكل كان يعتقد انها ابنتي، لأنني كنت اعاملها
معاملة الاب إلى ابنته ، وكأنها من لحمي ودمي (متخيلا لها )
الفتاة : ( تلبس زى مهرج تقلد حركاته فيما يضحك المهرج على ما تقوم به يحضنها )
هل تأخذني معك اليوم ؟
المهرج : لا اظن ذلك
الفتاة : كيف لا تظن بذلك، كنت اظنك تظن بذلك اكثر فأكثر لدرجة انك تطلب مني ذلك
بنفسك مرات ومرات، وأنا أرفض، واتدلل عليك، واتغنج وانا ارى توسلاتك
التي اتعامل معها ببعض من اللامبالاة، ولكنك تصر، وتلح، هل تعرف لماذا .؟
المهرج : لماذا ؟
الفتاة : لأنني صرت اجيد اضحاك الاطفال وإسعادهم اكثر منك.
المهرج : إذن أنت تعترفين بشكل ضمني، بأنك من سرقت فن التهريج مني لدرجة اني
أصبحت غير نافعا.( تفلت من بين يديه )
الفتاة : اولا انا لم أسرق، لأنك علمتني ان السرقة عمل سيء يعاقب عليه القانون،
ويتنافى مع قوانين الحياة، وثانيا، وهذا مهم وأهم فيما يبدو: انك هرمت ولم تعد
تنفع لهذه المهنة تحتاج الى خفة وبديهية قوية (يضحكان )
(يركض وراءها وهما يلعبان) ماذا أرى وماذا اسمع، فتاة صغيرة تتجاوز على
معلمها.
الفتاة : تعتلي فوق كرسي :
قم للمعلم وّفهِ التبجيلا كادَ المعلمُ أن يكونَّ رسولا
لأعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يـبني ويـنشئُ أنـفساً وعقولا ؟
سـبـحانكَ اللهمَّ خـيـرُ مـعلّمٍ عـلَّمتَ بـالقلمِ الـقرونَ الأولى
أخـرجتَ هذا العقلَ من ظلماتهِ وهـديتَهُ الـنورَ الـمبينَ سبيلا
قم للمعلم وّفهِ التبجيلا كادَ المعلمُ أن يكونَّ رسولا[1]
( وعندما تنتهي من القاء الابيات الشعرية، ترمي نفسها عليه، ويحتضنها بدوره، ويبدآن في ضحك مشترك، يتلاشى شيئا فشيئا مع تغيير الاضاءة)
الحاكم : (يلتفت على المختار) وماذا يفعل الحارسان هنا يا مختار ؟
المختار : انهما موجودان بانتظار اوامرك يا سيدي.
الحاكم : لينصرفا وليخبراني بكل صغيرة وكبيرة تتعلق بابنتي. ( ينظر للمهرج بغضب)اما
انت (المهرج يقاطعه)
المهرج : اعلم جيدا انك حاكم، ومن علية القوم وبإمكانك أن تفعل بي ما تشاء، ولكن
ليس الآن ارجوك، دعنا نطمئن عليها أولا.
الحاكم : إن حدث لها مكروه
المهرج : لا سامح الله.
الحاكم : لن يحميك احد مني ومن غضبي.
المهرج : اين كانت محبتك عنها، وبدلا من الوعيد ولغة التهديد، اهتم من الان وصاعدا
بابنتك، هبها بعض من الحنان وابتعد عن العنجهية المجدية.
الحاكم : لقد صرت سليط اللسان ووقح، بعدما كانت فرائصك ترتعد بمجرد ما تقع نظرة
مني عليك.
المهرج : ربما ما تقوله فيه شيء من الصحة، ولكن ليس من الخوف وإنما من الاحترام
، ولكن بعد ان رأيت وعشت معاملتك لابنتك تغير كل شيء، لقد ايقظ بي اشياء
لم اكن اعرفها من قبل او بالأحرى كنت اعيشها دون ان احس واشعر بها، مثل
الصباح المشرق البهي، الطيور وهي تغني لبعضها البعض، اشعة الشمس في
يوم جديد، هل تعلم ماذا يعني الصباح للأطفال
الحاكم : ليس لدي وقت اضيعه مع هذياناتك، عن الشمس … الصباح والطيور
المهرج : ما تسميه هذيانا لا طائل منه هو ما تعلمته من ابنتك، لقد كانت كما لو انها
شاعرة تستعد لتجهيز مخيلتها بالمفردات، او رسامة في بداية اكتشافها
للضوء والظل، ولألوان قوس قزح
الحاكم : لقد ربيتها احسن التربية، ولولا واجباتي ومشاغلي الكثيرة، لما جعلتها تعيش
معك في بيتك الحقير، ولكنني سأسترجعها منك، لأنك لم تحافظ عليها، عرضت
حياتها الى الخطر، وسوف لن اغفر لك.
المهرج : اغفر لنفسك اولا، قبل ان تغفر لي، امنح ابنتك بعض الحنان بدلا من التشبث
بلغة التهديد والوعيد،
الحاكم : أيها المختار
المختار : ( وهو يدخل ) نعم يا حضرة الحاكم
الحاكم : هل من خبر عن ابنتي ؟
المختار : أرسلت الشرطي لكي يأخذها مع الطبيب الى القصر، لان الكل يعتقد انها ابنة
المهرج ، حتى الشرطي، لدرجة انه سألني عن سبب اهتمامكم بها، فقلت له
ليس شغلك، لأنك كما تعلم سيدي الحاكم، ان هذا السر لا يعلم به إلا نحن
الثلاثة
الحاكم : لم اعد اولي اهمية لهذا الامر ، والمهم بالنسبة لي الآن هو سلامتها ، هيا
لنذهب للقصر (المهرج يهم بالذهاب معهم إلا ان المختار يمنعه)
المختار : أبق في مكانك ، هنا ينتهي دورك (يذهبان ويبقى في مكانه حزينا وحيدا)
(موسيقى مع تغيير الديكور والمشهد: قاعة في قصر الحاكم، الفتاة نائمة يحيط
بها الاطباء، والخدم)
الطبيب : آه .. بدأت تتحرك، انها تريد ان تتكلم يا الهي ، لقد فتحت عينيها
الفتاة : اين المهرج، انني لا اراه بينكم، ماذا حدث له، ابي، ابي
الحاكم : نعم يا ابنتي
الفتاة : اين المهرج، لماذا هو ليس موجود بينكم، هل حدث له مكروه
الحاكم : ابدا يا ابنتي، انه ذهب لكي يشتري لك دمية كان قد وعدك فيها قبل الحادث
(الحاكم يلتفت نحو المختار) اذهب ايها المختار وعجل في مجيء المهرج، ان
ابنتي تريده، هيا .. ارجوك يا مختار (يخرج المختار مسرعا، تعود الفتاة الى
غيبوبتها من جديد).
الطبيب : عادت الى غيبوبتها ثانية
الحاكم : لا حل لنا سوى المهرج، اسرعوا في مجيئه ارجوكم ، ان ابنتي بحاجة اليه،
(يذهب الجميع في كل الجهات، ولم يبق الا الحاكم مع ابنته، وهو يتأملها في
حزن وحسرة، وفجأة يصل المهرج يستقبله الحاكم ، يريد ان يحادثه، لكن المهرج
يشير اليه بالصمت، هو يتجه نحو سرير الفتاة، يصعد فوق احدى الكراسي
لمواجهة لها، وهو يردد).
المهرج : قم للمعلم وّفهِ التبجيلا كادَ المعلمُ أن يكونَّ رسولا
لأعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يـبني ويـنشئُ أنـفساً وعقولا ؟
الحاكم والمهرج معا : سـبـحانكَ اللهمَّ خـيـرُ مـعلّمٍ عـلَّمتَ بـالقلمِ الـقرونَ الأولى
(في هذه الاثناء، يدخل الجميع وهم يرددون النشيد مع الحالكم والمهرج)
أخـرجتَ هذا العقلَ من ظلماتهِ وهـديتَهُ الـنورَ الـمبينَ سبيلا
قم للمعلم وّفهِ التبجيلا كادَ المعلمُ أن يكونَّ رسولا
(وعندما ينتهون من ترديد النشيد، ينظرون اليها، ولكن بلا فائدة، فهي مستمرة في غيبوبتها، فيبتعدون عنها كل في جهة وعلامات الحزن مرسومة على ملامحهم، وعندما يدير الجميع ظهره لها ويبتعدون عنها بخطى بطيئة، تستيقظ الفتاة وهي تنظر اليهم، ثم تبدا بترديد النشيد بطريقة غنائية هادئة:
الفتاة : قم للمعلم وّفهِ التبجيلا كادَ المعلمُ أن يكونَّ رسولا
لأعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يـبني ويـنشئُ أنـفساً وعقولا ؟
الحاكم والمهرج معا : سـبـحانكَ اللهمَّ خـيـرُ مـعلّمٍ عـلَّمتَ بـالقلمِ الـقرونَ الأولى
(يلتفتون نحوها الجميع، وهم يرددون معها بقية النشيد )
أخـرجتَ هذا العقلَ من ظلماتهِ وهـديتَهُ الـنورَ الـمبينَ سبيلا
قم للمعلم وّفهِ التبجيلا كادَ المعلمُ أن يكونَّ رسولا
( يضحك الجميع )
انتهت المسرحية
الناصرية 2017
[1] نشيد قم للمعلم، للشاعر الكبير أحمد شوقي