مقالات ودراسات
د. جبار خماط حسن يكتب: سيبرنطيقا الأداء التمثيلي
ضمن سلسلة مقالات عن الـ " سيبرنطقيا" يكتبها د. جبار خماط حصريا لموقع "المسرح نيوز"
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
د. جبار خماط حسن*
*أكاديمي عراقي
يعد الفن التمثيلي ، آلية اتصال يتم فيها تبادل الطاقة المسرحية ( الألفاظ، الحركات، الايماءات) وزيادة معدلات تفريغ الطاقة المسرحية للاستجابة داخل النظام التمثيلي ، تجعل من درجة احساس الممثل بالكلية المسرحية عالية، ودرجة انتمائه الوظيفي مستقرة . بالتصرف الاتصالي الفعال على خشبة المسرح ، يأتي من تعرف الممثل على مجاله الوظيفي ومدى قدرته على تنظيم مجهوده الذهني والجسماني؛ لتحقيق قصد معين .
ويلاحظ أن كيفية خلق الاستجابة لدى الممثل ، تكون على مرحلتين تبدأ بحالة الاستعداد للفعل ، وتنتهي بحالة ( القيام بالفعل المسرحي ) ويمكن تفسير الحالة الأولى، إنها ذات اللحظة التي تكون فيها مكونات الممثل العقلية والنفسية والجسمانية، في حالة تحفيز ، لا تظهر إلا في زمن ( الحاضر) والتي يكون فيها تركيز الممثل عاليا، واهتمامه مشدودا نحو شي معين، ويكون الوصف القريب لمثل هذه الحالة – الاستعداد- من خلال العبارة الآتية: الممثل بانتظار التحرك. فهو يشبه القط أمام جحر الفأر، تراه ساكنا دون توتر ، لكنه متحفز ويقظ للفعل .
وبانتهاء حالة الاستعداد للفعل ينتقل الممثل إلى مرحلة( الأداء ) الذي هو خبرة مصنوعة، تقوم على الاكتشاف والتعرف والتكرار للتمارين ، للوصول إلى الضبط والسيطرة على مستويات الأداء العاطفي والجسماني للشخصية، التي تكون استجابتها تلقائية تبعا لحالة النظام . فمثلا عند سماع الممثل ( الطرق على الباب ) فإن ردة فعله تجتمع مع خبراته السلوكية السابقة- تذكر- مضافا لها الاختيار الجديد لاستجابته التي تلائم طبيعة النظام العام للموقف التمثيلي الذي تقترحه المعالجة الإخراجية. كان يقوم الممثل باشهار مسدسه دلالة على وجود خطر ما في الخارج – تعلم خبرة – .
ان عملية التكرار التي تقوم عليها التمارين، ليست الا سبيل ، يراد منه الحصول على ضبط تلقائي عال لعمليتي التعلم والتذكر، الأمر الذي يجعل من الاستجابة الادائية ، حاضر مستمر غير منقطع ، تنقل الممثل من حيزه الخاص إلى الاتصال بالحيز العام للموقف التمثيلي ، وحين يبدأ الممثل بإنتاج اتصاله مع المحيط المسرحي والممثلين الآخرين، فإنه بذلك يقوم على نقل استجابته بشكل تلقائي إلى العالم الخارجي ( الفضاء التمثيلي ) والتي قد تأخذ صيغا متنوعة، فوجهها المنظور هو الحركات ، ووجهها المسموع هو الكلمات المنطوقة، اما وجهها النفسي فهي العواطف، فالمجهود أو الشغل التمثيلي / الادائي، هو مجموعة العلاقات المنظمة التي تتخذ طابعا اجتماعيا محددا نتيجة لتحول نشاط الممثل إلى فعل اجتماعي، يؤثر بطريقة ما ( الأداء المسرحي ) على فعل الممثل الآخر.
يهدف الفعل الاجتماعي، إلى خلق الموازنة التنظيمية بين أداء الممثل ومتطلبات النظام التمثيلي ، في ضوء نسق من الرموز المشتركة، مثل المخطط الإخراجي ، والمخزون الذهني للاستجابة ، وطبيعة المكان / الفضاء المسرحي، وكمية الألفاظ الفاعلة الواردة من النص ، التي توفر المعالجة الإخراجية/ النظام الداخلي للعرض المسرحي ، السيطرة والتحكم الذاتي لعمليات تبادل التأثير الآن في والتحتي لعناصره الداخلية ، من نص درامي وممثلين وفضاء مسرحي، وهكذا تستمر المحركات الاتصالية للفعل الادائي في العرض المسرحي ، وفق معايير إنتاجية تكون بمثابة قواعد أسلوبية تتحكم بأداء الممثل لدوره في العرض المسرحي، اما القيمة الشاملة التمثيل، فلا تتعدى حدود قدرة الممثل على الأداء الفاعل والمؤثر ، من خلال إمكانات عمل وأداء الشخصية مع بقية الشخصيات وفاعليتها في إنتاج الفعل الاتصالي او الأداء الطاقمي في الهنا والان . أن نجاح أداء الممثل، يتطلب منه دراسة طبيعة النظام التمثيلي، وما هي متطلباته، التي تجعل الأداء مقنعا ومؤثرا؟
الجواب في القدرة على إيجاد الأداء المناسب، الذي يتعامل به الممثل مع الاشياء والممثلين على خشبة المسرح، من خلال الاتفاق على توزيع وتقسيم العمل اداريا ومشتركا ومتوازنا ، يضمن تنظيم الأداء والاستجابة الفعلية المناسبة ، والتي تجعل من التمارين المسرحية ، مختبرا تجريبيا، خاليا من العشوائية، وممارسة التجربة والخطأ التي يلجأ لها الكثير من المخرجين في التمرين المسرحي، التي تكلف الممثل وقتا وجهدا، قد لا يعود عليه بمردود إيجابي. وهنا تظهر المعالجة السيبرنطيقية، منهج إنتاجي يوفق بين إبداع الممثل ومتطلبات العرض المسرحي، فالسيبرنطيقا ، لها ضرورةضبطية للاتصال ، من خلال عملياتها الداخلية كالتوازن والسيطرة الذاتية،والتغذية المرتدة .