د. جبار خماط حسن يكتب: تزاحم الناس طلبا للتمثيل .. مسرح الشارع العائم!
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
د. جبار خماط حسن
ـ 1 ـ حالة نادرة في وقت مبكر 1973 ، تدافع الناس لممارسة فن الظهور الادائي ، (فن التمثيل ) كانت المنافسة شديدة بينهما . وصلت حد الزعل ، كيف اغلب الممثلين من عشيرة الغرة؟ وفي المقابل منهم عشيرة الشويلات لا يشتركون ؟!
تدخل المخرج( عبد الجبار حسن ) لحل النزاع وضمان فرصة الحصول على التمثيل في مسرح القصب العائم على نهر (( العبرة)) ينزل من نهر دجلة باتجاه هور الحويزة ، بالقرب من الكحلاء. تدخل علية القوم واتفقوا على مناوبة العروض بين الغرة و الشويلات، الشخصيات يتناوب عليها ممثلون من العشيرتين، لخلق حالة من توازن الجزاء والخير المسرحي .
يقول مبتكر مسرح الشارع العائم الفنان عبد الجبار حسن ” ان تزاحمهم على التمثيل ، نابع من دافع جيني متوارث عبر الأجيال ” هذا الكلام ذكرني، باوتوبشتم الذي تجده اتخذ الماء مسرحا، خالد لا يموت، وحين قابله كلكامش أول مرة ، دار بينهما حوار حول فكرة الخلود، اكرمه اوتونوبشتم بنبتة الخلود. التي فقدها كلكامش في طريق العودة؛ ليصل الى فكرة جوهرية ، بان خلود الإنسان ليس في عمره الطويل ، بل بافعاله الخيرة، التي يتداولها الناس ، وهنا تتحقق مقولة التمثيل والدراما بانها فن إنتاج الفعل المؤثر بالناس عن طريق التواصل المباشر . هذا ما تحقق في الأهوار وهم يتفاعلون ويقدمون عرضا مسرحيا عميقا ويسيرا في موضوعاته ومعالجاته ، لكنه باق بين الناس في الأهوار.
-2- حكاية ظهور مسرح الشارع العائم . في غبش الصبح ، لا نسمع سوى هديل طيور الماء المهاجرة التي تأتي من البلاد الباردة والمتجمدة، إلى أهوار الجنوب، موسم التزاوج تأكل بأمان غير مؤكد، حبات الصيادين بانتظارها ، ينسوا برودة الماء حد الصقيع، فالطيور وقعت في شبكة الصيد ، بعد يومين من الانتظار ، تاركين اهليهم، ليعودوا لهم بصيد وفير ، يكفيهم، وما يتبقى يكون للبيع ، هكذا عادوا على طرق الهور المائية، يعرفها الصيادون، لان مجرد الانحراف عنها ، قد يدخلهم في متاهة الماء التي لا حد لها في أفق الناظر،
لا شي سوى هياكل القصب الواقفة مثل مقاتلين اشداء، عادوا فرحين ليجدوا الناس قد تجمهروا على قورابهم، دائرة ، مركزها مسرح من قصب مشدود بحبال الجنب، تحيطها القوارب ، يجلس فيها اهالي الهور، بانتظار الحدث الاغرب في حياتهم التي عمرها أكثر من 6000 سنة ، جيل بعد جيل ، عرفوا الماء والسمك ورحلة الصيد، وجلسات الليل ومسامراته، في دواوين القصب العامرة بالمحبة، على إيقاع دق حبات القهوة ، لتكون شرابا يتفاعل معه الأهالي، مر كانه لسعته ، تذكرهم بالبعوض والحرمس.
سأل أحد الصيادين: بوية شني هاي الوادم( الناس) مجمعة على المشاحيف ( القواب) ..؟ اجابه احدهم: هذا جبار وربعه عندهم تومثيلية( مسرحية) ؟ رد عليه: شني تومثيلية؟ اجابه ( محتارا): جا ادري انا.. نشوف ونعرف شني ؟ رحب جبار بالجمهور قائلا: اليوم هو الجمعة من شهر 6 ، 1973, اجينه نقدم لكم مسرحية، منكم واليكم، الممثلون فيها من الصيادين والمزارعين في هذا الهور الواسع الكريم بنعمه. بهذا فتح لنا عبد الجبار حسن ، أسلوبا فريدا في التقديم المسرحي، غادر القاعات المزينة بالمصابيح؛ ليذهب إلى اهوار جنوب العراق ، ويمكث فيها أكثر من سبع سنين ، تجول بمسرحه وعروضه، في شوارع الأهوار المائية ، رائدا لمسرح الشارع في العراق ، لأنه جديد في بيئته، ومبتكر في تدريب الأهالي ليكونوا ممثلين؛ وكتابة نصوص من حياتهم اليومية وتاريخ البطولة لشخصيات تمثل قبائلهم .
ولهذا ينبغي الحفر في هذه التجربة الفريدة ، والتي أجدها نوع آخر من المسرح العيادي، قانونه البساطة العميقة ، وممثلوه الأهالي من غير المحترفين والهواة، وبيئته هي القصب والماء، وأماكن الجمهور هي القوارب. تحية للعزيز عبد الجبار حسن. الذي يسمي تجربته( المسرح العائم) واجد ان التسمية لا تحيط بالتجربة علميا وفنيا. بل يمكن تسميتها ( مسرح الشارع العائم)