الناقد المسرحي الكردي حمه سوار عزيز يكتب عن نص الكاتب علي عبد النبي الزيدي مسرحية “25سم” (1 ـ2)
في جزئه الأول يتبعه الجزء الثاني عن العرض الذي قدمه المخرج الكردي شيوان جلال بعد ترجمة النص للغة الكردية.
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
( نص مسرحية /25سم/ أحد نصوص المدينة الفاسدة)
-الناقد المسرحي الكردي حمه سوار عزيز يكتب عن نص مسرحية (25سم) في جزئه الأول يتبعه الجزء الثاني عن العرض الذي قدمه المخرج الكردي شيوان جلال بعد ترجمة النص للغة الكردية.
-طبعا العرض حصل على جائزة افضل عرض وافضل اخراج وافضل سيونوغرافيا مؤخرا.
-أسجل محبتي وامتناني لهذه القراءة المهمة لهذا النص من قبل الناقد حمه سوار عزيز، وتقديري الكبير للمخرج أن امتلك الجرأة لتقديم هذا النص دون أن يمس جرأة النص على الإطلاق.
حوار في مساحة 25سم بين الزيدى و شوان جلال (الجزء الاول)
حمه سوار عزيز
النص:
يعتبر على عبد النبي الزيدى من أروع كتاب المسرح ليس فقط على مستوى العراق انما على مستوى الوطن العربي و المنطقه عامة، فهو كاتب متميز حريف بالمسرح و خباياه، مؤلف راهن على خوض في مساحات أخرى لم يداعبها خيال المسرح بهذا الثراء من قبل، هو كاتب يبحث عن كل ماهو خارج السياق التقليد والتكرار في المسرح و ابتعد عن خوض في الصور المكرره و المستنسخه من الحياة اليوميه، بل اتجه صوب كشف عن تلك المساحات المستعصيه على الادراك وغير قابلة للتأمل، فبحث عن كل ما يشغل الفكر الانسانى من القيم الوجوديه و الغيبيه و راهن على حنكته و تجربته في فهم اللعبه المسرحيه، فأخرج لنا مجموعه من النصوص تتجاوز ماهو موجود و ماهو مألوف و تدخل الى عوالم منسية و لكنها مؤثره بشكل كبير في السيروره الحياتيه للأنسان.
مسرحية (25 سم) تعد مسرحية ثائرة و منتفضة على الواقع الذى يعيشه المسرح العراقى و العربي عموما، بتجاوزه عن الخطاب الحماسي الذى يدغدغ الاحساس و يرفع من وتيرة اللاواقعيه الموجودة في ذلك الخطاب الذى يحمل في طياته كثير من الغبن و الاحساس بالدونية ويعبر عنها بترديد مجموعه من الشعارات و الهتافات يجعل من المتلقي عنصرا سلبيا في العرض و لايتيح له الا أن يستسلم للواقع الحماسي المفروض عليه قسرا من خلال مخاطبته الحسيه و العاطفيه المجردة من العقلانية و التعمق في فيما هو قائم بالمنطق و التفكير الايجابي السليم.
مسرحيه (25 سم)، مسرحية واقعية رمزية تحمل في طياتها كثير من الاشارات الى الماضى و الحاضر و المستقبل، فهي ليست جريئة لانها استطاعت أن تتمرد على الواقع الاجتماعى و الثقافي السائد بأن تناولت موضوعا قلما عمل عليها المسرح العراقى أو العربي، وهو موضوع اللواطه و الانحراف الجنسي، بل أكثر من ذلك قيمة المسرحية تتجلى في الخطاب الرمزى الذي تحملها من خلال ربط هذا الموضوع بالواقع السياسي و الاجتماعي الذى يعيشه المجتمعات العربية، فاللواطه في هذه المسرحية لاتمثل الا وسيلة أراد من خلالها الكاتب الكشف عن ذلك الواقع المرير الذي تعيشه المجتمعات العربيه من خلال تمثلها بالفندق الذى لايمتلك الادارة و الاداره فيها ليست مسؤوله عن صقوط (سقوط) الطابوق بالصاد و ليس بالسين، وايضا الادارة غير مسؤولة عن انهيار الفندق بأكمله، فهي كوميديا جروتيسكيه أجتمع فيها المأساة و الملهاة في نفس اللحظة، أجتمع فيها الخير و الشر داخل كيان واحد لايدرك يمينه عن شماله.
هذه هي الصوره الحقيقية الذى رسمه الزيدى للمجتمعات العربية بكل تداعياتها الاجتماعية والسياسية و الثقافية و العقائدية، والمؤسسات الحاكمة في الوطن العربي، فهي سلطات بربريه هدفها الوحيد أن تنهش من جسم الوطن خيراتها كما تفعل الديدان و هي غير ملتزمة أو معنية بمصير هذا الوطن و الشروخات التى قد تخترقها، بالنهاية هي غير مسؤوله عن أنهيار هذا الوطن و السقوط في الهاوية، لذلك علقت يافتات في كل صوب و حدب بأنها لاتتحمل المسؤولية، و اتعس من ذلك أنها سلطات غبيه و جاهله لاتستطيع أن تميز بين السقوط و الصقوط، هذه الصوره الذى رسمها الزيدى في مجموعة من الحوارات القصيرة ولكن مؤثرة و معبرة، فهو بذلك قد تجنب أن يتحدث عن هذا الموضوع كما كان في السابق من خلال الشعارات و الهتافات المنددة بالسلطة و النظام و النوح و البكاء على أرصفة شوارع العزلة و الاستسلام.
اذا أمعنا النظر في هذه المسرحيه نرى حتى عنوان المسرحية يحمل كثير من الدلالات الرمزيه، فمسألة (25 سم) لم تأتى أعتباطيا من قبل الكاتب، فهو 25 سم مؤلم للذين قد تحملوه أو يمكن أن يجبروا على تحمله، لذلك نرى اشاره واضحه في النص عن أهات و الصرخات الذى يصدر من غرفة أبو درب، ذلك الرجل الذى يحمل 25 سم من الالم و الاذى للذين يريدون أن يعيشوا، فالرقم بأعتقادى يشير الى تلك الحقبه الذى عانينا منه في زمن النظام الراحل، والذى قد يتكرر في الحاضر و المستقبل، و شخصيه ابو درب ليست الا علامه داله على السلطه الذى يجبر المواطن على الرضوخ و الاستسلام لهذا النظام الذى قد يجردك من أزهى و أثمن ماتمتلكه كأنسان، فيجردك من الكرامه و الاحساس بالعزه من خلال أعتداء على كينونتك الانسانيه و أن يجعل منك صعلوكا لاتتحمل رائحة جسدك و تفكيرك، حتى أسم (ابو درب) لم يأتي أعتباطيا فالاسم دال على ما يمثله هذه الشخصيات من الزيف و الخداع بأسم الدين و الدوله و القانون و الانسانيه و المستقيل السعيد الذى قد نحصل فيها على الرغيف و لكن نفقد فيها انسانيتنا و شعورنا بالرجوله و الكرامه.(يتبع)