“طونغا” نص مسرحي للكاتب الجزائري.. محمد الكامل بن زيد
المسرح نيوز ـ القاهرة | نصوص
ـ
تأليف: محمد الكامل بن زيد
الجزائر
طونغا
مسرحية
الشخصيات:
- ( + )
- ( – )
- ( X )
- ( 0 )
- (∞)
تجسيد الشخصيات حسب الرؤية الإخراجية . *
الرؤيا:
المنظر :
فوق جسر خشبي نهايته عند بحيرة مائية ..يظهر (+ ) و ( – ) يشدان حبلا موغلا في البحيرة..تظهر عليهما آثار التعب، الإرهاق والتذمر…
( + ): ( في توتر و غضب)..يا هذا ..يا هذا .. ألم تسمعني؟!..جف حلقي وأنا أقول لك اجذب..اجذب
( – ): (في سخرية يمسك بحلقه )..يا أنت..أأعماك الغضب عن رؤية حلقي كيف تنساب في مجراه المياه العذبة الباردة ؟!..(يرفع يديه في استياء)..أرجوك ..لا تستهن بي ولا تثر أعصابي ..أنا من ظل يردد منذ الصباح ..أرخِ.. أرخِ
( + ): حقا .. بل أنت من هيّج أعصابي واستفز تجاعيد جبهتي الملتهبة من أثر أشعة الشمس الحارقة هذا الصباح فأصابني الغثيان المقيت..وإني أقول لك مرة أخرى هيا..هيا اجذب
( – ): (بامتعاض)..أظنك لم تلحظ أيضا أن صوتي كاد أن يذهب أدراج الرياح..
( + ): (يطلق تنهيدة ساخنة عميقة)..ألا تخجل من نفسك..ألا تخجل..تتوارى خلف حجج واهية ..لقد جعلتني أشعر كأني أحدّث حجرا أصم..
( – ): (يمط شفتيه) ..حجرة صماء؟ ..تشبيه بليغ
( + ): لن أعلق ..
( – ): (يحدجه مليا)..طبعا لن تعلق وكيف تفعل وأنت تدرك تماما أني على حق ..
( + ): الحق هو أن تشمر على ساعديك أكثر فأكثر وتجذب معي بأقصى ما لديك ..هيا اجذب ..
( – ): أكيد أصابك الصمم فلم تسمعني وأنا أقول لك أرخِ
( + ): اجذب
( – ): أرخِ
( + ): اجذب
( – ): أرخِ
( + ): (يتأفف طويلا) أجزم أن الأمر سيدركه صهيل الأحصنة..
( – ): صهيل الأحصنة ؟!
( + ): والأحصنة بعنادها ستدك الجسور من تحتها فتهوي إلى أسفل السافلين ..ساعتها سنرى من المخطئ
( – ): (شاردا) أكيد لست أنا
( + ): (بنظرة غاضبة) متعجرف
( – ): (دون مبالاة)..حالم
( + ): (يخرج ورقة من جيب سرواله الرث في توتر جلي)..الرسم الموجود على الورقة يؤكد لي أنه علينا أن نجذب أكثر ..فأكثر
( – ): (ينظر إلى الورقة في تبرم ثم في سخرية).. غير صحيح.. لا يمكن..فأنا أعرف هذا المكان جيدا.. لا يمكننا الزيادة..الإرخاء أفضل..
( + ): تعرف المكان؟! ..مستحيل ..من أين ؟ ..كيف ؟ .. (في حزم).. أنا من يعرفه حق المعرفة و لن تكون أفضل مني ..يقيني أنك ..
( – ): ( مقاطعا في خبث).. كاذب .. ( يهز منكبيه معترضا ).. يا لك من متطاول .. (يشير إلى الورقة ).. نعم أعرف المكان وأفضل منك ..والدليل أنا لا أحمل ورقة كي أتفرسها.. (يضحك)
( + ): (يحرك رأسه في قلق) ..لولا هذه الورقة لفقدنا معالمنا.. (يشير إلى البحيرة)..دقق النظر ..انظر إلى هاته المياه العكرة أليست قادرة على خداعنا ؟..
( – ): (يضحك مستهزئا)..لا تقل تخدعنا بل قل تخدعك (يشير بأصبعه إلى صدر( +))
( + ): (يضع الحبل تحت قدمه بشدة مستعينا بحجارة قربه حتى لا يضيع الحبل ويغوص في الماء) ..انظر.. انظر ..(يضع أصبعه فوق نقطة معينة على الورقة في عصبية أكثر وضوحا)..أترى هذه النقطة التي وضعت أصبعي فوقها..هي ذاتها التي نقف عليها الآن..
( – ): نعم رأيت لكن ما أعرفه عن هاته النقطة ذاتها يستوجب أن نرخي الحبل..
( + ): (يميل رأسه ساخطا)..يا صديقي لطفا..بالله عليك ..المسألة مهمة للغاية ..وقد أضعنا من الوقت الكثير ولم نصل بعد إلى قرار..
( – ): ليس الذنب ذنبي
( + ): (بامتعاض) ذنب من ؟! ..ذنبي ! !
( – ): يبدو لي أنه ليس بيننا غريب ..والجسر لا يقف فوقه سوانا
( + ): صهيل الأحصنة يشتد عنفوانه
( – ): مرة أخرى!!
( + ): صدقا ..عجيب أمرك ..أنا من يعرف المكان جيدا وما يوافق الرسم الموجود في الورقة هو ما أصر عليه ..أقف عاجزا أمام صلابة فكرك وتعنته ..
( – ): ليس عنادا وتعنتا بقدر ما هو إيمان راسخ بأن ما أقوله هو عين الصواب ..
( + ): أنا من يسكن قريبا من هنا ..يظل الساعات الطوال يستمتع بالصيد على حافة هذه البحيرة لأكثر من ثلاثين سنة ..
( – ): أنا أيضا مسكني قريب من هنا ..غير أني عكسك تماما ..ذاكرتي ذاكرة سمكة صغيرة ..لا أستطيع عدّ الساعات التي أمضيها في الاستمتاع بالصيد على حافة هذه البحيرة ..فرغم مائها العكر أغلب الوقت ..إلا أنّ لأسماكها مذاقا خاصا ..أكيد لا يمكنك أن تنسى مذاقها ..إن كنت ..
( + ): (مقاطعا في خبث)..لا.. لا لم أنس ولن أنسى ..لكن ..لكن كيف لم أنتبه إلى حضور طيفك بيننا ؟!..
( – ): هناك الكثيرون ممّن يستمتعون بالصيد مثلنا ..أكيد انتبهت إلى الجموع الغفيرة التي ظلت تأتي إلى هنا كل مساء .. إلا أنها في الآونة الأخيرة آثرت الغياب ..
( + ): (في أسف مستذكرا) ..كانوا سكارى وما هم بسكارى
( – ): سكارى وما هم بسكارى ؟!
( + ): كانت الجموع لطيفة في صيدها ..في غنائها ..في رقصها ..ليالي سمر لا تعد ولا تحصى.. (يقوم بحركات رقص سريعة ويغني في نفس الوقت..دون أن يسمح للحبل بالانفلات ).
( – ): (نافيا) ..ليال سمر لا تعد ولا تحصى ..لم أر شيئا من هذا القبيل ..كانت الجموع صماء ..بكماء ..حتى إذا حاولت الغناء في أندر الأوقات فغناؤها كان أشبه بصوت الصراصير أسفل غياهب الجب ..مزعجة للغاية..
( + ): (ممتعضا)..لم أشهد هذا ..ربما رأيتَ ما لم أره أنا ولم أعشه..
( – ): أتقصد أنني ..
( + ): أقصد اختلفت أماكن وجودنا فاختلفت رؤانا..(يكتم غيظه ويتمتم) ..الكذب يتلألأ في عينه
( – ): أقلت شيئا ؟..
( + ): قلت لننهِ جدالنا..فلم يعد لدينا متسع من الوقت..(يبعد الحجر من فوق الحبل ويمسكه جيدا لئلا يغوص في المياه..)
( – ): جميل ..أرخِ الحبل
( + ): عدنا ..
( – ): لم نذهب بعيدا
( + ): لو حدثت الصخر لأجابني عن طيب خاطر
(يدخل (X) مسرعا..يجر عربة صغيرة خصصت لحمل الأسماك المصطادة ملوحا في غضب متسائلا).. ما هذا؟!..ما هذا ؟!.. منذ الصباح الباكر وأنا انتظر رسولا منكما يخبرني بنجاحكما في اصطياد الأسماك.. (يفتش المكان بنظرة خاطفة)..بالله عليكما ..لا..لا ..انتظرا ..انتظرا .. لا تقولا شيئا .. (يضرب كفيه ثم يمسك رأسه متحسرا)..لا أسماك .. لا أسماك ..ضاع كل شيء ..أفسدتما كل شيء..ضربتما أحلامنا بعرض الحائط ..
( + ): ليس ذنبي..
( – ): ليس ذنبي..
( X ): (يزداد غضبا)..ذنب من إذًا ؟..ذنبي أنا ..يا لكما من معتوهين
( – ): (في نرفزة) ..اسمع أيها القادم بريشه الناعم وخطوته الثقيلة .. لا تزايد ..فالاحترام سيدنا جميعا ..ونحن كلنا على جسر واحد
( X ): (ينظر إلى ( – ) نظرة حادة) .. ماذا تقول ..لا أظن أني سمعت شيئا عن الريش ..الخطو الثقيل والاحترام .. (في حزم) ما هذا التبجح يا هذا ..أتضع نفسك في مقامي ..؟!
( – ): وما المانع؟.. (في تحد) ..
( X ): ربما نسيت من تكون ؟..وأنا من أكون ؟
( – ): لا..لم أنس ولن أنسى ..ربما أنت نسيت من تكون ؟
( X ): (يضرب كفيه)..عجبا ..عجبا
( + ): (بابتسامة لا تكاد ترى)..لم تر شيئا ..
( – ): (يشير إلى(+ ) ).. اصمت أنت ..ولا تغرس الشوك في الجرح
( + ): ماذا ؟.. (رافعا السبابة كإشارة).. احذر أن تتجــــاوز الخط الأحمر ..
( – ): يا صديقي أعتقد أن صبري عليك قد بلغ مداه ..
( + ): بل لولا سعة حلمي ..لجعلت منك وجبة شهية لأسماك البحيرة
( – ): هكذا ..
( + ): نعم..
( – ): أعتقد أن لسانك قادك إلى حتفك .. (يقترب أكثر من (+) ويحاول أن يتعارك معه لولا تدخل ( X ) سريعا لفض التشابك بينهما)
( – ): (يشير إلى (+) بحركة يد مقبوضة كإشارة توعد وتهديد فيما يشير (+) بحركة مسك الذقن كوعيد أيضا )
( X ): (في قمة الغضب يضرب الأرض بقدميه)..هذا لا يعقل ..هذا طيش..هذا طيش ..على ما يبدو أني وقعت في ورطة عويصة ..وأهل البلد لن يغفروا لكما ولي ..
( 0 ): (يدخل سريعا وهو في قمة الهيجان وحين يرى ما حدث من اشتباك بين (- ) و (+) يصرخ غاضبا)..ما هذا؟.. ما هذا ؟
( X ): الأمر لا يطاق هنا ..
( – ): سلام قولا من ربّ رحيم ..
( 0 ): (يتأمـل المكان والعربة فيبقى فاهه منفرجا من الدهشة)..غير معقول ..إلى حد الساعة لم تتمكنوا من فك شفرة البحيرة؟! ..لا أسماك .. لا أسماك ..صفر في صفر
( X ): (بصوت مرتفع نوعا ما) ..لا تنظر إلي ..أسألهما
( 0 ): (ينظر إليهما نظرة شزرة) ..أنتما..!!
( + ): نعم ؟!
( – ): (يحك أنفه في ضيق)..ما بنا ؟..خيرا إن شاء الله
( 0 ): ألا تشعران بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا جميعا ..
( + ): (يمسك بالحبل جيدا كأنه يشير إليه)..يداي تشققتا وأنا أمسك بالحبل حتى أوشكتُ ألا أشعر بهما
( – ): العتب على النظر..لو أن لك عيني زرقاء اليمامة لأدركت الأمر..
( X ): زرقاء اليمامة ؟!
( 0 ): اش ..اش ..اصمت أنت ..(مشيرا إلى( X ))
( – ): نعم ..نعم ..اصمت أنت
( X ): (يكاد ينفجر كالبركان من الغضب )..لكن ..
( 0 ): (يستمر في حديثه إلى (+ ) و(- ) غير آبه بما يحدث بين (-) و( X )) ..إن ما طُلب منكما يكاد يكون شيئا مقدسا ..إننا هنا وفي هاته الأوقات بالذات نرفض أي تهاون ..
( – ): (في انزعاج ).. تهاون !!
( + ): لا ..لا أرجوك .. لا تزد الطين بلة …
( 0 ): بل أنتما من سيزيد-بتصرفكما الصبياني- الطين وحلا
( + ): ألهذا الحد ؟!
( 0 ): أنسيتما ما اتفق عليه الجميع بالأمس ؟
( – ): لم ننس
( + ): أنتما من خطط
( – ): وأنتما من أشار علينا
( 0 ): وأنتما من استشرفنا فيهما التنفيذ..
( + ): فعلتم كل شيء ..اجتمعتم ..خمنتم ..تشاورتم ..ثم أمرتم ..وبين هذا وذاك لم يقدر أحد منكم أن يزورنا منذ الصباح الباكر..حتى أنكم ضننتم عنا بالسؤال ..هل نحن عطشى ..جوعى..خدعنا الحوت وسحبنا إلى بحره وأكلنا دون رحمة ؟
( – ): (يحرك رأسه مؤكدا) ..لم يقدر أحد منكم أن يشمر على ساعديه..
( X ): ولماذا نأتي ..ولماذا نشمر ..ولماذا نسأل ؟ ..نحن خططنا وأنتما كان عليكما شرف التطبيق..
( + ): شرف ؟!
( – ): (يشير إلى ( X ) )..ألا يكفينا الله شر لسانك ..
( X ): اعتقد أن وجهك الجميل يحتاج إلى ..
( – ): (مقاطعا) لولانا (يشير إلى أسماله البالية) نحن الذين في الأسفل لسقط كل الذين في الأعلى (يشير إلى (0) و( X ))
( 0 ): اسمع ..أنا لست مضطرا إلى سماع هذيانك وهرطقتك ..إذ لم نعد نملك من الوقت الكثير ..وأنجم الليل بدأت ترتسم في السماء والناس..
( + ): (مقاطعا) ..الليل ؟!
( – ): الناس ؟!
( 0 ): ونحن ما علينا إلا البلاغ المبين ..
( + ): وما نحن إلا بشر مثلكم..
( – ): علينا ما علينا ..
( 0 ): وقدر الجميع من أهل البلدة في أيديكما وأملهم ألا ينقلب سافلها على عاليها ..
( + ): المشكلة ليست عندي .. (يشير إلى( – ) )
( – ): أكيد ليس أنا (يشير إلى( + ) )
( 0 ): أنت أو هو سيان عندي ..المهم الآن أن تسعيا جاهدين بما أتيتما من حيلة لاصطياد السمك .. فأولئك.. أقصد الناس الذين تركانهم في البلدة ..
( + ): مرة أخرى ..الناس ..أي ناس ..
( – ): لا أعرف إلا أهلنا ..
( + ): وأهلنا يعرفوننا ..
( X ): (مخاطبا ( 0 ) في حسرة) ألم أقل لك أنهما سيخربان كل شيء وأن أحلامنا ستضرب عرض الحائط..
( + ): (في حدة) يا ألطاف الله ..
( – ): (في حدة أكبر يرفع يديه إلى السماء ) الهمنا الصبر..
( 0 ): ( يلكز( X ) مشيرا له بالصمت)..دعك منهما الآن .. (يتوجه ناحية ( – ) و( + ) ) ..اسمعا جيدا ..نحن ذاهبان الآن إلى البلدة وسنحاول أن نقنع الجميع أنكما تعملان المستحيل..
( + ): لكن..
( 0 ): لا أريد أن استمع إلى المزيد من الحجج الواهية..
( + ): أتراني أعصر خمرا ..
( – ): أتراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل منه الطير
( X ): كان علينا أن ندرك أن لسانيكما يشتهيان الغوص في أعمــاق التاريخ عوضا أن يغوص في أسرار البحيرة ..
( – ): (مخاطبا ( 0 )) يا هذا ألا يمكن أن تصد صاحبك عنا.. فالسيل العرم لن يتأخر كي يبلغ مداه وساعتها لن يكون بوسعي التدبر في جسامة العاقبة
( 0 ): (مخاطبا (X )) ..خفف ..خفف ..فالوضع لا يحتمل..
( + ): (باستنكار)..يا هذا..إن الصيد فن ورأس ماله الصبر وليس ما يتخيله ذهنك (في اشفاق وتهكم يدقق النظر في (0)) ..ويتضح لي من أسلوب حديثك أنك لم تتقنه أو ربما لم تجربه قط..
( – ): (يهز رأسه مواقفا) ..هذا جلّي ..
( 0 ): (دون مبالاة) ..ربما ..فأشغالي العديدة المتجذرة في عالم البر أنستني عوالم البحر.. إلا أن الجازم عندي حين أعود مرة ثانية سأجد العربة مملوءة بالسمك
( + ): أشم رائحة مريبة تلاعب خياشيمي
( X ): (رافعا منكبيه مستخفا) ..أنا لا أشم شيئا ..
( 0 ): (إلى( + )) ..لا ترهق فكرك واستبق الخير..
( – ): (مخاطبا نفسه) ..الخير ..الخير ..من أين يأتي الخير وملامح وجهيكما أفزعت الأسماك والزواحف والطيور وكل كائنات خلق الله ..
( 0 ): نحن هنا نبحث عن آفاق تسعدنا جميعا
( + ): آفاق !!..
( – ): كم أزدري هاته الكلمة فهي أكبر من حجمها.. فكثيرا ما هيّجت الأماني والأحلام الرابضة على أفئدة الناس الطيبة حتى قرعتهم قوارع الدهر..
( 0 ): نحن نأمل دائما في غد أفضل
( – ): (مخاطبا ( + ) ).. لماذا يصرون على اللغو واجترار نفس العبارات ..أليس في القواميس معاني أفضل..؟!
( + ): (يضحك).. هم عملة نقدية قديمة ينفض عنها الغبار هبوب الرياح الموسمية..
( X ): (رافعا يديه) يا إله السموات والأرض والمحيطات لا ترد رجائي ..أغثنا .. أغثنا .. (ثم في خبث ).. وأدرك هذين (يشير إلى ( + ) و(-)) وفرج كربهما وألهمهما الســـــداد في اصطياد الأسماك فننعم جميعا نحن أهل البلدة ..
( – ): (يوجه كلامه إلى ( + ) في غضب شديد) .. أقسم بإله السموات والأرض والمحيطات إن لم يرحلا الآن سأجعلهما طعما للأسماك وسنرى ساعتها كيف ستحمدني على صنيعي
( + ): (في ذهول) أنا أحمد صنيعك؟!..(يخمن) ..لم لا؟! قد تكون بشارة خير ونتفق ..
( 0 ): (في شيء من الخوف) أظن أني سمعت صوتا من أعلى التلة ينادينا ..هيه ..هيا.. ربما أزعج تأخرنا أهل البلدة ..هيا لنطمئنهم (يمسك بذراع ( X ) و يسرعان في الذهاب)
( 0 ): (في طريقهما يهمس في أذن( X ) بصوت خافت حذر) ..أيها الأحمق ..إن لم تقدر على كبح غضبك وتلجم لسانك سنغرق جميعا ولن يسلم أحد
( X ): لكنهما ..
( 0 ): (مقاطعا) ..لا نملك خيارا آخر
( X ): أخشى أن يكون خيار شؤم
( 0 ): فأل الله ولا فألك هكذا أنت ..
( X ): ماذا؟
( 0 ): (في تذمر)..لا شيء ..تحطم مرايا الأمل
( X ): أمن يتوجس الخوف يحطم المرايا ؟!
( 0 ): تلك هي المشكلة ..لو أنك ..
( X ): (مقاطعا)..لو أني..لو أني ..أرجوك لا داعي لأن تفتش في الصندوق مرة أخرى
( 0 ): الصندوق ..الصندوق
( X ): نعم الصندوق ..
( 0 ): لكن الذين تركناهم في البلدة لن يفقهوا ..لقد أمهلونا طويلا ..وصبروا حتى نفد صبرهم
( X ): الذنب ذنبك ..واذكر جيدا ما عاد يحق لك أن تخون العهد
( 0 ): الآن الذنب ذنبي.. يا لك من جاحد
( X ): لست بجاحد.. ولم أطلب المستحيل ..
( 0 ): كيف لي أن أعرف ؟
( X ): لم تصدقني في الوهلة الأولى..حتى أنك أغلظت الأيمان بأنه المستحيل بعينيه
( 0 ): ظننتها دعابة
( X ): بل ظننتها خرافة..وظننتي مجنونا
( 0 ): مضى عليها من الزمن ثلاثمائة سنة..ماذا تظن ؟
( X ): لا تنسى التسع سنوات
( 0 ): تلك علمها عند الله
( X ): أنا من عثر على أوراقها وباحت له بالأسرار ..أنا من أدرك ماهيتها
( 0 ): وأنا من دلك على أصحابها ..من يعطيها خلودا آخر ..
( X ): لم يكن الأمر هيّنا ..
( 0 ): استحق منا تضحية لا يعلمها إلا الله
( X ): وتريدني ألا أخشى من هذين ألا يبترا مسعانا
( 0 ): رحيلهما عن البحيرة وعن البلدة لسنوات كفيل لئلا يدركا الحقيقة
( X ): أنت من قدرت الأمور وأنت من اتفق معهما ..فلا تلمني إن حدث ما لا يحمد عقباه
( 0 ): لا تخش شيئا..هما من خيرة شباب البلدة إلا أن رحيلهما عنها أفقدهما أشياء ما وجب يوما أن تفقد..هما الآن عصفوران بلا أجنحة.. عصفوران هائمان داخل زجاجة مكسورة هوامشها رمتها البحيرة انتقاما منهما ..
( X ): أتمنى..
( 0 ): هما لنا خلاص من البراثن التي طوقت أعناقنا طويلا..
( X ): أتمنى ..أتمنى
( – ): (إلى ( 0 ) و( X )..في ارتياب ).. هل نسيتما شيئا ؟
( 0 ): لا شيء.. لا شيء .. (إلى ( X ) ).. هيا.. هيا ..أسرع ..أسرع الوقت يفعل فعلته مع هذين ..
( X ): أصبت ..أصبت
( 0 ) و ( X ) ( يخرجان )
( + ): (يقهقه حتى يكاد يسقط )..الجبناء..
( – ): (في زهو) ..ألم أقل إن الذين في الأسفل هم عماد لمن لا عماد لهم
( + ): أكيد .. (صمت) ..أشهد أنك أثرت اعجابي
( – ): أنت لم تسمع ولم تر
( + ): أخشى القادم ..
( – ): لا تخش شيئا ..في جراب الحاوي أشياء لا يعلمها إلا الله
( + ): (كالمخاطب نفسه) ..آمنا بالله
( – ): (يقبل كفيه) لله الحمد من قبل ومن بعد
( + ): (ينظر في ساعته ) .. أيدرك صاحبي أن وقوفنا هنا طـال أمــــده.. وأنه من الممكن أن الرجلين قد صدقا .. ؟!
( – ): (يتأفف )..ليس ذنبي ..أعيد وأكرر ليس ذنبي
( + ): ذنب من؟! ..هل عدنا إلى الجدال مرة أخرى ؟
( – ): (ينظر في الورقة ثم في البحيرة )
( + ): البحيرة !!
( – ): (متفاخرا كأنه سيلقى خطابا ) تجربتي الكبيرة في الصيد تعلن مع سبق الإصرار أن البحيرة خالية من الأسماك
( + ): ماذا؟! ..ماذا؟! (تغلبه موجة من الضحك حتى يكاد يقع) البحيرة ليس بها أسماك.. غير معقول ؟!
( – ): نعم ..نعم .. لا تظن أني سأتهم الماء العكر.. فلطالما كان نصيبي وافرا منها ..حتى في أحلك الأوقات..
( + ): (لايزال يضحك)..ما برهانك ؟!
( – ): برهاني أنني كنت إذ رميت الشبكة.. دقائق بعدد الأصابع أخرجها ملأى.. ولسان حالي قوله تعالى: « وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى »
( + ): (يمسك ذقنه ويحرك أصابعه في توتر)..وتجربتي تسأل في فضول ..هل عقم جراب الحاوي إلى هذا الحد ؟!..أيحق لأعلامنا أن تنكِس بعدما غمرتنا النشوة ؟!
( – ): الكذب لا يعرف طريقه إلى جرابي
( + ): ألا يكون عنادك هو من وقف حائلا أمامنا فضيّع الفرص علينا سامحا للأسماك بالتواري بعيدا في عمق البحيرة ..؟
( – ): كفاك جدالا..ألا تفهم ؟!..ألا تعي ما أقول؟! ..لا أسماك في البحيرة ..لا أسماك
( + ): وما أدراك ؟!
( – ): الطيور ..
( + ): الطيور ؟!
( – ): أنظر ..أترى تلك الطيور..؟
( + ): (يحدق في الأرجاء) ..تلك البعيدة ؟!
( – ): نعم تلك البعيدة .. إنها من الطيور المهاجرة وهي تأبى أن تتوقف عند البحيرة مثلما اعتادت أن تفعل.. في ظنك لماذا يا ترى ؟!..
( + ): (في سخرية) .. ظني أنها تخلفت عن ميقات عودتها إلى أعشاشها ليس إلا ..أو أن البحيرة ليست محطتها المرجوة (يضحك)
( – ): أيها الصاحب في الحبل ..ألا تجوع الطيور المهاجرة؟
( + ): تجوع..
( – ): أليست البحيرة المكان الأمثل لسد جوعها ؟
( + ): أكيد..
( – ): فلماذا لم تتوقف هنا.. ؟!
( + ): قد يكون تخمينك صحيحا .. لكنه ليس حجة دامغة ..
( – ): بل هو كذلك !
( + ): أشك ..
( – ): أنت حر ..الحاوي أعطى جوابه ..
( + ): بالله عليك .. ماذا نفعل هنا منذ الصباح الباكر ..؟!
( – ): أردت أن أقطع الشك باليقين..
( + ): حتى تقطع الشك باليقين تتركنا ننتظر اليوم كله ..(في كظم).. أنا أرفض هذا الهراء ولا يمكنني أن أصدقه..مستحيل بحيرة مثل هذه ليس بها أسماك ..انظر مليا إلى شساعتها ..
( – ): صدق أو لا تصدق ..هي قناعتك
( + ): اسمع أيها الحذق .. لا تستخف بي ..هذه البحيرة أعرفها جيدا ..ليس لأني غبت عنها زمنا يعني أنها فقدت بريقها وكنزها الوافر من الأسماك
( – ): اسمع أنت أيها المتعالي ..أنا أيضا غبت عنها زمنا وعدت و لا تزال في ذاكرتي أشياء جميلة خالدة ..
( + ): لكنك تفسدها الآن
( – ): لأني أقول الصدق ..انظر إلى منسوب ماء البحيرة ..أتنكر أنه تراجع تراجعا رهيبا ؟!
( + ): (في أسى ) لا أنكر ..
( – ): أتنكر أن الأشجار الباسقة العتيدة المحيطة بالبحيرة احترقت عطشا؟!
( + ): لا أنكر ..
( – ): (في حزن) إني وأنا أتبصر البحيرة أدركت حجم الفاجعة .. إنها تتألم في صمت.. إنها تحاكمنا ..كيف تركناها وحيدة ؟!
( + ): لا أخفي عليك ..أول ما وطئت قدمي الجسر شعرت بسؤالها يخترق جسدي كشهاب حارق حتى كاد يمزق أشلائي
( – ): نعم.. أين ذهبنا ؟!
( + ): كل منا مضى في طريق ..رحنا نسارع الخطى لتحقيق أحلام ظلت متوارية خلف غيوم ركامية ..
( – ): كانت أحلام جميلة ..
( + ): لكن الغيوم تجلت عن حقيقة مرة ..
( – ): قاسية ..
( + ): ولم نكن وحدنا ..
( – ): كنا كثر ..كثر والقليل عاد منا
( + ): كانت أضغاث أحلام لم نقو على سحرها الجذاب ..
( – ): كان سحرها طاغيا ..
( + ): أعمت بصيرتنا عن البحيرة
( – ): حتى أننا لم نستأذن أحدا.. ولم نتخذ خليلا
( + ): وكانت أجنحتنا من الشمع..
( – ): أردنا التحليق عاليا
( + ): من بهجتنا آمنا بالغيوم
( – ): ولم نكن ندري أنها حين تتجلى نجد أنفسنا نساق نحو شمس حارقة
( + ): لم ترحمنا ولم تعتق توسلاتنا
( – ): كان احتراقا فظيعا
( + ): رهيبا..رهيبا
( – ): حين غادرنا البحيرة أصبحنا كرماد اشتد به الريح في يوم عاصف
( + ): (يتحسس فروة رأسه قلقا) ..أتمنى أن تغفر لنا
( – ): الأسماك رحلت لأننا رحلنا
( + ): (ينتفض) مستحيل .. نحن لسنا بأسماك والأسماك ليست نحن
( – ): في هذه تجادل وفي أضغاث الأحلام ..
( + ): (مقاطعا) قلت لك لن أسلم بما تؤمن ..لن أسلم
( – ): لن أحلف ..فأنت لن يكسر لك عظم
( + ): ومن بقوا في البلدة ..لم يسعوا إلى صونها
( – ): آفاقهم..كان لها سبيل آخر
( + ): أفضل من صون كنز كهذا ..
( – ): لم يكترثوا لأمره إلا بعد أن نضحت العيون والآبار دون رقيب أو حسيب .. حتى جفت
( + ): لم يتركوا فيها شيئا يستحق الحياة
( – ): ظنوا أن ما في البحيرة يمكن أن يعافيهم من شقائهم ..لكن هيهات ..ضعف الطالب والمطلوب
( + ): ( متهكما ) لذا كانوا يسعون خلفي لحفظ ماء الوجه
( – ): كيف؟!
( + ): حديثهم المعتق بالشهد أفاض صادحا بأنهم لن يجدوا أفضل مني دراية بالمكان ..لذا خبرتي العتيدة قطعا لن تخون الود
( – ): قولهم ارتد إلي ..
( + ): كيف؟!
( – ): قالوا لي نفس الكلام بالحرف الواحد
( + ): ماذا تقصد؟
( – ): أقصد ..أنهم ….
( + ): (يكمم فمه مقاطعا) .. صه ..صه .. ( إذ انتبه إلى أمواج البحيرة وهي تصدر صوتا غريبا لم يألفه من قبل ..يمدد بصره في شغف إلى عمقها)..ما هذا ؟.. ما هذا؟
( – ): (يمدد بصره إلى حيث يشير ( + ) ) ..ماذا؟ ..ماذا؟
( + ): هناك ..هناك
( – ): أين ؟..أين؟
( + ): (متهكما) ..أعتقد أننا لأجل هذا لا نتفق
( – ): كفاك عبثا وقل لي أين؟ ..الضباب يلف البحيرة
( + ): إني أرى شيئا كأنه جسم ضخم يتحرك نحونا
( – ): ضخم يتحرك نحونا ..أكيد لن يكون حوتا ..فالبحيرة عاقر
( + ): إنه يتقدم ..إنه قادم
( – ): (في شيء من الخوف) ..أين؟.. أين؟ ..ألا يزال بعيدا ؟!
( + ): إنه يقترب..يقترب
( – ): أنا لا أراه
( + ): طبعا الخوف أعماك
( – ): صدقا لا أرى شيئا ..الضباب وقف حائلا
( + ): الضباب يصعب النظر لكن لا يفقد الرؤيا
( – ): ربما ..لكني أصر ..أنا لا أرى شيئا
( + ): (كأنه يحلم) ..كم أتمنى لو أن هذا القادم نحونا ..حورية البحر
( – ): (يقهقه حتى يكاد يقع على الأرض)..
( + ): يا معتوه ..احذر الحبل
( – ): بل أنت المعتوه ..تتمنى حورية البحر
( + ): أليس من حقي أن أحلم ؟
( – ): أجزم أنك ضعت في بحار ألف ليلة وليلة
( + ): لا أنكر..
( – ): ولن أجانب الصواب إن خمنت أنك تنتظر من حوريتك أن تهبك الخاتم السحري..
( + ): صدقا خيالك ضيّق الشِّعب
( – ): أتقصد ..
( + ): ربما أكثر..
( – ): حلمك فاق التصور يا صاحبي
( + ): لن أرضى .. ( صمت) .. سيّد البحار مبتغاي
( – ): (ينظر إليه في شفقة) ..للجنون عنوان ..
( + ): عناوين كثيرة أغرقت صفحات حياتي بمداد أسود ..لن أضن على الجنون أن يضع نقطة الختام فوقها ..
( – ): ألا تقدر أن تسلب نفسك من متاهة الأحلام الزائفة؟
( + ): من منا يقدر ..يضيــــع منك حلم في لحظة ..يتراءى لك حلم آخر ..
( – ): (في خبث) قد يكون وحشا
( + ): مستحيل ..
( – ): ربما البحيرة لبؤسها وغضبها آثرت أن تحضن غريبا ؟!
( + ): ليس إلى هذا الحد !
( – ): إن كان إيمانك عميقا بها .. أتمنى لك أن تكون عيشة قنديشة؟
( + ): عيشة قنديشة؟
( – ): إنها حورية فاتنة .. تفتن الرجال وتستدرجهم إلى الأعماق ..
( + ): لا أشك ..الحوريات فاتنات
( – ): وفي أصلها كوتيسة ..
( + ): رائع ..رائع
( – ): لكنها الآن وحش
( + ): أيها المخادع
( – ): (يضحك) .. أتؤمن بحورية البحر ولا تؤمن بوحش البحيرة ؟!
( + ): أومن بالجمال ..
( – ): ونفسٍ وما سواها
( + ): من حقي أن ألهمها الجمال ..فبه يمكن أن نعيش قليلا تحت ظل شجرة مباركة ..
(يبدأ الضباب في التجلي رويدا.. رويدا ، فيبرز من البحيرة بجانب الجسر شخص ضخم لا يقدر على المشي ..يصـارع الخطى إثر إرهاق شديد ..خطوة ..خطوتان ..ثلاث ثم يسقط مُغمًى عليه ..)
( + ): أيها المسكين ..
( – ): هل مات ؟
( + ): انتبه إلى الحبل.. سأسرع إليه وأتفقده.. (يقفز من الجسر بسرعة)
( – ): هل مات ؟
( + ): أنفاسه اللاهثة تختنق..
( – ): انزع عنه معطفه وافتح له أزرار قميصه
( + ): (يحاول نزع معطفه) ..إنه ثقيل جدا ..
( – ): إن لم يقدر على التنفس وجب عليك …
( + ): (مقاطعا) ماذا؟.. ماذا ؟
( – ): (يبتسم في خبث) .. قبلة الحياة
( + ): أيها الثعلب الماكر ..كيف تجرؤ؟.. (يتأمل الجسد الطريح أمامه ..يشمئز لمنظره)
( – ): بسرعة قبل أن يغادرنا فنهلك من أجله
( + ): صعب ..صعب
( – ): لا..لا تخشى شيئا ..سأطمس هذه اللحظة من ذاكرتي..حتىّ أنيّ لن أسمح لنفسي بالمشاهدة .. (يغمض عينيه بكفه)
( + ): (في نرفزة)..خير ما فيك.. الصمت ..(لنفسه كأنه يكشف سرا).. إنها أول قبلة لي
( – ): (كأنه لم يسمع) تشجع.. قد تكون فاتحة خير لم هو آت
( + ): لكنه ليس بحورية ..إنه وحش
( – ): الآن ..هو وحش
( + ): نعم ..وحش
( – ): أنت تثرثر أكثر من اللازم.. الرجل سيمــــوت فلا تؤخر عمل اليوم ..
( + ): لا تبتهج .. سأردها لك ..
(∞): (بعد أن يسعفه ( + ) على مضض يستفيق فزعا ..ينظر إليه دهشا ثم يدفعه جانبا ..يتمعن المكان في ريبة ..ثم يسأل بصوت مبحوح ) .. أين أنا؟! ..أين أنا ؟!
( – ): اختر أنت ..الجنة أم النار؟
( + ): ( إلى ( – ) ناهيا) ..لا يحق لك
(∞): من أنتما ؟
( – ): نحن منذر و نذير أو منكر ونكيـر..اِسأل نفسك ما عملت في دنياك؟
( + ): (إلى ( – ) معاتبا) ..ألا يمكنك قول كلمة زكية ؟..
(∞): (يتحسس جسده ثم يمسك رأسه) ..كان حلما جميلا
( – ): (يضحك)..هذا أحدنا
(∞): (ينهض بمشقة ، يجول في المكان محدثا من حوله في هستيريا) .. كنا خمسة وستين نفرا.. رجالا.. نساءً وحتى أطفالا ..توزعنا في قوارب صغيرة وكبيرة..و كان الليل في أوله جميلا والبحر هادئا ..رائعا ..كنا نبتسم رغم الخوف والفزع ..نرمي بالحكايات والنكت بيننا كأنها مائدة عشاء مملوءة بأشهى الأطعمة ..
( + ): ثم ماذا ؟
( – ): نعم ..ثم ماذا؟
(∞): ثم هبت ريح شديدة هيّجت البحر فانقلبت بنا القوارب.. وجدتني أغوص في الأعماق ..أغوص ثم أغوص
( – ): (في أسى)..الرجل ذهب مع الريح يا صاحبي
(∞): وجدتني وحيدا ولا أدرى أين ذهب البقية ؟..ذهلت كيف أمكنني التنفس في الماء.. لم يطل بي الأمر حتى أدركت السبب ..كانت هي بجانبي تشد يدي تجذبني نحو الأعلى ..كانت فاتنة ..
( + ): من ؟
(∞): حورية البحر
( – ): (يقهقه حتى يكاد يقع على الأرض)..تبخر الحلم يا صاحبي
( + ): (استشاط غضبا)....صدقت يا صاحبي .. الرجل ذهب مع الريح
( – ): (يحاول أن يتمالك من الضحك) ..عزاؤك ..أنها عيشة قنديشة
( + ): أكيد ..أكيد فالحورية مستحيل أن تجرم في حق نفسها
(∞): (في طريقه إلى الجهة المقابلة يبدأ في نزع ثيابه قطعة..قطعة ..ثم يفتح ذراعيه مهللا) ..أنا قادم إليك يا حورية القلب ..يا فتنة العمر
( – ): إلى أين يا هذا ؟
( + ): (غير مبال) ..دعنا منه
( – ): الغيرة لن تعميك
( + ): ليست الغيرة .. لا تخف ..فمن جنّ أخذ سبيل النجاة
( – ): (ينتفض) ..غير معقول !!..غير معقول!!
( + ): ماذا؟ ..ماذا؟
( – ): الحبل..
( + ): ما به الحبل ؟!
( – ): إنه يتحرك ..
( + ): (يقفز فوق الجسر بسرعة ويشد الحبل) إيماني كان عميقا ..
( – ): سحقا ..أنا لا أكذب ..البحيرة ليس بها أسماك
( + ): وما يحدث الآن ؟!
( – ): لا أعرف ..لا أعرف
( + ): في زعمك عيشة قنديشة تريد أن تلعب معنا ..ألم يكفها ذاك الوحش؟
( – ): هل صدقت ؟
( + ): الآن هي خرافة ..
( – ): كمثل حبيبتك حورية البحر التي أغرقتك في كتب ألف ليلة وليلة
( + ): صه الآن ..وجاهد معي
( – ): إني أحاول
( + ): إن الحمل ثقيل
( – ): ثقيل جدا
( + ): قلت لك أجذب أكثر
( – ): وماذا أفعل الآن ..
( + ): لا يكفي..لا يكفي ..الحمل أكثر مما نتصور
( – ): حتى الرجل المجنون رحل
( + ): أخشى أن تتمزق الشباك
( X ): (يعود مع جديد فيتفاجأ بالمنظر فيهرول إليهما ليجذب الحبل) ..العدل ..هكذا اتفاقنا معهم
( + ): مع من ؟
( X ): معكم ..معنا ..معهم
( – ): من تخال نفسك ..لا يمكن ..اتفاقنا مع أهل البلدة
( X ): لا تكن متعنتًا ..فالناس
( – ): (مقاطعا) ..ناس ؟!..
( X ): نعم الناس الذين تركناهم في البلدة ..لقد وعدونا بأن يلبسوا آفاقنا أحلى حلة ..وعدونا أن الغيوم الركامية لن تحجبها أبدا
( – ): افتراء ..أوهام
( + ): (يتأفف بشدة) ..أخشى أن تضيع الشبكة منا إن بقيتما تتشاجران ..هيا..هيا لنتعاون جميعا..
(يحاولون في جهد شاق أن يخرجوا الشبكة من البحيرة وبعد أن يتم الأمر .. وبعد تشابك بينهم أيهم يفتحها أولا ..تكون الغلبة لـ ( + ) الذي يسرع إلى فتحها متلهفا )
( + ): (ينفجر ضحكا)..بصل.. بصل
( X ): (متوجسا)..ماذا تقصد ؟
( – ): (ينفجر ضحكا)..ألم أقل لك..إن الأسماك رحلت ؟
( + ): صدقا.. هذا يوم غريب.. أشبه بأيام ألف ليلة وليلة
( X ): (يضرب رأسه بكفيه مجهشا) تبخرت الآفاق
( 0 ): (يدخل مسرعا غاضبا) أما زلتم على حالكم ..لقد سئم الناس طول الانتظار ..وضاقت عليهم أنفاسهم ..
( + ): (يخرج من الشبكة أحذية متفردة مختلفة الأحجام والألوان والمقاييس)..خذ.. ها هي أسماكك ..
( – ): هنيئا مريئا
( 0 ): (تنتابه نوبـــة غضـــب شديدة)..غير معقول ؟!..أتستهــزؤون بي؟! (ينظر إلى ( X )).. ماذا يحدث هنا ؟!..هل أصابكم مس من الجن أم لعبت بكم سكرة عابرة ؟!
( X ): حدث ما كنت أخشاه..
( 0 ): مستحيل..
( X ): ألم أقل لك .. إنهما خيار شؤم؟
( 0 ): (مذهولا)..أتقصد أن البراثن ستغرقنا (يمسك بعنقه لا شعوريا)
( X ): (متحسرا..يكاد لا يقوى على الحديث) لا محالة ..لا محالة
( 0 ): ورهاننا مع الذين تركانهم ينتظرون في البلدة ؟
( X ): ضاع كل شيء ..لا وجه ولا صورة
( 0 ): (ينظر إلى صاحبه نظر المغشي عليه من الموت) ..كارثة ..كارثة
( + ): (ينتفض)..رهان ؟!
( X ): كانت رؤيا ونحن صدقنا الرؤيا
( 0 ): (يجتهد كي يتمالك نفسه)..الآن تقول رؤيا ..بعد أن زلزلت الأرض ..وأطبقت السماء عليها.
( + ): (غير مصدق يصرخ ) ..أكانت آفاقنا ..وجه أو صورة ..أكانت آفاقنا رؤيا ..
( – ): (يستشاط غضبا)..لقد بلغ السيل مداه.. ( يخرج الأحذيـــة من الشبكـــة ثم يقوم برميها على ( 0 ) و( X ) بكلّ قوّة).. ما عادت تهمني لا الأسماك .. لا الآفاق ولا الناس ..اغربا عنا أيها الملعونان ..
( + ): ( يتأمل ما يحدث أمامه في أسى )..لأجل هذا.. لمثل هذين لن تعرف البلدة غدا أفضل
( يسرع ( 0 ) و ( X ) في الهرب وهما يحتميان ببعضهما من الأحذية المتطايرة التي يلاحقهما بها ( – ) )
( + ): (يجلس القرفصاء عابثا بالحبل ..يرسل نظرات هائمة إلى عمق البحيرة ..ثم يتنهد في حرقة) اللهمَّ إني أستودعكَ هذا المكان وما فيه ومَن فيه..
تخفت الإنارة حتى تسود العتمة فوق ( + )..
فوق الجسر ثم فوق البحيرة.
ستارة