حصريا.. الكاتب السوري أحمد اسماعيل اسماعيل يكتب: سلسلة “مملكة المسرح”.. (14) ـ التراجيديا مأساة لمواساة المتفرج!
المسرح نيوز ـ القاهرة| مسرح طفل
ـ
أحمد اسماعيل اسماعيل
كاتب وناقد مسرحي سوري
من يرى مصائب الآخرين تهن عليه مصيبته.
لا بد أن نتذكر هذا المثل الشعبي الدارج ونحن نطلع على موضوع التراجيديا.
فقبل أكثر من قرنين ونصف القرن، تاريخ ولادة المسرح في اليونان القديمة، انبثق عن الاحتفالات الدينية الإغريقية نوع مسرحي جديد عُرِف باسم: التراجيديا، ويعود أصل هذه الكلمة التي تعني المأساة، إلى التراجيديات أو الاحتفالات التي كانت تحييها فرقة غنائية يرتدي أفرادها جلود الماعز.
عُني هذا النوع المسرحي بتقديم حكايات وأحداث مأساوية وقعت لشخصيات رفيعة المستوى، جُلُّها من الملوك والأبطال وأنصاف الآلهة، فكانت مشاهدتها على المسرح وهي تعاني أشد المعاناة، تبعث في نفس المتفرج مشاعر الشفقة عليها، والخوف من غدر الزمن، وبهذين الشعورين كان قلب المتفرج يتطهر من الهموم والأفكار الضارة، عُرف هذا الفعل أو الأثر النفسي باسم الكاثارسيس.
كتب للتراجيديا وأسس لها في بداية نشوئها من القرن الخامس قبل الميلاد كتاب كبار أمثال: أسخيلوس الذي ترك لنا العديد من المسرحيات: كالضارعات والفرس ومسرحيات أخرى، فاستحق أن يكون الأبَ الحقيقي للدراما، ثم جاء بعده سوفوكليس الذي كتب العديد من المسرحيات التراجيدية مثل: إلكترا، وأتيجونا، وأوديب في كولونا، واُعتبرت مسرحيته الرائعة “أوديب ملكاً” النصَّ المسرحيَّ التراجيدي النموذج الذي سار على منواله كتاب التراجيديا زمناً طويلاً، أما ثالث المؤسسين الكبار لهذا الفن فكان الكاتب يوربيدس الذي كتب بدوره عديداً من النصوص المسرحية، لم يحفظ لنا الزمن منها سوى ثماني عَشرَةَ مسرحية فقط، أشهرها: هيبوليتس، وألكترا، وميديا.. وغيرها.
استخلص الكتّاب الذين جاؤوا من بعد هؤلاء المؤسسين أصولاً معينة في كتابتهم للتراجيديا، فالتزموا بها فيما كتبوه من نصوص، ومن أهم هذه القواعد والأصول:
-أن تكون شخصيات المسرحية فاضلة ومن أصحاب المكانة الرفيعة: ملكاً أو بطلاً أو إلهاً أو نصفَ إله، كأغاممنون أو هرقل أو أخيل.
– أن يكون الحوار في المسرحية مؤلفاً من الشعر، وخال من الألفاظ النابية.
-أن تلتزم بالوحدات الثلاث: الزمان. والمكان. والموضوع. فزمن المسرحية يجب ألا يتجاوز يوماً واحداً، وكذلك بالنسبة لمكانِ الأحداث، كأن يكون قَصْراً. أو ساحة حرب. أما الموضوع فالقصد منه هو الاقتصار على موضوع واحد لا يتعداه إلى موضوع آخر أو عقدةٍ أخرى.
-منح القضاء والقدر الدور الأساسي في المسرحية والمحرك للأحداث. فهو الذي يُوقع الشخصيات في المأساة، لسبب مجهول، أو عقاباً لها على ما أصابها من غرور، باعتبار هذه الآفة مرضاً أو لعنةً تجلب الويلات لأصحابها وكل من يحيط بها.
التزم الكتاب بهذه الشروط زمناً طويلاً، مع بعض التغيرات البسيطة، وخاصة في القرن السادسَ عَشَرَ، عُرف توجههم بالكلاسيكية الحديثة، إلى أن جاء شكسبير الذي كان أول من تمرد على قواعد الكلاسيكية فلم يلتزم بها في كل ما كتبه من نصوص مسرحية.
يتبع