مقالات ودراسات
د. ميادة الباجلان تكتب: مبدعون من بلادي.. “جاسم محمد صالح”.. عاشق الكتابة للأطفال.
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات
ـ
بقلم: د. ميادة الباجلان ـ الموصل
يُعدّ الأديب (جاسم محمد صالح) من اهمّ كتاب العراق والوطن العربي في مجال الكتابة في أدب الاطفال : ( القصة والرواية والمسرحية ) والذي تميّز بعشقه الصادق لفنّ المسرح , وقد حظيت أعماله بالعديد من الجوائز المحلية والعربية والعالمية , اذ سعى الكاتب لتعزيز واغناء ثقافة الاطفال عبر كتاباته المتنوعة في ثقافة الطفل من خلال فلسفة تربوية يحملها كهدف انساني ووطني , وقد تجاوزت خبرته في هذا المجال أكثر من خمسين عاما كان فيها مبدعا للأطفال وكاتبا متميزا في مجالات القصة والرواية والمسرح والدراسة حيث ترجمت كتاباته الى اكثر من تسع لغات عالمية لروحها الانساية ودرست في اكثر من عشرين دراسة اكاديمية في الجامعات العربية والعالمية , لهذا جاز لنا ان نعتبره وبكل جدارة ( مفخرة العراق في ادب الاطفال)
لدى الفنان الأديب( جاسم محمد صالح ) الكثير من الدراسات الأكاديمية المعمقة في ادب وثقافة الأطفال داخل وخارج العراق فقد تجاوزت مؤلفاته الابداعية اكثر من تسعين كتابا وثلاثين نصا مسرحيا , وحمل على أكتافه هموم واقع الاطفال في العراق وعبّر عن حاجاتهم النفسية بسبب الظروف التي عاشها الطفل العراقي وواقعه الثقافي والتربوي والبيئي . أعتمد أديب الأطفال( جاسم محمد صالح) في مجمل كتاباته على استلهام الأدب العربي الأصيل , من قصص وحكايات ومورثات اسطورية وحكائية واستلهم من خلالها معاناة الواقع وإرهاصاته , وتمكن من خلال المعالجة الدرامية للأحداث والشخوص فيها من تصوير البيئة والاستفادة من كلّ ما موجود في الحياة والتراث وألاديان في خصوصية فنية من أجل تأصيل وتطوير خصوصية (فنّ الكتابة للأطفال) , وهو باعماله القيمة هذه تمكّن من ان يحقق الإندهاش والمتعة والفائدة , إذ تجسّدت كتاباته برؤية شاعرية جميلة ساحرة , من خلال تثوير الأفكار وتفجيرها والوصول الى الغايات والأهداف وتفعيل الخطاب الجمالي , وتحقيق الهدف المطلوب منها .
أمتاز الكاتب ( جاسم محمد صالح ) بحسن اختياراته لأدوات السرد في جميع كتاباته بأسلوب جميل وسلس في التنويعات الدلالية المتتابعة في انسجام وترابط واقناع في محاولة منه لاقناع المتلقي( الطفل) والتأثير فيه وجذبه واستدراج مشاعرهم للأحداث , اذ استطاع هذا الكاتب المتميز في كتاباته من أن يحقق المعادل الموضوعي لصراع الاضداد تستوعب وعقلية الطفل ويستلهم من خلالها دروسا وعبرا بأسلوب شيّق , لذا نرى في أغلب أعماله تاكيده المستمر والواضح على طرح ثنائيات الخير والشر, والحق والباطل , الصادق والكاذب , الماضي والحاضر, الشعبي والواقعي , وفي الوقت نفسه مازج باسلوب ذكي وبارع بين الواقعية والخيالية وبين التقليدية الكلاسيكية وبين الحداثوية و(البرشتية) وغيرها من الاساليب والتجارب الفنية , ليدغدغ من خلال تلك المزاوجة مشاعر المتلقي ( الطفل ) ممتزجا مع الهدف التربوي والتعليمي والوطني , والتي تشكّل جانبا للبيئة الصحيحة والدوافع النبيلة الصادقة في انتصار الخير على الشر وإظهار الحق واستنطق أبعادها التعبيرية والجمالية .
وظّف الكاتب (جاسم محمد صالح) في كتابته قيما فكرية وتربوية وانسانية وجعل المتلقي( الطفل ) من خلال خطاباته التوعوية في بيئة جمالية للحدث الدرامي , ليصنع من الطفل عنصرا مشاركا ومتفاعلا للخطاب الموجه اليه , بأبعاد ودلالات لها التناص المباشر وبلغة سهلة وممتعة مراعية مستواه الثقافي , وقاموسه اللغوي والتي تُسهم في تنمية مهاراته , ويحاكي دوافعه وإحساسه وخياله الخصب , ويستدعي استجابة سريعة للمتلقي(الطفل) تلبّي حاجته المعرفية والتربوية والترفيهية , وتنشط ذاكرته وتحثه على اكتشاف المعنى والحلول السليمة لتؤثث لحياة جديدة في النموّ والرقي والتطور , كما في نصوصه : ( اصدقاء الشمس , البطة البيضاء , ملكة الشمس , سقوط الملك شهريار, حكاية الفتى لبيب , بيت للجميع … الخ ) والتي ظهر فيها جليا صراع الخير مع الشرّ… وكذلك في غيرها من القصص والحكايات والمسرحيات والروايات .
لقد ركّز ( جاسم محمد صالح ) على الاهتمام بالجانب الفني بجميع مجالاته وذلك لعدم وجود وعي وإدراك كامل بأهميته في هذا المجال وأمسى تعليم الفن في المدارس مجرد درس يتمّ تلقينه فقط , وأصبح التركيز فيه على الجوانب العلمية في التعليم دون الجانب الفني , لذا غاب الجمال بكافة جوانبه عن العملية التعليمية , والذي أثّر سلبا – إذا ما كنا صادقين – في توجهاتنا وسعينا وعدم الاستسلام والوصول إلى الأهداف ,
ولذلك كان ( جاسم محمد صالح ) بقول لنا بشكل غير مباشر : لزاما على من يقوم بفعل المسرح أن ينتقي مضامين نصوصه على وفق ميول الطفل المتلقي ، وبحسب المرحلة العمرية التي ينتمي لها ، مع مراعاة فروق البيئات الثقافية التي قَدِموا منها، وهذا يتطلب منهم امتلاك معارف ( نفسية واجتماعية ) ، فضلا على اطلاعهم على الواقع الذي أسهم في انتاج الطفل ، ليسهل التعرف على اهتماماته والتعامل معه .
يسعى(جاسم محمد صالح) الى ابتكار اشكال جديدة في الخطاب الموجه للأطفال ليصل الى حالة الإبداع والرقي ويجعل من المتلقي ( الطفل ) يستمتع ويتذوق بفطرته الجمال وفق مهاراته البسيطة ولحياة أفضل وأجمل من الطبيعي أن نعتمد ما هو متداول ومألوف لدى الطفل, ولكن لا بأس من اللجوء إلى ما هو غير مألوف في سياق مقنع ومبرر, ويضيف(جاسم محمد صالح) حين نكتب النصّ المسرحي الموجه للأطفال نعتمد أولا على كل ما هو مطروح في خارطة تقبله وثقافته ووعيه الإدراكي وبيئته وفق ما يصبو إليه الكاتب من فكرة النصّ , وقد تكون الفكرة واسعة تحتاج إلى مداخلات كثيرة يصعب تحقيقها من خلال الأفق الإدراكي للطفل , ويمكن تحقيق ذلك من خلال الاستعانة ببعض الأمور غير المألوفة في الشخصيات حوارا , وأسلوبا , وفكرة لكي يضع المؤلف النصّ في سياق التقبل من عقلية الطفل ومقبولية معرفته , وتبرير ذلك هو تحقيق الغاية التي يصبو لها الكاتب لتحقيقها بأسلوب مقنع ومقبول , لأنّ فنّ الإقناع يحتاج إلى أفق خيالي واسع وأساليب مبتكرة في تحقيق الوصول إليها والابداعي للمنجز الأدبي والمعرفي الرائع . ولا ننسى دور التقنيات البصرية الحديثة في عروض مسرح الاطفال , حيث أكد الكاتب( جاسم محمد صالح)
أن للتقنيات المسرحية دورا كبيرا ومهما في عملية إسناد النص ونجاح تقديمه وتقريبه كليا من عالم الطفولة , بل وتحببه كثيرا إليه , حيث يضاف الصوت والإضاءة لسينوغرافيا العرض إلى إبداع المخرج , وأداء الممثل للشخصيات ( الإنسانية المؤنسنة , والحيوانية , والنباتية , والجمادية , والفانتازية) في تحقيق الصورة المتألقة الجاذبة لفكرة النصّ المسرحي , فالمؤلف المتميز يسطّر فكرته على الورق والمخرج السينوغرافي المبدع يحركها على خشبة المسرح , وفي نفس الوقت تتمّ الاستعانة بكلّ التقنيات الحديثة لتعزيز وإسناد الفكرة العامة للنصّ المسرحي , لهذا أصبح لزاما على المخرج المبدع أن يكون ملمّا بكل المفردات الدعم التقني لكي يستفيد منها استفادة كاملة تحقيقا لإبراز النصّ المسرحي بأجمل حلّة وأكثر قربا وإقناعا من مخيلة المتلقي( الطفل) وعقله وخياله المعرفي وصولا إلى عطاءات إخراجية مذهلة جاذبة ومشوقة .
هكذا نرى الابداع الفني الادبي والجمالي في قصص وروايات كاتب الطفولة ( جاسم محمد صالح) فهي حصيلة السنوات الطويلة من النتاج الفكري والعلمي , نأمل المزيد من النصوص التي تتلاءم وواقعنا العربي المعاصر ومسايرة جميع التطورات والاحداث الحاصلة للنهوض بواقع الطفل وبناء انسان قادر على الابداع والعطاء والخير والحب .