نص “مسرحية الطريق إلى الطابق الثامن” .. تأليف الكاتب: عمار سيف
المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص
مسرحية
الطريق الى الطابق الثامن
تأليف: عمار سيف
الناصرية / 2017
الفيس بوك : عمار سيف
الشخصيات
العجوز
الفتاة
الرجل
الصوت
صوت الزوجة
صوت الزوج
المنظر :
صالة فندق من الدرجة الأولى ، حركة لناس يخرجون ويدخلون واخرون يقفون امام الريسبشن الموجود في احدى زوايا المسرح ، موسيقى هادئة مثلما في كل الفنادق الراقية ، تمتزج مع أصوات الهواتف النقالة مع بعض اللغط الذي نسمعه في المحادثات العادية ، نشاهد دخول رجل عجوز من الباب الرئيسي ، يسير بخطى بطيئة مرتبكة ، ترتسم على ملامح وجه علامات الخوف والرهبة ، ينظر الى ما حوله بحذر غير عادي ، مما يؤدي ذلك الى اصطدامه بفتاة شابة مسرعة في خطواتها ، فتسقط حقيبتها على الأرض ، تنحني لالتقاطها وهي تقول.
الفتاة : أنا اسفة
العجوز : لا ابنتي انا الذي كانَ عليه ان يتأسفَ ، لقد كنتُ ..
الفتاة : ( مبتسمة ) مبهورا ؟
العجوز : نعم، مبهورا بما حولي من عجبٍ
الفتاة : كل هذا الذي تراه من حولك ليس إلا زرق وورق.
العجوز : ولكنهُ يشبه الخيالَ
الفتاة : ربما يشبه بعضً من الخيالِ ولكنهُ ليس بالخيالِ ، صدقني ، إنك تقول هذا ربما
لأنك لم تشاهد مثل هذه الأماكن من قبل .
العجوز : ومن اينَ لي أن ارى مثلها ، لقد قضيتُ حياتي كلها بعيدا عن المدينةِ واضوائِها،
وعندما دخلتُ الى هنا .. انتابني شعورٌ بأنني ابتعدُ عن ارضِ الوطنِ ، وكأنني
في سفرةٍ خارجَ الوطنِ
الفتاة : اطمئن يا عم ، انتَ لازلتَ داخلَ الوطنِ ، ولكن ما بينَ الداخلِ والخارجِ ثمة دائما
اختلافُ، وعلى كل حالٍ ، يكفي ان تخطوَ خطوةً او خطوتانِ حتى تعتادَ على كل
هذا الذي من حولك .
العجوز : لأولِ مرةٍ ادخلُ مثلَ هذهِ الأماكن ، لذلكَ اَجدُ نفسي تائها ، والتائهٌ يا ابنتي مثلُ
الاعمى لا يستطيعُ ان يستدلَ على المكانِ بسهولةٍ .
الفتاة : شعورٌ انتابنا جميعا عندما دخلنا الى هنا لأولِ مرةٍ ، ولكن من حسنِ حظنا ، ان
الظروفَ منحتنا أشياءً قبلَ ان تمنحَكَ إياها للأسفِ ، علماً أنك أكبرُ من الجميعِ
سِنناً ، ويفترضُ ان يكونَ الوضعُ معكوساً ، ولكن لا تهتمَ كثيرا، فما عليك إلا ان
تسمي بالرحمن ، وسترى ان كلَ شيءٍ سيسيرُ على ما يرام .
العجوز : اشعرُ انني اسيرُ على زجاجٍ مصقولٍ ، واخشى ان تخونني قدماي واسقطُ واصبحُ
عرضةً لضحكِ الجميع .
الفتاة : لا تخفْ ، كلُ شيء سيهون ، وستعتادُ عليه صدقني ، والآن اسمحي لي
بالانصرافِ فأنا في عجلةٍ من أمري .
العجوز : اللهُ معكِ ( ينظر لها كيف تسير وهي واثقة من نفسها ، واذا برجل يمر من قربه
يحمل حقيبة بيده ) أيها السيد المحترم .. أيها .. ( الرجل يلتفت نحوه ) .
الرجل : ( بهدوء ) هل تتكلمُ معي يا عم !!
العجوز : نعم يا ابني
الرجل : تفضل .
العجوز : حقيقة انا محرجٌ قليلا .. ولا اعرفُ ماذا أقول …
الرجل : هل تحتاجُ الى مساعدةٍ ، اقصدُ بعضَ .. ( يقول هذه الكلمات وهو يمد يده الى جيبه )
العجوز : لا عفو، انا لستُ شحاذاً وانما كنتُ اريد فقط ان اسألَكَ سؤالاً .
الرجل : تفضل.
العجوز : كيفَ يمكنني الصعودَ الى الطابقِ الثامنِ ؟
الرجل : ليسَ هناكَ ما هو اسهلُ من ذلكَ ، عليكَ ان تختارَ بينَ المصعدِ والسلالمِ ، ولكن
رجلاً في عمركِ من الأفضلِ له ان يأخذَ المصعدَ .
العجوز : نعم ، فقد منعني الطبيبُ من صعودِ السلالمِ وخاصةً العالية .
الرجل : وهذا سببٌ آخر لأن تأخذَ المصعدَ وتتركَ السلالمَ لهواةِ الرياضةِ ( يضحك ) .
العجوز : المصعد، نعم .. ولكن ما هو المصعد وكيف السبيل اليه؟ .
الرجل : ( الرجل مستمراً في مزاحه ) المصعدُ يا عم ، مثلُ السيارةِ ، ولكن الاختلافَ بينهما ،
أن السيارةَ تمشي في الشوارعِ بشكلً افقي وبإمكانها أن تدورَ وتسرعَ وترجعَ
ويقودها سائقٌ ، في حين أن المصعدَ يسيرُ بشكلٍ عمودي ، بلا سائقٍ ولا هم
يحزنون ، أي يصعدُ من الأسفلِ إلى الأعلى وبالعكسِ ، ويتوقفُ وينزلُ منه
الركابُ او يصعدوا فيه مثلَ السيارةِ تماما ، ولكن بينَ الحيطانِ وليس في الشوارعِ ،
وكلُ هذا يحدثُ بواسطةِ زرٍ تضغط عليه ؟
العجوز : ( ينظر للرجلِ دونَ ان يتفوهَ بكلمةٍ واحدهٍ ) .
الرجل : والمصعدُ يا عم .. اشبهُ بصندوقٍ حديدي يسيرُ بواسطةِ الكهرباء .
العجوز : وكيفَ يمكن لي أن ….
الرجل : تقصدُ أن تركبَ فيه ؟
العجوز : نعم .؟
الرجل : بسيطة ، انا سأصعدُ الى الطابقٍ العاشرِ وحتما سيمرُ المصعدُ بالطابقِ الثامنِ،
فتعالَ معي .
( يقول هذا الكلام وهو يسير باتجاه المصعد، فيتبعه العجوز وهو مندهشٌ من كل
ما يحدث له ، حتى يخرجان تماما من المسرح . ظلام فيتغير المشهد ، نسمع
موسيقى نهاية المشهد و يفضل ان تكون أصوات صعود وهبوط وفتح باب
المصعد ، الذي نشاهده في المشهد التالي في وسط المسرح وهو عبارة عن علبة
زجاجية مستطيلة تؤطر أطرافها الاربعة قضبان حديدية ، في واجهته بابين في وسط
اعلاهما شارة ضوئية تشير الى ارقام الطوابق ، خلفة شاشة سينما بيضاء يمكن
استخدامها من حين لآخر لرؤية ما يحدث داخل المصعد من احداث او لروي بعض
المقاطع الحوارية سينمائيا . عند دخول الرجل والعجوز نشاهد الفتاة الشابة التي
اصطدم بها العجوز في مدخل الفندق ، تقف امام المصعد وهي تنتظر )
العجوز : ( العجوز يدخل خلف الرجل يشاهد الفتاة الشابة ، فيبادرها الكلام) انت ستأخذين
المصعدَ ايضا ؟
الفتاة : نعم ، فمن يريد ان يصعدَ الى فوقِ وبشكلٍ سريعٍ من دونِ تعبٍ ومجهود ، عليه
أن يأخذَ المصعدَ ، وإلا ستقطعُ السلالمُ نفسهَ …
الرجل : يبدو انكما تعرفانِ بعضكما
الفتاة : نعم ، اصطدمنا ببعضنا عندَ المدخلِ ، والحمدُ للهِ جاءت النتائجُ سليمةٌ ( تضحك )
الرجل : اصطدمتما ببعضكما ؟!
العجوز : نعم، اصطدمتُ بها عندَ مدخلِ الفندقِ .
الفتاة : ( مبتسمة ) الذنبُ ذنبي أيضا ، كنتُ مسرعةً زيادةً عن اللزومِ .
(في هذه الاثناء يفتح باب المصعد).
الرجل : والآن أصعدى في المصعدِ قبلَ ان يطلبه أحدٌ غيرنا ، ونبقى ننتظرُ طويلا ..
تفضلا ارجوكما.
( يصعدُ الرجلُ وهو ممسكٌ بيد العجوز ثم تلتحق بهما الفتاة بحيث تكون قريبة
من ازرار المصعد ) .
الرجل : من فضلِكَ الطابقُ العاشر .
الفتاة : وانتَ يا عم قلتَ لي إنك تنوي الصعودَ إلى الطابقِ … (تحاول ان تتذكر)
العجوز : ولدي قالَ لي انهُ يسكنُ بالطابقِ الثامنِ .
الفتاة : نعم، في الطابقِ الثامنِ
العجوز : ( بفضول ) وحضرتك الى أي طابقٍ ستصعدينَ
الفتاة : رغمَ اني على موعدٍ في الطابقِ العاشرِ أيضا لكن لم يحنِ موعدهُ ، لذلكَ سأذهبُ
إلى أقربِ طابقٍ الى السماءِ .
الرجل : يعني الطابق الذي فيه الديسكو؟
الفتاة : نعم لديسكو.
العجوز : ما هو هذا الديسـ …كو
الرجل : انه مكانٌ للترفيهِ ، يفضفض فيهِ الشبابُ عن همومِهم بالرقصِ والغناءِ ضاربينَ
الحياةَ عرضَ الحائطِ .
الفتاة : افهمُ من كلامِكَ انكَ لا تحبُ ان يتمتعَ الشبابُ بقليلٍ من الحياةِ ..؟
الرجل : ابدا وانما تصرفاتهم هذه الأيام ، تجاوزت حدودَ المعقولِ ، لم يعد يبالون بكل
شيءٍ ، في الشارعِ يقودونَ سياراتِهم بجنونٍ ، غيرَ مبالينِ بإشارات المرورِ
ونظامِ السيرِ، وفي الأماكنِ العامةِ لا يحترمونَ الكبارَ والا الصغارَ، وفي
الجامعاتِ لا يحترمون اساتذتَهم ، وأربعة وعشرون ساعةً وهم يتحدثونَ
بهواتفهِم النقالة او يستمعونَ الى الموسيقى ، بحيث لم نعد نستطيعُ الكلامَ
معهم او إليهم ، وهَمَهم الوحيدُ الخروجُ من البيتِ والتهربُ من الواجباتِ ،
والانشغالُ بما لا فائدةَ منهُ .
الفتاة : هذا كلامٌ عام في حين ان الحياةَ كلُ شيءٍ فيها يكادُ يكون نسبياً ، وحتما ان
غضَبكَ هذا على نوعِ من أنواع الشبابِ وليس كلهم .
الرجل : نعم، انتَ على حقٍ .
الفتاة : هناكَ دائما الجيد والسيءُ ، وهناك من يجمعُ الاثنين معا في شخصهِ ، ولهذا ليس من
الصح ان تعممَ كلامكَ على الجميعِ ، فأنا مثلاٌ خريجةٌ جامعيةٌ وكنتُ من الأوائلِ على
دفعتي ، ومع ذلك لحدِ الآنَ لم أجد مكاناً لنفسي في هذا المجتمعِ الذي لم يعد يبالي
بنا، وكلما تقدمتُ في طلب وظيفةِ كلما ازدادت خيباتُ أملى ، وهكذا دواليك من خيبةٍ
الى أخرى ، ومن انتكاسةٍ لأخرى .. وهذا الوضعُ ينطبقُ على الكثيرينِ من أبناءِ
جيلي ، باستثناءِ أولئك الذينَ لديهم من يساعدهم
( عند هذه الكلمات يتوقف المصعد فجأة وتطفأ الأضواء )
العجوز : ماذا حصل ..؟
الرجل : عطلٌ في السيارةِ التي نركبها أو في التيار الكهربائي ، وهذا يعني أن السيارةَ
توقفتْ ، ولكن بينَ الحيطانِ وليسَ في الشارعِ كي يستطيعَ المارةُ دفعهاَ
وتشغيلها
الفتاة : وهذا يعني لا نستطيعُ الخروجَ ولا الدخولَ ، ولا الصعودَ ولا النزولَ ، وسنبقى
هنا في مكاننا حتى يعودَ التيارُ الكهربائي .
العجوز : واذا لمَ يُعد ؟
الفتاة : سنظلُ محجوزينَ هنا حتى يحينَ الحينُ .
الرجل : ( مازحا ) وهكذا لا يبقى لا ديسكو ولا هم يحزنون.
الفتاة : وهكذا تكون قد انتصرتَ لنفسك من الشبابِ .
الرجل : ( متدارك ) عفوا كنتُ امزح فقط ،
( الفتاة لا تجيب ، فترة من الزمن نرى الأشخاص الثلاثة الموجودين في المصعد على
سطح الشاشة البيضاء التي خلف المصعد ، وهم ينتظرون بنوع من القلق )
الرجل : اعتقد انهم تأخروا في استخدام الكهرباء البديلة
(الإضاءة تعود الى المصعد لكن بدون ان يتحرك )
العجوز : الضوءُ عادَ ، الحمدُ لله
الرجل : نعم لكن المصعدَ لم يتحرك بعد .
الفتاة : ربما سوفَ يتحرك بعدَ قليل .
العجوز : حاولي ان تضغطي على الزرِ ثانيةً كما فعلت منذُ قليل .
الرجل : لا يحتاجُ ان تضغطَ ثانيةً ، ما علينا إلا ان ننتظرَ قليلا .
الفتاة : كل ما اتمناه ان لا يكونَ العطلُ في المصعدِ نفسه .
الرجل : هذا ما اتمناه أيضا. ( يقول هذه الكلمات بنوع من القلق والتوتر )
العجوز : اراكَ متوترا قليلا ، هل تشعرُ بضيقِ بالتنفس ؟!
الرجل : أتمنى ان لا نموتَ اختناقا .
العجوز : لا سامحَ اللهُ ، ما هذا الكلامُ ؟
الفتاة : ( مبتسمة ) لا تستمعْ الى كلامه يا عم ، انهُ يحبُ المزاحَ ، ويبدو انهُ متشائمٌ اكثر
من اللزوم ، سيصلحونَ المصعدَ وكلٌ منا سيذهبُ في طريقه .
الرجل : املُ ذلك ؟
الفتاة : وهل تشكُ بذلك.
الرجل : كلُ شيءِ جائزٌ في هذا البلدِ .
الفتاة : صحيح ، ولكن ليسَ إلى حدِ أن يتركوا ثلاثةَ اشخاصٍ يموتونَ بمصعد فندق من
الدرجةِ الراقية
العجوز : لماذا صرتما تتحدثان فجأةً عن الموت وكأنَ نهايةَ العالمِ قريبةٌ ، لماذا لا تحاولانِ
ان تجدا حلا بدلا من لغةِ اليائسِ والبكاءِ .
الفتاة : عندكَ حقٌ ، يجبُ ان لا نستسلم للأمرِ ( تضرب على باب المصعد وتصرخ ) هي. هل
هنالكَ أحدٌ ، هي . لقد توقفَ بنا المصعدُ ، هل هناك من يسمعنا .. لا حياةَ لمن تنادي
الرجل : ليسَ من السهلِ سماعَ الصوتِ من خلالِ هذه العلبة الحديديةِ ، ربما انهم مشغولون
بإصلاحهِ ، أو ربما انهم فعلوها حقا.
الفتاة : ماذا تقصد ؟
الرجل : لا شيء ، فقط انني استلمت رسالةَ تهديدٍ على هاتفي النقال ، قبل ان ادخلَ الفندق .
الفتاة : رسالةُ تهديدٍ ؟
الرجل : نعم .
الفتاة : من مَن ؟!
الرجل : من مجهول ، تقولُ لي بأنك سوف لن تصلَ الى الشخصِ الذي اتيتَ لمقابلته ،
ومن الاحسن لك ان تعودُ من حيثُ اتيت ، وأن لا تدسَ انفكَ في أمورٍ لا تعنيك .
( في هذه الاثناء، نشاهد على الشاشة الخلفية ، نص رسالة التهديد وهي تبعث الى الهاتف
النقال).
الفتاة : وما هي هذهِ الأمورُ ؟
الرجل : أمورٌ خاصةٌ بمهنتي ؟.
الفتاة : وما هي مهنتُك ؟
الرجل : صحفي ، ولقد اتصلَ بي رجلٌ لديه معلوماتٌ ووثائقٌ خطيرةٌ تتعلقُ بسرقاتٍ كبيرةٍ
وصفقاتٍ ومقاولاتٍ عُقدِتْ بينَ أطرافٌ لم ترَ النورَ ، ومع ذلك فأن أصحابَها قبضوا
عمولاتِها وهرّبوا اموالَها الى الخارجِ .
الفتاة : من هو هذا الرجلُ
الرجل : رجلُ من ريفِ هذا البلدِ ، وغادر بسببِ ضغوطات الدولةِ واكملَ دراستهُ خارجَ البلدِ
والان يحملُ شهادةَ الدكتوراه
العجوز : كلُ أولاد هذا البلدِ غادرتْ بهذهِ الطريقةِ وولدي منهم .
الرجل : صدقت
الفتاة : اين هذا الرجلُ الآن ؟
الرجل : ينتظرني في كافتيريا الفندق .
الفتاة : ( باستغراب ) التي في الطابق العاشر .؟
الرجل : نعم ولِمَ الاستغراب
الفتاة : ( مع نفسها ) أيعقلُ هذا ( غير مبالية ) ولماذا لا يمنعونهُ هو من إيصالِ مثلَ هذه
المعلوماتِ ، بدلا منك؟.
الرجل : لا اعلم، ربما سيفعلونَ أيضا .
الفتاة : هل تقصدُ انهم سيقتلونهُ او يخطفونهُ ؟
الرجل : لما لا .!؟
الفتاة : ( بحزن ) أتمنى ان لا يحدثَ ذلك
الرجل : أتمنى مثلك ( يتأملها ) اراكِ حزنتي حزناً عميقاً
الفتاة : لا اعلمُ ولكن ربما لان لي شخصٌ مهم يمكثُ هناك .
الرجل : في الكافتيريا .
الفتاة : نعم .
الرجل : ( بفضول صحفي ) من يكون .؟
الفتاة : ( بثقة ) زوجي المستقبلي
الرجل : تقصدين boy friend ، جميل ، كيف تعرفتي عليه ؟
الفتاة : ( حالمة ) عرفتهُ من خلالِ الانترنيت منذُ فترةٍ طويلةِ قبل تخرجي ، واصبحنا نتنفسُ
بعضنا ، واليومُ سيكونُ لقائنا الأول ، لأنه جاءَ مع الوفدِ للمؤتمر المقامِ بهذا
الفندق وهو نزيلٌ بالطابقِ الثامنِ لكنه اخبرني بأنهُ سيحتسي القهوةَ هناك .
الرجل : بالكافتيريا .؟
الفتاة : نعم
الرجل : ربما علينا ان نخرج من هنا بأسرع وقت وإلا ستحدث كارثة في الكافتيريا وفي
المصعد في آن واحد . ولكن كيف ؟ لا بد ان نصرخ ونسمع اصواتنا للناس الذين في
الخارج
( الفتاة والرجل يلجئون للصراخ والدق على أبواب المصعد)
النجدةَ .. النجدة َ.. يا ناسُ .. يا عالمُ .. النجدةَ . انتم يا من هناك .. لقد توقفَ
بنا المصعدُ .. يا ناس .. يا عالم .. انقذونا ..
الرجل : لا حياةَ لمن تنادي . والآن ماذا علينا ان نفعل؟
الفتاة : ان نتوقفَ عن الصراخِ.. ولنصغي لا اقدامِ المارةِ ثم نبدأ بالصراخِ ..
( نشاهد في الشاشة الأشخاص الثلاثة وهم ينصتون لا أصوات المارة بوضع اذانه على
أبواب المصعد وجدرانه بطريقة مترقبة).
الرجل : هل تسمعينَ شيئا؟
الفتاة : لا .
الرجل : (الى العجوز) وانتَ ؟
العجوز : ( لا يجيب .. يلتصق بالجدران وكأنه يريد ان يحل فيها )
الفتاة : علينا ان نشغلَ انفسنَا بشيءٍ اخر وإلا سنموتُ من القلق ( توجه كلامها الى
للعجوز ) يا عم لماذا لم يزرك ابنكُ بدلا من ان تكلفَ نفسكَ عناءَ المجيءِ
والبهدلةِ الى هنا،
العجوز : ( مستغربا من السؤال المفاجئ) هه .. انني مشتاقٌ لرؤيتهِ أبني وضمهُ الى صدري
الى درجةٍ انني نسيتُ ان اطرحَ على نفسي مثلَ هذا السؤال .
الفتاة : لم يكنْ قصدي تأليبَ المواجعِ ، وإنما اردت ان نشغلَ انفسِنا بموضوع آخر ، لحين
ما يعمل المصعد من جديد ، لهذا انت ليس بمجبور على الإجابة.
العجوز : يقولُ انهُ مشغولٌ جدا بأعمالِ المؤتمرِ الذي جاءَ من اجلهِ .
الفتاة : ( باستغراب ) وهل هو هنا من اجل المؤتمر .؟
العجوز : نعم كما اخبرني
الفتاة : ( مع نفسها ) معقولة يكون …
الرجل : ( للفتاة ) أرى خيوط في بالكِ تحاولي ربطها
الفتاة : فعلا انك صحفي
الرجل : هل تعتقدي هو
الفتاة : من تقصد
الرجل : البويفرد boy friend
الفتاة : ربما لا اعلم .
الرجل : ( مازحا ) ربما نحنُ هنا لنحضرِ المؤتمر
الفتاة : عدتَ لمزاحك
الرجل : اذن اخبريني ما هذهِ الصدف . ؟ جميعنا يريد اللقاء بشخصٍ يحمل نفس الاحداث
وبنفس المكان ينتظرنا
الفتاة : فكرتُ بذلك قيلاً ، وبعد ساعتينِ سنتأكدُ ( تعود للحديث مع العجوز ) قلت لي يا
عم انهُ مشغولُ
العجوز : نعم فهو جدا مشغول
الفتاة : درجة انه لا يستطيع ان يزورَ عائلتَهُ وبيتَ طفولتهِ ؟!
العجوز : ( بحزن ) نعم، ولكنه لم يكن كذلك قبلَ رحيلهِ ، كان حنينا ، اتذكرهُ جيدا ، كيف
كانَ حزينا لحظةَ الوداعِ ، دموعهٌ تهطلُ من عينيه كالمطرِ، ينظرُ في زوايا البيتِ
بعيونٍ تائهة ، ربما لأنهُ كانَ يتحاشى النظرَ في عيني امه ، ينظرُ في ساعةِ يدهِ
بقلقٍ وشرودٍ ، وعندما وصلَ التاكسي الذي ينقلهُ الى المطارِ ، قبلَ رأسَ امِهُ
ورأسي وخطفَ حقيبتهُ سريعا وخرجَ ، خرجنا ورائَهُ وفي يدِ امَهُ طاسةً الماءِ الذي
رشتها ورائَهُ من اجلِ ان يعودَ لها سريعا ، ولكن التاكسي تحركَ سريعا ولم نر
منهُ غيرَ يدٍ فارغةِ تلوحُ لنا من بعيد ، وهكذا اختفى ابننا الوحيدُ ، ولم تبقَ لنا
سوى بعضٍ الذكريات ..
( يمكن مشاهدة شذرات الوداع هذه مثل شريطا سينمائي قديم ومتقطع ).
الفتاة : ( مع نفسها ) عجيبٌ هذهِ القصةُ روى ثلها ليلي حبيبي أيضا ( للعجوز ) ماذا حصل
بعد ذلك ..؟
العجوز : بعدَ ذلكَ انقطعتْ اخباَرهُ ، قلنا انا وامه : حتما انه مشغولٌ بدراستهِ ، حتى توفت امهُ
ولم يتمكن من رؤيتها او حضورِ جنازتها.
الفتاة : إلى هذهِ الدرجةِ ؟
العجوز : اللعنة على الحربِ ، كانت ألسنتُها مشتعلةُ ، وتصفيةُ المثقفينَ وذوي الشهاداتِ
العليا تسيرُ على قدم ٍوساقٍ ، ثم انهُ كانَ مشغولاً بإكمالِ دراستهِ التي بعنا من اجلها
الغاليَّ والنفيسَ ، ومع ذلكَ كنا فرحينَ ونحلمُ ان نراهُ عائداً من الخارجِ وهو يحملُ
شهادةَ الدكتوراه التي ستنتشلنا من بؤسنا ومن معاناتنا ، وسنفتخرُ بهِ أمام َالجميعِ
… يا لها من أفكارِ سخيفةٍ ، كلُ شيءٍ ضاعَ .. الاحياءُ، البلدُ الأبناءُ، كلُ شيء….
الرجل : نعم.. وسنضيعُ نحنُ أيضا
العجوز : الصبرَ يا بني
الرجل : يا عم ، نحنُ الآنَ معلقون بينَ السماءِ والأرضِ ، ومحصورون بينَ أربعةِ حيطانٍ ،
وليسَ هناكَ من يسمعنا أو يهتم بنا ، وانتَ تطالبني بالصبر؟!
الرجل : تسلحْ بالصبرِ انهُ مفتاحُ الفرجِ .
الرجل : اني اختنقُ ، الهواء ، الهواء، الهواء…
الفتاة : (تنهمرُ دموعها على خديها وهي تقول) الوقتُ يمرُ والهواءُ يقلُ ، افتحوا ازرارَ
القميص واخلعوا كلَ ما هو ثقيلٌ عن اجسامكم ، ولنحاولَ ان نصرخَ سويةً علهم
يسمعونا.
العجوز والفتاة : النجدةَ ، النجدةَ ، اننا نختنقُ ، هي.. انتم يامن هناكَ ، اننا نختنقُ ..
الرجل : (يفقد التحكم في تصرفاته ويبدأ بضرب المصعد بأقدامه) انني اختنقُ ، النجدة ، يا
ناس يا عالم … الرحمة .. الرحمة.. الا توجدُ عندكمُ رحمةٌ أو شفقةٌ
الفتاة : عليك ان تهدأ وان تحتفظ بالهدوء وإلا ستستنزف الهواء المتبقي لديك ( تنحني
على الرجل وتحاول ان تفك ازرار قميصه تتحدث بهمس ) تأكدت ان ابنَ هذا
الرجلِ هو الذي جنت اليه
الرجل : كيف
الفتاة : كلُ ما قالَه العمُ اخبرني اياهُ حبيبي حينَ كنا نتحدث الماسنجر
الرجل : وانا أيضا تأكدتُ انه نفس الشخصِ من خلال حديثنا ، ولكن حاولتُ ان لا اخبركم
حتى لا اقلقكم اكثَر
( العجوز يدق أبواب المصعد بيديه الواهنتين ، ويعم نوع من الهلع، تتجه الفتاة نحو
باب المصعد وهي تصرخ النجدة ، الرجل يستمر بضرب اقدامه في ارض المصعد ،
ولكن بلا فائدة )
الجميع : أين ذهبَ الجميع ، اين نزلاءَ الفندقِ ، اين اصحابَ الفندقَ ومسؤوليه ، يا ناس
يا عالم .. هيه أنتم يامن هناك ، اننا نختنق ، سوف نموت اختناقا ان لم يأتي
احدا لنجدتنا.
( يستمر الدق والصراخ وفجأة نسمع وقع اقدام قريبة ).
الفتاة : اصمتوا رجاء اسمع وقع اقدام، انها تقترب منا، لا بد أن هناك من يهرع لنجدتنا
(صوت الاقدام تقترب ، الصراخ يتعالى ، ولكن سرعان ما يختفي صوت الاقدام، ويعم
الصمت من جديد، العجوز يبدأ بتلاوة سور قرآنية)
علينا أن نفتح باب المصعد وإلا سنموت هنا دون ان يعلم أحد بموتنا
( تحاول فتح المصعد، تضرب على باب المصعد بشكل هستيري وكأنها تعاني من
سكرات الموت ) .
صوت : الهدوء رجاء، هناك عطلٌ في المصعدِ نحاولُ اصلاَحهُ ، اقتصدوا بالهواء المتبقي
لديكم قدرُ ما تستطيعون
( الكلُ يتوقفُ عن الحركةِ ، وينصت بنوعٍ من الامل ).
الصوت : حاولوا ان تتنفسوا بعمقٍ وهدوءٍ حتى نتمكنَ من حلِ المشكلةِ ، ولا داعي
للفوضى والصراخِ غيرِ المجدي ..
الفتاة : ارجوكم ان لا تتأخروا ، فمعنا رجلُ بدأ يفقدُ صوابه .
الرجل : الهواء، انني اختنقُ .. انني اموتُ .. لقد نجحوا في تهديدهم .. نجحوا من النيل
مني..
الفتاة : عليك بالصبرِ قليلا ، انهم يحاولون انقاذنا..
( الرجل يحاول ان يتنفس بصعوبة ، نسمع دقات قلب الرجل وهي تدق بشكل
متسارع، حركات ايمائية صامتة ترافقها دقات القلب التي تتسارع وتتضخم شيئا
فشيئا، العجوز يتهاوى على الأرض ببطء ).
العجوز : يبدو اني سأموتُ قبلَ ان ارى ولدي للمرةِ الأخيرةِ .
الرجل : ( بصعوبة ) كانَ الأولى بهِ أن يأتي لرؤيتك هو، ولكن …
الفتاة : ما حدثَ قد حدث ، وليسَ هناك جدوى من وراءِ هذا الكلامِ الآن .
الرجل : نعم، مثلما تقولينَ ، ليس هناك جدوى من وراءِ هذا الكلامِ الآن.
العجوز : ( يتكلم بصعوبة وحسرة ) لم ارهُ منذُ اكثر من عشرين عاماً ، كيف صارَ هو
الآن ، لم اعد أتذكرُ ملامَحهُ جيدا
الرجل : ( للفتاة ) ملامحهُ جميلةُ اليسَ كذلك
الفتاة : ( بصمت تهز راسها بالنعم )
العجوز : هل تزوجَ ، وصارَ لي احفادٌ مثل سائرَ البشر
الرجل : ( مبتسماً ) قريبا سيتحققُ مرادُكَ
الفتاة : ( تفرع راسها للسماء بطريقة دعاء )
العجوز : إنه لم يُخبرنا شيئاً عن حياتهِ ، والله لا اعرفُ عنهُ شيءً
الرجل : اخبري العم اوجعني بكلامه
الفتاة : ( تنظر للعجوز بحزن هامسة لا يسمعها ) سيخبرك قريباً
العجوز : حتى الرسائلُ القليلةٌ التي كانت تصل منه من حين لآخر، كانت غامضة ،
خالية من التفاصيل .
الفتاة : كان خائفاً عليكم كما تعلم كانوا يقرأون الرسائلَ قبلَ وصلها
الرجل : الم اقل لكم انهم يفكرونَ بطريقةٍ مختلفةٍ ، وكأنهم اغرابٌ عنا .
الفتاة : ليسَ كلهم.
الرجل : اغلبهم.
الفتاة : (بنوع من التعاطف) الغائبُ عذرهُ معهُ دائما (تلتفت الى العجوز) ولكن عندما تراه
بعدَ قليلٍ ، حتما سيشرحُ لكَ كلَ شيءٍ وبالتفاصيلِ المملةِ .
العجوز : هل تعتقدينَ ذلكَ . ؟!
الفتاة : نعم، ستراهُ وتعانقهُ وتشبعُ من شمِ رائحتهِ ، علينا فقط ان نتسلحَ بالأملِ ، من
دون املٍ لا نستطيعُ مقاومةَ خيباتنا ومشاكلنا .
الرجل : مؤامرةٌ ، انهم ينونَ القضاءَ عليّ قبلَ ان اصلَ إلى الرجلِ الذي في حوزتهِ
الحقيقة ِوالدلالَ .
الفتاة : أية حقيقةٍ ، وأيةُ دلائلَ ؟
الرجل : الحقيقةُ والدلائلُ التي يجبُ ان يعرفها الجميع .
الفتاة : وحقيقتنا نحن ؟ الم تفكرْ بها قليلا .
الرجل : انا اعلمُ أن كلَ ما يجري لكما الان بسببي ، انني اعتذرُ لكما ، وارجوا ان
تسامحاني قبلَ ان اموتَ ، لا اريدُ ان اذهبَ الى القبرِ وانا احمل ذنبيكما معي ،
آه .. انني اختنقُ.. أختنقْ ..
( في هذه الاثناء نسمع صوت قهقهات ضحك يتعالى شيئا فشيئا، تتجه نحو مصدر
الضحك وهي تضرب على جدران المصعد)
الفتاة : هي انتم يامن تقهقهونَ على مصيبتنا ، ألم يبقَ في قلوبكم قليلٌ من الرحمةِ ، ألا
يكفيكم الدمارُ الذي تسببتم بهِ للبلدِ ؟، لقد كنا فوقَ وها نحنُ قد صرنا في اسفلِ
السلمِ ، ماذا تريدونَ منا بالضبط ؟، ماذا تريدونَ من البلدِ؟ لقد نهبتموه ، دمرتموها،
شردتم وجوعتم ناسَه الكرامَ ، قتلتم كبريائَهم وعزةَ نفسنهم ، لقد اصبحنا
فرجة ًللأخرينَ ، اضحوكةً يتندرُ فيها الجميعُ
(الضحك والقهقهات تعالى مرافقة مناشدات الفتاة التي تصبح هي أيضا هستيرية
وبكائية في نفس الوقت)
الا يكفيكم ما حدثَ لنا ولأهلِنا الطيبينَ ، اننا نختنقُ ، نموتُ، في ظلمةِ هذا المصعدِ ،
اذا كنتم تنونَ قلتانا حقا فأعملوا بدلا من هذا العذابِ البطيءِ الذي لا يرحمُ .. ارجوكم
.. لا اريدُ ان اموت بهذه الطريقة السخيفة
( تحس بالإعياء والاختناق فتنهار وتسقط ارضا).
الرجل : كنتُ أتوقعُ رسائلهم مجردَ لعبٍ وتخويفٍ .
العجوز : مثل هؤلاءِ الناسِ يا ولديِ لا يمزحونَ ، لقد جاءوا من اجلِ هذا، جاءوا من اجل
قتلنا وانهائنا الواحدَ تلو الاخرَ .
الفتاة : ماذا فعلنا لهم حتى يتلذذوا بموتنا بهذه الطريقة؟
الرجل : لماَ آخذ تهديداتهم على محملِ من الجد، نعم .. لم اصدقهم، توقعتُ انهم يمزحونَ ،
يلعبونً ، يتسلونَ بمشاعرِ الغيرِ، لكنني تيقنتُ الآن انهم ماضونَ في مشروعهم
المرعب، ( يصرخ، ويلتصق في احد اطراف الباب الزجاجي) أيها الاوغادُ ، أيتها
الوحوشُ الكاسرة ، من أي عتمةٍ وكهفٍ خرجتم لنا، الا تكفيكم سرقةُ البلدِ
ونهبهِ، لقد حولتموه الى خرابٍ ، وجعلتم من ناسهِ مشروعَ موتٍ مؤبد
(يتحرك العجوز ويلتصق بدوره في الطراف الأخر من الباب ، يردد ما يقوله
الرجل بصوت منخفض مسموع ، بنوع من التفاوت، فيصبح ما يقوله مثل صدى
لكلامه)، لكن صدقوني انكم سوف لن تنجحوا، ولم تتحقق احلامك وغاياتكم
البائسة، لأننا سوف لن نموت بسهولة( بهذه الجملة تلتحق بهم الفتاة وتقف
في الوسط منهم، فيصبحون مثل ثلاثي في مواجهة الخطر المجهول، وهم
يرددون سوية مع الرجل كلماته، وكأنهم جوقة إغريقية، ولا بأس ان يصاحب
ذلك موسيقى كخلفية لما سيقولون)، لأننا سوف لن نموت بسهولة، حتى ولو
قتلتم وشردتم نصف البلد، حتى وان نهبتم كل ثرواته، حتى لو جعلتم من
ناسه اكثر فقرا في العالم، حتى ولو اقتلعتم كل نخيله، سيورد النخل من
جديد، وينتفض، ويشب ويكبر، ويصير شاهقا كعادته، وسيطالبكم بدمائنا التي
سفكت فوق سطوح الشوارع، وفي البيوت، والمعامل، والمزارع، وباحات
المدارس، وفي كل مكان .. سيحاسبكم على كلما اقترفتم من جرائم، وسينتصر
لأحلامنا، لأننا شعب لا يموت بسهولة، خلفنا تاريخ يهتف بأسمائنا، وحضارات
تضرب جذورها في أديم الأرض وزمانها سوف تقلق مضاجعكُم ، الا تتعظوا
من أولئك الذينَ سبقوكم، الم تتعلموا منهُم الدرسَ ، اين هم الان ؟ ستكون
نهايتكم مثلهم، صفحةً سوداءَ مطوية في مزبلةِ التاريخِ الذي لا يرحمُ . فاللهُ ..
يمهلُ ولا يهملُ ونحنُ أبنائهُ الطيبون ، عبدتهُ المخلصونُ ، يمهلُ ولا يهملُ..
يمهلُ ولا يهملُ ..(عند هذه الكلمات توقف القهقات والضحك وبعد فترة من
الصمت).
العجوز : يبدو ان كلامنا اغضبهم فسكتوا.
الرجل : بودي لو استطيعُ الآنَ قلعَ عيونهم من محاجرها، وافئدتهم من بينَ ضلوعهم،
ومع ذلك لم يشفى لي غليل.
العجوز : بهذهِ الطريقةِ تصبح مثلهم، قاتلاً وجزاراً.
الفتاة : العينً بالعينِ والبادئُ اظلمٌ .
الرجل : ماذا تريدني أن افعلَ ؟ ان اسكتَ .. أن اتركهم يسرقونَ وينهبونَ ويقتلونَ اولادنا
واظلُ مثل متفرجٍ بائسٍ لا حولَ لهُ ولا قوةَ، يشاهدهم كيف يلعقونَ دمائهم
بشراهة. (صمت). صدقوني .. لم اكن هكذا من قبلُ ، انا نفسي متفاجئ من
نفسي، صرتُ لا اعرفُ كيفَ تخرجَ كلماتي من فمي، كنتُ دائما اكتبُ عن
الحياةِ ، اتغنى بها، ابثُ الاملَ والمحبةَ في صفوفِ الناسِ من خلالِ كتاباتي
الصحفيةِ ، انظروا، لقد غيروا كلَ شيءٍ الأرضَ والسماءَ وقوانينها، حولوا كلَ
شيءٍ إلى أشلاءِ ، فكيفَ تريد من مفرداتي ، وافكاري أن لا تتغيرَ.. حوروا
جملي الشفافةَ ، بعدما البسوها ارديةً من دمٍ احمرَ امتزجَ بقيرِ
الشوارع ِوالارصفة ِالمهدمةِ ، أينما اذهبُ او اجيء اتعثرُ بهم وبسياراتهم
المفخخةِ واحزمتهم الناسفةِ والعبواتِ المتفجرةِ التي لا تريدُ ان تنتهي او توقف،
لقد قتلوا احلامنا، قتلوا بصيصَ الاملِ الذي كنا نراهُ في عمقِ النفقِ الذي زجونا
عنوةً فيه، كيف تريدني ان اسكتَ عن هذا الخرابِ الذي لا يرحمُ .
الفتاة : قتلوا الحياةَ فينا، قتلوا الأشجارَ، والمآذنَ، واعالي الكنائس، قتلوا النساءَ والأطفالَ
والشيوخَ ، لم نعدْ نسمعُ سوى عويلِ النساءِ والاباءِ على أبناءِ ذهبوا الى المدارس
والجامعاتِ ولم يعودوا، لا أجراسَ تقرعُ، ولا مآذنَ إلا لكي تنبأ بالموتِ القادمِ ،
أصبحنا مثل جثثٍ مربكةٍ ، مؤقتهٍ ، لا تعرفُ متى تدفنُ ولا بأي طريقةٍ ستموتُ ،
ومع ذلكَ تحاولُ ان تعيشَ ولكن لا تعرفُ الى أيِّ مدى أو أي وقتٍ ؟ انها لا تعرف.
صارت حياتُنا مثلَ أحلامٍ قصيرةٍ سرعان ما تتلاشى وتصبحُ مثل قطراتٍ من ندى ..
(العجوز يبدأ بالنحيب)
العجوز : ما كنتُ اطمحُ إليهِ في البدايةِ ، هو ان أرى ولدي واقبله قبلَ ان اموتَ ..
(يستمر في البكاء الفتاة والرجل يحاولان مواساته) لكنني الآنَ لا اندبُ حظي العاثرَ،
ولا ابكي على عدمِ رؤيةِ ابني ، وإنما ابكي البلدَ واحوالهُ الناسَ المساكينَ الذين
لم يعد يعرفوا راسهَم من رجليهم ، لقد تحولَ كلَ شيء جميل الى تراب، رمادٍ،
وذكرياتٍ أليمةٍ ، لم نعد نحبُ بعضنا البعضَ ، عملوا كلَ شيءٍ من اجلِ زرعِ
الفرقةِ بيننا ، لم يعد المسلمُ مسلمٌ واحد وإنما عدةُ مسلمينَ ، لم يسلم من
بطشهم لا المسيحينَ ولا الصابئةَ المندائين ولا حتى اليزيدين الذين يعيشونَ في
أعلى الجبالِ ، لقد امتدت اياديهم الى كلِ مكانِ . يا خسارة، كلَ شيءٍ صارَ في
هذا البلدِ مثل رمالٍ متحركة تخافُ وضعَ قدميك عليها.
الرجل : لا تبك يا عم ، كلُ شيء سيعودُ الى مكانهِ ، فقد علمنا التاريخُ دروسا لا يمكن
نسيانها ، أولها: لا يمكن للظلم ان يستمرَ، ولا يمكن للظالمِ ان يبقى متربعا فوقَ
عرشٍ من جماجمَ للأبرياء ، ولا يمكن للشعبِ ان يبقى مستسلما طويلا، فلكل
شيء حد وحدود ..
الفتاة والرجل : كلُ شيءٍ لهُ حدٌ وحدودٌ
(يرددون هذه العبارة مرتين ثم ينظم اليهما العجوز وكأنهم يخاطبون
الصوت الذي لم نعد نسمعه وانما نسمع صوت المذياع الذي يفتح ويغلق
من حين لأخر، وكأنه يتنصت عليهم ) لكل شيء له حد وحدود ..
وعندما نموت سنموت كالأشجار الواقفة مثل شاهدت قبر تفتخر
بميتها.
( في هذه الاثناء نسمع أصوات قادمة من خارج المصعد )
صوت امرأة : هل تسمع ؟
صوت رجل : نعم .. يبدو ان هناك أشخاصً توقفَ فيهم المصعدُ .
الرجل والفتاة والعجوز : (وهم يدقون على جدران المصعد) النجدةَ .. النجدةَ .. افتحوا
المصعدَ .. فنحنُ نختنقُ هنا ، وإن بقينا أكثر سنموتَ حتما ..
النجدة ..
صوت المرأة والرجل : اهدأوا ارجوكم سنفعلُ كلَ ما في وسعنا، سننادي على المسؤولينَ ،
ومصلحَ المصعدِ .. وننادي على الناسِ كي يساعدونا ..
الرجل : ارجوكما ان لا تذهبا .. ابقيا بالقربِ منا قليلا .. لا تتركانا في هذا المحنةِ
لوحدنا..
صوت الرجل : ابدا.. سوف لن نترككم ولا لحظةً واحدة، زوجتي تتصلُ الان بالمسؤولين،
وسوف تتصل أيضا بأصدقائنا لكي يهبوا للمساعدةِ ..
الصوت : أيها السيدُ والسيدة المحترمان .. ابتعدا عن المصعدِ .. اذهبا في حالِ سبيلكما
وإلا افسدتم علينا شغلنا. منذ فترةٍ طويلةٍ ونحن نحاولُ ان نحلَ المشكلةَ ..
فالرجاء ثم الرجاء ان تتركا المعنين بالأمرِ ان يقوموا بعملهم.
صوت الرجل والمرأة : هل تسمعون، انهم يحاولون ..
الرجل الفتاة العجوز : انهم يكذبونَ .. لا تصدقانهما .. هم الذين قطعوا التيارَ الكهربائي
عن واوقفوا المصعدَ ..
(أصوات تتعالى من كل مكان، فتعم الفوضى تطفأ الأضواء وتشتعل بطريقة متقطعة)
الرجل : ما هذا الصراخُ والعويلُ .. ماذا يحدثُ في الخارجِ ..
صوت الرجل : وجدوا رجلا مقتولا في كافتيريا الطابقِ العاشر
الرجل : ( بهستيريا ) هم الذي قتلوه .. يا للأسف .. لقد قتلوه ، القتلةُ .. الاوغادُ ..
الوحوشُ
صوت الرجل : هل تعرفه ؟
الرجل : نعم .. كنت على موعد معه لكي يسلمني بعضَ الوثائق والصور عن مقاولات
وصفقات أموالٍ كبيرةٍ ، وقبلَ ان اصلَ اليه عملوا على سجني بينَ الحيطانِ
وقالوا ان المصعدَ أصابهُ عطلٌ .. لقد قتلوه. مثلما يحاولونَ قتلي أيضا ، اللعنة
عليكم
صوت الرجل والمرأة : النجدةَ .. النجدةَ .. يا ناس يا عالم .. تعالوا ساعدونا لكي نصلحَ
عطلَ المصعدِ .. يا ناس يا عالم
( وهنا تمتزج أصوات الزوج والزوجة مع أصوات الرجل والفتاة والعجوز معا
وهي تنادي)
يا ناس يا عالم ..تعالوا لمساعدتنا من اجل اصلاح العطل، تعالوا نتكاتف من
اجل اصلاح الوطن.. تعالوا لكي نكونَ كتلةً واحدةً لمحاربة الظلم والظلاميين.
يا ناس يا عالم .. يا ناس يا عالم ..
انتهت المسرحية
الناصرية – 2017