عرض عبر فعاليات مهرجان بغداد الدولي للمسرح في درته الثالثة..العرض المسرحي “ميت مات ” انثروبولوجيا تدعو لإنهاء وثنية قراصنة المقدس الديني
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
بغداد| ذوالفقار البلداوي
تتصف اغلب نصوص الكاتب العراقي ” علي عبد النبي الزيدي ” بأنها تغور بدراسة الانسان السايكلوجية والثقافية الفكرية والسلوكية ، ومن اهم هذه الاعمال المسرحية “ميت مات ” التي عرضت في #مهرجان_بغداد_الدولي_للمسرح٣ والتي تعد اول تجربة اخراجية ” للزيدي” واكثر النصوص صوفية . فمن يشاهد العرض عليه ان يتوضأ بالصلح مع ذاته ويتجرد من اصنامه الموروثة ويسترخي مع صوفية الخطاب المسرحي الذي تبناه العرض .
فقد استطاع الصوفي “علي الزيدي” من صناعة سينوغرافيا بسيطة جميلة عميقة القصد ذات مفردات محدودة لايصال مكانية القصد الصوفي فالمبخرة ونوع البخور المستخدم والسجاد ذو النقش الإسلامي وحتى التيبل لامب المستخدم فهو بديل ناجح للشمع ، فهذه العلامات الطقسية تحيلنا لتأثيث مكان طاهر يفترضه العرض لمناقشة فكرة عجز اوثان قراصنة القابس الديني الذي توارثته الاجيال تحت تأثير افيونية الدين ليستطيع الصوفي علي الزيدي ايقاف مفعول الافيون المخدر بخلطة البخور المستخدمة بالعرض بقصدية عرض حقيقة ( غودو ) و ( مولاي) وعجزهما من خلاصنا والسخرية من سذاجتنا بوجع فالزيدي الصوفي يثبط رأي “أبو القاسم الجنيد” وهو احد المتصوفة الذي يعرف التصوف بانه ( التصوف هو أن تكون مع الله تعالى بلا علاقة ) أي بلا علاقة تربطك بالخلق فتكون مع الله مباشرة ولله وحده وهذه ثيمة رائعة .
وهذا الطرح الصوفي جاء بصورة اخرى مشابهة من خلال الفلم الهندي بي كي ( PK) وتعني «الشخص السكران»، هُو فيلم كوميدي ساخر من إخراج راجكومار هيراني، و كتابة هيراني وأبهيجات جوشي . فمسرحية ( ميت مات ) لا تقارن بفلم (pk ) او مسرحية ( انتظار غودوا ) لان الصوفي (علي الزيدي ) تجلى بنصه وعرضه وصحح ما طرح بالتجارب الأخرى بل تعتبر الريادة اليوم للزيدي فمسرحياته ومنها مسرحية (ميت مات) لا تمت بصلة لمسرح اللامعقول بل هو تاسيس حداثوي لمدرسة جديدة نحتها الزيدي فمسرح الزيدي يعتني جدا باللغة وصياغتها وتكثيف معناها
و كذلك مسرح الزيدي يهتم كثيرا بزمكانية العرض فهو يفترض مكان معلوم على سبيل المثال ( مسرحية يارب / المكان الوادي المقدس ، مسرحية ابن الخايبة / المكان بيت تجاوز ، مسرحية ميت مات / مكان عبادة معلوم ) اما الزمان فهو معلوم مفترض وغير مهمش فهو لحضات التجلي مع الذات وهذا زمن معلوم . حتى التكرار في أعمال الزيدي لم تاتي لصناعة الملل او لعجز الكلمة او إثارة الكوميديا بل هي لتأكيد الألم وإثارة الوجع والسخرية منه للتخلص من الجرع الافيونية التي تعاطاها المجتمع المتلقي تحت تأثير( الله يعمينا اذا تفكر هيج ) أعمال المتصوف الزيدي تحفزنا لمعرفة الله اكثر والتقرب منه والاتصال به مباشرة بلا وسيط وهي تفسر ما جاء به تعريف أحمد بن عجيبة للصوفية ( مقام الإسلام يُعبّر عنه بالشريعة، ومقام الإيمان بالطريقة، ومقام الإحسان بالحقيقة. فالشريعة: تكليف الظواهر.
والطريقة: تصفية الضمائر. والحقيقة: شهود الحق في تجليات المظاهر. فالشريعة أن تعبده، والطريقة أن تقصده، والحقيقة أن تشهده) هذا يحفزنا اكثر ان نغور بعرض ( ميت مات ) ونضيء ثيمته الفكرية الحداثوية واشتغالاته التي ابتكرها واعتمدها باسلوب واعي للأداء التمثيلي الذي يحمل ايقاع متناغما مع النص وثيمته فهي مراهنة تستحق المقامرة ان تضع طيلة العرض شخصيتين ساكنتين بالحركة راقصتين بالايقاع وتخلق من المتلقي متحركا فهي لعبة مسرحية فريدة من نوعها لم يفعلها الا الزيدي وهي تضاف لتأسيس مسرحه الصوفي الخاص فقد تجلى الممثلين بادائهما وتميزا بادواتهما ( الجسد والصوت ) مبتكرين أداء مبهر تفاعل الجمهور معه وصفق كثيرا . شكرا للمبدع العراقي العربي الصوفي “علي عبد النبي الزيدي ” لهذا الإحسان شكرا لادارة #مهرجان_بغداد_الدولي_للمسرح٣
ذوالفقار البلداوي ٢٦ تشرين الأول ٢٠٢٢