نوار البابلية نص مسرحي للكاتبة العراقية: سحر الشامي
المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص
ـ
أنوار البابلية
تأليف
سحر الشامي
(فاز هذا النص بالمركز الثالث في مهرجان شبكة أبابيل الدولي عام ٢٠٢١)
شخوص المسرحية:
الملك (الملك نبوخذ نصر)
المستشار
كبير الكهان
كبيرة الكاهنات
كاهن(1)
كاهن(2)
كاهن(3)
جوقة لإداء الترانيم والرقصات
رجال يمثلون حاشية الملك
نساء ورجال بمثلون سكان مدينة بابل
المشهد الأول:
عرش الملك
يسمع صوت قيثارة
الفرقة: ( تبدأ بالرقص في حركات منتظمة الشكل على إيقاع القيثارة)
حاشية الملك : (يقفون عن يمينه وعن شماله يطربون للعزف والرقص)
الملك : (يجلس على العرش ويبدو مشغول البال)
المستشار : ( يقترب من الملك وينظر إليه بحيرة ويهز رأسه أسفا)
إظلام
المشهد الثاني
غرفة الملك
الملك: (يقطع الغرفة ذهاباً وإياباً 0 يحدث نفسه) كيف؟ كيف أعجز عن تفسير مايحدث ..(بصوت عال) أنا نبوخذ نصر قائد الجيوش الجرارة، خضت معارك ضارية، واستوليت على بلدان بعيدة، قاتلت في حران والجزيرة، مثلما قاتلت في فلسطين ومصر، ووقفت على شواطئ قورينا، واغتسلت بمياه البحر المتوسط، واستنشقت نسيم البحار.. (يتوقف) أنا نبوخذنصر، ملك بابل العظيم، الحاكم العزيز المفضل لدى الإله مردوخ محبوب الإله نابو صاحب الفطنة والذكاء، أنا الأبن البكر لنبوبلاصر الذي جعل مردوخ رأسه شامخا وأعطاه حكم الناس القاطنين في الأقاليم القصية (يركع نحو تمثال مردوخ) سيدي مردوخ! يا عظيم الآلهة، يا جبار! تنفيذا لأمركم الإلهي بنيت مدينة الآلهة، وشيدت الجدران، جددت المخدع، وأكملت المعبد، وبناءا على أمرك السامي الذي لا يُخالف، ووصّلت بنفسي الأوتاد الخشبية (يهز يديه) بيدي هاتين، كل ذلك من أجل أن تبقى قائما خالدا على مر العصور. (صمت ثم يكمل) هلا تخرجني من حيرتي وتدلني على بغيتي .. لاأريد لقاءا عابراً ينتهي بسؤالي عن سبب حزنها، بل أريدها بقربي دائماً.. (حائراً) سأجن إن لم أحض بها..
المستشار: (باهتمام) مولاي الملك ما الذي حل بك يا مولاي؟ فقد طار عقلي من رأسي هذا الصباح حين خطوت نحو باب المعبد عائدا الى قصرك، وقد تراجعت الى الوراء قليلا ..
الملك: (مقاطعا غير مبال) ومايعني ذلك !؟
المستشار:(بصبر) لا يعني شيئاً لولا أنك وضعت يدك على صدرك صاحبت ذلك انحناءة واضحة… وكلمات فضحت ملكة الشعر المدفونة داخلك.
الملك: (وجها لوجه) هل شاهد الجميع ماشاهدته أنت !؟
المستشار: (بسخرية) لقد شاهدك كل من له لب! شاهدك مرافقوك المدججون بالحراب والسيوف، وهذا ما أثار استغرابهم ، فكيف لملك عظيم مثلك ينحني بتواضع؟ عذرا على جرأتي يا مولاي.
الملك 🙁 يشعر بالحرج ثم يلملم شتات نفسه فيبادر) ربما أنت لا تعلم ايها المستشار أنني أعيش في محنة كبيرة منذ سنوات، حدثت لي بعد أن تزوجت أنا من أميديا..
المستشار: آمل أن تقول لي أيها الملك العظيم شيئا مما حل بك، فلربما أشرت أنا عليك ببعض الأفكار التي قد تساهم في تقديم حلاً للمحنة التي تعيش فيها أنت يا مولاي.
الملك:(دون تردد) إني ومنذ سنوات أطارد إمرأة
المستشار: إمرأة!؟
الملك : نعم إمرأة..
أنوار البابلية 🙁 تظهر مثل شبح)
الملك: (بلهفة) قاسمت جميع نساء الدنيا بجمالها، فهي حلوة المبسم ، لها شفتان رفيعتان رقيقتان يزدان بهما وجهها الجميل. مثلما يزدان بعينيها الساحرتين حين تتدلى عليها خصلات من شعرها الحريري، تخرج أمامي في مكان ما وفي وقت ما دون سابق إنذار..
أنوار البابلية : (تقترب بثوبها الطويل وشعرها المنساب من خلف وشاحها)
الملك : وعند ظهورها يشتغل العقل والقلب وجميع الحواس بها وتنقطع عني كل صلة بالمكان الذي اضع قدمي عليه.. وأنسى عرشي وعظمتي وجيوشي وانتصاراتي فأنحني لها إجلالا
الملك : ( ينحني ويقبل يدها)
المستشار: (يتراجع من هول الصدمة) .. لأنها تأخذني إلى عالم من السحر والجمال
الملك وانوار البابلية : ( تتشابك أيديهما ويدوران مرات عدة)
الملك : إنها نصري الحقيقي.. ولن أهدأ الى أن أظفر بها في يوم من الأيام
المستشار :(بقلق) أين رأيت تلك المرأة يا مولاي المعظم ؟
الملك : (لازال برفقة أنوار البابلية شابكا كفيه على كفيها) تلك المرأة ! تلك المرأة أراها في كل يوم وليلة،تارة تقف أمامي، وتارة ترسل لي ابتسامة عذبة تسلب اللب مني، ولكني أحياناً حين أقترب منها.. (بحماس) تفر مسرعة من بين يدي، وأظل الاحقها ببصري، بينما تقف هي تحت ظل شجرة من جنائني المعلقة، وأحيانا أشاهدها كاشفة عن ساقيها الممتلئين تحت شلال ماء صهريج متدفق من أعلى مكان في تلك الحدائق، ولطالما أشرقت هي مثل نجمة مشعة حين يهبط الليل ويضم بأجنحته مدينة بابل العظيمة.. (بحزن) لقد صرت أبحر في قلق دائم ، يتسرب شيء من الخوف لنفسي..
المستشار : (يلوذ بالصمت، يقلب بيديه حائراً ثم يراقب كل حركة من حركات الملك عله يرى أنوار البابلية) من تكون هذه المرأة؟ ومن أي مدينة هي؟
الملك : (ينظر إلى أنوار البابلية بنشوة العاشق وتبادله نفس النظرة ولكن بحزن) أنا لا أعرفها ، لكنها بابلية، تظهر لي دائما مبتسمة، ثم فجأة، تتبدل إبتسامتها إلى حزن شديد..
المستشار: (باهتمام) هل تراها حين تشتاق إليها، أم تظهر في كل آن؟
الملك : أراها واقفة في شارع الموكب صباحا، وبالقرب من بوابة عشتار مساءاً، وفي أوقات بالقرب من الزقورة، وهذا يعني أنها من بابل.
المستشار: (يراقب ويفكر) وقد تكون هي قد انتقلت من مكان آخر، أليس ذلك محتملا يامولاي المعظم؟
الملك : (ينظر إلى عيني أنوار البابلية) لا أعلم، فأنا لا أعرف شيئا عنها سوى جمالها الساحر الذي استولت به على مشاعري.
المستشار: (محاولا رؤية أنوار البابلية بكل طاقته) هل هي موجودة الآن؟
الملك : (يرفع يدي أنوار البابلية) أجل، هي موجودة الآن. بقربي
المستشار: ألم تدعُ مردوخ العظيم أن يخرجك من هذه المحنة؟
الملك: بل إنني توجهت مرات عدة الى المعبد، ودعوت الإله مردوخ أن يحقق أمنيتي بلقائها، وفي أي مكان من هذا العالم الفسيح. فأنني أريد أن أحدق في عينيها الخضراوين ، مثلما أريد أن أنظر الى شفتيها، وهي تلفظ الكلمات برقة متناهية(يقف حائراً) ثم أسألها عن سبب حزنها العميق..
أنوار البابلية : (تتراجع وتهز رأسها ثم تخرج باكية)
الملك: (يحاول اللحاق بها)
انوار البابلية : ( تتلاشى )
الملك : (يشعر بغم شديد)
المستشار 🙁 وكأنه وجد الحل) ليسمح لي الملك العظيم أن أقدم اقتراحا مقبولا يمكنه الأخذ به.
الملك : تكلم..
المستشار: أنت تعلم يا مولاي أن المعبد الكبير للإله مردوخ يتعبد فيه الكثير من الكاهنات والكهان، مثلما يتعبد فيه المنجمون والمنجمات، فهؤلاء يتخذون من معابد المملكة أماكن تجارية يبيعون فيها تجارتهم على المتعبدين من سكان مدينة بابل خاصة في مواسم حصاد الغلة، وجني ثمر النخيل..
الملك :(بنفاد صبر) وكيف لا أعلم أيها المستشار.
المستشار: (مستمرا بنفس الوتيرة) وبينهم الكثير من العاملين في الزراعة يتوجهون صوب المعابد يطلبون النصح والإرشاد من المشعوذين الذين يوهمونهم بأنهم على معرفة بكل ما يريده سكان بابل من أجوبة على أسئلة تتعلق بصحة أجسادهم، أو تتعلق بما تخبئ لهم الأيام..
الملك: (مقاطعا) أسعفني بالجديد أيها المستشار فقد نفد صبري .
المستشار :(يخطو نحو الملك) الكهنة..
الملك : (متسائلا)الكهنة!؟
المستشار: (بحماس) نعم، عليك بسؤال الكهنة ..فالشك لا يتسرب من تنبؤاتهم ..
الملك : (يسير مبتسما) لابأس ، مادامت هذه الفكرة نتاج عقلك..
المستشار: (متحفزا ويسير خلف الملك بخطوات سريعة)كما يطيب لي أن أقترح على ملك بابل العظيم الذي قاد الجيوش، وأذلًَ الملوك أن يسأل عن تلك المرأة كبيرة كاهنات المعبد بالذات، وليس كبير الكهنة..
الملك : (يلتفت نحوه وباهتمام) كبيرة الكاهنات؟
المستشار: (بحزم) أجل، فالنساء يعرفن بعضهن البعض أكثر من الرجال الذين قد يجهلون مايدور في عقول النساء في الكثير من الأحيان.
الملك : (يهز رأسه)حقا؟
المستشار :حقا وصدقا يا مولاي المعظم، فالرجال يرتكبون الكثير من الأخطاء في تعاملهم مع النساء بسبب سوء الفهم.
الملك:(معلنا) تركت الأمر إليك فاستعد.
المستشار: (ينحني) أمر مولاي، أمر مولاي ( يخرج )
الملك : (يتأمل المكان الذي ظهرت منه أنوار البابلية)
إظلام
المشهد الثالث
المعبد الكبير
حشد من المنجمين والكهنة والكاهنات في المعبد الكبير
كاهن (1): (متسائلا) ترى ماالهدف الحقيقي من وراء زيارة الملك المزمعة؟
كاهن (2) : (دون أن يلتفت) اعتقد أن الملك يعد العدة للقيام بحملة عسكرية يؤدب فيها أحد المماليك لرفضه دفع الجزية.
كاهن (3) :(يتدخل) أو ربما الملك العظيم يريد أن يشق قناة عظيمة من نهر الفرات حيث الأراضي التي تقع على الضفة الغربية منه.
كاهن (1): (بحماس) لربما يريد أن يشيد قصرا جديدا، أو ربما جنائن معلقة أخرى ..
كاهن(1): (مقاطعا) أمر لا يصدق، فلم يمض الكثير على مكوثه في القصر الجنوبي الذي أعاد هو بناءه من جديد، وجعله من أكبر وأفخم قصور الدنيا قاطبة، يضاهي بفخامته بوابة عشتار التي شيدها بهندسة رائعة، لم تعرف الدنيا لها مثيلا..
الكاهن الكبير:(منزعجاً) كفى ظنونا، ولننتظر، فما هي إلا ساعات وينجلي الأمر بحضور الملك نفسه الى المعبد، وسيصرح بما يريده منا جميعا.
إظلام
المشهد الرابع
شارع الموكب
الملك : ( يطل )
طلائع موكب الملك : (يحفون به )
سكان مدينة بابل: ( يحتشدون طوال جانبي الشارع مرحبين بقدوم الملك )
رجل من بين الحشد : (يخرج 0يرفع يده هاتفا) يعيش الملك نبوخذ نصر الثاني ..
مجموعة من الناس: (مرددين) يعيش نبوخذ نصر الثاني..
الملك 🙁 يتوقف ويسير بضع خطوات وسط حشود الناس الذين يتراجعون منحنين هيبة منه0 ينظر باهتمام نحو بقعة محددة0 يصل إلى مكان محدد ويقف0 الصمت يخيم على الجميع. كأن على رؤوسهم الطير)
الملك : (ينحني ثم يبتسم) إشتقت إليك.. شعرت بوجودك قبل ظهورك.. وماأن إلتفت حتى وجدتك.. إسمحي لي أن أقبل يدك(يجلس على إحدى ركبتيه ويظهر كأنه يقبل يد شخص ما. يتراجع الناس من هول الصدمة) ..آه كم أعشقك ياأنوار.. (يقف متحمساً) هل تعلمين، لقد اخترت لك إسماً مركباً مناسبا.. مارأيك بإسم (مستعرضا) أنوار البابلية!؟ مارأيك؟ أها.. إني سعيد لأنه أعجبك.. (بحزن) أجيبيني ياأنوار البابلية: ماسبب هذا الحزن الذي أرَّق مهجعي؟ كيف لا أهتم وحزنك هذا يشّرح شغاف قلبي وتتجزأ بسببه روحي أجزاءً لا أتمكن بعدها من جمعها إلا بشق الأنفس.. مم، أجيبي ياأنوار البابلية؟ (يركع على ركبتيه ويتوسل) أتوسل إليك أن تردي علي.. (يقف مستسلما حزيناً ونظره نحو مكان بعيد) هكذا.. مثل كل مرة.. أسألك عن سبب حزنك فتمتنعي عن الإجابة ثم تتلاشين.. (يعود إلى مكانه في مقدمة الموكب ويرى الحيرة على وجوه الجميع ويأمر باستئناف المسير. يخرج الموكب من الجهة الأخرى)
إظلام
المشهد الخامس
المعبد الكبير
الكهان : (ينظرون نحو الجهة الأخرى إستعداداً للقاء الملك)
صوت المنادي:(بصوت جهوري) الملك نبوخذ نصر الثاني
الملك : ( يدخل )
المستشار : (يدخل خلف الملك )
الجميع : (ينحنون للملك)
المستشار :(يتوسط الجميع معلنا) أأمر الجميع أن يصغوا إلي جيدا (يرفع صوته) على جميع المشعوذين والمنجمين الخروج من المعبد حالا، ومن يتخلف منهم سيكون مصيره الموت بسيوف الجند القاطعة.
المشعوذون والمنجمون : ( يخرجون بطريقة مضحكة 0الواحد منهم يسقط فوق الآخر من شدة تزاحمهم على أبواب المعبد)
المستشار: (يقترب من الكهنة) عذرا، ملزم خروجكم أيها الكهنة والكاهنات أيضا.
الكهنة: ( يخرجون)
المستشار: (يهمس بالقرب من كبيرة الكاهنات) غير ملزم خروجك كبيرة الكاهنات، فالمقصد من حضورنا هو أنت.
كبيرة الكاهنان : ( تتوقف )
المستشار: ( يهمس في أذنها )
كبيرة الكاهنات : (تبدو عليها الدهشة والحيرة 0 تهمس للمستشار بكلام )
المستشار : (يظهر على محياه الصدمة وتجحظ عيناه )
الملك : ( يشاهد ذلك فيبدو عليه الوجل)
الملك:(بغضب) أيها المستشار؟ماذا أخبرتك كبيرة الكاهنات ؟
المستشار: (يرتجف) قالت لي الكاهنة، أنها تعرف ما يريده الملك العظيم منها يا مولاي..
الملك :(بصوت مرتفع نحو كبيرة الكاهنات) يا كبيرة الكاهنات هلّا أخبرتني عن غاية حضوري؟
كبيرة الكاهنات: (تتوكأ على صولجانها وتقف في الوسط بشجاعة) لن تستطيع الظفر بأنوار البابلية يا ملك بابل العظيم.
الملك :(بذهول) ماذا!!؟
كبيرة الكاهنات: (بنفس الشجاعة) تلك أمنية ستموت بموتك.(تضرب بصولجانها الأرض) فالوصول الى أنوار البابلية مستحيل ثم مستحيل ثم مستحيل!
الملك : (بعد صمت وبغضب شديد) اقطعوا لسان هذه الكاهنة.
الحراس : (يطوقون كبيرة الكاهنات للقبض عليها)
الملك : ( سرعان ما يشير إليهم بالتوقف)
الحراس : ( يتوقفون )
الملك : (هامسا بأذنيها) أيتها الكاهنة تعلمين جيدا أنني من قاتل الميديين الفرس، وسقتهم أسرى كالأغنام الى بابل العظيمة
كبيرة الكاهنات: (بصلابة) أعلم يا مولاي.
الملك : والآن يسيرون أذلّاء في شارع الموكب أمام عينيك، وأمام أعين الجميع، وهم الآن عبيد عند أهل بابل، وهذا العبد الذي يقف في خدمتك (يشير إلى أحد الخدم) هو واحد منهم . -كبيرة الكاهنات: (بنفس الصلابة) أعلم يا مولاي.
الملك : وتعلمين أني أنا نبوخذنصر، أنا ملك بابل العظيم، أنا الملقب بمقيم المدن، فكم من مدينة فتحتها، وكم من ملك خضع صاغرا لي.
كبيرة الكاهنات:(بنفس الصلابة) أعلم يا مولاي.
الملك : (بحرارة) أنا الذي هزمت الفراعنة بمعركة كركميش حين قادهم ملكهم نخاو الثاني فيها، ووقت أن استنجد به الآشوريون، أنا الذي بسطت سيطرتي على تدمر وفينقيا، أنا الذي هدَّ أسوار مملكة عسقلان، أنا الذي اقتحم مدينة أُورشليم وجعل ملكها مسبيا.
كبيرة الكاهنات: (بنفس الصلابة)أعلم يا مولاي.
نبوخذ نصر:وتعلمين أيضاً أني قمت بتنصب إبنه “صدقيا” ملكا عليها، ولكنه حين عصاني، ورفض دفع الجزية لمملكة بابل سبيته هو وحشدا من سكانها، وهم الآن عبيدا في بابل.
كبيرة الكاهنات: (بنفس الصلابة) أعلم يامولاي.
الملك 🙁 يدور حولها) عليك أن تسألي نفسك من بنى الزقورة، ومن شيد الجنائن المعلقة، ورفع الماء إلى سطوحها لتنعم سيدات البلاط بظلال الشجر، وبرود النسيم حين يحل الصيف على بابل العظيمة، (مفتخرا) أنا الذي رصع باب عشتار بالحجر الأزرق ..
كبيرة الكاهنات: (تضحك بصوت مرتفع ثم بهمس) تقصد ذلك الباب الذي سيزين مدينة برلين بعد أن يسطو عليه لصوص الغرب، وينقلونه من بلاد الرافدين الى بلاد الآريين؟
الملك : ما الذي تقولينه!؟00 أسمعيني ثانية؟
كبيرة الكاهنات: (تلوذ بالصمت)
الملك : (يعود إلى موضوعه السابق) أبعد كل هذا وغيره كيف تريدينني لا أصل الى أنوار البابلية؟ هل عميت بصيرتك، وخفَّ عقلك، أيتها الكاهنة الغبية!00 (متوعداً) عليك أن تثقي أن أنوار ستكون هنا في بابل، وستعيش في بابل، ولن يستطيع أحد أن يحرمها من رؤية عظمة مدينة بابل، ومن رؤيتي، فأنا وهي، على أكثر الظن ، ولدنا في هذه المدينة، وتعانقت روحي وروحها في سماء العشق الأبدي.
كبيرة الكاهنات: (بنفاد صبر) أيها الملك العظيم ! يا مقيم المدن! لم أقصد الحط من قيمة انجازاتك العظيمة، ولم أرد أن أصفك بالعجز، ولكن مقصد كلامي عصي عليك.
الملك : (بغضب) لا يعصى علي أمر.
كبيرة الكاهنات:(مترددة) إنَّ أنوار البابلية لم..(صمت)
الملك: أكملي؟
كبيرة الكاهنات: (تضرب بصولجانها الأرض) لم تولد بعد.
الملك : (يتراجع مذهولا) ماذا!؟.. ماذا تقصدين!؟
كبيرة الكاهنات: (بسخرية) ألم أقل أنَّ القضية عصية عليك؟
الملك: (بأمر) تكلمي بوضوح.
كبيرة الكاهنات: (تسير بضع خطوات وتتوقف) نعم، أنوار البابلية، لم تولد بعد وتفصلك عنها مسافة زمنية مقدارها أكثر من ألفين وست مائة سنة
الملك :(بنفس الذهول)كيف يكون ذلك؟ وكيف أجدها إذن؟
كبيرة الكاهنات: عذرا فلست أنا من كيّف الكيف وأيّن الأين ! ولو كانت المسافة أرضية لما توانيت أنت عن قطعها، ومن ثمة الظفر بأنوار البابلية الجميلة التي ستنير بجمالها مدينة بابل مدينتك هذه العظيمة كما تخيلت، ولكنها ستكون في بابل.. (تغير نبرة صوتها وتستعرض بألم وحزن) ولكن ليس بابل اليوم بل.. حين تعود أطلالا، ولا يحيط بها سور.. تجري عليها العربات، مثلما يفعل سكانها اليوم، ستكون بابل مدينة لا يهابها أحد، ولا يخشى سطوتها حاكم، أو ملك، ستعبث بأسوارها جيوش شتى حتى تلك التي هزمتها اليوم، وسيدوسون على بلاطك العظيم بأقدامهم القذرة، وهو البلاط الذي لم يدس عليه فاتح في زمنك وزمن أجدادك، أولئك وحوش المال سيصلون لها من بلاد قصية، ويعبرون في طريقهم إليها بحارا ومحيطات، وقت أن يخذلك أهلها ويخذلونها، وحين يرقص البعض منهم فرحا ساعة احتلالها..
الملك : ( يمسك رأسه بيديه مرعوبا مما يسمعه)
كبيرة الكاهنات: حقيق أنك ترى أنوار البابلية بيقظتك ومنامك، ولكنك لن تصل إليها، فهي لا تزال في رحم الزمان، وفي القادم من الأيام، ولن تولد إلا حين يحل الخراب جنائنك المعلقة، ووقت أن تدوس عليها عجلات الأعداء، وتحوم عليها غربان السياسة، وساعة أن تضام فيها أنوار البابلية الحبيبة التي لم تولد بعد!
الملك : (يهمس) واويلتاه..
كبيرة الكاهنات: (تقترب منه وبألم عميق) وأعلم أيها الملك العظيم أن هناك رجال كثر يأمرون بعدم مقاومة المحتلين الغاصبين خوفا على مصالحهم، فيغدو الشعب مغلوبا على أمره بين ليلة وضحاها، لا يستطيع لنفسه نفعا بل ضرا، فكلما تعالى صوته بالرفض يقابل بالموت والنفي والتغييب.
الملك 🙁 يضع كفيه على أذنيه محاولا عدم سماع كلام كبيرة الكاهنات)
كبيرة الكاهنات : (تقترب منه أكثر وتصر على إسماعه0 تصرخ في اذنه )
كل هذا سيحدث يا ملك بابل العظيم، كل هذا الذي يحز بالنفس، ويدمي القلب ستشهده مملكتك، وبلادك التي سيحكمها من صيرتهم عبيدا ممن يدورون في طرقات بابل اليوم، سيكون هؤلاء العبيد هم من ينصب الحكام، وهناك آخرون من عبيد المال والمناصب يجرون خلفهم.
الملك : (يسقط جالسا على الأرض)
كبيرة الكاهنات : أنا أعرف أن حديثي هذا سيهز مشاعرك، ويثير غضبك، خاصة حين تكون حبيبتك أنوار البابلية تعيش في فترة حكمهم المظلمة، أنا أعلم أن ذلك سيصعب عليك، سيقض مضجعك، ويزيد همك، حين أقول لك مثلما تقول لي النجوم إن حبيبتك أنوار سترى الظلم بعينها، يحرمونها لذة العيش، ويعرضونها لسوء معاملة، تسقط على إثرها حملها وهو في شهوره الأخيرة، ستقول لي إنك ستبني لها أربعا من الجنائن المعلقة، وبعدد فصول السنة، مثلما بنيت لزوجتك أميديا الميدية الجنائن الحالية، ولكن هذا سيكون عليك جد متعذر، ولا يمكنك تحقيقه لها.
الملك : (بعد تفكير) الآن علمت سبب حزن أنوار البابلية..
كبيرة الكاهنات: (بأسف) إنه حزن بابل الذي قد لا ينتهي.
الملك :(صارخا بأعلى صوت): لاااا (يتردد صدى صوته ويرتفع صوت جهوري مجهول)
الصوت الجهوري المجهول: إنها ذات الصرخة التي أطلقها من قبل جلجامش، ملك سومر العظيم في مدينة أوروك، حين رأى الدود يتساقط من أنف صديقه أنكيدو في اليوم السابع من وفاته، حيث عز على جلجامش دفنه.
النهاية